x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
سُلوك النبيّ تجاه الوحي القرآني يأبى نظريّة الوحي النفسي
المؤلف: الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
المصدر: الإسلام و شبهات المستشرقين
الجزء والصفحة: 338- 346
12-1-2019
1100
[انه بعد مراجعة نظرية الوحي النفسي التي تعني] أنّ الوحي القرآني لا علاقة له بالسماء، إنّما هو وحي نفسي نابع من ذات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) [نجد ان] سُلوك النبيّ تجاه الوحي القرآني يأبى نظريّة الوحي النفسي وقبل أنْ ندخل في تفاصيل طبيعة سُلوك النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، تجاه الوحي القرآني الذي يكشف عن إدراكه الواضح للانفصام التام ، بين ذاته المُتلقّية والذات الإلهيّة المُلقية مِن عليائها بواسطة الوحي ، نُشير باختصار الى أنحاء هذا الوحي الرسالي الذي تلقّاه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، والذي يثبت حقيقته وإدراكه الكامل له ، وهي في قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] ، أي إلهاماً وإلقاماً وإلقاءً في روعه يدركه المُوحَى إليه ويحسّه وكأنّما قد كُتِب في صفحة ضميره بوضوحٍ وجلاء ، أو رؤيا في منام , وهذا هو النحو الأوّل للوحي الرسالي .
والنحو الآخر في قوله تعالى : {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [الشورى: 51] ، أي يكلّمه تكليماً يسمع صوته وهو محتجبٌ عنه لعلوّه تعالى شأنه وكماله ، وتدنّي المُوحَى إليه ونقصِه ، وذلك بخلق الصوت المتضمّن للكلام في الفضاء المُحيط بالمخاطب فيخرق مسامعه ، ويأتيه من كلّ مكان حوله ، كما كلّم موسى ( عليه السلام ) وكلّم نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليلة المعراج .
أمّا النحو الثالث فهو في قوله تعالى : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51] ، أي ملكاً مِن الملائكة يتمثّل على شكل رجل : {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى: 51-52] وقد بيّن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذلك للمسلمين تكراراً وفي مناسبات عديدة ، منها قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إشارةً الى الوحي القرآني : ( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرَس وهو أشدّه علي فينفصم عني وقد وعيت ما قال. وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول ) .
أمّا طبيعة سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، الذي يأبى مقولة وحيه النفسي ، ويعكس وعيه الكامل وإدراكه التام بالانفصال في الوحي القرآني بين الذات العُليا المُلقِية للخطاب وذاته الخاضعة المُتلقّية ، فله حالات عديدة نشير الى ثلاث صور منها هي :
الصورة الأُولى : وهي التي يتمثّل سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيها تجاه الوحي القرآني كعبدٍ ضعيف مفتقر الى الله تعالى ، يتخضّع بين يَدَي ربّه ، ويبتهل إليه ، ويخشى أنْ يحول بينه وبين قلبه ، فيستمدّ منه العون والهداية ، ويطلب منه المغفرة والرحمة ، ويتمثِل أوامره ونواهيه ويصدع بها ، ويتلقّى منه بكلّ خشوع مختلف درجات العتاب وأنواعه .
ولقد طفحت آياتٌ قرآنيّة عديدة بوصف النبيّ الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، إنّه ذلك العبد المطيع الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بإذن ربّه ، يخافه إنْ هو عصاه ، ويرجو رحمته ، ولا يخرج عن حدوده التي رسمها له ، فهو لله وهو إليه يرجع ، ولا حول ولا قوّة له إلاّ به سبحانه ، فهو مُقِرٌّ بالعجز المطلق أمام أمر الله وإرادته ، وليس بقادرٍ على أنْ يُبدّل حرفاً واحداً مِن القرآن الكريم .
ومِن أمثلة تلك الآيات الكريمة قوله تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 15، 16].
وقوله تعالى : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [الأعراف: 188] .
ثُمّ تُؤكّد وتكرّر آيات قرآنيّة أُخرى الفارق بين صفات الذات الإلهيّة الملقيّة وصِفات الذات المحمّديّة المتلقّية من أنّه بشرٌ مثل سائر البشر ، ليس عليه إلاّ البلاغ ، ولا يملك خزائن الله ولا يعلم الغيب ، ولا يزعم أنّه مَلَك ، بل هو مخلوقٌ يتّبع ما يُوحى إليه من ربّه .
ومِن تلك الآيات قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] .
وقوله تعالى : {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] .
ومن المعاني اللطيفة في البلاغة القرآنيّة هو مدلول عبارة ( قل ) ، التي تُؤكّد على معنى المغايرة بين المُلقي والمتلقّي ، وأنّ الخطاب الإلهي كان يُلقى على الرسول إلقاءً ، وأنّه كان يُعلَّم ما ينبغي له أنْ يقوله ، تصديقاً لامتثال ما يوحى إليه وعدم نطقه عن هواه ، لهذا نجد أنّ عبارة ( قل ) قد تكرّرت في القرآن الكريم أكثر مِن ثلاثمِئة مرّة ليدرك مَنْ يقرأ القرآن أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُخاطَب يُلقى إليه الخطاب إلقاءً ، وليس متكلّماً ينطق به عن هواه وما يجول في نفسه .
كما نجد أنّ الفرق يتجلّى أكثر ويزداد وضوحاً بين ذات الله وصفاته ، كونه المُتكلّم والمنزِّل للوحي وبين ذات نبيّه وصفاته كونه المخاطَب والمتلقّي للوحي ، وذلك في آيات العتاب الإلهي لرسوله وإنذاره وتهديده ، وتختلف درجات هذا العتاب والإنذار ، فمنه ما يكون خفيفاً مشوباً بالعفو والغفران على تفويته الأَوْلى ، كما في قوله تعالى لرسوله في شأن مَن أذِن لهم بالعفو عن القتال في غزوة تبوك : {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } [التوبة: 43].
وكذلك قوله تعالى : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 1، 2] .
ومنه الشديد الذي يكون بلسان التوجيه لرسوله مقترناً بالإنذار والتهديد وبمستويات تختلف في الشدّة ، فمن درجاته الأولية قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ، ويشتدّ أكثر في قوله تعالى : {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء: 73 - 75] .
ويبلغ الإنذار أعلى درجاته لتتضاءل أمامه كلّ صوَر التهديد والوعيد الأُخرى ، وذلك في قوله تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 - 47].
وهكذا نجد أنّ آيات التأديب والعتاب وآيات الوعيد والإنذار تكشف لنا أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان يتمثّل صفة المخلوق الضعيف الخاضع لربّه الخالق القادر القاهر ذي القوّة المتين ، الذي لا معقّب لحكمه وإرادته ، وفي نفس الوقت تكشف لنا الآيات الكريمة عن كامل وعي الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وإدراكه للفرق بين ذاته المأمورة وذات الله الآمرة ، والذي يجعله مستحضراً بوضوح الفرق بين الوحي القرآني الذي ينزل عليه ، وبين الإلهام الإلهي في حديثه النبويّ الخاص .
وهذا هو الذي جعله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ينهى في أوّل عهد نزول الوحي القرآني عن تدوين شيء عنه سوى القرآن الكريم ، حفظاً لصفته الربّانيّة الخالصة من أنْ تختلط بشيءٍ غيره ، لهذا كان يدعو كتّاب الوحي فور نزول شيء من القرآن الكريم لتدوينه ، حتّى لو كان آيةً أو بعضَ آية .
الصورة الثانية : وهي التي تُبدي لنا موقف النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تجاه الوحي القرآني ، وهو مستسلم لأمر الله فيه لا يملك أيّ اختيار وإرادة في نزوله عليه أو انقطاعه عنه ، فهو يدرك تماماً أنّ التنزيل القرآني منسلخٌ عن الطبيعة البشريّة وإرادتها انسلاخاً تامّاً . فتارة يتتابع الوحي القرآني ويحمى حتّى يشعر أنّه يكثر عليه ، وتارةً وبدون سابق إنذار يفتر عنه وهو في أشدّ الحاجة إليه .
وممّا يؤكّد ذلك أيضاً هو أنّ الوحي القرآني ينزل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في أحوال مختلفة ، منها : ما يكون في منامه ، فما يكاد يغفو إغفاءةً حتّى ينهض ويرفع رأسه مُبتسماً وقد أوحيَت إليه سورة الكوثر . ومنها ما يكون وهو وادع في بيته وقد بقي من الليل ثلثه ، فتنزل عليه آية التوبة في الثلاثة الذين خافوا ، وهي قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [التوبة: 118] .
وهكذا نجد أنّ الوحي القرآني ينزل على قلب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ليلٍ دامس أو ضُحى النهار ، وفي البرد القارس أو حرّ الهجير ، وفي استجمام الحضر أو وعثاء السَفَر ، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب... وهو تعبيرٌ واضح عن تمام الانسلاخ وفقدان اختيار النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في نزول الوحي أو انقطاعه .
ونجد أنّ ذلك يتجسّد أكثر في انقطاع الوحي القرآني تماماً عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الوقت الذي كان في أشدّ الشوق والطلب له ، بعد أنْ نزل عليه الروح الأمين بأوائل سورة العلق : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) ، ثمّ فتر ثلاث سنوات فحزن فيها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، بعدها حمي الوحي وتوالى عليه فاستبشر النبيّ به وغمرته فرحة الوصال .
ويتجسّد ذلك أيضاً حين أبطأ الوحي بعد حديث الإفك الذي رمى به المنافقون زوج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وشهّروا به إمعاناً في فضحها ، حتّى عصف هذا الأمر بقلب الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وثَقُل عليه عدم نزول الوحي . وقد تصرّمت على الحادثة مدّة من الزمن كانت عليه أثقل من سنين متمادية بعد أنْ خاض المنافقون في زوجه خوضاً باطلاً .
فما بال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لا يستنجد بالوحي النفسي المزعوم ، أو يسرع الى استنزال الأمر الإلهي على طريقة الرهبان وأهل التعاويذ والأسجاع فيبرّئ زوجه من قذف المنافقين ؟
كما ونجد أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد حزَّ في نفسه غمز اليهود له ، فظلّ يقلب وجهه في السماء ستّة عشر شهراً أو أكثر تحرّقاً وشوقاً إلى تحويل القبلة مِن المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرّفة ، يترقّب الوحي علّه ينزل عليه بهذا التحويل ، فلِم لم يُعالج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذا الأمر بالوحي النفسي المزعوم أو باستنزالٍ عاجل للوحي يزيل عنه همّه ويحقّق له ما يتمنّاه ؟ إلاّ أنّه ظلّ خاضعاً مترقّباً قرابة العام ونصف العام حتّى نزل عليه الوحي بالآية القرآنيّة الكريمة : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [البقرة: 144] .
ممّا سبق نعلم أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان على يقينٍ تام ، أنّه لا يملك حولاً ولا قوّةً أمام الوحي القرآني ، فهو مستقلٌ عن ذاته وقلبه ، فقد يستعصي عليه رغم شوقه وحاجته إليه ، وقد يحمى ويتتابع حتّى ليكثر عليه ، ففؤاده مطمئن ، وضميره واعٍ ، وقلبه منطوٍ على اعتقادٍ راسخ بأنّ منشأ هذا الوحي ومصدره هو الله علاّم الغيوب .
الصورة الثالثة : وفيها يُظهر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حرصه الشديد على القرآن الكريم وخشيته مِن نسيان بعض آيات التنزيل القرآني وضياعها ، فيعمد إلى التعجيل في قراءة القرآن قبل أنْ يُقضى إليه وحيه ، فيجتهد في ترديده ويبذل من نفسه وفكره الجهد الكبير لئلاّ يفوته شيءٌ منه . إلاّ أنّ الله تعالى ينهاه عن ذلك في قوله تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] .
ويرشده الله إلى عدم حاجته إلى تمرين ذاكرته لحفظ آيات القرآن النازلة ، ويؤكّد له أنّ عليه سُبحانه جمعه وقرآنه ، وذلك في قوله تعالى : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19].
ويضمن له عدم نسيانه في قوله تعالى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6] .
كلّ ذلك يؤكّد لنا أنّ الإرادة والاختيار النبويّ ليس دخيلاً ، بأيّ شكلٍ من الأشكال ، في الوحي القرآني لا في مضمونه ولا في طريقة وزمان ومكان نزوله ، وحتّى في حفظه وجمعه وقرآنه وبيانه . أو لا يشكّل ذلك نقضاً تامّاً لمقولة الوحي النفسي ، ودليلاً حاسماً وبرهاناً ساطعاً على ثبوت الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّه كان يعي تمام الوعي الفرق الكامل بين ذاته الخاضعة لأمر الله في تنزيله القرآني ، وبين ذات الله القاهرة بأمرها وتنزيلها ، وهو لا يملك إزاء ذلك مِن أمر نفسه شيئاً ؟ (1) .
وبضمّ هذه الصوَر الثلاث بلحاظاتها المختلفة إلى الجانبين الأوّلين لا نجد لنظريّة الوحي النفسي أيّ أساس تقوم عليه ، بل ونحكم ببطلانها وبطلان ما هو في سياقها مِن شُبهات حول الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وتثبت حقيقته ثبوتاً قطعيّاً لا مجال للتردّد فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمزيد مِن التفصيل في مسألة الوحي ومناقشة الشُبهات الواردة حولها راجع : رضا ، محمّد رشيد ـ الوحي المحمّدي ، والدكتور الصالح ، صبحي ـ مباحث علوم القرآن ، والحكيم ، محمّد باقر ـ علوم القرآن . ومعرفة ، محمّد هادي ـ التمهيد في علوم القرآن ج1 .