التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
ضرورة وجود الخالق الازلي
المؤلف: محمد حسن آل ياسين
المصدر: أصول الدين
الجزء والصفحة: ص17-30
4-08-2015
1530
البحث في وجود إله خالق مدبر للكون، و عن ادلة وجود هذا الاله الخالق، بحث قديم مغرق في القدم الى آماده البعيدة النائية، و ان اختلفت أشكاله على مر العصور، و تفاوتت أساليبه، و تغايرت أدلته و براهينه.
و الانسان- منذ
اصبح انسانا واعيا شاعرا- مجبول على حب التطلع الى ما وراء الغيب، و مفطور على
الرغبة في معرفة مبادي الأشياء و غاياتها و فهم حقائق كل شيء منها. من أين جاء؟ و
كيف صار؟ و الى اين سينتهي به الطواف؟
و تحت تأثير هذه
الفطرة و الجبلة تطلع الانسان الى الكون و لم يتوان عن التأمل في اسراره و التعمق
في أغواره، بمقدار ما يستوعبه عقله و تفكيره في كل دور من أدواره الحضارية- على
امتداد التاريخ- و كان البحث في وجود المبدأ الاول مفيض الوجود في مقدمة تلك
الاسرار الكونية التي حاول فهمها و التأمل فيها بمقدار ما كان يملك من أدوات الفهم
و التفكير.
و لما كان ادراك
الانسان لحقائق الاشياء قد نشأ- اوّل ما نشأ- محدودا لا يتعدى دائرة حياته البسيطة
الضيقة.
ثم تطور و تقدم
على مر القرون تبعا لتطوره و تقدمه في ميادين المعرفة، فلا غرابة اذا ما رأينا
موضوع الاعتقاد بالإله الخالق الموجد للكون متطورا متدرجا بمقدار تدرج الانسان في
نموه العقلي و الفكري في تاريخ تطوره البعيد و القريب.
و لهذا نجد في
الانسان- منذ عصوره الاولى- من عبد الحيوانات أو الكواكب أو بعض الجمادات معتقدا
بأنها (ربه) الذي يحيي و يميت و يخلق و يرزق و يعطي و يمنع، و لم يكفه مجرد
العبادة لها او التصديق بربوبيتها بل جثا تحت أقدامها يقرب لها القرابين و يقدم
الاضاحي لتجلب له الخير و تدفع عنه الشر.
لقد رأى الشمس
تصنع الحياة و الدفء و النمو في الكائنات الحية، بل لا حياة بدونها، فتوهم أنها
اللّه.
و رأى القمر ينير
ظلمات الليل للمدلجين التائهين في بطون الصحارى الكالحة، فتخيل انه اللّه.
و رأى النجوم ترسل
بصيص شعاعها من أغوارها البعيدة و كأنها لغز محير يترك الفكر حائرا مشدوها، فتصور
انها اللّه.
ثم رأى- أخيرا و
ليس آخرا- بعض الحيوانات تمنحه المأكل او المشرب أو الملبس او يبدو منها ما يثير
الاعجاب من بسالة او قوة او ضخامة فاندفع الى عبادتها على اساس انها اللّه.
و هذا كله ان دل
على شيء فإنما يدل على بساطة هذا الانسان في تفكيره و سذاجة عقله، كما يدل على
ايحاء فطرته السليمة له بضرورة وجود إله أوجد هذا الكون بعد ان لم يكن.
ثم تطورت نظرته
الى هذه الامور- بفضل ارشاد الرسل و هدى الكتب السماوية- و تقدم به شعوره و
ادراكه، فعرف بفهمه الفاحص ربه الخالق الموجد {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ
هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ
الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}
[الملك: 3، 4].
ان الفطرة من أهم
مصادر معرفة الانسان بربه و ايمانه به، و قد دفعته هذه الفطرة- او وعيه الداخلي
المعبر عنه بـ «اللاشعور»- الى الاعتقاد بضرورة وجود خالق لهذا الكون، خلق
الموجودات، و ابدعها من العدم، و اودع في كل موجود منها نظامه و قانونه ليقوم
بواجبه ويؤدي الغرض الذي خلق له، بنحو دقيق و سير رتيب و نظام ثابت لا يتبدل و لا
بتغير.
وعند ما قام عدد
من الاساتذة الفرنسيين ببحث حياة الاقزام في أواسط افريقيا و جزائر الاندامان و
جزيرة مالقة و بعض اجزاء الفليبين وصلوا الى نتيجة قاطعة هي: «ان الاقزام يمثلون
أقدم طور يمكننا ان نصل إليه في التطور الجنسي للبشرية» و انهم يفوقون في البدائية
قبائل جنوب شرق آسيا.
«و لم يجد شمت و
غيره من البحاثين في عقائد تلك الجماعات اي اثر لعبادة الطبيعة او لعبادة الارواح.
أما ايمانهم بالسحر فكان أقل من ايمان قبائل تجاورهم و تتجاوزهم في التقدم و
التحضر. أما أميز عقائدهم فكانت عبادة موجود اسمى، و هذا الموجود هو الخالق و سيد
العالم».
«و يمكننا ان نقرر
ان اكتشاف قدم هذه القبائل و اكتشاف عقيدتها، انما هو اكتشاف خطير في تاريخ
الاديان، اذ انها قررت- بشكل علمي و على اساس قاطع- الصلة الكاملة بين الفطرة و
التوحيد»(1) .
و يقول المفكر الاسكتلندي
لانج: «كل انسان يحمل في نفسه (فكرة العلية) و ان هذه الفكرة كافية لتكوين العقيدة
بأن ثمة آلهة صانعة و خالقة للكون»(2) .
لقد فهم الانسان
هذه الحقيقة بفطرته البشرية، و كان دليل هذه الفطرة بسيطا كبساطتها واضحا كوضوحها،
حيث تؤمن هذه الفطرة بأن كل اثر يدل على مؤثر، و كل موجود يدل على موجد، و ان
«البعرة تدل على البعير، و اثر الاقدام يدل على المسير، أفسماء ذات أبراج و أرض
ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير».
و كمثال
على ايحاء الفطرة و سوقها الانسان الى الاعتقاد باللّه تروى هذه القصة المأثورة
التالية: حضر احد الملاحدة صباح ذات يوم مجلسا دينيا من مجالس
بغداد طالبا مناقشة من يعترض عليه في إلحاده، فارسل صاحب المجلس رسولا الى احد
المتكلمين للقيام بهذه المهمة، و انتهى الرسول الى دار ذلك «المتكلم» و أفهمه
الواقعة، فطلب من الرسول الرجوع الى صاحب المجلس و اعلامه بأنه في الاثر.
و بقي الجميع
بالانتظار ساعات طويلة كاد ان يتفرق بها المجلس، و اذ بـ «المتكلم» يدخل محيّيا و
يلتفت الى صاحب المجلس راجيا منه العذر عن التأخير غير المتوقع لأنه لم يتأخر كل
هذه المدة تماهلا أو رغبة في الراحة، بل رأى و هو في طريقه الى المجلس عجبا ملك
عليه شعوره و إحساسه، فلم ينتبه الى نفسه و موعده الا بعد وقت طويل، فجاء مسرعا
عجلا.
و لما سئل عن هذا
العجب الذي أخذ عليه مجامع عقله قال: «لما انتهيت الى ضفاف دجلة و أنا في طريقي
إليكم رأيت شجرة ضخمة تهوي الى النهر من تلقاء نفسها، ثم شاهدتها تتقطع قطعا
متشابهة متشابكة منظمة، ثم أبصرت هذه القطع تتلاقى و تتلاحم على شكل زورق، ثم سال
عليها القار و دخلت فيها المسامير فأصبحت زورقا جميلا رائعا، ثم رأيت هذا الزورق
يقف عند الضفاف من تلقاء نفسه فاذا ركب به الناس سار بلا مجذاف و لا سائق حتى يصل
بهم الى الجانب الاخر، فاذا ركب به الناس من ذلك الجانب سار بهم الى الجانب الاول،
و هكذا. و كان هذا هو العجب الذي رأيته و سبب لي التأخير».
و ما ان اتم كلامه
حتى ضحك ذلك الملحد ضحكة السخرية و الاستهزاء و قال: «اني لآسف من تضييع الوقت في
انتظار هذا الرجل الذي لم أجد في حياتي من بلغ مبلغه من السخف و الحماقة و هل يمكن
في العقل ان تسقط شجرة و تتقطع و تتلاحم و تطلى بالقار ثم تصبح زورقا ينقل الناس
من جانب الى جانب بدون وجود من يفعل ذلك؟».
فالتفت إليه
المتكلم و قال: «اذا كان وجود زورق بسيط من تلقاء نفسه امرا غير ممكن عقلا و في
نهاية الحمق و السخف، فكيف بوجود الارضين والسموات و الكواكب و الكائنات الحية من
تلقاء نفسها؟ و هل أكون أنا اشد سخفا أم انت؟».
و سكت الملحد
مطرقا برأسه و لم يجد امامه الا الاعتراف بالخطأ و الغفلة.
و هكذا تملي
الفطرة البشرية على الانسان دليل الاعتقاد، و بهذا الاسلوب البعيد عن غموض براهين
الفلسفة و مصطلحاتها و أساليبها المعقدة.
اما الفلسفة فكان
لها اسلوبها الخاص في البرهنة و الاستدلال، و للفلاسفة في هذا الموضوع جولات و
جولات انتهوا منها الى مجموعة من البراهين العقلية المنطقية التي تثبت العقيدة و
تعمق الايمان و تدحض الشبهات.
و كان من اوضح تلك
البراهين قولهم: الموجود ان كان واجبا فهو المطلوب، و الا استلزمه، لاستحالة الدور
و التسلسل.
و معنى ذلك:
ان أي شيء موجود
بالبداهة ان كان واجب الوجود فهو المطلوب، و ان كان ممكنا افتقر الى مؤثر موجود
بالبداهة، فذلك المؤثر ان كان واجبا فهو المطلوب، و ان كان ممكنا افتقر الى مؤثر
أيضا، فان كان واجبا فالمطلوب، و ان كان ممكنا تسلسل و التسلسل باطل.
و لزيادة الايضاح
قالوا:
لا شك في وجود
موجود، فذلك الموجود ان كان واجبا لذاته (اي ان الوجود ذاتي له كذاتية الحرارة
للنار) فقد حصل المطلوب، و ان كان ممكنا لذاته افتقر الى مؤثر، فذلك المؤثر ان كان
واجبا لذاته فقد حصل المرام أيضا، و ان كان ممكنا لذاته افتقر الى مؤثر، فذلك ان
كان هو نفس أثره لزم الدور، و هو محال لأنه حينئذ يتوقف كل واحد منهما على الآخر،
في حين انه يجب تقدم ذلك المؤثر على الاثر.
و ان كان ذلك
المؤثر شيئا آخر غير اثره فلا يخلو:
1- ان ينتهي الى
موجود واجب لذاته.
2- ان يتسلسل الى
غير نهاية.
و الاول يثبت به
المطلوب، و الثاني باطل.
و حيث ان كل ممكن
لا بد له من مؤثر، فهذا المؤثر:
1- اما ان يكون
نفسه.
2- او امرا داخلا
فيه.
3- او امرا خارجا
عنه.
و الاول محال، لان
المؤثر لا بد ان يكون متقدما على أثره، و لان تقدم الشيء على نفسه ممتنع عقلا.
و الثاني محال
أيضا، لان المؤثر في الشيء مؤثر في كل جزء من أجزائه، فلو كان احد اجزاء ذلك الشيء
مؤثرا في ذلك الشيء لزم ان يكون مؤثرا في نفسه و مؤثرا في ما اثر فيه و كل منهما
محال: اما الأول فلامتناع تقدم الشيء على نفسه، و أما الثاني فلاستلزامه الدور و
هو باطل.
و لما بطل القسمان
الاولان تعين الثالث، و هو ان يكون المؤثر في ذلك الشيء أمرا موجودا خارجا عن ذلك
الشيء، و الخارج عن مجموع الممكنات لا يكون ممكنا لذاته، و الا لكان داخلا في
جملتها، بل لا بد ان يكون خارجا عنه، و هو المطلوب.
و فحوى هذا
البرهان بعبارة واضحة هو: انه لما كان لهذا الكون موجد بلا شك لأنه لا يمكن ان
يوجد الشيء من العدم بنفسه، و كان هذا الموجد موجودا- بلا شك- لأنه لا يمكن ان
يكون وجود الكون مسببا من أمر عدمي، أي من موجد لا وجود له، فهذا الموجد اما ان
يكون واجب الوجود او لا؟ فان كان واجب الوجود فقد ثبت المطلوب.
و ان لم يكن واجب
الوجود فلا بد له من سبب مؤثر فيه، فان كان هذا السبب المؤثر واجب الوجود فهو
المطلوب أيضا، و ان لم يكن كذلك فلا بد له من سبب مؤثر أيضا.
و هكذا ينتهي بنا
الامر الى الجزم بوجود خالق واجب الوجود هو مصدر الوجود و مودعه في الكون و الا
لزم احد امرين:
1- التسلسل: و
معناه ان يتوقف كل موجود على موجد، وهذا الموجد على آخر يوجده، و ذلك على موجد
أيضا، و الى ما لا نهاية له، و قد ثبت في العقل ان التسلسل اللانهائي باطل لأنه لا
يوصل الى نتيجة.
2- الدور: و معناه
ان الموجد المؤثر قد خلق شيئا هو المعبر عنه بـ «الاثر» و ان يكون ذلك الاثر هو
الموجد للمؤثر فيه، و هذا واضح البطلان لأنه ينتهي الى توقف الشيء على نفسه.
و لما كان التسلسل
و الدور- كما اسلفنا- باطلين، فقد ثبت انه لا بد من الاقرار بوجود صانع موجد واجب
الوجود لذاته هو اللّه تعالى.
اما المتكلمون فقد
سلكوا طرقا اخرى في البرهنة على وجود اللّه تعالى، و اعتمدوا فيها على المنهج
العقلي الحر، بعيدا عن النقل و التقليد، و كان من جملة براهينهم قولهم:
ان الاجسام و ما
يجري مجراها حادثة، و الذي يدل على حدوثها استحالة خلوها من المعاني المتجددة، و
ما لم يخل من التجدد يجب ان يكون محدثا، فاذا ثبت حدوثها فلتقس على افعالنا يعلم
ان لها محدثا.
و منها:
العالم محدث كائن
بعد ان لم يكن، لان جميعه فيه أثر الصنعة من طول و قصر، و صغر و كبر، و زيادة و
نقصان، و تغير من حال الى حال، و استبدال ليل بنهار. و اللّه تعالى خالق ذلك و
منشؤه و مصوره و مبدؤه، لان الصنع لا بد له من صانع، و الكتاب لا بد له من كاتب، و
البناء لا بد له من بان.
و ملخص ما نستفيده
من هذه الكلمات و الادلة و ما شاكلها مما لا مجال لسرده: انه لما كان العالم بما
فيه من كائنات و جمادات و اجسام علوية و سفلية حادثا، اي مسبوقا بالعدم، و قد وجد
بعد ان لم يكن موجودا، و كانت آثار الوجود بارزة فيه من طول و قصر و زيادة و نقصان
و تغير حال و استبدال ليل بنهار و ما شاكل ذلك من الآثار الكثيرة التي تدل دلالة
واضحة على كونه حادثا وجد بعد العدم.
و لما كان التغير
و التجدد الملازم للأجسام الكونية كلها شبيها جدا بالتغير و التجدد و التبدل
الملازم لا فعالنا و حركاتنا، و كانت افعالنا الخاصة- كما نعلم و نحس- غير موجودة
من نفسها بل نوجدها نحن بأنفسنا، حيث نوجد الاكل و الشرب والحركة و الكتابة و القراءة
و ما شاكلها من اعمالنا اليومية و غير اليومية، علمنا ان هذا الكون بالأجسام
الكائنة فيه و ما يجري مجراها لا بد و ان انشأه منشئ و صوره مصور و خلقه خالق، ذلك
هو اللّه تعالى عز شأنه، لان الصنع لا بد له من صانع، و الكتاب لا بد له من كاتب،
و البناء لا بد له من بان.
______________
(1) نشأة الدين: 196- 197.
(2) المصدر نفسه:
184.