علوم الانسان العملية
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج2 , ص96-98
5-10-2014
2121
أنتجت هاتان العنايتان: أعني قوة الفكر و الإدراك و رابطة التسخير عناية ثالثة عجيبة و هي أن يهيئ لنفسه علوما و إدراكات يعتبرها اعتبارا للورود في مرحلة التصرف في الأشياء و فعلية التأثير و الفعل في الموجودات الخارجة عنه للانتفاع بذلك في حفظ وجوده و بقائه.
توضيح ذلك: أنك إذا خليت ذهنك و أقبلت به على الإنسان، هذا الموجود الأرضي الفعال بالفكر و الإرادة، و اعتبرت نفسك كأنك أول ما تشاهده و تقبل عليه وجدت الفرد الواحد منه أنه في أفعاله الحيوية يوسط إدراكات و أفكار جمة غير محصورة يكاد يدهش من كثرتها و اتساع أطرافها و تشتت جهاتها العقل، و هي علوم كانت العوامل في حصولها و اجتماعها و تجزيها و تركبها الحواس الظاهرة و الباطنة من الإنسان، أو تصرف القوة الفكرية فيها تصرفا ابتدائيا أو تصرفا بعد تصرف، و هذا أمر واضح يجده كل إنسان من نفسه و من غيره لا يحتاج في ذلك إلى أزيد من تنبيه و إيقاظ.
ثم إذا كررت النظر في هذه العلوم و الإدراكات وجدت شطرا منها لا يصلح لأن يتوسط بين الإنسان و بين أفعاله الإرادية كمفاهيم الأرض و السماء و الماء و الهواء و الإنسان و الفرس و نحو ذلك من التصورات، و كمعاني قولنا: الأربعة زوج، و الماء جسم سيال و التفاح أحد الثمرات، و غير ذلك من التصديقات، و هي علوم و إدراكات تحققت عندنا من الفعل و الانفعال الحاصل بين المادة الخارجية و بين حواسنا و أدواتنا الإدراكية، و نظيرها علمنا الحاصل لنا من مشاهدة نفوسنا و حضورها لدينا ما نحكي عنه بلفظ أنا، و الكليات الآخر المعقولة، فهذه العلوم و الإدراكات لا يوجب حصولها لنا تحقق إرادة و لا صدور فعل، بل إنما تحكي عن الخارج حكاية.
و هناك شطر آخر بالعكس من الشطر السابق كقولنا: إن هناك حسنا و قبحا و ما ينبغي أن يفعل و ما يجب أن يترك، و الخير يجب رعايته، و العدل حسن، و الظلم قبيح و مثل مفاهيم الرئاسة و المرؤوسية، و العبدية و المولوية فهذه سلسلة من الأفكار و الإدراكات لا هم لنا إلا أن نشتغل بها و نستعملها و لا يتم فعل من الأفعال الإرادية إلا بتوسيطها و التوسل بها لاقتناء الكمال و حيازة مزايا الحياة.
و هي مع ذلك لا تحكي عن أمور خارجية ثابتة في الخارج مستقلة عنا و عن أفهامنا كما كان الأمر كذلك في القسم الأول فهي علوم و إدراكات غير خارجة عن محوطة العمل و لا حاصلة فينا عن تأثير العوامل الخارجية، بل هي مما هيأناه نحن و ألهمناه من قبل إحساسات باطنية حصلت فينا من جهة اقتضاء قوانا الفعالة، و جهازاتنا العاملة للفعل و العمل، فقوانا الغاذية أو المولدة للمثل بنزوعها نحو العمل، و نفورها عما لا يلائمها يوجب حدوث صور من الإحساسات: كالحب و البغض، و الشوق و الميل و الرغبة، ثم هذه الصور الإحساسية تبعثنا إلى اعتبار هذه العلوم و الإدراكات من معنى الحسن و القبح، و ينبغي و لا ينبغي، و يجب و يجوز، إلى غير ذلك، ثم بتوسطها بيننا و بين المادة الخارجية و فعلنا المتعلق بها يتم لنا الأمر، فقد تبين أن لنا علوما و إدراكات لا قيمة لها إلا العمل، و هي المسماة بالعلوم العملية .
الاكثر قراءة في قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة