النحو
اقسام الكلام
الكلام وما يتالف منه
الجمل وانواعها
اقسام الفعل وعلاماته
المعرب والمبني
أنواع الإعراب
علامات الاسم
الأسماء الستة
النكرة والمعرفة
الأفعال الخمسة
المثنى
جمع المذكر السالم
جمع المؤنث السالم
العلم
الضمائر
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بـ (ال)
المبتدا والخبر
كان وأخواتها
المشبهات بـ(ليس)
كاد واخواتها (أفعال المقاربة)
إن وأخواتها
لا النافية للجنس
ظن وأخواتها
الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل
الأفعال الناصبة لمفعولين
الفاعل
نائب الفاعل
تعدي الفعل ولزومه
العامل والمعمول واشتغالهما
التنازع والاشتغال
المفعول المطلق
المفعول فيه
المفعول لأجله
المفعول به
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
الحروف وأنواعها
الإضافة
المصدر وانواعه
اسم الفاعل
اسم المفعول
صيغة المبالغة
الصفة المشبهة بالفعل
اسم التفضيل
التعجب
أفعال المدح والذم
النعت (الصفة)
التوكيد
العطف
البدل
النداء
الاستفهام
الاستغاثة
الندبة
الترخيم
الاختصاص
الإغراء والتحذير
أسماء الأفعال وأسماء الأصوات
نون التوكيد
الممنوع من الصرف
الفعل المضارع وأحواله
القسم
أدوات الجزم
العدد
الحكاية
الشرط وجوابه
الصرف
موضوع علم الصرف وميدانه
تعريف علم الصرف
بين الصرف والنحو
فائدة علم الصرف
الميزان الصرفي
الفعل المجرد وأبوابه
الفعل المزيد وأبوابه
أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)
اسناد الفعل الى الضمائر
توكيد الفعل
تصريف الاسماء
الفعل المبني للمجهول
المقصور والممدود والمنقوص
جمع التكسير
المصادر وابنيتها
اسم الفاعل
صيغة المبالغة
اسم المفعول
الصفة المشبهة
اسم التفضيل
اسما الزمان والمكان
اسم المرة
اسم الآلة
اسم الهيئة
المصدر الميمي
النسب
التصغير
الابدال
الاعلال
الفعل الصحيح والمعتل
الفعل الجامد والمتصرف
الإمالة
الوقف
الادغام
القلب المكاني
الحذف
المدارس النحوية
النحو ونشأته
دوافع نشأة النحو العربي
اراء حول النحو العربي واصالته
النحو العربي و واضعه
أوائل النحويين
المدرسة البصرية
بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في البصرة وطابعه
أهم نحاة المدرسة البصرية
جهود علماء المدرسة البصرية
كتاب سيبويه
جهود الخليل بن احمد الفراهيدي
كتاب المقتضب - للمبرد
المدرسة الكوفية
بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الكوفة وطابعه
أهم نحاة المدرسة الكوفية
جهود علماء المدرسة الكوفية
جهود الكسائي
الفراء وكتاب (معاني القرآن)
الخلاف بين البصريين والكوفيين
الخلاف اسبابه ونتائجه
الخلاف في المصطلح
الخلاف في المنهج
الخلاف في المسائل النحوية
المدرسة البغدادية
بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في بغداد وطابعه
أهم نحاة المدرسة البغدادية
جهود علماء المدرسة البغدادية
المفصل للزمخشري
شرح الرضي على الكافية
جهود الزجاجي
جهود السيرافي
جهود ابن جني
جهود ابو البركات ابن الانباري
المدرسة المصرية
بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو المصري وطابعه
أهم نحاة المدرسة المصرية
جهود علماء المدرسة المصرية
كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك
جهود ابن هشام الانصاري
جهود السيوطي
شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك
المدرسة الاندلسية
بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الاندلس وطابعه
أهم نحاة المدرسة الاندلسية
جهود علماء المدرسة الاندلسية
كتاب الرد على النحاة
جهود ابن مالك
اللغة العربية
لمحة عامة عن اللغة العربية
العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)
العربية الجنوبية (العربية اليمنية)
اللغة المشتركة (الفصحى)
فقه اللغة
مصطلح فقه اللغة ومفهومه
اهداف فقه اللغة وموضوعاته
بين فقه اللغة وعلم اللغة
جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة
جهود القدامى
جهود المحدثين
اللغة ونظريات نشأتها
حول اللغة ونظريات نشأتها
نظرية التوقيف والإلهام
نظرية التواضع والاصطلاح
نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح
نظرية محاكات أصوات الطبيعة
نظرية الغريزة والانفعال
نظرية محاكات الاصوات معانيها
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية
نظريات تقسيم اللغات
تقسيم ماكس مولر
تقسيم شليجل
فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)
لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية
موطن الساميين الاول
خصائص اللغات الجزرية المشتركة
اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية
تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)
اللغات الشرقية
اللغات الغربية
اللهجات العربية
معنى اللهجة
اهمية دراسة اللهجات العربية
أشهر اللهجات العربية وخصائصها
كيف تتكون اللهجات
اللهجات الشاذة والقابها
خصائص اللغة العربية
الترادف
الاشتراك اللفظي
التضاد
الاشتقاق
مقدمة حول الاشتقاق
الاشتقاق الصغير
الاشتقاق الكبير
الاشتقاق الاكبر
اشتقاق الكبار - النحت
التعرب - الدخيل
الإعراب
مناسبة الحروف لمعانيها
صيغ اوزان العربية
الخط العربي
الخط العربي وأصله، اعجامه
الكتابة قبل الاسلام
الكتابة بعد الاسلام
عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه
أصوات اللغة العربية
الأصوات اللغوية
جهود العرب القدامى في علم الصوت
اعضاء الجهاز النطقي
مخارج الاصوات العربية
صفات الاصوات العربية
المعاجم العربية
علم اللغة
مدخل إلى علم اللغة
ماهية علم اللغة
الجهود اللغوية عند العرب
الجهود اللغوية عند غير العرب
مناهج البحث في اللغة
المنهج الوصفي
المنهج التوليدي
المنهج النحوي
المنهج الصرفي
منهج الدلالة
منهج الدراسات الانسانية
منهج التشكيل الصوتي
علم اللغة والعلوم الأخرى
علم اللغة وعلم النفس
علم اللغة وعلم الاجتماع
علم اللغة والانثروبولوجيا
علم اللغة و الجغرافية
مستويات علم اللغة
المستوى الصوتي
المستوى الصرفي
المستوى الدلالي
المستوى النحوي
وظيفة اللغة
اللغة والكتابة
اللغة والكلام
تكون اللغات الانسانية
اللغة واللغات
اللهجات
اللغات المشتركة
القرابة اللغوية
احتكاك اللغات
قضايا لغوية أخرى
علم الدلالة
ماهية علم الدلالة وتعريفه
نشأة علم الدلالة
مفهوم الدلالة
جهود القدامى في الدراسات الدلالية
جهود الجاحظ
جهود الجرجاني
جهود الآمدي
جهود اخرى
جهود ابن جني
مقدمة حول جهود العرب
التطور الدلالي
ماهية التطور الدلالي
اسباب التطور الدلالي
تخصيص الدلالة
تعميم الدلالة
انتقال الدلالة
رقي الدلالة
انحطاط الدلالة
اسباب التغير الدلالي
التحول نحو المعاني المتضادة
الدال و المدلول
الدلالة والمجاز
تحليل المعنى
المشكلات الدلالية
ماهية المشكلات الدلالية
التضاد
المشترك اللفظي
غموض المعنى
تغير المعنى
قضايا دلالية اخرى
نظريات علم الدلالة الحديثة
نظرية السياق
نظرية الحقول الدلالية
النظرية التصورية
النظرية التحليلية
نظريات اخرى
النظرية الاشارية
مقدمة حول النظريات الدلالية
أخرى
نشأة النحو وتدرُّجه
المؤلف: محمد الطنطاوي
المصدر: نشأة النحو وتاريخ اشهر النحاة
الجزء والصفحة: ص20- 36
24-02-2015
9209
نشأ النحو أول أمره صغيرا، شأن كل كائن، فوضع أبو الأسود منه ما أدركه عقله، ونفذ إليه تفكيره، ثم أقره الإمام على ما وضعه وأشار عليه أن يقتفيه، فقام بما عهد إليه خير قيام، ولم يهتد بحث العلماء إلى يقين فيما وضعه أبو الأسود أولا على ما سلف تفصيلا، وكانت هذه النهضة الميمونة بالبصرة التي كان في أهلها ميل بالطبيعة إلى الاستفادة من هذا الفن اتقاء لوباء اللحن الزاري بصاحبه وخاصة الموالي الذين كانوا أحوج الناس حينذاك إلى تلقي هذا العلم رغبة منهم في تقويم لسانهم وتخليصه من رطانة العجمة، وحبا في معرفة لغة الدين الذي اعتنقوه، وطمعا في رفع قدرهم بين العرب، فصدقت عزيمتهم في دراسته والتزيد منه، وما انفكوا جادين فيه بعدئذ حتى نبغ منهم كثير قاموا بأوفى قسط في هذا العلم، وقادوا حركته العلمية. قال المبرد "مر الشعبي بقوم من الموالي يتذاكرون النحو فقال: لئن أصلحتموه إنكم لأول من أفسده"(1)، فكان منهم علماؤه المبرزون دراسة وتأليفا حتى أشير إليه ردحا من الزمن أنه علم الموالي.
ص20
والكوفة" وكمل وأوفى على الغاية في بغداد ولما ينقض العصر العباسي الأول وذلك قبل تمام القرن الثالث الهجري.
وعلى هذا الأساس فإن تحديد هذه الأطوار إلى التقريب أقرب منه إلى التحقيق، وبدهي أن تحديدها بالأشخاص على ما سبق يعود إلى طبقاتهم التي يمثلونها، وستعرف هذه الطبقات مرتبة بحسب الزمن مع تراجم علمائها كلهم، وإننا سنكتفي في هذا التحديد بالأشخاص المبرزين المعلمين فقط للاختصار.
ص21
ويغلب على الظن أن ما تكون من نحو هذه الطبقة -فضلا عن قلته- كان شبه الرواية للمسموع، فلم تنبت بينهم فكرة القياس، ولم ينهض ما حدث في عهدهم من أخطاء إلى إحداث ثغرة خلاف بينهم لقرب عهد القوم بسلامة السليقة، كذلك لم تقو حركة التصنيف بينهم فلم يؤثر عنهم إلا بعض نتف في مواطن متفرقة من الفن لم تبلغ حد الكتب المنظمة إذ كان جل اعتمادهم على حفظهم في صدروهم ورواياتهم بلسانهم، وزعم بعض المؤرخين أن أستاذها أبا الأسود قد وضع مختصرا على ما تقدم بيانه.
ص22
(بصري كوفي)
ص23
قوية أبدية بعد، وكان هذا الطور حريا أن يسمى طور النشوء والنمو.
نعم قد تقلص عن كتاب النحو من أوائل هذا الطور ما لا يتصل به هذا الاتصال الوثيق كمباحث اللغة والأدب والأخبار ولا ريب أن للصرف من بين سائر علوم اللغة العربية قرابته الدنيا بالنحو، على أن الخليل وهو غرة جبين هذا الطور قد جمع بين اللغة والنحو فإنه ذكر في كتاب العين الذي هو الأساس لكتب اللغة فيما نعلم مقدارا كبيرا من النحو.
ص24
البصرة مع الخليل يونس إلا أنه قصر مجهوده على التلقي عنه ونصب نفسه للإفادة فكانت له حلقات دراسة يؤمها القاصي والداني من فصحاء الأعراب وأهل العلم، وكان له في النحو أقيسة ومذاهب خاصة تفرد بها.
ولقد عاصرهما الرؤاسي الكوفي شيخ الطبقة الأولى الكوفية، فإنه بعد اشتراكه معهما في التلقي عن الطبقة الثانية البصرية يمم الكوفة وألقى عصاه فيها وقد ألفى عمه معاذ بن مسلم الهراء الذي كان أقدم منه سنا يزاول هذا العلم، إلا أنه كلف بالبحث عن الأبنية والتمارين إلى أن غلبت عليه الناحية الصرفية التي التفت إليها الكوفيون واستنبطوا للصرف كثيرا من القواعد التي سبقوا بها البصريين، حتى عدهم المؤرخون الواضعين للصرف، إذ كان الصرف عند البصريين، حتى عدهم المؤرخون الواضعين للصرف، إذ كان الصرف عند البصريين في المحل الثاني، ولم يكف ذلك الكوفيين في دفع التخلف اللاحق بهم على ما فاتهم من شرف النحو فتهالكوا عليه وتزاحموا بالمناكب شأن المفرط الذي يحاول تلافي خطئه، فظهرت فيهم علماء وانبعثت فيهم فكرة التأليف، وكان أول مؤلف تداولوه بينهم كتاب "الفيصل" للرؤاسي. روى ابن النديم وغيره "وقال الرؤاسي: بعث الخليل إلي يطلب كتابي فبعثت به إليه فقرأه، وكل ما في كتاب سيبويه"، "وقال الكوفي كذا فإنما يعني الرؤاسي"(5).
ص25
العباسيين، فاتسعت رواياته واستفاض تعليمه بين الدهماء وازدادت تآليفه.
وقصارى القول أنه لم ينصرم هذا الطور حتى قطع النحو شوطا كبيرا شارف فيه النهاية فأرهفت له الأسماع وكثرت فيه المؤلفات التي أزيل منها ما ليس من فن النحو، وإن كان التصريف ما لبث مندسا فيه عند البصريين، فإن كتابه سيبويه وهو البقية الباقية بأيدينا من مؤلفات هذا الطور، والمرآة التي تنكشف بها صورة التأليف فيه قد جمع بين الفنين.
أما الكوفيون فقد ألفوا في بعض أبواب الصرف كتبا خاصة اعتناء بشأنها، لكن لم تصل تآليفهم إلى حد يجعل الصرف منفردا عن النحو بالتأليف، صنف الرؤاسي كتاب التصغير، والكسائي كتاب المصادر والفراء كتاب فَعَلَ وأَفْعَلَ، مع هذا فإن النحو قد طفق يتخلص من الصرف ويستقل الصرف بالتأليف في مستهل الطور الآتي على ما سترى.
ص26
الثالث: طور النضوج والكمال
"بصري كوفي"
ص27
هذا، وإنا لنرى ذلك واضحا عند الموازنة بين كتاب سيبويه وبين مخلفات هذا الطور.
ص28
والأمراء الذين "ساهموا" بقسط قيم فيها، وكان أغلبها على أيديهم أو على كثب منهم، وحكموا في كثير منها فنصروا وخذلوا ورفعوا وخفضوا، كان لذلك كله أثره في زج العلماء بأنفسهم في هذه المعمعة التي كان يأمل كل واحد فيها أن يكون المجلي، لأن هذا العلم حينذاك لما ينضج في أغلب مسائله، ولم يتخذ شكلا ولا صورة ثابتة يقف أمامها كل رائد مكتوف اليد، بل كان يبدو لكل ما لا يلمحه الآخر، وحجة هذا تناهض دليل ذاك لاختلاف الروايات وتفاوت المسموعات وتنوع العصبيات، ولقد تطاير شررها من الخارج إلى الداخل فكانت مناظرات بين البصريين أنفسهم والكوفيين أنفسهم.
إن مناظرات الطور الثاني –على كثرتها- كان قطب رحاها في الكوفيين الكسائي إذ كان دريئتهم وحامي حقيقتهم, فنازل الاصمعي وسيبويه والزبيدي وغيرهم, ولنقتصر في هذا الطور على ثلاث منها.
روى الزجاجي في أماليه: (كان الكسائي والأصمعي بحضرة الرشيد, وكانا ملازمين له, يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه, فأنشد الكسائي:
أنى جزوا عامرا سوءَى بفعلهم.... أم كيف يجزونني السوءَى من الحسن؟
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به.... رئمان أنف إذا ما ضن باللبن
فقال الأصمعي: إنما هو الرئمان أنف بالنصب, فقال له الكسائي: اسكت, ما انت وذاك؟ يجوز بالرفع والنصب والخفض, أما الرفع فعلى الرد على ما, لأنهما في موضع رفع بـ(ينتفع)، فيصير التقدير أم كيف ينفع رئمان أنف, والنصب بـ (تعطي) والخفض على الرد على الهاء في به, قال: فسكت الأصمعي)(8).
ص29
بين الكسائي وسيبويه
جاء الكسائي وغصت الدار بالحضور على مشهد من يحيى وابنه جعفر ثم بدأ الكسائي الحديث وقال لسيبويه: تسألني أو أسالك؟ فقال سيبويه: سل أنت، فقال له: "هل يقال كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أو يقال مع ذلك فإذا هو إياها؟" فقال سيبويه: "فإذا هو هي" ولا يجوز النصب، فسأله عن أمثال ذلك نحو: "خرجت فإذا عبد الله القائم أو القائم"، فقال كله بالرفع، فقال الكسائي: "العرب ترفع ذلك وتنصبه"، واحتدم الخلاف بينهما طويلا، فقال يحيى: قد اختلفتما وأنتما رئيس بلديكما فمن يحكم بينكما؟ فقال الكسائي هؤلاء العرب ببابك وفدت عليك من كل صقع وقد قنع بهم أهل المصرين، يحضرون ويسألون، فقال يحيى قد أنصفت، واستدعاهم فتابعوا الكسائي فأقبل الكسائي على سيبويه وقال له: قد سمع أيها الرجل، فاستكان سيبويه عند
ص30
ذلك وانقبض خاطره،(9) فقال الكسائي ليحيى: أصلح الله الوزير، إنه قدم إليك راغبا فإن أردت أن لا ترده خائبا، فرق له يحيى وجبر كسره، فخرج من بغداد وتوجه تلقاء فارس يتوارى من الناس من سوء ما لحقه، ولم يقدر أن يعود إلى البصرة، وقد كان إمامها غير منازع، فمات غما بفارس في ريعان شبابه، وقال قرب احتضاره متمثلا:
وبعد: فإن الحق مع سيبويه، والقرآن الكريم أصدق شاهد له، يقول الله تعالى: {...فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}(12) وعلى نمط هذه الآية آي كثيرة، ولو ثبت النصب لكان خارجا عن القياس واستعمال الفصحاء، ولذا تمحل النحويون في تخريج هذا النصب على أوجه ثم تعقبوها، ذكر بعضها الرضي في شرح الكافية باب الظروف، وأفاض القول فيها الأعلم الشنتمري، ونقل كلامه المقري في نفح الطيب في فصل برأسه في الجزء الثاني عنوانه "المسألة الزنبورية" وأجاد التفصيل لها ابن هشام في المغني الباب الأول مبحث "إذا"
ص31
فذكر خمسة مع التعقيب على كل وجه بما يفنده، وخلاصة هذه الأوجه: الأول: أن الظرف وهو "إذا" نصب الضمير لأن فيه معنى وجدت، والثاني: أن الضمير المنصوب استعير من مكان ضمير الرفع، والثالث: أن الضمير مفعول به والأصل: فإذا هو يساويها ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، والرابع: أن الضمير مفعول مطلق والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها ثم حذف الفعل والمضاف، والخامس: أن الضمير منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف والأصل: فإذا هو ثابت مثلها ثم حذف المضاف فانفصل الضمير، وقد جمع هذه الأوجه الخمسة مع الاختصار أحمد بن الحسن الجوهري المتوفى سنة 1182هـ في هذا النظم:
ص32
فانظر جيدا، فنظر ثم أعاد القول، فقال اليزيدي: لا يكون المهر مهرا محال في الإعراب، والبيتان جيدان، وإنما ابتدأ فقال المهر مهر، وضرب بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، فقال له يحيى بن خالد: خطأ الكسائي مع حسن أدبه أحب إلينا من صوابك مع سوء أدبك، أتكتني قدام أمير المؤمنين وتكشف رأسك؟ فقال إن حلاوة الظفر، وعز الغلبة أذهبا عني التحفظ"(15).
ومن أشهر المناظرات فيه مناظرات المبرد وثعلب، ولنكتف بواحدة منها
بين المبرد(16) وثعلب(17):
ص33
لتاء التأنيث الساكنة لما تحركت التاء لأجل ألف التثنية، ومسوغ ذلك ضرورة النظم، وقال المبرد: "إنه خظاتان" فحذف نون المثنى للإضافة إلى "كما" فثعلب يرى أن الكلمة "فعل" وأن الألف الثانية فيها اسم، والمبرد يخالفه في الأمرين فالكلمة "اسم" والألف الثانية حرف علامة المثنى، أما الألف الأولى عندهما فهي لام الكلمة سواء أكانت فعلا كما يرى ثعلب أم اسما كما يرى المبرد، ولما طال تلاحيهما بحضرة الأمير قال ثعلب للأمير: أيصح أن يقال: مررت بالزيدين ظريفي عمرو؟ فيضاف نعت الشيء إلى غيره، فقال: لا والله ما يقال هذا، ثم التفت إلى المبرد فأمسك ولم يقل شيئا، ثم قام من المجلس مقهورا.
ص34
فأوفاه حقه، ونقل كل ما قيل فيه من خلاف بين الكسائي والفراء ومن مناظرة بين المبرد وثعلب مع الإسهاب المفيد في الشاهد الثالث والثمانين، وموطن العبرة في هذا المقام أن بيتا يحدث فيه خلاف بين السابقين مشهور متعالم تتناقله الكتب أخيرا، ثم تجد في البيت نفسه بعدئذ مناظرة يخفق فيها أحد المتناظرين وتتناقلها كتب أخرى، وبعد إذ يدع العلماء المسألة على أذلالها دون تمحيص فيها يتبين منه جلية الأمر، ومن ثم ترى انفساح الميدان للأقاويل والخلافات، وربما لو تكشفت الحقائق الأولى بصورة واحدة وتناولها كل من تناولها وهي هي دون نقص أو زيادة أو تحريف, وتكشفت مع هذا أيضا آراء العلماء بعضهم لبعض لتغير مجرى العلم في كثير من المسائل، وإنك لتأخذ من ذلك مثلا من الأمثال في عدم الوقوف على حقائق المسائل، إذ ليس في وسع كل كاتب ومؤلف أن تكون كل الرغائب في مكنة يده وتحت بصره، فللكاتب بعدئذ العذر فيما يكتب أو يملي، إذ يعتمد على معيار تفكيره ومنطقه وعلى كل حال جزى الله السابقين عن أهل العلم خير الجزاء.
ص35
_______________________
(1) الكامل مع الرغبة, ج4 ص193.
(2) روى ابن لهيعة عن ابي النضر قال: كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية وكان أعلم الناس بأنساب قريش وأحد القراء.
(3) وقد أخذ عن النصر بن عاصم وكان أحد القرأء والفصحاء وقد وصف الزهري ابن عاصم فقال: إنه ليفلق بالعربية تفليقا. (السيرافي ص21). ويقال أن نصر بن عاصم أخذ عن أبي الأسود (ص22).
(4) راجع الفهرست: الفن الثاني من المقالة, ونزهة الألبا, ترجمة الرؤاسي, ومعجم الأدباء ترجمته أيضا ج18 ص221.
(5) يصاقبها: يجاورها, والقصب: الجار.
(6)راجع معجم الأدباء, ترجمة ثعلب ج5. طبعة دار المأمون.
(7) راجع أمالي الزجاجي, والمناظرة مذكورة أيضا في أمالي ابن الشجري, المجلس السادس, ومعجم الأدباء ترجمة الكسائي, والمغنى الباب الأول حرف أم , وخزانة الأدب شاهد 906, والعلوق: الناقة التي ترأم البو, وهو جلد الحوار يحشى تبناً أو ثماما ويقدم لها إيهاما أنه ولدها عند فقده ثم لا تدر اللبن, والرئمان مصدر لرئم كسمع سماعي, أو ضافه إلى الأنف لأنه مظهر حنوها, والمعنى: إني لأعجب من قومي كيف يعاملون بني عامر بن صعصعة بالشر مقابلة الخير؟ وأعجب من ذلك مكافأتهم لي وأنا ادفع عنهم, وماذا يجديني من وعودهم اللسانية مع انطوائهم على حرماني, وما حالهم معي إلا كهذه الناقة التي تعطف على البو بأنفها على حين ينكره قلبها فلا ترسل درها, والبيتان من قصيدة لأفنون التغلبي شاعر الجاهلية, وهي من قصائد المفضليات, وبيت المناظرة من شواهد النحاة على أم, راجع شرح المفصل, وشرح الرضي على الكافية والمغنى. قلت: والمناظرات بينهم كثيرة تجدها في طيات كتب الأدب وكتب النوادر الأدبية.
(8) ثاني بيتين نسبهما القاسم بن سلام له في كتاب الأمثال, راجع خزانة الأدب 734.
(9) وقد هجا اليزيدي الكسائي واصحابه فمما قاله فيه:
إن الكسائي واشياعه........ يرقون في النحو الى اسفل.
(10) حثيثاً: مسرعاً, والفسيل : النخل الصغير يقطع من أمه فيغرس, واحدته فسيلة.
(11) الصبان على الأشموني في كلام على (ما) العاملة عمل (ليس).
(12)سورة الشعراء الأية (33).
(13) الأبيات في الإنبابي على الصبان, وترجمة الجوهري في الجبرتي.
(14) هو أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي نُسِب إلى يزيد بن منصور خال المهدي لصحبته إياه (السيرافي 40).
(15) هو أبو العباس محمد بن يزيد الثمالي الأزدي وإليه انتهى علم النحو في البصرة بعد طبقة الجرمي والمازني. وقد قال فيه عبد الصمد بن المعذل يعاتبه:
سألنا عن الثمالة كل هي ...... فقال القائلون ومن الثمالة
فقلت محمد بن يزيد منهم ...... فقالوا زدتنا بهم جهالة.
وأخبار المبرد عند السيرافي ص96- وما بعدها.
(16) راجع كتاب التصحيف والتحريف ما وهم فيه الكسائي, وذكرت هذه المناظرة أيضا في معجم الأدباء ترجمة الكسائي, وفي الوفيات ترجمة اليزيدي, وفي شرح درة الغواص الوهم 35, والخرب ذكر الحباري, ونقر: نقب البيض لخروج الفرخ. والشطر الأول من البيت الثاني تمثيل الإيضاح, و (لا يكون) في أول الشطر الثاني تأكيد لفظي وما بعدها تأكيد معنوي.
(17) كان بين المبرد وثعلب من المنافرة ما لا خفاء به وأكثر أهل التحصيل تفضلونه (أي المبرد) السيرافي (ص102). وثعلب كوفي والمبرد بصري.
(18) المتنتان: في القاموس متنا الظهر مكتنفا الصلب, وخظاتا إن كانت فعلا فالفعل من باب سما وفي القاموس خظا لحمه اكتنز, وإن كانت اسما مثنى فالمفرد خظاة, وفي الصحاح لحم خظاة بظاة مكتنز, وقوله كما أكب على ساعديه النمر يريد لها متنتان كساعدي النمر البارك في صلابتهما. والبيت في وصف فرسه من قصيدة طويلة.
(19) راجع معجم الأدباء ترجمة ثعلب.
(20) إنباه الرواة ترجمة ثعلب.
(21) هو أبو الفضل عباس بن الفرج مولى محمد بن سليمان بن على الهاشمي ورياش رجل من جذام كان أبو العباس عبداً له فبقي عليه نسبه إلى رياش, وهو نحوي بصري مات سنة (257ه) بالبصرة قتلته الزنج (السيرافي 89- 93).
(22) ذكر السيرافي لقاء الرياشي وثعلب وأن ثعلب كان يفضله ويقدمه (ص89).
(23) معجم الأدباء ترجمة ثعلب، العوان: من الحروب التي قوتل فيها مرة، والبازل: اسم فاعل من بزل البعير إذا طلع نابه وذلك في تاسع سنيه لأنه إذا دخل في العاشرة سمي مخلفا وليس له بعد الإخلاف اسم، ولكن يقال بازل عام أو عامين ومخلف عام أو عامين، ويطلق البازل أيضا على الرجل الكامل في تجربته وعليه فلا تشبيه في البيت, والشعر لأبي جهل قاله يوم بدر أو تمثل به وكان مغرورا مأفونا أكذبه الله إذ كان في هذه الموقعة هلاكه، والأبيات مذكورة في الكامل شرح الرغبة ج6 ص227.