1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : السيرة النبوية : سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام :

هجرة النبي (ص)

المؤلف:  السيد جعفر مرتضى العاملي.

المصدر:  الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله

الجزء والصفحة:  ج 4، ص 179- 226

4-6-2021

2641

المؤامرة :

واجتمع أشراف قريش في دار الندوة ، ولم يتخلف منهم أحد : من بني عبد شمس ، ونوفل ، وعبد الدار ، وجمح ، وسهم ، وأسد ، ومخزوم وغيرهم ، وشرطوا : أن لا يدخل معهم تهامي ، لأن هواهم كان مع محمد «صلى الله عليه وآله» (١).

كما أنهم قد حرصوا : على أن لا يكون عليهم من الهاشميين ، أو من يتصل بهم عين أو رقيب (٢).

وتذكر الروايات : أن إبليس قد دخل معهم بصفة شيخ نجدي (٣) ، وتشاوروا فيما بينهم ما يصنعون بمحمد؟ فذكروا الحبس في الحديد ، فرأوا أن من الممكن أن يتصل بأنصاره ، ويطلقوا سراحه ، وذكروا النفي إلى بعض البلاد فرأوا أن ذلك يمكن الرسول من نشر دينه ، فاستقر رأيهم أخيرا على اقتراح أبي جهل ، أو إبليس بأن يأخذوا من كل قبيلة شابا جلدا قويا ، حسيبا في قومه ، نسيبا ، وسطا ، ويعطى كل منهم سيفا صارما ، ويدخلوا على النبي «صلى الله عليه وآله» بأسيافهم ؛ فيضربونه ضربة رجل واحد ، فيقتلونه ويتفرق دمه في القبائل ، لأن بني عبد مناف لا يقدرون على حرب قومهم جميعا ، فيضطرون إلى القبول بالدية ، فيعطونهم إياها ، وينتهي الأمر.

ومن الواضح : أنه حين يكون القاتل واحدا ومن قبيلة بعينها ، فإنه حتى لو أرادت بعض القبائل أن تتحالف مع قبيلة القاتل ضد الهاشميين ، فسوف يجد بنو هاشم أيضا من القبائل الأخرى من يتحالف معهم ، كما كان الحال بالنسبة لحلف المطيبين ، مقابل حلف لعقة الدم.

لا سيما أن المواصفات المتقدمة التي اعتبروها في الرجال العشرة ، إنما هي من أجل أن لا تفكر أية قبيلة في تسليم صاحبها ، لأنها لو سلمته فسوف يصبح الهاشميون أكثر قدرة على ضرب قريش ، مهما كانت الضربة محدودة.

كما أن هذه المواصفات التي ذكرت للقتلة ، تجعل الذين يقدمون على اقتراف تلك الجريمة أكثر ثقة وإقداما على هذا الأمر الخطير ، الذي لا يجوز التردد ولا الضعف والوهن فيه.

وعلى كل حال ، فقد أخبر الله تعالى نبيه بهذه المؤامرة عن طريق الوحي ، ونزل قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(4).

والمكر الإلهي هنا : هو التدبير السري لإفشال عمل يعزم عليه الغير. مبيت علي عليه السّلام ، وهجرة النبي صلّى الله عليه وآله :

ويقول المؤرخون : إن أولئك القوم الذين انتدبتهم قريش ، اجتمعوا على باب النبي «صلى الله عليه وآله» ، ـ وهو باب عبد المطلب على ما في بعض الروايات (5) ـ يرصدونه ، يريدون بياته.

وفيهم : الحكم بن أبي العاص ، وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وأبو لهب وأبو جهل وأبو الغيطلة وطعمة بن عدي ، وأبي بن خلف ، وخالد بن الوليد ، وعتبة ، وشيبة ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ، ومنبه ابنا الحجاج (6).

لقد اختارت قريش من قبائلها العشر ، أو الخمس عشرة ، عشرة أو خمسة عشر رجلا ، بل أكثر ، على اختلاف النقل ، ليقتلوا النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» بضربة واحدة بسيوفهم ، بل قيل : إنهم كانوا مئة رجل (7).

ونحن نستبعد هذا العدد الأخير ، وذلك لمخالفته لسائر الروايات الأخرى ، مع أن ما ذكرته الرواية من أن عدد القبائل كان مئة قبيلة ، لا نجد له ما يؤيده. واحتمال أن يكون قد خرج من كل قبيلة أكثر من واحد ينافيه التصريح بأن الخارجين كانوا واحدا من كل قبيلة.

ومهما يكن من أمر فإن المتآمرين تهيأوا واجتمعوا ، فأخبر الله تعالى نبيه «صلى الله عليه وآله» بمكرهم.

فأمر «صلى الله عليه وآله» أمير المؤمنين عليا «عليه السلام» بالمبيت على فراشه ، بعد أن أخبره بمكر قريش ، فقال علي «عليه السلام» : أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟

قال : نعم.

فتبسم علي «عليه السلام» ضاحكا وأهوى إلى الأرض ساجدا ، شكرا لله ، فنام على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ، واشتمل ببرده «صلى الله عليه وآله» الحضرمي.

ثم خرج النبي «صلى الله عليه وآله» في فحمة العشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون.

خرج «صلى الله عليه وآله» ، وهو يقرأ هذه الآية : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(8).

وكان بيده «صلى الله عليه وآله» قبضة من تراب ، فرمى بها في رؤوسهم ، ومر من بينهم ، فما شعروا به ، وأخذ طريقه إلى غار ثور.

ولعل هذه القبضة من تراب قد أشغلتهم بأنفسهم ، وصرفت قلوبهم عن التدقيق في رصد موضوع خروج النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا سيما مع وجود ظلمة قوية ، فإنهم كانوا في فحمة العشاء ، وتحتاج الرؤية فيها إلى المزيد من التنبّه إلى إحداد النظر في نقطة بعينها ..

وعلى كل حال ، فإن الرواة قد زعموا : أن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين علي «عليه السلام» نائم ، فقال : يا نبي الله ، وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله قال : فقال له علي : إن نبي الله ، قد انطلق نحو بئر ميمونة ، فأدركه ، فانطلق أبو بكر ، فدخل معه الغار (9).

ولعل الصحيح هو الرواية التي تقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد لقي أبا بكر في الطريق ، وكان أبو بكر قد خرج ليتنسم الأخبار ، وربما يكون استصحبه معه ، لكي لا يسأله سائل إن كان قد رأى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فيقر لهم بأنه رآه ، ثم يدلهم على الطريق التي سلكها خوفا من أن يتعرض لأذاهم ، أو خطأ ، أو لأي داع آخر.

نقول هذا : إذ لا موجب لترجيح تلك الرواية على هذه ، ولأننا لم نجد ، ما يدل على علم علي «عليه السلام» بالمكان والجهة التي توجه إليها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وليس ثمة ما يؤيد احتمال أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد أخبره بشيء من ذلك.

على أن السؤال الأهم هو : كيف دخل أبو بكر إلى علي «عليه السلام»؟!

ومن أين؟!

وكيف لم يره خمسة عشر رجلا يرصدون البيت وقد طافوا بالدار؟!

وإذا كانوا يرصدون ، وينظرون من خلل الباب إلى النائم ، ورأوه كيف يتضور وهم يرمونه ببعض الحصى ، فكيف لم يروا أبا بكر حين دخل إليه؟!

وإذا كانوا قد رأوه ، فهل سمعوا كلامه؟!

وإذا كانوا قد سمعوه ، وهم قريبون منه إلى حد أنهم يرمونه بالحصى ، فلماذا لم يلحقوا بالنبي «صلى الله عليه وآله» كما لحق به أبو بكر؟!

وحين دخل أبو بكر هل كشف له عليّ «عليه السلام» رأسه ، أم بقي مغطى ، وإذا كان قد كشفه فهل رآه المشركون أم لا؟

ولماذا لم يروه؟! وإذا كانوا قد رأوه ، فلماذا انتظروا إلى الصباح؟!

وإذا كانوا قد سمعوا صوت عليّ ورأوه فكيف لم يعرفوه ، ولم يميزوا بين الرجلين ولا بين الصوتين؟!

وكيف رأوا تضوره ولم يروا شخصه .. وبعد الاجتماع بين أبي بكر وعليّ «عليه السلام» من أين خرج أبو بكر ، وهل رأوه حين خرج أم لم يروه؟!

إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد الجواب المقنع والمقبول.

وعلى كل حال ، فقد روى الشيخ الطوسي : «أن النبي «صلى الله عليه وآله» أمر أبا بكر ، وهند بن أبي هالة : أن ينتظرا في طريقه إلى الغار بمكان عينه لهما» (10).

وذكر الراوندي : «أنه مشى وهم لا يرونه ، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس من خبره ، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم ، فأخرجه معه إلى الغار» (11).

وإذا صح هذا ؛ فيرد سؤال : كيف لم يخبر أبو بكر النبي بأمرهم؟! إلا أن يقال : إنه إنما جاء ليخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بذلك.

ولكن الأهم من ذلك : كيف أطلعت قريش أبا بكر على تدبيرها مع حرصها الشديد على التكتم فيه ، عن كل من له بالنبي أدنى صلة كما تقدم تصريح الديار بكري وغيره بذلك؟

قالوا : وجعل المشركون يرمون عليا «عليه السلام» بالحجارة ، كما كانوا يرمون رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وهو يتضور (أي يتلوى ويتقلب) ، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، فهجموا عليه ، فلما بصر بهم عليّ «عليه السلام» قد انتضوا السيوف ، وأقبلوا عليه ، يقدمهم خالد بن الوليد ، وثب له عليّ «عليه السلام» ، فختله ، وهمز يده ، فجعل خالد يقمص قماص البكر ، ويرغو رغاء الجمل ، وأخذ من يده السيف ، وشد عليهم بسيف خالد ، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى خارج الدار ، وتبصروه ، فإذا علي.

قالوا : وإنك لعلي؟

قال : أنا علي.

قالوا : فإنا لم نردك ؛ فما فعل صاحبك؟

قال : لا علم لي به (12).

فكان من الطبيعي أن يتراجعوا عنه ، وأن يسرعوا إلى قومهم لإخبارهم بما جرى ليتدبروا الأمر قبل فوات الأوان.

وهكذا كان فقد هبت قريش لتدارك الموقف.

 

قريش في طلب النبي صلّى الله عليه وآله :

فأذكت قريش العيون ، وركبوا في طلب النبي «صلى الله عليه وآله» الصعب والذلول ، واقتفوا أثره ، حتى وصل القائف (13) إلى نقطة لحوق أبي بكر به ، فأخبرهم أن من يطلبونه صار معه هنا رجل آخر.

واستمروا يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى باب الغار ، الذي كان مغطى بأغصان الشجرة .. فصرفهم الله عنه ؛ حيث كانت العنكبوت قد نسجت على باب الغار ، وباضت في مدخله حمامة وحشية ، كما يذكرون ، وغير ذلك فاستدلوا من ذلك على أن الغار مهجور ، لم يدخله أحد ، وإلا لتخّرق النسج ، وتكسّر البيض ، ولم تستقر الحمامة الوحشية على بابه (14).

 

الراحلتان بالثمن :

وأمهل أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الليلة القادمة ؛ فانطلق تحت جنح الظلام ، هو وهند بن أبي هالة ، حتى دخلا الغار على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأمر الرسول هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين.

فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين تر تحلهما إلى يثرب.

فقال : إني لا آخذهما ، ولا أحدهما إلا بالثمن.

قال : فهي لك بذلك.

فأمر عليا «عليه السلام» فأقبضه الثمن (15).

 

أداء الأمانات :

ثم أوصاه بحفظ ذمته ، وأداء أماناته ، وكانت قريش ومن يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم ، وأمره أن ينادي صارخا بالأبطح غدوة وعشيا : «من كان له قبل محمد أمانة ، فليأت ، فلنؤد إليه أمانته».

وقال «صلى الله عليه وآله» لعلي حينئذ ، أي بعد أن ذهب الطلب عن النبي «صلى الله عليه وآله» : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه ، حتى تقدم علي ؛ فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ، ومستخلف ربي عليكما ، ومستحفظه فيكما.

 

نفقات الهجرة :

فأمر «صلى الله عليه وآله» عليا «عليه السلام» أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع الهجرة معه من بني هاشم.

قال أبو عبيدة : فقلت لعبيد الله (يعني ابن أبي رافع) : أو كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يجد ما ينفقه هكذا؟.

فقال : إني سألت أبي عما سألتني عنه ـ وكان يحدث لي هذا الحديث ـ فقال : وأين يذهب بك عن مال خديجة «عليها السلام»؟.

قال : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال : ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة.

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يفك من مالها الغارم والعاني ، ويحمل الكل ، ويعطي في النائبة ، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة ، ويحمل من أراد منهم الهجرة (16).

وبعد أن أقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الغار ثلاثا ، إنطلق يؤم المدينة (17).

 

شعر علي عليه السّلام بمناسبة المبيت :

وقال أمير المؤمنين «عليه السلام» يذكر مبيته على الفراش ، ومقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» :

وقيت بنفسي خير من وطا الحصا *** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت أراعيهم متى ينشرونني *** وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمنا *** هناك وفي حفظ الإله وفي ستر

أقام ثلاثا ، ثم زمت قلائص *** قلائص يفرين الحصا أيما يفري

كل ما تقدم يذكره المؤرخون وأهل الحديث في كتبهم ومؤلفاتهم فليراجعها من أراد.

ولسوف يأتي إن شاء الله بعض الكلام حول سفره ، ووروده قباء ، وغير ذلك بعد الكلام على بعض الأمور التي ترتبط بما تقدم ؛ فنحن نسجل هنا الأمور التالية :

 

المثل الأعلى للتضحية :

يقول بعضهم : «وهنا تبدأ قصة من أروع ما عرفه تاريخ الفداء والتضحية ، فالشجعان والأبطال يثبتون في المعارك في وجه أعدائهم ، يدافعون بما لديهم من سلاح وعتاد مع أنصارهم وأعوانهم ، وقد تضطرهم المعارك إلى أن يثبتوا في مقابل العدو ، لا منفردين.

أما أن يخرج الإنسان إلى الموت طائعا مطمئنا بدون سلاح ولا عتاد ، وكأنه يخرج ليعانق غادة حسناء ، فينام على فراش تحف به المخاطر والأهوال ، أعزل من كل شيء إلا من إيمانه ، وثقته بربه ، وحرصه على سلامة القائد ، كما حدث لعلي «عليه السلام» ، حينما عرض عليه ابن عمه محمد «صلى الله عليه وآله» أمر المبيت على فراشه ؛ ليتمكن هو من الفرار ، والتخلص من مؤامرة قريش ؛ فهذا ما لم يحدث في تاريخ البطولات ، وما لم يعرف من أحد في تاريخ المغامرات ، في سبيل المبدأ والعقيدة».

ويقول : «ولم يكن مبيت عليّ ليلة الهجرة هي المرة الأولى ؛ فلقد كان أبو طالب في أيام الحصار في الشعب ينيم عليا على فراش النبي ، حتى إذا حصلت حادثة اغتيال ، كان في عليّ دون النبي ، ولم يكن ليمانع في ذلك أبدا بل كان يقدم عليه برضا نفس ، وطيبة خاطر» (18).

ونقول : إننا لا نوافق على هذا التعبير الجاف الذي يقول : «ليتمكن هو من الفرار ..» فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يفر ، ولكنه يهاجر لجمع القوى ، ويعود ظافرا فاتحا بعد ثمان سنوات ..

 

المبيت ، والخلافة :

والغريب هنا : أن نجد أحد من عرف بنصبه ، وبالعداء لشيعة عليّ «عليه السلام» أو محبيه ، يضطر لأن يعترف بأن قضية مبيته «عليه السلام» على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة ، من الإشارات الواضحة إلى خلافته ، فيقول :

«هذا الذي كان من عليّ في ليلة الهجرة ، إذا نظر إليه في مجرى الأحداث التي عرضت للإمام عليّ في حياته بعد تلك الليلة ؛ فإنه يرفع لعيني الناظر إمارات واضحة ، وإشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن عارضا بالإضافة إلى عليّ ، بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها ، فلنا أن نسأل :

أكان لإلباس الرسول «صلى الله عليه وآله» شخصيته لعلي تلك الليلة ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وبين علي أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟.

وهل لنا أن نستشف من ذلك أنه إذا غاب شخص الرسول كان عليا (كذا) هو الشخصية المهيأة لأن تخلف ، وتمثل شخصه ، وتقوم مقامه؟. وأحسب أن أحدا قبلنا لم ينظر إلى هذا الحدث نظرتنا هذه إليه ، ولم يقف عنده وقفتنا تلك حتى شيعة علي» (19).

 

قريش وعلي عليه السّلام :

 

١ ـ ونشير هنا : إلى أن الملاحظ : أن قريشا لم تصر على أمير المؤمنين في استنطاقها له عن مكان ابن عمه.

 

وما ذلك إلا لأنهم قد علموا : أنهم إنما يحاولون عبثا ، ويطلبون مستحيلا ، فإن من كان يحمل مثل هذا الإخلاص ، ومثل هذه التضحية النادرة في التاريخ لن يفشي لهم سرا قد ضحى بنفسه في سبيل كتمانه ، لذلك نراهم قد أطلقوه وانصرفوا عنه يائسين (20).

٢ ـ لقد كان علي في موقفه تجاه النبي «صلى الله عليه وآله» مثلا أعلى للإنسانية الكاملة ، فقد عرف الناس معنى الإخلاص ، وماهية التضحية ، وحقيقة الإيمان.

حيث إنه يرى نفسه مقتولا على كل حال ، إما لظن المشركين أنه رسول الله ، فيخبطوه بأسيافهم ضربة رجل واحد ، وإما انتقاما منه ، حيث كان سببا لخلاص من سفه أحلامهم ، وعاب آلهتهم ، وفرق جماعتهم ، وهم يعرفون أيضا حب النبي «صلى الله عليه وآله» له ومنزلته منه ، فإذا قتلوه فإنما يقتلون أخاه وابن عمه ، والرجل المخلص الذي يفديه بنفسه (21).

وأما انصرافهم عنه ، بعد ظهور الأمر ، فهو إما خوفا منه ، بعد أن رأوا ما فعله بخالد ، وإما من أجل توفير الفرصة للبحث عن غريمهم الأصلي والأهم بالنسبة إليهم.

بقي هنا سؤال :

وهو أنه إذا كان علي «عليه السلام» يعلم بأن حديث الدار يدل على أنه «عليه السلام» لن يقتل في هذه الحادثة ، بل هو سوف يعيش إلى ما بعد الرسول «صلى الله عليه وآله» ليكون وصيه وخليفته من بعده ، فلا تبقى له فضيلة في مبيته على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة.

والجواب :

أولا : إن ذلك لا يمنع من حصول البداء في هذا الأمر حسبما أشرنا إليه في أوائل هذا الكتاب.

ثانيا : إن ذلك لا يمنع من تعرضه «عليه السلام» للجراح وقطع الأعضاء والأسر والتعذيب البالغ.

وهو أمر يتجنبه ويخشاه الناس وسيأتي بعد صفحات ما يؤيد الجواب الأول وأنه «عليه السلام» قد كان موطنا نفسه على القتل والأسر ومعنى ذلك هو أنه كان لا يقطع بالبقاء إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ، لأجل إمكانية حصول البداء في هذا الأمر لما قلنا.

 

قريش والمبيت :

ويقول البعض أيضا : «إن هذا الذي كان من علي ليلة الهجرة في تحديه لقريش هذا التحدي السافر ، وفي استخفافه بها ، وقيامه بينها ثلاثة أيام يغدو ويروح إن ذلك لا تنساه قريش لعلي أبدا.

ولو لا أنها وجدت في قتله يومئذ إثارة فتنة تمزق وحدتها ، وتشتت شملها ، دون أن يكون في ذلك ما يبلغ بها غايتها في محمد «صلى الله عليه وآله» ـ لو لا ذلك ـ لقتلته ، وشفت ما بصدرها منه ، ولكنها تركته ، وانتظرت الأيام لتسوي حسابها معه» (22).

ولقد كان حسابا عسيرا حقا ، ولا سيما بعد أن أضاف إلى ذلك : أنه قتل رجالها ، وجندل صناديدها ، وبقي اليد الطولى لابن عمه يضرب بها هنا وهناك كل متكبر جبار ، أين وأنى شاء.

وقد بدأ هذا الحساب العسير فور استشهاده «صلى الله عليه وآله» ، وحتى قبل أن يغسل ويكفن ويدفن.

 

مقايسة :

قلنا : إن مبيت أمير المؤمنين «عليه السلام» هذا قد ضيع الفرصة على قريش ، وأفشل ما كانت دبرته في النبي «صلى الله عليه وآله» ، وكان أيضا سببا لتمكين الدين ، وإعلاء كلمة الحق.

وأما أن يقاس ذلك بقضية ذبح إسماعيل ، فلا يصح ذلك ، لان إسماعيل قد استسلم لوالد شفيق رحيم ، يجد في عطفه وحنانه ما يسليه عما ينزل به ، ولا يجد منه أيا من أنحاء التنكيل ، والقسوة والخشونة.

أما علي «عليه السلام» ، فإنما استسلم لعدوه الذي لا يرحمه ، ومن لا يشفي غليله إلا سفك دمه ، وصب أقسى أنواع العذاب والتنكيل عليه ، مع شماتة قاتلة ، وحقد هائل.

وقد تكلم الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ حول هذه القضية فراجعه (23) ، ولو أردنا استقصاء الكلام حول هذه النقطة لطال بنا المقام.

 

إرادة الله :

لقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله من دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الغار ، وإلى مبيت علي «عليه السلام» على فراشه ، وذلك عن طريق آيات باهرة ، وعنايات ومعجزات قاهرة.

وقد ظهر أنه قادر على ذلك من خلال ما صنعه لرسوله «صلى الله عليه وآله» من نسج العنكبوت ، ومن إنبات الشجر على باب الغار ، ثم تردد الحمامة الوحشية على مكان قريب تنفر منه بحسب العادة. ولكن لا ، فقد شاءت العناية الإلهية أن تسير الأمور على سجيتها ، وعلى وفق أسبابها الطبيعية ، مع تسديدات وعنايات تشمل الأمور الخارجة عن حدود الطاقة ، وليكون ذلك مثلا لنا جميعا ودرسا مؤثرا في الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة ، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من السماء ، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب ، ولا تكرم عليه بها إلا بعد أن رأى منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها ، فاستحق اللطف الإلهي ، وتحقق مصداق قوله تعالى:(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)(24)و (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ)(25).

وأما السبب في أنه تعالى لم يخطط لنبيه على أساس التدخل المباشر ، والإعجاز : هو أنه حين يرتبط الأمر بحرية اختيار الناس لأعمالهم فلا بد من الحذر من أن يفهم الأمر بطريقة خاطئة ، وهو أنهم مسلوبو الاختيار ، وأن لا قدرة لهم على التصرف ؛ ولأجل ذلك فإن التدخل الإلهي يقتصر على ما يكون من خارج دائرة اختيارهم ، فهم قد فعلوا كل ما خطر في بالهم ، فلم يمنع أعينهم من النظر والرؤية ، ولا أصم آذانهم عن السمع ، ولا منع لسانهم من الحركة ، والتفاهم ، ولا شل حركة أيديهم عن حمل السلاح ، ولا أقعدهم عن المشي في أي اتجاه أحبوا.

بل تصرف خارج دائرة اختيارهم ، فخلق الشجرة التي تحتاج في الحالات الطبيعية إلى سنوات ، ونسجت العنكبوت ـ التي يستغرق نسجها إلى شهور ـ في وقت يسير .. تماما كما تدخل في قضية حرق النبي إبراهيم «عليه السلام» في خارج دائرة الاختيار ، فقال للنار : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) بعد أن فعل الناس كل ما راق لهم فجمعوا الحطب وجاؤوا بالمنجنيق ، وأضرموا النار و.. الخ ..

 

لماذا التدخل الإلهي؟!

والذي نلاحظه : أن الله تعالى قد تدخل لحفظ نبيه «صلى الله عليه وآله» بطريقة تحفظ للناس اختيارهم وإطلاق إرادتهم ، غير أن السؤال عن السبب في هذا التدخل الذي يأتي على درجة من الندرة في حياة الأنبياء ، فقد رأينا بني إسرائيل يقتلون الأنبياء ، ولا يتدخل الله لمنعهم من ذلك.

ونقول في الجواب : إن تكرر هذا التدخل من شأنه أن يعطي الانطباع بأن لا قيمة لجهد وجهاد أهل الإيمان لحفظ الدعوة ، والدفاع عن رمزها ..

وهذا ما يؤدي إلى الخمول والتخاذل وإهمال الواجب ، وطمع أهل الباطل بأهل الحق ، وإعطائهم الفرصة للعبث وإثارة المتاعب أمامهم ..

مع ملاحظة : أن هذا التدخل قد انحصر في حالة واحدة هي حين يكون الخطر يتهدد الرمز الأعظم الذي يكون إسقاطه إسقاطا للمشروع الإلهي كله .. مثل إبراهيم «عليه السلام» ونبينا الأعظم محمد «صلى الله عليه وآله» .. دون غيرهما من الأنبياء «عليهم السلام».

فكان لا بد من التدخل الإلهي ؛ لأن القضية لا تختص بقوم دون قوم ، بل الخسارة تكون للبشرية جمعاء ..

ولا يمكن التفريط في أمر كهذا لمنافاته اللطف الإلهي الذي يفرض إقامة الحجة على جميع البشر ، والرحمة لهم ، بحفظ باب الهداية مفتوحا أمامهم ، وإقامة الحجة ، وتوفير البيانات والحجج لهم.

وهذا حق محفوظ لهم ، ولا يمكن حرمانهم من ذلك.

ولعلك تقول : ألا تعد غيبة الإمام «عليه السلام» حرمانا للبشر من حق لهم ، بسبب تفريط جماعة صغيرة من الناس حين استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليه ..

فالجواب : أن غيبة الإمام وإن كانت في البداية بسبب فعل مجموعة من الناس في وقت بعينه لكن استمرار موجبات هذه الغيبة إنما هو بفعل نفس الناس الموجودين في كل عصر ، لأن بإمكانهم إزالة هذه الموجبات ، وفسح المجال أمام إشراقة شمس ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

بين النظرة المصلحية والواقع :

ولقد وقع المشركون في تناقض عجيب ، فهم في نفس الوقت الذي يصرون فيه على تكذيب النبي «صلى الله عليه وآله» ، والافتراء عليه ، حتى إنهم كانوا يقولون عنه : إنه مجنون ، ساحر ، شاعر ، كاهن ، الخ .. نراهم يأتمنونه على أموالهم وودائعهم إلى الحد الذي يحتاج معه إلى أن يترك ابن عمه ينادي في الناس ثلاثة أيام ؛ ليأتوا إليه ويأخذوا ودائعهم ، وهل يؤمّن المجنون ، والكذاب ، والكاهن ، والعدو؟!.

فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن عدم إيمان المشركين بما يدعوهم إليه ليس إلا استكبارا وعنادا ، لا عن قناعة بعدم صحة ما جاءهم به ، وقد قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(26).

أي أنهم كانوا يجحدون بما جاءهم به ، إما زعما منهم أن في ذلك حفاظا على مصالحهم الشخصية ومستقبلهم ، وإما تقليدا أعمى للضالين من آبائهم وأجدادهم ، وإما حفاظا على امتيازاتهم ، أو حسدا ، أو غير ذلك.

وإن إبقاء علي «عليه السلام» في مكة ليؤدي للناس أماناتهم وودائعهم ، في ظروف حساسة وخطيرة جدا كهذه الظروف ، لهو من أروع الأمثلة للإنسان الكامل ، الذي يلتزم بمبادئه ، ويحترم قناعاته ، ولا يحيد عما رسمه الله له قيد شعرة ، ولا يبحث عن المعذرات والفرص ، وإنما هو يعيش من أجل مبادئه العليا ، وتحقيق أهدافها ، ولا يعتبر المبدأ وسيلة لتحقيق مآربه وأهدافه.

نعم ، لقد كان «صلى الله عليه وآله» أمينا عندهم ، وسموه ب «الأمين». وكان ذلك من أبرز صفاته الشخصية حتى قبل نبوته ، وها هو يؤدي إليهم أماناتهم ، مع أنهم يريدون نفسه ودمه ، ومحو كل آثاره من الوجود ، وتشويه كل ما يرتبط به.

ولكن ذلك لا يحول بينه وبين أن يهتم بأمانات الناس ، برهم وفاجرهم ، وقد كان له كل العذر لو أنه لم يردها عليهم.

وبالمناسبة فإننا نعطي بعض المحققين الحق في أن يتعجب أو يستغرب ، كيف لا يرى أحاديث عامة أهل السنة تهتم بهذه الصفة العظيمة ، صفة الأمانة التي هي أساس إنسانية الإنسان؟

ولكن لا عجب من ذلك ولا غرابة فيه ؛ فإن أحاديث «الحكمة» قد محيت أيضا وذهبت منذ استشهد «صلى الله عليه وآله» بعناية وتعمد تام من قبل الخلفاء الحكام ، وإلا فأين هذا الأمر الذي يخبر الله في أكثر من سبع آيات : أنه كان من جملة مهمات ووظائف النبي «صلى الله عليه وآله» في أيام رسالته : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)(27).

فقد عرفنا : أنه «صلى الله عليه وآله» قد علم الناس الكتاب ، وقد بقي هذا الكتاب بحفظ من الله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(28).

ولكن أين هي تلك الحكمة التي علمها النبي «صلى الله عليه وآله» لأمته ، ونحن نرى : أنه لم يبق منها عند علماء الإسلام ومن يهتم بالأحاديث سوى نحو من خمس مئة حديث في أصول الأحكام ومثلها في أصول السنن (29) وهل كان من بينها شيء في الحكمة يا ترى؟.

نعم ، نحن نجد في أحاديث الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام الكثير من الحكمة ، ومن بينها الكثير من الأحاديث في الأمانة والصدق الذي هو شعبة منها ، وقد جعلوها محورا للأخلاق العملية ، واهتموا بها بصورة عجيبة وظاهرة.

 

الأرض والمبدأ :

لقد رأينا : أن الأرض ليست هدفا في نظر الإسلام ، وإنما الهدف هو الإسلام نفسه ، فإن المقام في الأرض والاحتفاظ بها ، إذا كان معناه الذل والقهر ، والحرمان ، وعدم تحقيق الأهداف الدينية السامية الكبرى ، التي تكون بها سعادة الإنسان ، فيجب ترك هذه الأرض والتخلي عنها إلى غيرها ، من أجل الصلاح والإصلاح ، وبناء المستقبل ، والحصول على السعادة والكرامة الحقيقية.

فالإنسان أولا ، وكل ما عداه فإنما هو من أجله ، وفي خدمته.

ومن معطيات الهجرة أيضا :

وبعد هذا ، فإن قضية الهجرة تعطينا : وجوب نصر المسلمين بعضهم بعضا حيث رأينا أن المهاجرين قد استعانوا بإخوانهم الأنصار فأعانوهم ونصروهم على أعدائهم.

كما أنها تعطينا وجوب أن يكون المسلمون يدا واحدة على من سواهم ، من دون أن يكون للروابط القبلية أي تأثير في ذلك ، ووجوب أن يكون المنطلق لهم في تعاونهم وتوادهم ، وتراحمهم ، والتأسي في المعاش فيما بينهم ، هو الدين والعقيدة ، لا الروابط القبلية ، أو المصلحية ، أو غير ذلك.

ثم هي تعطينا حسن التدبير ، ودقة التخطيط الذي اتبعه «صلى الله عليه وآله» في تلك الظروف الحرجة والعصيبة ، فإن مبيت أمير المؤمنين «عليه السلام» هو الذي جعل قريشا تطمئن إلى وجوده «صلى الله عليه وآله» على فراشه ، حينما جاء من أخبر المحيطين بالبيت بأنه «صلى الله عليه وآله» قد خرج وانطلق لحاجته (30).

 

أبو طالب عليه السّلام في حديث الغار :

وقد جاء في بعض الروايات : أن أبا طالب «عليه السلام» قال للنبي «صلى الله عليه وآله» حينما ائتمروا به : هل تدري ما ائتمروا بك؟

قال : يريدون أن يسجنوني ، أو يقتلوني ، أو يخرجوني.

قال : من حدثك بهذا؟

قال : ربي.

قال : نعم الرب ربك الخ .. (31).

ونقول : إن هذه الرواية لا يمكن أن تصح ، لأن ائتمارهم به «صلى الله عليه وآله» قد كان بعد بيعة العقبة الثانية ، وقبل الهجرة بقليل ، أي في السنة الثالثة عشرة بعد البعثة ، وأبو طالب قد توفي في السنة العاشرة من البعثة ، أي بعد خروج المسلمين من الشعب.

إلا أن يقال : إن من الممكن أن يكونوا قد ائتمروا أن يفعلوا به ذلك أكثر من مرة ، فأخبر الله تعالى نبيه بذلك ، ثم عزموا على تنفيذ مؤامرتهم في وقت متأخر ، ولعل الرواية المذكورة آنفا تؤيد ذلك.

 

مع آية الغار :

قال تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(32).

ربما يقال : إن هذه الآية تدل على فضل أبي بكر ، لأمور :

منها : أنه عبر عن أبي بكر بأنه ثاني اثنين ، بدعوى أنه أحد اثنين في الفضل ، ولا فضل أعظم من كون أبي بكر قرينا للنبي «صلى الله عليه وآله».

ومنها : أنه جعل صاحبا للنبي «صلى الله عليه وآله» ، والصحبة في هذا المقام العظيم منزلة عظمى.

ومنها : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال له : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي أنه معهما بلحاظ نصرته ورعايته ، ومن كان شريكا للنبي «صلى الله عليه وآله» في نصرة الله له ، كان من أعظم الناس.

ومنها : قوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) فإن السكينة قد أنزلت على أبي بكر ؛ لأنه هو المحتاج إليها ، لما تداخله من الحزن ، دون النبي «صلى الله عليه وآله» : لأنه عالم بأنه محروس من الله سبحانه وتعالى (33).

ولكن ذلك كله لا يصح ، وذلك لما يلي :

١ ـ إن عائشة تقول : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن ، غير أن الله أنزل عذري (34) وحتى عذرها هذا قد ثبت أنه لا يمكن أن يكون قد نزل فيها ، كما أثبتناه في كتابنا حديث الإفك.

٢ ـ أما كونه ثاني اثنين ، فليس فيه إلا الإخبار عن العدد ، وهو لا يدل على الفضل ، إذ قد يكون الثاني صبيا ، أو جاهلا ، أو مؤمنا ، أو فاسقا الخ ..

والفضيلة في القرآن منحصرة بالتقوى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(35) ، لا بالثانوية.

ويزيد العلامة المظفر : أنه لو كان المراد الإثنينية في الفضل والشرف ، لكان أبو بكر أفضل لأنه هو الأول ، والنبي هو الثاني بمقتضى الآية!! (36).

٣ ـ من الواضح : أن الهدف في الآية هو الإشارة إلى أن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» كان في موقف حرج ، ولا من يرد عنه أو يدفع ، أما رفيقه فليس فقط لا يرد عنه ، وإنما هو يمثل عبئا ثقيلا عليه ، بحزنه وخوفه ورعبه ، فبدل أن يخفف عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويشد من أزره ، يحتاج هو إلى أن يخفف نفس النبي «صلى الله عليه وآله» عنه ، ويسليه!! أو على الأقل لم يكن له أي أثر في الدفاع عن الرسول ، والتخفيف من المشقات التي يتحملها ، إلا أنه قد زاد العدد ، وصار العدد بوجوده اثنين.

٤ ـ أما جعله صاحبا للنبي «صلى الله عليه وآله» ، فهو أيضا لا فضيلة فيه ؛ لأن الصحبة لا تدل على أكثر من المرافقة والاجتماع في مكان واحد ، وهو قد يكون بين العالم وغيره ، والكبير والصغير ، وبين المؤمن وغيره ، قال تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ)(37) ، وقال : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ)(38).

فالصحبة من حيث هي لا فضل فيها.

٥ ـ أما قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَنا ؛) فقد جاء على سبيل الإخبار لأبي بكر ؛ والتذكير له بأن الله تعالى سوف يحفظهم عن أعين المشركين ، وليس في ذلك فضيلة له ، بل فيه إخبار بأن الله ينجيهم من أيدي أعدائهم ، ولسوف ينجي الله أبا بكر مقدمة لنجاة نبيه ، ما دام أن هذا متوقف على ذاك.

وهذا نظير ما أشارت إليه الآية الكريمة التي تقول : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(39) إذن ، فنجاة المشركين من العذاب لأجل النبي ، أو لأجل وجود مؤمن مقيم فيما بينهم لا يوجب فضلا للمشركين.

٦ ـ إن هذا الحزن قد صدر منه ـ كما يقول المؤرخون ـ بعد ما رأى من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة ، التي توجب اليقين بأن الله يرد عن نبيه ، ويحفظه من أعدائه.

فهو قد عرف بخروجه من بين القوم ، وهم لا يرونه ، ورأى نسج العنكبوت على باب الغار ، ورأى الحمامة تبيض ، وتقف على باب الغار ، وغير ذلك ، كما أنه «صلى الله عليه وآله» كان يخبر المسلمين بأنه ستفتح على يديه كنوز كسرى وقيصر ، وأن الله سيظهر دينه ، وينصر نبيه ، فحزن أبي بكر في مقام كهذا لا يمكن أن يكون على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لأنه قد عرف بعد رؤيته لتلك الآيات أن الله سبحانه حافظ لنبيه ، فإن كان بعد كل هذا غير مصدق بحفظ الله لنبيه غير واثق بنصرته له مع رؤيته لكل هذه الآيات فسيكون أمره مريبا ، وفي غاية الغرابة ، ويكون حزنه معصية يجب أن يردع عنها ويمنع منها ، والنهي عنها مولوي ، وهو يكشف عن عدم رسوخ قدم له في معرفة جلال وعظمة الله ، ولا نقول أكثر من ذلك.

وإن كان أبو بكر على يقين من نصرة الله لنبيه ، لكنه حزن على نفسه ، خوفا من أن يلحق به أذى من قبل قريش فإنه يحتاج في هذه الحال إلى التطمين ، الذي أكد له أن الله تعالى عارف بحاله وبمطالبه الشخصية ، وهو مع الرسول «صلى الله عليه وآله» في مكان واحد ، ويحتاج حفظ الرسول إلى حفظ من يكون معه ، لأن التدخل الإلهي فيما يرتبط بإبعاد المشركين عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بإيجاد الشجرة ، ونسج العنكبوت إنما يسير من ناحية المشركين ، وفقا للسنن الطبيعية ، ولا يمكن وفقا لهذه السنن أن يفسح المجال للمشركين لرؤية أبي بكر إلا إذا رأوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى جانبه.

وفي هذا تفريط بالرسول وإفساد للخطة الإلهية ، فظهر أن حفظ الرسول يستلزم حفظ من اجتمع معه في المكان أيضا.

لأن إفساح المجال للمشركين لرؤية أبي بكر سوف يمكنهم من رؤية الرسول «صلى الله عليه وآله» إلا إذا طمس على أعينهم بتدخل إلهي مباشر وفي هذا ظلم لهم لما فيه من سلب لاختيارهم.

وأخيرا .. فإننا نذكر القارئ بالفرق بين من يحزن خوفا على نفسه ، وبين من يضحي بنفسه من أجل نجاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولا يسأل عما سوف يصيبه إذا كتب الله لنبيه النجاة .. حتى استحق أن يباهي الله به ملائكته وأن ينزل فيه آية قرآنية تبين كيف باع نفسه لله ، وهو قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(40).

وقد قيل : إن أبا بكر قال : يا رسول الله ، إن حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه ، فقال له النبي «صلى الله عليه وآله» : (إِنَّ اللهَ مَعَنا)(41).

٧ ـ أما قولهم إن النصر كان من الله لهما معا ، فهو شريك للنبي في نصرة الله لهما ، وهذا فضل عظيم.

فهو أيضا باطل ، ويدفعه صريح الآية ، فإنها قد خصت نصر الله تعالى ـ ولعله بمعنى أنه تعالى نجى نبيه من الكفار ـ بالرسول ، قال تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) (الضمير يرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله») (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ..). فالنصر إذن ثابت لخصوص النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأبو بكر تابع محض ، والتبعية في النصرة إنما هي لأجل اجتماعهما في مكان واحد ، وذلك لا يدل على فضل لأبي بكر (42).

أو فقل : إن حفظه لأبي بكر إنما هو مقدمة لحفظ شخص النبي «صلى الله عليه وآله» كما قلنا.

٨ ـ وأما قضية السكينة ، فلا يصح قولهم : إنها نزلت على أبي بكر ، بل هي نازلة على خصوص النبي «صلى الله عليه وآله» ، لأن الضمائر المتأخرة والمتقدمة في الآية كلها ترجع إليه «صلى الله عليه وآله» بلا خلاف ، وذلك في الكلمات التالية : تنصروه ، نصره ، يقول ، أخرجه ، لصاحبه ، أيده ، فرجوع ضمير في وسطها إلى غير النبي «صلى الله عليه وآله» يكون خلاف الظاهر ، ويحتاج إلى قرينة قاطعة.

ويلاحظ هنا : أن ثمة تجاهلا ظاهرا لأبي بكر في هذه الآيات المباركة ، يوحي بما ربما لا يروق للكثيرين أن يفكروا به.

كلام الجاحظ ، وما فيه :

وناقش الجاحظ (43) وغيره فقالوا : إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن بحاجة إلى السكينة لتنزل عليه ، وكأنه يريد أن يجعل من ذلك قرينة لصرف اللفظ عن ظاهره.

ولكنه كلام باطل.

أولا : قال تعالى في سورة التوبة في الآية ٢٦ عن قضية حنين : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ). وقال في سورة الفتح في الآية ٢٦ : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

فهاتان الآيتان : تدلان على نزول السكينة عليه «صلى الله عليه وآله» ، فلا يصح ما ذكره الجاحظ.

ومن جهة ثانية نرى : أنه تعالى قد ذكر نزول السكينة على المؤمنين فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً ..)(44).

وقال : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(45).

وهنا قد يتساءل البعض عن سر إخراج أبي بكر من السكينة ، ولم حرم منها هنا ، مع أن الله قد أنزلها على النبي «صلى الله عليه وآله» هنا وعليه وعلى المؤمنين في غير هذا الموضع؟!!

وأقول : لربما يمكن الجواب : بأن إنزالها على الرسول هنا يكفي ؛ لأن في نجاته نجاة لصاحبه ، وفي خلاصه خلاصه.

ولكنه جواب متهالك ، لأن السكينة إنما توجب اطمينان القلب ، وذهاب القلق ، وهو أمر آخر غير النجاة والخلاص.

فيبقى السؤال الآنف بانتظار الجواب.

ثانيا : إن السكينة هي : نعمة من الله تعالى : ولا يجب في نزول النعمة الاتصاف بما يضادها ، ولذلك تنزل الرحمة بعد الرحمة ، وقد يكون نزول السكينة يهدف إلى زيادة الإيمان قال تعالى مشيرا إلى ذلك : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً ..).

ثالثا : من أين علموا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن بحاجة إلى السكينة مع عدم وجود ما يدل عليه في الآية ، فلتكن كآية حنين بمعنى أن هذه السكينة بمثابة الإعلام بأن مرحلة الخطر القصوى قد انتهت؟!

ولماذا لا يظن النبي «صلى الله عليه وآله» : أن حزن أبي بكر ، ورعبه وخوفه ، وبكاءه ، قد كان لمشاكل أخرى وهو «صلى الله عليه وآله» وإن كان يعلم : أنه سوف ينجو منها في النهاية ، إلا أنها تشكل على الأقل عراقيل وموانع ، تؤخر وصوله إلى هدفه الأقصى والبعيد.

رابعا : يرى العلامة الطباطبائي : أن الآية مسوقة لبيان نصر الله تعالى لنبيه ، حيث لم يكن معه أحد يتمكن من نصرته ، ومن هذا النصر إنزال السكينة عليه ، وتقويته بالجنود ، ويدل على ذلك تكرار كلمة «إذ» ثلاث مرات ، كل منها بيان لما قبله بوجه ، فتارة لبيان وقت النصر ، وأخرى لبيان حالته «صلى الله عليه وآله» ، وثالثة لبيان وقت هذه الحالة ؛ فالتأييد بالجنود كان لمن نزلت السكينة عليه (46).

ويقول بعض الأعلام (47) : «إن أبا بكر لما لم يستجب لطلب النبي «صلى الله عليه وآله» في أن لا يحزن ولا يخاف ، فإن السكينة نزلت على النبي «صلى الله عليه وآله» ، وبقي أبو بكر على عدم سكينته ، الأمر الذي يدل على أن أبا بكر لم يكن مؤهلا لهذا التفضل والتكرم من الله تعالى».

ماذا يقول المفيد هنا ، وبماذا يجيبون؟!

ويقول المفيد ، وغيره : إن حزن أبي بكر إن كان طاعة لله ؛ فالنبي «صلى الله عليه وآله» لا ينهى عن الطاعة ؛ فلم يبق إلا أنه معصية (48).

وأجاب الحلبي وغيره : بأن الله خاطب نبيه بقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) فنهي الله لنبيه لم يكن إلا تأنيسا وتبشيرا له ، وكذلك نهي النبي لأبي بكر (49).

ونحن نرى أن جواب الحلبي هذا في غير محله ، وذلك :

لأن حزن أبي بكر ، وشكه في نصر الله ، الذي يشير إليه قوله «صلى الله عليه وآله» له : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) كان مما لا يجمل ولا يحسن ؛ إذ كان عليه أن يثق بنصر الله سبحانه وتعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله» ، بعد ما رأى المعجزات الظاهرة ، والآيات الباهرة ، الدالة على أن الله تعالى سوف ينجي نبيه من كيد المشركين.

وعليه فلا يمكن أن تكون الآية واردة في مقام مدحه وتقريظه ، ولا بد من حمل النهي على ما هو ظاهر فيه ، ولا يصرف عن ظاهره إلا بقرينة ، بل ما ذكرناه يكون قرينة على تعين هذا الظاهر.

ولا يقاس حزن أبي بكر بحزن النبي «صلى الله عليه وآله» ، والمشار إليه بقوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) وغيرها ، لأن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما كان يحزن من أجل ما يراه من العوائق أمام دعوته ، والموانع التي تعترض طريق انتشار وانتصار دينه ، لما يراه من استكبار قومه ، ومقامهم على الكفر والطغيان.

فالنهي له «صلى الله عليه وآله» في الآية المتقدمة ، ولموسى «عليه السلام» في آية أخرى ، ليس نهي تحريم ، وإنما هو تأنيس وتبشير بالنصر السريع لدينه ، وللتنبيه على عدم الاعتناء بقولهم ، وعدم استحقاقهم للحزن والأسف.

فحزن النبي «صلى الله عليه وآله» هنا يدل على عمق إيمانه ، وفنائه في ذات الله تعالى ، وهو لا يقاس بحزن من يحزن من أجل نفسه ، ومن أجل نفسه فقط.

والآيات صريحة فيما نقول : فنجد آية تقول : إنه «صلى الله عليه وآله» كان يحزن لمسارعة قومه في الكفر : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ..)(50) و (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ)(51) وأخرى تقول إنه يحزن لما بدا له من تكذيبهم إياه : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ..)(52).

وثالثة تقول : إنه كان يحزن لاتخاذهم آلهة من دون الله (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(53). وهكذا سائر الآيات ، كما لا يخفى على من لاحظها.

فالآيات على حد قوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(54) فهو حزن حسن منه «صلى الله عليه وآله» ، وهو يدل على كمال صفاته ، وسجاحة (55) أخلاقه ، صلوات الله عليه وآله الطاهرين.

أضف إلى كل ما تقدم : أننا لو لم نعرف واقع حزن أبي بكر ، فإننا لا يمكن أن نقيسه على حزن النبي المعصوم ، بل علينا أن نأخذ بظاهر النهي ، وهو التحريم ، ولا يعدل عن ظاهره إلا بدليل.

سؤال يحتاج إلى جواب :

وإذا كان أبو بكر يحزن مع ما يرى من الآيات والمعجزات ، ولا يصبر لينال أجر الصابرين الموقنين ، فكيف تكون حالته لو أراد أن ينام في مكان أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في تلك الليلة المهولة؟! وهل من الممكن أن لا يضعف وينهار أمام كيد قريش ، ويستسلم لجبروتها في اللحظات العسيرة ، ولتنقلب من ثم مجريات الأمور رأسا على عقب؟.

هذا السؤال يطرح نفسه ، وربما لا ، ولن يجد الجواب الكافي والشافي في المستقبل القريب على الأقل.

سؤال آخر : وهو أنه هل يمكن أن نصدق بعد هذا ما يدعى من أشجعية أبي بكر بالنسبة لسائر الصحابة؟!

وسيأتي إن شاء الله تعالى حين الكلام على غزوة بدر ، بعض ما يرتبط بهذا السؤال الثاني ، فإلى هناك.

تحير أبي بكر في حراسته للنبي صلّى الله عليه وآله :

ويقولون : إن أبا بكر كان في الطريق إلى الغار ، تارة يمشي أمام النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأخرى خلفه ، وثالثة عن يمينه ، ورابعة عن يساره ؛ فسأله رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن ذلك ، فقال : يا رسول الله ، أذكر الرصد فأكون أمامك ، وأذكر الطلب فأكون خلفك ، ومرة عن يمينك ، ومرة عن يسارك ، لا آمن عليك (56).

وهذا كلام لا يصح.

أولا : لأن حزنه في الغار ، وخوفه وهو يرى الآيات والمعجزات التي يذكرها نفس هؤلاء الراوين لهذه الرواية قد زاد في كدر النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، حتى لقد احتاج النبي «صلى الله عليه وآله» إلى أن ينزل الله سكينته عليه.

ثانيا : عدا عن ذلك فإنه لا معنى لتخوف الرصد ، فقد كانت قريش مطمئنة إلى أنها تحاصر النبي «صلى الله عليه وآله» ، وتحيط به ، وأنه لن تكون له نجاة من مكرها وكيدها ، ثم هل كان لديه سلاح يدفع به عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو عن نفسه؟!.

ثالثا : أضف إلى ذلك كله : فراره في أحد ، وحنين ، وخيبر ، كما سنرى إن شاء الله تعالى ، ولم يؤثر عنه فيما سوى ذلك أي موقف شجاع يذكر ، وقد يكون للقصة أصل إذا كان يفعل ذلك من جهة خوفه على نفسه ، فكان يبحث عن موقع يشعر فيه بالأمن فلا يجده!! ثم حرفت وحورت حتى صارت كما ترى ، فتبارك الله أحسن الخالقين!!

التأكيد على موقف أبي بكر.

وإننا نكاد نطمئن إلى أن الهدف من هذا وسواه هو تعويض أبي بكر عما فقده ، في مقابل مبيت علي «عليه السلام» على فراش النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، حيث باهى الله به ملائكته ، وهو مقام ناله علي «عليه السلام» بجهاده وصبره ، وإخلاصه.

من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟!

قد ورد : أن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل وميكائيل : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة.

فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد «صلى الله عليه وآله» ؛ فبات على فراشه يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض ، فاحفظاه من عدوه.

فنزلا ، فكان جبرائيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبرائيل ينادي : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله به الملائكة؟

فأنزل الله عز وجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(57).

قال الإسكافي : «وقد روى المفسرون كلهم : أن قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ..) نزلت في علي «عليه السلام» ليلة المبيت على الفراش» (58).

 

كذبة مفضوحة :

وبما ذكرناه من المصادر لنزول آية الشراء في علي «عليه السلام» ، وبما ذكره الإسكافي أيضا يظهر كذب ما ذكره فضل بن روزبهان ، من أن أكثر المفسرين يقولون : إن الآية قد نزلت في الزبير والمقداد ، حيث أرسلهما النبي «صلى الله عليه وآله» إلى مكة لينز لا خبيب بن عدي عن الخشبة التي صلب عليها ، وكان حول خشبته أربعون من المشركين ، فخاطرا بنفسيهما حتى أنزلاه ، فأنزل الله الآية (59).

ويذكر المظفر : أن المفسرين لم يذكروا ذلك ، حتى السيوطي ، والرازي ، والكشاف ، مع أن الرازي قد جمع في تفسيره كل أقوالهم ، والسيوطي جمع عامة رواياتهم.

وذكر في الإستيعاب في ترجمة خبيب : أن الذي أرسله النبي «صلى الله عليه وآله» لإنزاله هو عمرو بن أمية الضمري (60).

وسيأتي : عدم صحة ذلك في الجزء السادس من هذا الكتاب.

وابن تيمية ماذا يقول؟!

وقد أنكر «ابن تيمية» على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» وقال : «كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.

وأيضا قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء بالنفس ، ولا إيثار بالحياة ، والآية المذكورة في سورة البقرة ، وهي مدنية باتفاق.

وقد قيل : إنها نزلت في صهيب «رضي الله عنه» لما هاجر» (61).

ونقول :

١ ـ إن كانت الآية مدنية بالنسبة إلى علي «عليه السلام» ، فهي أيضا مدنية بالنسبة إلى صهيب ، فما يقال هناك يقال هنا.

٢ ـ لقد أجاب الإسكافي المعتزلي على دعوى الجاحظ : أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام» : لن يصل إليك شيء تكرهه! فقال :

«هذا هو الكذب الصراح ، والإدخال في الرواية ما ليس منها ، والمعروف المنقول أنه «صلى الله عليه وآله» قال له : «فاضطجع في مضجعي ، وتغش ببردي الحضرمي ، فإن القوم سيفقدونني ، ولا يشهدون مضجعي ، فلعلهم إذا رأوك يسكنهم ذلك ، حتى يصبحوا ، فإذا أصبحت فاغد في أمانتي».

ولم ينقل ما ذكره الجاحظ ، وإنما ولده أبو بكر الأصم ، وأخذه الجاحظ ، ولا أصل له.

ولو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه ، وقد وقع الاتفاق على أنه ضرب ، ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو ، حتى تضور ، وأنهم قالوا له : رأينا تضورك الخ ..» (62).

هذا وقد تقدم في أوائل هذا الفصل : أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما قال لعلي «عليه السلام» : إنه لا يصل إليه شيء يكرهه ، بعد مبيته على الفراش ، وذلك حينما التقى معه في الغار ، وأمره برد ودائعه ، وأن ينادي في مكة بذلك ، وطمأنه إلى أن نداءه هذا لن يتسبب له بمتاعب وصعوبات وليس المقصود : أنه لن يناله مكروه من أي مشرك في جميع الأحوال والأزمان.

٣ ـ ويدل على أنه كان موطنا نفسه على القتل ما يلي :

أ ـ إنه لو صح ما ذكره ابن تيمية لم يكن معنى للافتخار بموقفه ذاك ؛ فقد روي أن عائشة فخرت بأبيها ، ومكانه في الغار مع الرسول «صلى الله عليه وآله» ، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد : وأين أنت من علي بن أبي طالب ، حيث نام في مكانه ، وهو يرى أنه يقتل؟ فسكتت ، ولم تحر جوابا (63).

ب ـ وعن أنس : أنه «عليه السلام» كان موطنا نفسه على القتل (64).

ج ـ إن عليا «عليه السلام» نفسه قد أكد على هذا ، ودفع كل شبهة فيه ، حينما قال شعره المتقدم :

وقيت نفسي خير من وطأ الثرى         

 .....

إلى أن قال :

وبت أراعيهم متى يثبتونني *** وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمنا *** هناك وفي حفظ الإله وفي ستر (65)

د ـ وعنه «عليه السلام» : «وأمرني أن أضطجع في مضجعه ، وأقيه بنفسي ، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له ، مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه ، فمضى «صلى الله عليه وآله» لوجهه ، واضطجعت في مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي «صلى الله عليه وآله» ، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي ؛ فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس.

ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أليس كذلك ، قالوا : بلى يا أمير المؤمنين» (66).

وقيل إنهم ضربوا عليا ، وحبسوه ساعة ، ثم تركوه (67).

ملاحظة :

يمكن أن يفهم مما تقدم : أن الحديث الذي يقول : إنه «عليه السلام» قد حاربهم بسيف خالد موضع شك وريب ، لأنه إنما حاربهم بسيفه هو لا بسيف خالد.

إلا أن يقال : أن نسبته إليه لا تدل على ملكيته له.

وقد يكون حاربهم بسيفه أولا ، ثم سيف خالد ثانيا بعد أن أخذه منه وإن كان هذا الاحتمال ضعيفا.

٤ ـ وبعد ، فإن قيمته «عليه السلام» إنما هي قائمة في عمق ذاته ، من حيث صفاء جوهره ، وكامنة في عمق ذاته ، تماما كما هي قيمة الذهب والجوهر ، والألماس بالقياس إلى الحديد والنحاس ، فإنك تستخدم الحديد ، وتستفيد منه ليل نهار ، أما الجوهر والألماس ، فإنه يحتفظ بقيمته العالية رغم أنه في أعماق الخزائن ، وقد يستفاد منه في شيء من الأعمال إلا ما شذ وندر ، وهو في معرض المدح والثناء ، ولا يلتفت إليه.

ولأجل ذلك نقول : إن نزول الآية لتعظيم أمير المؤمنين «عليه السلام» يكون أمرا عاديا وصحيحا ، حتى لو لم يكن علي حاضرا في واقعة ليلة الهجرة ، لأن عليا يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله دون كل أحد سواه.

٥ ـ وأما دعوى ابن تيمية : أن حديث حراسة جبرائيل وميكائيل له «عليه السلام» ، ونزول الآية فيه ، كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.

فلا تصح أصلا ، فإننا لم نجد أحدا منهم صرح بكذب هذه الرواية سواه ، فهو يدعي عليهم ما لا يعرفون ، وينسب إليهم ما هم منه بريئون.

بل عرفت تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث ، وتقدم أيضا طائفة كبيرة من الذين رووه من كبار العلماء والحفاظ ، من دون غمز فيه أو لمز.

إلا أن يكون شيطان ابن تيمية قد أوحى إليه بأن ينسب إليهم ما هم منه براء.

٦ ـ وأجاب الحلبي عن كلام ابن تيمية بقوله : «.. لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي ما ذكر ؛ أي لن يصل إليك شيء تكرهه وعليه فيكون فداؤه للنبي بنفسه واضحا.

ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي ، وفي حق صهيب. وحينئذ يكون «شرى» في حق علي «رضي الله عنه» بمعنى باع ، أي باع نفسه بحياة المصطفى ، وفي حق صهيب بمعنى اشترى ، أي اشترى نفسه بماله.

ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية ؛ لأن الحكم يكون للغالب» (68). انتهى.

ولكن بعض ما أجاب به الحلبي محل نظر ؛ فإن استعمال شرى بمعنى باع تارة وبمعنى اشترى أخرى محل نظر ؛ لأنه يلزم منه استعمال المشترك في أكثر من معنى ، وقد منعه طائفة من العلماء.

وإن كنا نحن نرى : أنه لا مانع من ذلك ؛ إلا ما كان من قبيل الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معا ، وشاهدنا على ذلك صحة التورية وشيوعها في كلام العرب ، فإذا لم نجز استعمال المشترك في معنيين لم يصح كلام الحلبي حتى وإن كانت الآية قد نزلت مرتين لأن محل الكلام إنما هو في قراءتنا نحن للآية ، وكيفية فهمنا لها.

هذا عدا عن أن صهيبا لا خصوصية له في بذله ماله ، فإن كثيرا من المهاجرين قد تخلوا عن أموالهم للمشركين وهاجروا فرارا بدينهم.

وعن قضية صهيب نقول :

لقد رووا : أنه لما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب فوجده يصلي ، فكره أن يقطع صلاته ، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب إلى بيت أبي بكر ، فسأل عن أخويه : النبي «صلى الله عليه وآله» وأبي بكر ، فأخبروه بما جرى ، فأراد الهجرة وحده ، ولكن المشركين لم يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله ؛ فلما اجتمع مع النبي في قباء قال «صلى الله عليه وآله» : ربح صهيب ربح صهيب ، أو ربح البيع ، فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ..)(69).

وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور للسيوطي وغيره .. ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر : أن الآية نزلت لما أخذ المشركون صهيبا ليعذبوه ، فقال لهم : إني شيخ كبير لا يضر ، أمنكم كنت أم من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني؟ ففعلوا (70).

ورواية أخرى تذكر القضية بنحو يشبه ما جرى لأمير المؤمنين حين هجرته ، وتهديده إياهم ورجوعهم عنه ؛ فراجع (71).

ولكنها قصة لا تصح :

أولا : لأن إرسال النبي «صلى الله عليه وآله» أبا بكر إلى صهيب ثلاث مرات في ظرف كهذا غير معقول ، لا سيما وهم يدّعون : أن قريشا كانت تطلب أبا بكر كما تطلب النبي «صلى الله عليه وآله» ، وجعلت مئة ناقة لمن يأتي به (72) ، وإن كنا نعتقد بعدم صحة ذلك كما سنرى ، ولكن قريشا ولا شك إنما كانت تهتم في أن تستدل على النبي من خلال أبي بكر.

أضف إلى ما تقدم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يخبر أحدا بهجرته تلك الليلة ، بل يروون : أنه «صلى الله عليه وآله» إنما صادف أبا بكر وهو في طريقه إلى الغار.

ثانيا : إن كلامه معه وهو في الصلاة ، وإخباره بالأمر ، لا يوجب قطع صلاة صهيب ، إذ باستطاعته أن يلقي إليه الكلام ويرجع دون أن يقطع عليه صلاته كما أنه يمكن أن ينتظره دقيقة أو دقيقتين حتى يفرغ من صلاته ، فيخبره بما يريد ، ويمكن أيضا أن يوصي أهل بيته أن يبلغوه الرسالة التي يريد إبلاغها إلا إذا كان لم يثق بهم.

إلا أن يدّعى : أن أبا بكر كان بحيث لا يدري كيف يتصرف ، أو أنه كان يرى حرمة إلقاء الكلام ليسمعه المصلي ، وكلاهما غير محتمل في حقه ، أو لا يرضى محبوه بنسبته إليه على الأقل ، وباقي الفروض الآنفة تبقى على حالها. هذا بالإضافة إلى هذه الصدفة النادرة فإنه يأتيه مرتين أو ثلاثا ، وهو لا يزال يصلي!!.

ثالثا : لماذا يهتم النبي «صلى الله عليه وآله» بصهيب خاصة ، ويترك من سواه من ضعفاء المؤمنين ، الذين كانت قريش تمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب والأذى ؛ فلا يرسل إليهم ، ولو مرة واحدة ، ولا نقول ثلاث مرات ؛ وهل هذا ينسجم مع ما نعرفه من عدل النبي «صلى الله عليه وآله» ، وعطفه الشديد على أمته؟.

إلا أن يقال : لعل غير صهيب كان مراقبا من قبل المشركين ، أو أن صهيبا كان أشد بلاء من غيره ، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا دليل عليها ، ولا شاهد لها.

رابعا : إننا نجد بعض الروايات تقول : إن أبا بكر ـ وليس النبي «صلى الله عليه وآله» ـ هو الذي قال لصهيب : ربح البيع يا صهيب وذلك في قضية أخرى لا ربط لها بحديث الغار (73) والبعض يذكر القضية ، ولكنه لا يذكر نزول الآية فيه (74).

خامسا : إن الآية إنما تتمدح من يبذل نفسه في مرضاة الله ، لا أنه يبذل المال في مرضاته ، ورواية صهيب ناظرة إلى الثاني لا الأول.

سادسا : قد قلنا آنفا : إن صهيبا لم يكن الوحيد الذي بذل ماله في سبيل دينه ، فلماذا اختص هذا الوسام به دونهم؟

سابعا : إنهم يذكرون : أنه لم يتخلف مع النبي «صلى الله عليه وآله» أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن ، إلا عليا وأبا بكر (75).

ثامنا : إن الرواية القائلة بأن صهيبا كان شيخا كبيرا لا يضر المشركين ، أكان معهم أم مع غيرهم لا تصح ؛ لأن صهيبا قد توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين وعمره سبعون سنة (76) ؛ فعمره يكون حين الهجرة واحدا أو اثنين وثلاثين سنة ، فهو قد كان في عنفوان شبابه ، لا كما تريد أن تدعيه هذه الرواية المفتعلة.

هذا كله ، عدا عن تناقضات روايات صهيب.

وعدا عن أن عددا منها لا يذكر نزول الآية في حقه.

كما أنها عموما إما مروية عن صهيب نفسه ، أو عن تابعي لم يدرك عهد النبي ، كعكرمة ، وابن المسيب ، وابن جريج ، وليس هناك سوى رواية واحدة وردت عن ابن عباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فقط.

ويجب أن يعلم : أن صهيبا كان من أعوان الهيئة الحاكمة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» ، وممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين ، وكان يعادي أهل البيت «عليهم السلام» (77).

فلعل المقصود هو مكافأته على مواقفه تلك ، بمنحه هذه الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين «عليه السلام» ، فيكون هؤلاء قد أصابوا عصفورين بحجر واحد حينما يزين لهم شيطانهم أن عليا يخسر وخصومه يربحون.

٦ ـ بقي في كلام ابن تيمية المتقدم قوله : إن سورة البقرة مدنية ، ولو صح نزولها في علي «عليه السلام» لكانت مكية.

وجوابه واضح : فإن نزول الآية لو سلم أنه كان في نفس ليلة المبيت ، فمن الواضح أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان حينئذ في الغار ، وليس معه سوى أبي بكر ؛ فلم يكن ثمة مجال للإعلان بنزول الآية إلا بعد وصوله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة ، واستقراره فيها ، ثم إتاحة الفرصة له في الظرف المناسب لإظهار هذه الفضيلة العظيمة لابن عمه ووصيه.

فلا بأس أن تعد بهذا الاعتبار مدنية ، وتجعل في سورة البقرة ، التي كان نزولها في مطلع الهجرة ، كما هو معلوم.

هذا بالإضافة إلى أن وجود آية مكية في سورة مدنية ليس بعزيز.

وأما ما ذكره الحلبي من تكرر نزول الآية فلا دليل عليه ، بل الأدلة الآنفة تدفعه وتنافيه.

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥ ، وراجع نور الأبصار ص ١٥.

(٢) راجع المصادر السابقة.

(٣) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٦٨ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٧٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢١ و ٣٢٢.

(4) الآية ٣٠ من سورة الأنفال.

(5) البحار ج ١٩ ص ٧٣ عن الخرائج والجرائح.

(6) لقد وردت أسماء هؤلاء كلا أو بعضا في روايات مختلفة ، في السيرة الحلبية ج ٢ والبحار ج ١٩ ص ٧٢ و ٣١ ومجمع البيان.

(7) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨٠ ونور الأبصار ص ١٥.

(8) الآية ٩ من سورة يس.

(9) راجع في الفقرات الأخيرة : مناقب الخوارزمي الحنفي ص ٧٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٣٣ وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه ، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٢١ ، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص ٣٤ ، وشواهد التنزيل ج ١ ص ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٠٠ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٢٠٧ ، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٣٠ وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ط النجف ص ٦٣ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٥ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٠ عن أحمد ورجاله رجال الصحيح غير واحد وهو ثقة ، وعن الطبراني في الكبير والأوسط ، والبحار ج ١٩ ص ٧٨ و ٩٣ عن الطبري وأحمد ، والعياشي ، وكفاية الطالب ، وفضائل الخمسة ج ١ ص ٢٣١ ، وذخائر العقبى ص ٨٧ ، وكفاية الطالب ص ٢٤٢. وقال : إن ابن عساكر ذكره في الأربعين الطوال ، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» ، من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج ١ ص ١٨٦ و ١٩٠ ، ونقله المحمودي في هامشه عن : الفضائل لأحمد بن حنبل ، حديث ٢٩١ وعن غاية المرام ص ٦٦ ، عن الطبراني ج ٣ في الورق ١٦٨ / ب وفي هامش كفاية الطالب عن : الرياض النضرة ج ٢ ص ٢٠٣. وأما الفقرات الأخرى فهي موجودة في مختلف كتب الحديث والتاريخ.

(10) أمالي الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٨١ والبحار ج ١٩ ص ٦١.

(11) راجع : البحار ج ١٩ ص ٧٣ عن الخرائج والجرائح.

(12) أمالي الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٨٢ و ٨٣.

(13) القائف : الذي يتتبع الآثار.

(14) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٧ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨١ و ١٨٢.

(15) البحار ج ١٩ ص ٦٢ وأمالي الطوسي ج ٢ ص ٨٣ وعدم قبوله «صلى الله عليه وآله» الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن لا يكاد يخلو منه كتاب يؤرخ للسيرة النبوية الشريفة وراجع وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٣٧.

(16) ولكن نفس هذا النص يرويه أصحاب الأهواء والتعصبات ، ويبدلون فيه كلمة (خديجة) بكلمة (أبي بكر) ليثبتوا له فضيلة لا تؤيدها أي من النصوص والوقائع بل هي على خلافها أدل كما أثبتناه.

(17) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٨١ و ٨٢ والبحار ج ١٩ ص ٦١ و ٦٢.

(18) راجع : سيرة المصطفى ص ٢٥٠ و ٢٥٢.

(19) علي بن أبي طالب ، لعبد الكريم الخطيب ١٠٥ و ١٠٦.

(20) راجع حياة أمير المومنين ص ١٠٥ و ١٠٦.

(21) المصدر السابق ص ١٠٧ و ١٠٨.

(22) علي بن أبي طالب لعبد الكريم الخطيب ص ١٠٦.

(23) راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٣ والعثمانية للجاحظ في أواخرها.

(24) الآية ٤٠ من سورة الحج.

(25) الآية ٧ من سورة محمد.

(26) الآية ١٤ من سورة النمل.

(27) الآية ١٦٤ من سورة آل عمران.

(28) الآية ٩ من سورة الحجر.

(29) مناقب الشافعي ج ١ ص ٤١٩ وعن الوحي المحمدي ص ٢٤٣.

(30) تاريخ الطبري ج ٢ ص ١٠٠.

(31) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٧٩ عن سنيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.

(32) الآية ٤٠ من سورة التوبة.

(33) راجع : دلائل الصدق ج ٢ ص ٤٠٤ و ٤٠٥.

(34) صحيح البخاري ط سنة ١٣٠٩ ج ٣ ص ١٢١ ، وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٥٩ ، وفتح القدير ج ٤ ص ٢١ ، والدر المنثور ج ٦ ص ٤١ وراجع الغدير ج ٨ ص ٢٤٧.

(35) الآية ١٣ من سورة الحجرات.

(36) دلائل الصدق ج ٢ ص ٤٠٤.

(37) الآية ٢٢ من سورة التكوير.

(38) الآية ٣٧ من سورة الكهف.

(39) الآية ٣٣ من سورة الأنفال.

(40) الآية ٢٠٧ من سورة البقرة.

(41) راجع ما تقدم في كنز الفوائد للكراجكي ص ٢٠٤ و ٢٠٥.

(42) دلائل الصدق ج ٢ ص ٤٠٥.

(43) العثمانية ص ١٠٧.

(44) الآية ٤ من سورة الفتح.

(45) الآية ١٨ من سورة الفتح.

(46) راجع : تفسير الميزان ج ٩ ص ٢٨٠ ط بيروت.

(47) هو العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني «رحمه الله»

(48) الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ص ١١٩ وكنز الفوائد للكراجكي ص ٢٠٣.

(49) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٨.

(50) الآية ١٧٦ من سورة آل عمران ، والآية ٤١ من سورة المائدة.

(51) الآية ٢٣ من سورة لقمان.

(52) الآية ٣٣ من سورة الأنعام.

(53) الآية ٧٦ من سورة يس.

(54) الآية ٨ من سورة فاطر.

(55) السجاحة : السهولة واللين والإعتدال.

(56) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤.

(57) الآية ٢٠٧ من سورة البقرة.

والرواية في : أسد الغابة ج ٤ ص ٢٥ ، والمستجاد للتنوخي ص ١٠ ، وثمرات الأوراق ص ٣٠٣ ، وتفسير البرهان ج ١ ص ٢٠٧ ، وإحياء العلوم ج ٣ ص ٢٥٨ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٩ ، وكفاية الطالب ص ٢٣٩ ، وشواهد التنزيل ج ١ ص ٩٧ ، ونور الأبصار ص ٨٦ ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٣١ ، وتذكرة الخواص ص ٣٥ عن الثعلبي ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ ، والبحار ج ١٩ ص ٣٩ و ٦٤ و ٨٠ عن الثعلبي في كنز الفوائد وعن الفضائل لأحمد ص ١٢٤ و ١٢٥ ، وعن الروضة ص ١١٩.

وهي أيضا في : المناقب للخوارزمي ص ٧٤ وينابيع المودة ص ٩٢ عن ابن عقبة في ملحمته وقال في حبيب السير ج ٢ ص ١١ : إن ذلك مذكور في كثير من كتب السير والتاريخ.

والرواية في تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥ و ٤٥٨ والتفسير الكبير ج ٥ ص ٢٠٤ والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ٢١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨ ، وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٥٩ وفرائد السمطين ج ١ ص ٣٣٠ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤ وتلخيص المستدرك للذهبي بهامش نفس الصفحة ، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٣١ وترجمة الإمام علي «عليه السلام» ، من تاريخ دمشق تحقيق المحمودي ج ١ ص ١٣٧ و ١٣٨ ، والمناقب للخوارزمي ص ٧٤ ودلائل الصدق ج ٢ ص ٨١ و ٨٢ والأمالي للطوسي ج ٢ ص ٨٤ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ٣١٠ وراجع ص ١٧٨ و ٨٢. وراجع الإرشاد للمفيد ص ٣١ وروضة الواعظين ص ١٠٧ وخصائص الوحي المبين ص ٩٤ و ٩٣ وراجع ص ٩١ والعمدة لابن البطريق ص ٢٤٠ وراجع ص ٢٣٨ ورواه في : غرائب القرآن للنيسابوري بهامش جامع البيان ج ٢ ص ٢٩١ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ٦٠ ونقله المحمودي في هوامش شواهد التنزيل ج ١ ص ٩٧ عن غاية المرام ص ٣٤٦ باب ٤٥ وعن تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ١٥٢ ونقله المرعشي في ملحقات إحقاق الحق والتعليقات عليه ج ٣ ص ٢٤ ـ ٣٤ وج ٨ ص ٣٣٩ وج ٦ ص ٤٧٩ و ٤٨١ وج ٢٠ ص ١٠٩ ـ ١١٤ وج ١٤ ص ١١٦ عن عدد ممن قدمنا.

وعن المصادر التالية : اللوامع ج ٢ ص ٣٧٦ و ٣٧٥ و ٣٧٧ عن المجمع والمباني ، وعن أبي نعيم والثعلبي وغيرهم وعن البحر المحيط ج ٢ ص ١١٨ وعن معارج النبوة ج ١ ص ٤ وعن مدارج النبوة ص ٧٩ وعن مناقب المرتضوي ص ٣٣ ، وعن روح المعاني ج ٢ ص ٧٣ عن الإمامية وبعض من غيرهم وعن مرآة المؤمنين ص ٤٥ وعن تلخيص المتشابه في الرسم ، للخطيب البغدادي ج ١ ص ٤١٤ وعن إمتاع الأسماع ص ٣٨ ، وعن مقاصد الطالب ص ٧ وعن وسيلة النجاة ص ٧٨ وعن المنتقى للكازروني ص ٧٩ مخطوط. وعن روض الأزهر ص ٣٧١ وعن أرجح المطالب ص ٧٠ و ٥٠٧ و ٤٠٧ وعن إتحاف السادة المتقين ج ٨ ص ٢٠٢ وعن مفتاح النجا في مناقب آل العبا : ص ٢٣ مخطوط وعن روض الأحباب للهروي ص ١٨٥ وعن تفسير الثعلبي وعن السيرة المحمدية للكازروني مخطوط وعن مكاشفة القلوب ص ٤٢ وعن توضيح الدلائل ص ١٥٤ مخطوط وعن الكوكب المضي ص ٤٥ مخطوط وعن غاية المرام في رجال البخاري سيد الأنام ص ٧١ مخطوط وعن الكشف والبيان وعن المختار في مناقب الأخيار ص ٤ مخطوط وعن مناهج الفاضلين للحمويني مخطوط.

وقال ابن شهر آشوب : إن هذا الحديث قد رواه الثعلبي ، وابن عاقب في ملحمته وأبو السعادات في فضائل العشرة ، والغزالي في الإحياء ، وفي كيمياء السعادة عن عمار ، وابن بابويه ، وابن شاذان والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن فياض ، والعبدلي ، والصفواني والثقفي بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع وهند بن أبي هالة. والغدير ج ٢ ص ٤٨ عن بعض من تقدم ، وعن : نزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٩ عن السلفي ، ونقله المحمودي في هوامش شواهد التنزيل عن بعض من تقدم وعن أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ١٥٢ وغاية المرام باب ٤٥ ص ٣٤٦.

وأشار إليه مغلطاي في سيرته ٣١ ، والمستطرف ، وكنوز الحقائق ص ٣١. وراجع دلائل الصدق ج ٢ ص ٨١ و ٨٢.

(58) راجع : شرح النهج ج ١٣ ص ٢٦٢.

(59) سيأتي ذلك مع مصادره ومع ما فيه من وجوه ضعف في هذا الكتاب في فصل : جثة خبيب.

(60) راجع : دلائل الصدق ج ٢ ص ٨٢.

(61) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧.

(62) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦٣.

(63) أمالي الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٦٢ ، والبحار ج ١٩ ص ٥٦ عنه.

(64) المصدران السابقان.

(65) نور الأبصار ص ٨٦ ، وشواهد التنزيل ج ١ ص ١٠٢ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤ وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة ، وأمالي الشيخ الطوسي ج ٢ ص ٨٣ ، وتذكرة الخواص ص ٣٥ ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٣٣٠ ، ومناقب الخوارزمي ص ٧٤ و ٧٥ ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٣١ ، والبحار ج ١٩ ص ٦٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥. والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) والمصادر لهذا الشعر كثيرة جدا لا مجال لتتبعها.

(66) البحار ج ١٩ ص ٤٥ عن : الخصال ج ٢ ص ١٤ و ١٥.

(67) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٥.

(68) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧.

(69) الآية ٢٠٢ من سورة البقرة ، الإصابة : ج ٢ في ترجمة صهيب ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣ و ٢٤ والدر المنثور ج ١ ص ٢٠٤ عن ابن سعد ، وابن أبي أسامة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن أبي خيثمة وفي النصوص اختلاف.

(70) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.

(71) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.

(72) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨٢ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢١٨.

(73) راجع : صفين للمنقري ص ٣٢٥. ومجمع البيان ج ٦ ص ٣٦١ ، والبحار ج ١٩ ص ٣٥ عنه ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤.

 

(74) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٢١.

(75) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٢٣ ، وسيرة مغلطاي ص ٣١.

(76) الإصابة ج ٢ ص ١٩٦.

(77) راجع ذلك وغيره في ترجمة صهيب في قاموس الرجال ج ٥ ص ١٣٥ ـ ١٣٧.

 

 

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي