x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الجاهلي :

تعلم الكتابة في الجاهلية وشيوعها

المؤلف:  ناصر الدين الأسد

المصدر:  مصادر الشعر الجاهلي

الجزء والصفحة:  ص :41-51ج1

2-12-2019

4472

 

:تعلم الكتابة في الجاهلية وشيوعها

لم يُعن القدماء من المسلمين -فيما وصل إلينا من كتبهم- بدراسة مناحي الحياة الجاهلية دراسة مفصلة، تتناول أجزاءها ودقائقها في كتب أو رسائل مفردة، يختص كل كتاب بمنحى من مناحي تلك الحياة المتشعبة. ولا يعني ذلك أن هؤلاء القدامى قد أغفلوا الجاهلية إغفالًا، بل لا يكاد كتاب عربي قديم يخلو من ذكر الجاهلية وحياة أهلها، ولكن الحديث عن هذه الجاهلية لم يكن يُقصد لذاته، فتسبر أغواره ويلم شتاته، وإنما كان يُقصد لغيره من موضوعات العصور الإسلامية التي كانوا يكتبون فيها، فيستطردون للحديث عن الجاهلية: متمثلين مستشهدين، أو مقابلين موازنين، أو واعظين منذرين،

(1/41)

أو ممهدين بين يدي حديثهم الأصيل تمهيدًا موجزًا يدخلون منه إلى الحديث عما يقصدون فيكاد يكون حديثهم عن الجاهلية حديثًا عابرًا منثورًا نثرًا متباعدًا في تضاعيف كتبهم وثنايا رسائلهم. ومن هنا كان لا بد للدارس المدقق، الذي يبحث في العصر الجاهلي، من أن يقرأ الكتاب العربي القديم قراءة متمعنة دقيقة، يجرده فيها جردًا كاملًا من عنوانه حتى ختامه، لا يغنيه عن ذلك تبويب الكتاب، ولا هذه الفهارس الدقيقة الشاملة التي يضعها المحدثون للطبعات الحديثة من تلك الكتب القديمة.
وكان من أثر هذا الذي قدمنا أن أخبار حضارة الجاهلية جاءت في هذه الكتب ناقصة شائهة، ثم متناقضة متنافرة في الكتاب الواحد للمؤلف الواحد.
ولكن الصفة الغالبة والسمة الظاهرة التي لا يكاد يشذ عنها كتاب قديم، هي وصف تلك الجاهلية بأنها كانت قليلة الحظ من كل عمران ورقي، بعيدة عن كل مظهر من مظاهر الحضارة والمدنية، وأن العرب كانوا أمة أمية جاهلة لا حظ لها من علم أو معرفة أو كتابة.
ولتجهيل الجاهلية في الكتب العربية أمثلة عديدة أكثر من أن تُستقصى، وحسبنا منها بعضها الذي يشير إلى أميتهم وجهلهم بالكتابة:
قال الجاحظ(1): "وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال.. ثم لا يقيده "العربي" على نفسه ولا يدرسه أحدًا من ولده. وكانوا أميين لا يكتبون".
مع أن الجاحظ نفسه، الذي ينكر على العرب معرفتهم بالكتابة، ويعمهم بوصف الأمية، لا ينكر على أي جنس من الأجناس وأمة من الأمم ذلك، فيقول(2): "وليس في الأرض أمة بها طرق أو لها مسكة، ولا جيل لهم قبض وبسط، إلا ولهم خط ... ".
وابن سعد في طبقاته يسمِّي عددًا كبيرًا من الرجال كانوا يكتبون في الجاهلية،
 (1/42)

ولكنه لا يكاد يذكر ذلك حتى يعقب عليه بقوله: "وكانت الكتابة في العرب قليلة". وهو يقول ذلك في كل مرة يذكر فيها كاتبًا في الجاهلية، لا يكاد يُخِل بذلك مرة واحدة، ذلك مع أننا جمعنا من كتابه وحده عددًا وافرًا من الأخبار عن الكتابة في الجاهلية وأسماء الذين كانوا يكتبون.
ومن أمثلة ذلك أيضًا ما يردده بعضهم من أنه لم يكن أحد يكتب بالعربية حين جاء الإسلام إلا بضعة عشر نفرًا(3).
وهذا عبد القادر البغدادي صاحب الخزانة يورد بيت الحطيئة(4):
سيرى أمام فإن الأكثرين حصًا ... والأكرمين، إذا ما ينسبون، أبا
ثم يقول: "معنى الحصا: العدد، وإنما أطلق على العدد؛ لأن العرب أميون لا يقرءون ولا يعرفون الحساب، إنما كانوا يعدون بالحصا، فأطلق الحصا على العدد!! " أفبعد هذا تجهيل؟ أو بعد هذا أمية وبدائية؟ (5).
وكان من أثر هذه المحاولة التي ترمي إلى تجهيل الجاهلية أن امتد أثرها إلى تجهيل الصحابة أنفسهم -رضي الله تعالى عنهم- بالكتابة، ونعتهم بالأمية.
وما ذلك إلا مبالغة في وصم الجاهلية نفسها بهذا الجهل؛ لأن هؤلاء الصحابة، أو كثرتهم الكاثرة، إنما نشئوا وتم تكونهم الثقافي الفكري في الجاهلية. فقد قال عالم جليل هو ابن قتيبة حين تعرض في حديثه لسماح الرسول الكريم لعبد الله بن عمرو بتقييد الحديث، قال ابن قتيبة(6): "لأنه "أي عبد الله بن عمرو" كان قارئًا للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة
(1/43)

أميين، لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي".
ولا ريب أن هذا القول من ابن قتيبة افتئات على الحقيقة التاريخية، وتعميم لا سند له من الحق. ولو قال ابن قتيبة إن بعض الصحابة كان أميًّا لكان قوله سليمًا لا ريب فيه، أو لو قال إن أكثر الصحابة كان أميًّا لقبلنا هذا القول على أنه حق أو على أنه تجوز وتعميم لا يبعدان عن الحق كثيرًا. أما أن يقول إن الصحابة كانوا "أميين لا يكتب منهم إلا الواحد أو الاثنان" ثم لا يلبث أن يستنكر عليهم أن يكون منهم كاتب واحد أو كاتبان فيستدرك بقوله: "وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي" فذلك هو الإسراف الذي ننكره. وكيف لا ننكره وكتب الطبقات والرجال تعد من الصحابة عشرات بعد عشرات كلهم كاتب ضابط لما يكتب؟ وقد نسي ابن قتيبة في سَوْرة رغبته في تجهيل الجاهلية أن هؤلاء الصحابة الكاتبين إنما تعلم أكثرهم الكتابة في الإسلام لا في الجاهلية، وأن حض الرسول الكريم المسلمين والصحابة على التعلم، وأمره إياهم بتعلم الكتابة خاصة، وعناية المسلمين والصحابة بذلك كلها أمور في غنى عن الإفاضة في الشرح والاستشهاد.
ولا بد لنا من أن نستدرك قبل أن نمضي، وننبه على أن القرآن الكريم قد وصف العرب في جاهليتهم بأنهم أميون، وورد ذلك في ثلاث آيات. قال تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران: 20] ، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] ؛ وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُم} [الجمعة: 2] .

(1/44)

غير أن هذا الوصف بالأمية لا يعني -في رأينا- الأمية الكتابية ولا العلمية، وإنما يعني الأمية الدينية، أي أنهم لم يكن لهم قبل القرآن الكريم كتاب ديني، ومن هنا كانوا أميين دينيًّا، ولم يكونوا مثل "أهل الكتاب" من اليهود والنصارى، الذين كان لهم التوراة والإنجيل.
ومن الأدلة التي نسوقها للاحتجاج لهذا الرأي أن القرآن الكريم قد وصف فريقًا من أهل الكتاب بالأميين، وذلك في قوله تعالى:
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 78، 79] . فأمية هذا الفريق ليست أمية كتابية؛ لأنه قد أخبر أنهم كانوا يكتبون بأيديهم، وإنما هي أمية دينية، أي جهل بالدين وإنكار له وعدم تصديق، ومن أجل هذا فسر ابن عباس هاتين الآيتين فيما رواه ابن جرير الطبري بإسناده إليه(7)، قال: "ومنهم أميون؛ قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولًا أرسله الله، ولا كتابًا أنزله الله، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".
فلا ينقض ما قدما من رأي، وذلك لأنه قال ذلك في حديث الصيام عن رؤية الهلال، وفي الحديث بقية، وهو كاملًا: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا".
(1/45)

فهذا الحديث -أولًا- لا يعني إلا ضربًا خاصًّا من الكتابة والحساب، هو حساب سير النجوم، وتقييد ذلك بالكتابة لمعرفة مطلع الشهر؛ فقد أخبر أن هذا الضرب من العلم المدون المسجل القائم على الحساب والتقويم لم يكن للعرب عهد به، ومن هنا علق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير.
وهذا الحديث -ثانيًا- لا يعني نفي الكتابة والحساب نفيًا عامًّا شاملًا, وذلك لأن عرب الجاهلية قد كانوا يكتبون ويحسبون، وإنما هو نفي لأن تكون الكتابة وأن يكون الحساب نظامًا عامًّا متبعًا في كل الشئون كما كان ذلك عند بعض الأمم الأخرى ذات التقاويم الفلكية.
ومن أجل هذا رأينا أن الحديث لا ينقض ما قدمنا من أمر معرفة العرب بالكتابة بعد أن أقمنا عليها من الشواهد والأدلة ما أقمنا.
-2-
لقد فرغنا منذ قليل من الإشارة إلى أن عرب الجاهلية قد عرفوا الكتابة العربية بهذا الخط الذي عرفه الصحابة، رضوان الله عليهم، في صدر الإسلام، وأن معرفة الجاهليين بهذه الكتابة قد امتدت، في الجاهلية، ثلاثة قرون على أقل تقدير، وأن ذلك ثبت بالبرهان القاطع، والدليل المادي الملموس الذي لا سبيل إلى دفعه. وسنفصل القول هنا، وفيما سيتلو من صفحات، في معرفة الجاهلية بالكتابة تفصيلًا يدعم ما أظهرته لنا النقوش الجاهلية ويزيد جوانب الأمر جلاءً ووضوحًا(8).
(1/46)

ونحب أن نبدأ حديثنا بإيراد نص لابن فارس، مشرق العبارة، ناصع الحجة، هو خير ما قرأناه في هذا الموضوع. قال ابن فارس بعد أن عرض لذكر بعض الأعراب ممن كان لا يحسن الكتابة(9): " ... فأما من حُكي عنه من الأعراب الذين لم يعرفوا الهمز والجر والكاف والدال، فإنا لم نزعم أن العرب كلها، مدرًا ووبرًا، قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها. وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم: فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة، وأبو حية "النميري الذي لم يعرف الكاف" كان أمس، وقد كان قبله بالزمن الأطول من يعرف الكتابة ويخط ويقرأ، وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتبون.. أفيكون جهل أبي حية بالكتابة حجة على هؤلاء الأئمة؟ والذي نقوله في الحروف هو قولنا في الإعراب والعروض. والدليل على صحة هذا وأن القوم قد تداولوا الإعراب انا نستقرئ قصيدة الحطيئة التي أولها:
شاقتك أظعان لليـ ... لي دون ناظرة بواكر
فنجد قوافيها كلها عند الترنم والإعراب تجيء مرفوعة، ولولا علم الحطيئة بذلك لأشبه أن يختلف إعرابها؛ لأن تساويها في حركة واحدة -اتفاقًا من غير قصد- لا يكاد يكون.
فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أول من وضع العربية، وأن الخليل أول من تكلم في العروض، قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول إن هذين العِلْمَين قد كانا قديمًا، وأتت عليهما الأيام، وقلَّا في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان، وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب. وأما العروض فمن الدليل على أنه كان متعارفًا معلومًا اتفاق أهل العلم على أن المشركين لما سمعوا
(1/47)

القرآن قالوا -أو من قال منهم-: إنه شعر. قال الوليد بن المغيرة منكرًا عليهم: لقد عرضت ما يقرؤه محمد على أقراء الشعر: هزجه ورجزه وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئًا من ذلك. أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر؟ ...
ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء والهمز والمد والقصر. فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنًا في مثل "الخبء" و"الدفء" و"الملء" فصار ذلك كله حجة، وحتى كره من العلماء ترك اتباع المصحف من كره".
فابن فارس يذهب إذن إلى تقرير معرفة بعض العرب في الجاهلية وصدر الإسلام بالكتابة معرفة دقيقة، ثم يذهب إلى أبعد من هذا حين يقرر معرفتهم بعلوم اللغة وقواعدها وعروضها؛ ويرد على من يذهب إلى استحداث هذه العلوم بعد الإسلام بدهر ردًّا يغنينا عن أن نتصدى نحن له. ومع أن ابن فارس قد قيد كلامه هذا بقوله: "فإنا لم نزعم أن العرب كلها: مدرًا ووبرًا، قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم: فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة ... "، نقول: مع أن ابن فارس قيد كلامه وحصر معرفة العرب بهذه العلوم في أهل المدر والبيئات المتحضرة، إلا أننا، فضلًا عن ذلك، نستبعد أن يكون العرب، حتى أهل المدر، قد عرفوا النحو والعروض من حيث هما علمان لهما مصطلحات وقواعد، بالمعنى الذي عرفه المسلمون بعد ذلك. والأرجح أن ابن فارس يقصد أن العرب كانوا يعرفون من أمر النحو ومن أمر العروض وعيوب القافية ما يستطيعون به أن يميزوا الصحيح من الخطأ، وما أصبح بعد ذلك أساسًا لعلمي النحو والعروض. فإن كان ابن فارس يعني هذا الذي قدمناه، فإننا نحب أن نضيف إلى ما أورد أمثلة أخرى تسند أمثلته وتقويها.

(1/48)

فمن أمثلة ما ذكره عن معرفة الجاهليين بالعروض ما أورده ابن سعد والزمخشري في حديث إسلام أبي ذر الغفاري(10)، وذلك قول أبي ذر: "قال لي أخي أنيس: إن لي حاجة بمكة. فانطلق، فراث، فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلًا على دينك يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: ساحر كاهن شاعر. وكان أنيس أحد الشعراء فقال: والله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد..".
ومثل ثانٍ لمعرفتهم بالعروض وعيوب القافية، ما ذكره أبو عبيدة قال(11): "حدثني أبو عمرو بن العلاء قال: فحلان من الشعراء كانا يقويان: النابغة وبشر بن أبي خازم: فأما النابغة فدخل يثرب فغُنِّى بشعره، ففطن فلم يعد إلى إقواء. وأما بشر فقال له سوادة أخوه: إنك تقوى. فقال له: وما الإقواء؟ " وفي رواية أخرى "فقال له أخوه سمير: أكفأت وأسأت. فقال: وما ذاك؟ ".
فقد كان القوم إذن يعرفون الإكفاء والإقواء، وإن جهله أحدهم أو بعضهم فاحتاج إلى من يذكِّره به ويعرفه إياه.
ومثل ثالث: تلك القصة التي جرت بين النابغة الذبياني وحسان بن ثابت(12)، ولا يعنينا منها إلا قول النابغة لحسان حين أنشده قصيدته التي فيها:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
قال النابغة: "أقللت جفانك وأسيافك! " وذلك لأن "أسيافًا" جمع لأدنى العدد، والكثير "سيوف"، و"الجفنات" لأدنى العدد، والكثير "جفان".
فهل كان النابغة يعرف جموع القلة وجموع الكثرة؟ لست أدري لم ننكر عليه ذلك بالمعنى الذي أوضحناه، إلا أن يكون إنكارنا ضربًا من ضروب "تجهيل الجاهلية" الذي أسلفنا الإشارة إليه.
(1/49)

فإذا كان القوم، أبو بعض القوم، يعرفون الكتابة وبعض ضروب المعرفة الأخرى فأين تراهم تعلموها؟ أتناقلوها تناقلًا شفهيًّا عابرًا من غير أن يقصدوا إلى تعلمها قصدًا، ومن غير أن يعمدوا إلى معرفتها عمدًا؟ أم أخذوها عن مسلمين كانوا منقطعين إلى تعليمها في أماكن خاصة أعدت لتلقي هذه الضروب من المعرفة؟
أما وجود المعلمين في الجاهلية فأمر ثابت منصوص عليه في وضوح لا يقبل الشك، فقد عقدت بعض المصادر العربية فصلًا خاصًّا أثبتت فيه جريدة بأسماء المعلمين في الجاهلية والإسلام(13). فمن هؤلاء المعلمين في الجاهلية: عمرو بن زرارة، وكان يسمى كذلك الكاتب؛ وغيلان بن سلمة بن معتب، جاهلي أسلم يوم الطائف، والطائف هي التي أخرجت، بعد غيلان، يوسف بن الحكم الثقفين وابنه الحجاج بن يوسف المعلمين فيها، وشهرة الطائف، وقبيلة ثقيف خاصة، بالكتابة وإتقانها منذ الجاهلية، دعت عمر بن الخطاب إلى أن يجعل كتبة المصحف من قريش وثقيف، ودعت عثمان بن عفان إلى أن يقول: "اجعلوا؟؟؟ من هذيل والكاتب من ثقيف". بل إن هذه المصادر لتذكر أن بشر بن عبد الملك السكوني لم يمنعه شرفه، ولا كونه أخا أكيدر صاحب دومة الجندل، من أن يكون معلمًا في الجاهلية.
وأما تعلم الكتابة في مدارس خاصة بهذا الغرض فأمر لا يقل عن سابقه يقينًا وثباتًا، فقد ذكر ابن سعد والطبري(14) أن جفينة -وكان نصرانيًّا من أهل الحيرة ظئرًا لسعد بن أبي وقاص- أقدمه للصلح الذي بينه وبينهم، وليعلم بالمدينة الكتابة.
وذكر البلاذري نقلًا عن الواقدي أنه(15): "كان الكتاب في الأوس
(1/50)

والخزرج قليلًا، وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان يعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون".
وذكر الطبري أنه(16) "حين نزل خالد بن الوليد الأنبار رآهم يكتبون العربية ويتعلمونها". وقال ياقوت(17): إن خالد بن الوليد لما خرج إلى عين تمر وجدوا في كنيسة صبيانًا يتعلمون الكتابة في قرية من قرى عين التمر يقال لها النقيرة، وكان فيهم حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وقال أمية بن أبي الصلت يمدح بني إياد(18):
قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعًا والقط والقلم
وذكروا كذلك أن عدي بن زيد العبادي حين نما "وأيفع طرحه أبوه في الكُتَّاب"(19) حتى حذق العربية.
وكما كانت الكتابة في الجاهلية تدرس وتعلم في الكُتَّاب، كانت للعلم مجالس تعقد فتتدارس فيها الأخبار والأشعار والأنساب. قال ابن عباس رضي الله عنه(20): "كانت قريش تألف منزل أبي بكر لخصلتين: العلم والطعام، فلما أسلم أسلم عامة من كان مجالسه".
وكان في الجاهلية من ينصب نفسه لتعليم الأخبار وقصص التاريخ، فيقصده من يقصده يستمليها ويكتبها، وقد أنبأنا النبأ اليقين بذلك كتاب الله، قال تعالى(21):
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} .
(1/51)

وذهب المفسرون والمؤرخون إلى أن هذه الآية نزلت في بعض من كان يقول ذلك، مثل: النضر بن الحارث، الذي "كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا فدعا فيه إلى الله تعالى، وتلا فيه القرآن، وحذر فيه قريشًا ما أصاب الأمم الحالية خلفه في مجلسه إذا قام، فحدثهم عن رستم السنديد، وعن اسفنديار، وملوك فارس، ثم يقول: والله ما محمد بأحسن حديثًا مني، وما حديثه إلا أساطير الأولين، اكتتبها كما اكتتبتها"(22).
فقد كان إذن في الجاهلية معلمون يعلمون القراءة والكتابة وضروبًا من العلم، منها: أخبار الأولين وقصص التاريخ؛ وقامت في البيئات الجاهلية المتحضرة مثل: مكة والمدينة والطائف والحيرة والأنبار وغيرها مدارس يتعلم فيها الصبيان الكتابة العربية.
-3-
ولشيوع الكتابة في الجاهلية أمثلة أخر كثيرة، لعل من أنصعها بيانًا ما أورده الجهشياري(23)، وابن عبد ربه(24)، والمسعودي(25)، من ذكر أسماء الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جعلوهم مراتب، وقدروهم منازل: فكُتَّاب يكتبون بين يديه صلى الله عليه وسلم فيما يعرض من أموره وحوائجه، وآخرون يكتبون بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات، وآخرون يكتبون أموال الصدقات، وكاتب يكتب خرص الحجاز(26)، وآخر يكتب مغانم رسول
(1/52)

الله صلى الله عليه وسلم، وثالث يكتب إلى الملوك ويجيب رسائلهم ويترجم بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، وكتاب آخرون يكتبون الوحي. ثم يعقب المسعودي بعد أن ينتهي من ذكر أسماء هؤلاء الكتاب واختصاصهم بقوله: "وإنما ذكرنا من أسماء كتابه صلى الله عليه وسلم من ثبت على كتابته، واتصلت أيامه فيها، وطالت مدته، وصحت الرواية على ذلك من أمره، دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة إذ كان لا يستحق بذلك أن يُسمى كاتبًا ويضاف إلى جملة كُتَّابه".
فأي شيوع نرجوه للكتابة أكثر من أن يبلغ الكاتبون من الكثرة منزلة تجعلهم يتخصصون في أنواع ما يكتبون، يستقل كل فرد منهم أو كل جماعة بضرب واحد؟ وما أكثر هؤلاء الكتاب الذين يورد المسعودي ما شاء من أسمائهم ثم يقول إنه أغفل تسمية الذين كتبوا الكتاب الواحد والكتابين والثلاثة إذ كانوا لا يستحقون بذلك أن يُسموا كتابًا!! إن هذه الكثرة في عدد الكاتبين هي التي دعت عمر بن الخطاب إلى أن يقول(27): "لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف"، ودعت كذلك عثمان بن عفان إلى أن يقول: "اجعلوا المملي من هذيل والكاتب من ثقيف"؛ إذ لو كانت الكتابة قليلة بين العرب لقبل عمر وعثمان من أي كاتب أن يكتب، فحسبهما أن يعثرا على كاتب، ولما كان لهما هذا المجال للانتقاء والاختيار.
وعلى ضوء ما قدمنا نستطيع أن نفهم فداء الأسرى في بدر حين أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن كان كاتبًا من الأسرى أن يفدي نفسه بتعليم عشرة من صبيان المسلمين الكتابة والقراءة(28). إذ لا ريب أن هذا الإذن لم يكن منصبًّا على حالة فردية، وإنما يدل على أن هؤلاء الكاتبين من الأسرى كانوا جماعات.
ثم ما قيمة هذه الكتب التي كان يكتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأفراد
(1/53)

والقبائل يؤمنهم فيها، إذا لم يكن القوم يعرفون القراءة حتى يتم للمؤمن هدفه من بلوغ الأمن عند من يتعرض له(29).
وكانت الكتابة في الجاهلية شرطًا لا بد منه للعربي ليكون ذا مكانة في قومه.
فقد كان من يحسن العوم والرمي والكتابة يسمى كاملًا(30)؛ وقد زاد بعضهم أن الكامل لا بد أن يكون -مع معرفته العوم والرماية والكتابة- شاعرًا شجاعًا(31).
وهذه الخصال، متفرقة، كثيرة شائعة بين القوم آنذاك، وإن كانت، مجتمعة، أقل من ذلك شيوعًا وكثرة. فكم كان في العرب آنذاك من شاعر! وكم كان فيهم من شجاع! وكم كان فيهم من رامٍ! وكم كان فيهم ممن يعرف العوم؛ فلِمَ تكون الكتابة وحدها -من بين هذه الخصال كلها- عزيزة نادرة؟ ولم لا نقول -كما قلنا في الخصال الأخرى-: وكم كان في العرب آنذاك من كاتب! ثم إذا كانت الكتابة شرطًا لا بد منه ليكون المرء من الكملة، فلمَ لا يكون الساعون إلى الكمال كثيرين؟
-4-
ولم يكن العربي يكتفي بمعرفة الكتابة العربية وحدها، بل لقد تجاوز -فيما يبدو- هذه المرحلة الأولى من تعلم الكتابة، واضطرته أحوال معاشية تجارية، وأخرى فكرية ثقافية، إلى أن يتعلم كتابة اللغات الأخرى. فقد مر بنا أن عدي بن زيد العبادي تعلم في الكتاب الخط العربي ثم الخط الفارسي "فصال أفصح
(1/54)

الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية، ثم انتقل إلى بلاد فارس فأصبح كاتبًا بالعربية ومترجمًا في ديوان كسرى"(32). وكذلك كان لقيط بن يعمر الإيادي كاتبًا بالعربية ويحسن الفارسية، فكان من أجل ذلك مترجمًا في ديوان كسرى. وكان ورقة بن نوفل "يكتب الكتاب العبراني فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء أن يكتب"(33). وكان عبد الله بن عمرو بن العاص كثير العناية بكتب أهل الكتاب(34)، وكان يقرأ بالسريانية(35). وزيد بن ثابت تعلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتابة العبرانية(36) والسريانية(37) والفارسية والرومية والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن(38). ويبدو أن كتب أهل الكتاب، سواء أكانت مترجمة إلى العربية أم مكتوبة بغيرها من اللغات، كانت تلقى من العناية لدى بعض العرب ما يحملهم على مدارستها؛ ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما ذكره خالد بن عرفطة قال(39): كنت جالسًا عند عمر، إذ أتي برجل من عبد القيس، سكنه بالسوس، فقال له عمر: أنت فلان ابن فلان العبدي؟ قال: نعم. قال: وأنت النازل بالسوس؟ قال: نعم. فضربه بقناة معه. فقال الرجل: ما لي يا خليفة؟ فقال له عمر: اجلس. فجلس، فقرأ عليه "بسم الله الرحمن الرحيم {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} إلى {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} ". فقرأها عليه ثلاثًا، وضربه ثلاثًا. فقال له الرجل: ما لي ؟ فقال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ قال: مرني بأمرك أتبعه. قال: انطلق
(1/55)

فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه ولا تقريه أحدًا من الناس فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدًا من الناس لأنهكتك عقوبة(40). ثم قال له: اجلس. فجلس بين يديه، فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابًا من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا في يدك يا عمر؟ قال: قلت: يا رسول الله كتاب انتسخته لنزداد به علمًا إلى علمنا. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ...
وكما كان بعض العرب يعرفون اللغات الأخرى ويكتبونها فقد كان بين الأقوام الأخرى من يعرف العربية ويكتبها، فقد كان بعض اليهود في المدينة يعرف الكتابة العربية(41)، وكان في مصر من يكتب العربية كذلك(42)، كما كان في بلاط كسرى كتاب ومترجمون يكتبون العربية ويترجمون منها إلى غيرها من اللغات، ومن تلك اللغات إلى العربية.
ولم يكن الرجال وحدهم هم الكاتبين القارئين، وإنما كان بعض النساء كذلك يكتبن(43)، ومنهن: الشفاء بنت عبد الله العدوية، من رهط عمر بن الخطاب، "وكانت الشفاء كاتبة في الجاهلية"؛ وهي التي علمت الكتابة حفصة بنت عمر زوج الرسول الكريم.
(1/56)

وحقيق بنا، ونحن نتحدث عن الكتابة في الجاهلية وشيوعها، ألا نغفل الإشارة إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي ذكرت الكتابة. أما الآيات الكريمة التي تضمنت الإشارة إلى معرفة الجاهلية العربية بالكتابة معرفة واسعة عميقة، فحسبنا أن نقتصر على ذكر ثلاث منها، والحق أن قيمة هذه الآيات لا تقتصر على وضوح دلالتها، وإنما تتجاوز ذلك إلى قيمتها التاريخية إذ إنها وثيقة أولى لا سبيل إلى التشكيك فيها.
أما الآية الأولى فقد أشرنا إليها من قبل في معرض حديثنا عن مجلس العلم في الجاهلية، إذ أنها تبين عن أن بعض الجاهليين كانوا يدونون الأخبار والقصص والتاريخ، وأن هناك من كان يملي هذه الموضوعات في مجالسه، قال تعالى(44):
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} .
والآية الثانية تبين عن أن عرب الجاهلية كانوا يطالبون الرسول بآيات ومعجزات تقنعهم بنبوته، ومن هذه الآيات والمعجزات، أن ينزل عليهم كتابًا من السماء يقرءونه، قال تعالى(45):
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ... أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا} .
وفي الآية الثالثة يشير تعالى إلى أن هؤلاء العرب مكابرون، وسيشكون في هذا الكتاب ولو نزل عليهم في صورة مادية يرونها ويلمسونها. قال تعالى(46):
(1/57)

{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ} .
أما الأحاديث فكثيرة، متضاربة في ظاهرها، تناولها علماء الحديث والفقه بالبحث، وسنعود إليها في مكان آخر حين نتحدث عن نشأة التدوين في الفصل التالي. وحسبنا الآن أن نشير غلى كتاب "تقييد العلم" للخطيب البغدادي؛ فقد قسم المؤلف كتابه أقسامًا، عرض في أحدها الأحاديث الناهية عن الكتابة، وعرض في قسم آخر الأحاديث المبيحة للكتابة الحاثة على تقييد العلم. ثم خلص من هذا وذاك إلى ما يراه في هذا الموضوع فيقول(47): "فقد ثبت أن كراهة من كره الكتاب من الصدر الأول، إنما هي لئلا يضاهَى بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه، ونُهِيَ عن الكتب القديمة أن تتخذ؛ لأنه لا يُعرف حقها من باطلها وصحيحها من فاسدها، مع أن القرآن كفى منها، وصار مهيمنًا عليها. ونُهِيَ عن كتب العلم في صدر الإسلام وجدته لقلة الفقهاء في ذلك الوقت، والمميزين بين الوحي وغيره؛ لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين، ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يُؤمَن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن، ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن".
فالخطيب البغدادي إذن إنما يرجع سبب النهي عن الكتابة في الحديث النبوي إلى "قلة الفقهاء في ذلك الوقت"، ولم يرجعها إلى قلة الكاتبين أو إلى أن العرب والصحابة كانوا أميين كما ذهب كثير من الذين يلقون الكلام إلقاء عامًّا لا تحقيق فيه ولا تدقيق. بل إننا لنزيد على ذلك فنرى أن هذه الأحاديث نفسها الناهية عن الكتابة إنما تدل على وجود الكتابة وشيوعها آنذاك شيوعًا جعل الرسول الكريم ينهاهم عن كتابة الحديث. ولولا ذاك لكان في غنى عن هذا النهي.

 

 

 

__________
 البيان والتبيين 3: 28.(1)
 (2)  الحيوان 1: 71

 ابن عبد ربه، العقد 4: 242.(3)
 (4)الخزانة، سلفية 3: 260-261، والبيت في ديوان الحطيئة: 6
 (5) ومع ذلك فإن في هذا الكلام وجه حق لو أنه حدد ووضح ونص على أن كلمة "أحصى" من أقدم الكلمات تاريخًا في اللغة العربية؛ لأنها شاهدة على أنها كانت تعيش في الزمن الأول البدائي الذي كان العرب فيه لا يعرفون الحساب وإنما يعدون بالحصى.
 (6) مختلف الحديث "ط. مصر" 1326 ص365-366

 (7) تفسير الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر 2: 258-259؛ وانظر كتاب "المرأة في الشعر الجاهلي" للدكتور أحمد محمد الحوفي، ص333-334.

 (8) من خير ما كتب في هذا الموضوع الفصل الذي عقده الدكتور أحمد محمد الحوفي في كتابه "المرأة في الشعر الجاهلي" من ص327-335.

 الصاحبي: 8-11.(9)

 الطبقات الكبير 4/ 1: 161-162، والفائق 1: 518 (10)
 المرزباني، الموشح: 59.(11)
 الموشح: 60.(12)

 (13)ابن حبيب، المحبر: 475؛ وابن رسته، الأعلاق النفيسة: 216

الطبقات 3/ 1: 258، وتاريخ الطبري "مصر" 5: 42.(14)
 فتوح البلدان "مصر": 479.(15)

 تاريخ 4: 20.(16)
 معجم البلدان "نقيرة".(17)
 ابن هشام، السيرة 1: 48.(18)
 الأغاني 2: 101.(19)
 الجاحظ، البيان والتبيين 4: 76.(20)
 سورة الفرقان: 5.(21)

 ابن هشام، السيرة1: 383-384.(22)
 كتاب الوزراء والكتاب: 12-14.(23)
 العقد 4: 246.(24)
 التنبيه والإشراف: 245-246.(25)
 (26)الخرص "بفتح الخاء": حزر ما على النخل من الرطب تمرًا "أي تقديره"؛ وكم خرص أرضكم "بكسر الخاء"، أي: ما خواص فيها. فالمصدر بالفتح، والاسم بالكسر.

 (27)ابن فارس، الصاحبي: 28
 ابن سعد، الطبقات 2/ 1: 14.(28)

(29) انظر مثلًا كتابه صلى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش في ابن سعد 1/ 2: 30، وكتابه إلى ماعز البكائي في ابن سعد 7: 31
 ابن سعد 3/ 2: 136، 142، 148 وغيرها.(30)
 أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني "ط. دار الكتب" 3: 25.(31)

 الأغاني 2: 101-102.(32)
 الأغاني 3: 120.(33)
 ابن حجر، فتح الباري 1: 184؛ وأبو نعيم، حلية الأولياء 1: 285.(34)
 ابن سعد: الطبقات 4/ 2: 11؛ وابن قتيبة، المعارف: 125.(35)
 البلاذري، فتوح البلدان: 479.(36)
 السجستاني، كتاب المصاحف: 3.(37)
 المسعودي، التنبيه والإشراف: 246.(38)
 الخطيب البغدادي، تقييد العلم: 51.(39)

النهك: المبالغة في العقوبة.(40)

 ابن قتيبة، المعارف: 192؛ والبلاذري، فتوح البلدان: 479.(41)
 ابن عبد الحكم، فتوح مصر وأخبارها: 47.(42)
 البلاذري، فتوح البلدان: 477-478.(43)

 سورة الفرقان، آية: 5.(44)
 سورة الإسراء، آية 90-93.(45)
 سورة الأنعام، آية: 7.(46)

 

الخطيب البغدادي، تقييد العلم: 57.(47)