التوحيد والمحبة
المؤلف:
السيد عبد الحسين دستغيب
المصدر:
الذنوب الكبيرة
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص70-71
22-6-2019
2857
الشخص الموحد الذي علم يقيناً بان المنعم عليه وعلى جميع المخلوقات هو الله وحده، وان اي شيء وصله من اي مخلوق هو من الله والاسباب مسخرة له، يجب ان يكون علاقته القلبية وحبه لله وحده، وأي مخلوق لا يحبه بالاستقلال، وحبه لغير الله يجب ان يكون من جهة ان هذا المخلوق محبوب الله (حب محبوب الله حب لله) وحبه مورد امر الله، مثل الملائكة والانبياء والائمة والمؤمنين والدار الاخرة، والجنة، او من جهة ان هذا المخلوق هو نعمة وعطاء الرب، وبواسطة شكره يستطيع ان يرضي الرب ويقترب منه، مثل المرأة والاطفال والمال، بل يحب اصل الحياة الدنيوية التي يستطيع فيها ان يحصل على المعرفة والعبودية، وفي اي وقت احب مخلوقاً بالاستقلال – يعني لا من اجل الله – فقد ابتلي بمرتبة من الشرك.
لكن المستفاد من الآيات والروايات ان حب غير الله اذا كان اشد واكثر من حب الله – بحيث يرجح غير الله عند التزاحم – فذاك شرك وحرام، ويستحق لأجله العقوبة، مثل من يحب ماله اكثر من حب الله، بنحو لا يكون مستعداً لصرفها في الموارد التي اوجبها الله.
وهذا المطلب فصلناه في بحث حب الدنيا من كتاب (القلب السليم). على القارئ العزيز مراجعته.
الشيء الذي يلزم التذكير به في المقام، هو ان طالب السعادة يجب ان يسعى لان لا يكون في قلبه حب استقلالي لأي مخلوق، وشواهد المطلب كثيرة نكتفي بنقل ثلاث روايات :
- سئل ابو عبدالله (عليه السلام) عن قوله تعالى : {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 89].
فقال (عليه السلام): (القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه احد سواه).
وقال (عليه السلام): (وكل قلب فيه شرك او شك فهو ساقط) .
- قال ابو عبدالله (عليه السلام): (لا يمحض رجل الايمان بالله حتى يكون الله أحب اليه من نفسه وابيه وامه وولده واهله وماله ومن الناس كلهم.
- روي ان سليمان رأى عصفوراً يقول لعصفورة : لم تمنعين نفسك مني ولو شئت اخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر؟ فتبسم سليمان من كلامه، ثم دعاهما وقال للعصفور : أتطيق ان تفعل ذلك، فقال : لا يا رسول الله ، ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته ، والمحب لا يلام على ما يقول ، فقال سليمان للعصفورة : لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك؟
فقالت يا نبي الله إنه ليس محباً ولكنه مدع، لأنه يحب معي غيري) .
فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان (عليه السلام) وبكى بكاء شديداً، واحتجب عن الناس أربعين يوماً يدعو الله ان يفرغ قلبه لمحبته، وان لا يخالطها بمحبة غيره.
- التوحيد والشرك في الطاعة :
الشخص المؤمن بعد ان علم يقيناً ان الخالق والرازق والمدبر والمربي له ولسائر المخلوقات واحد لا شريك له في أية مرتبة من مراتب الالوهية وشؤون الربوبية، فبحكم العقل والايمان لا ينبغي ان يتخذ غيره في مقام الاطاعة والامتثال آمراً، بل يعتقد انه وحده لازم الاطاعة، يستوي في ذلك هو وسائر المخلوقات، التي هي جميعاً مخلوقة وعاجزة وضعيفة ولا شيء لها من ذاتها.
{وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: 3] .
وبما ان المنعم عليه وعلى سائر المخلوقات هو الذات الاحدية فقط، اذن فإن سيده ووليه وولي سائر المخلوقات هو الله فقط، لا يرى غيره حاكما والولاية له لا غير.
نعم، كل من عينه الله واعطاه الولاية وامر الخالق بالرجوع اليه، فهو واجب الاطاعة قهراً؛ لان الله عينه.
الاكثر قراءة في فضائل عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة