التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
تدوين السنه واثرها على التدوين التأريخي ايام ابو بكر وعمر
المؤلف: صائب عبد الحميد
المصدر: تاريخ السنة النبوية ثلاثون عاما بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
الجزء والصفحة: ص 5- 27
11-10-2018
3679
التدوين والرواية:
هنا ثلاث علامات فارقة ، أجملها الذهبي ، ونفصلها في نقاط مع مزيد من التوثيق : الفارقة الأولى : الاحتياط في قبول الأخبار .
قال الذهبي : كان - أبو بكر - أول من احتاط في قبول الأخبار . . إن (الجدة) جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا ، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لك شيئا ! ثم سأل الناس ، فقام المغيرة فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيها - أي الجدة - السدس . فقال له أبو بكر : هل معك أحد ؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك ، فأنفذه لها أبو بكر ( 1 ) .
هذا الخبر تضمن فوائد جليلة ، كان ( الاحتياط في قبول الأخبار )
أولها ، وثم فائدتان لم يذكرهما الذهبي ، هما :
أ - في عدالة الصحابي: إن هذا الاحتياط كان إزاء رواية الصحابي عن رسول الله مباشرة ، فالمغيرة ، الصحابي ، كان يروي عن مشاهدة قد يصحبها سماع أيضا ، يقول : حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيها السدس ومع ذلك كان أبو بكر يحتاط في قبول روايته ، حتى وجد لها شاهدا حضر ذلك أو سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وهذا مبدأ متين ، منسجم مع ما قرره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ السنة وصيانتها ، وهو مخالف تماما لمبدأ ( عدالة الصحابي ) وقبول روايته مطلقا ، وإعفائه من قواعد الجرح والتعديل .
وسوف نجد أن موقف أبي بكر هذا قد سلكه عمر، وسلكه عثمان وسلكه علي عليه السلام، سلكوه جميعا إزاء رواية الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ، ليتضح من هذا كله بما لا شك فيه :
أن مبدأ ( عدالة الصحابي ) قد ولد متأخرا ، ولم يكن له أثر حتى نهاية خلافة علي عليه السلام ، بل وبعدها أيضا بزمن غير قليل ! قال الخطيب البغدادي في الرد على من زعم أن العدالة هي إظهار الإسلام وعدم الفسق الظاهر :
يدل على صحة ما ذكرناه أن عمر بن الخطاب رد خبر فاطمة بنت قيس ، وقال : ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لا ! . قال : وهكذا اشتهر الحديث عن علي بن أبي طالب أنه قال : ما حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا استحلفته ومعلوم أنه كان يحدثه المسلمون ( 2 ) .
ويستحلفهم مع ظهور إسلامهم، وأنه لم يكن يستحلف فاسقا ويقبل خبره ، بل لعله ما كان يقبل خبر كثير ممن يستحلفهم مع ظهور إسلامهم وبذلهم له اليمين .
وكذلك غيره من الصحابة ، روي عنهم أنهم ردوا أخبارا رويت لهم ورواتها ظاهرهم الإسلام ، فلم يطعن عليهم في ذلك الفعل ، ولا خولفوا فيه ، فدل على أنه مذهب لجميعهم ، إذ لو كان فيهم من يذهب إلى خلافه لوجب بمستقر العادة نقل قوله إلينا ( 3 ) .
إذن فمبدأ ( عدالة الصحابة ) ليس له عين ولا أثر في عهد الصحابة ، وسوف يأتي في الفقرات اللاحقة مزيد من الشواهد الحية على ذلك .
ب - في علم الصحابي: تحدث المغيرة هنا عن قضاء النبي في سهم الجدة ، وكان قد شهده بنفسه ، وتحدث محمد بن مسلمة عن شهوده ذلك القضاء أيضا ، في حين ما زال ذلك غائبا عن أبي بكر ، ونحو هذا قد حصل مع عمر أيضا ، فربما غابت عنه سنة مشهورة ، كما في قصته مع أبي موسى الأشعري حين حدثه بحديث : إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع فقال له عمر: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك ! ! فانطلق إلى مجلس من الأنصار، فقالوا: لا يشهد إلا أصاغرنا! فقام أبو سعيد الخدري فشهد له عند عمر ، فقال عمر : خفي علي هذا من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ألهاني الصفق بالأسواق ! (4) .
فهذه سنة مشهورة كان يتعلمها أصاغر القوم ، وقد خفيت عليه . . وكذا غاب عنه حكم السقط ، حتى أخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 5 ) ، وغير ذلك أيضا .
فهذه نافذة مطلة على حقيقة واقعة، وهي أن الصحابي ليس بوسعه أن يحيط بجميع السنة، أقوال النبي وأفعاله وتقريراته ، فمنها ما يغيب عنه ، فلا يشهده ، ولا يسمع به بعد ذلك إلا في نازلة كهذه .
وأيضا فهم في ما يشهدونه على تفاوت كبير في الحفظ والوعي : قال البراء بن عازب : ما كل الحديث سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان يحدثنا أصحابنا ، وكنا مشتغلين في رعاية الإبل ( 6 ) .
وقال مسروق - التابعي -: جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكانوا كالإخاذ (7)، الإخاذة تروي الراكب ، والإخاذة تروي الراكبين ، والإخاذة لو نزل بها أهل الأرض لأصدرتهم ، وإن عبد الله - يعني ابن مسعود - من تلك الإخاذ ( 8 ) . . . . . ومسروق أيضا قال : شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة : علي ، وعمر ، وعبد الله ، وزيد ، وأبي الدرداء ، وأبي . . ثم شاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله ! ( 9 ) .
وأنهى غيره علم الصحابة إلى ستة أيضا ، هم المتقدمون بأعيانهم إلا أبا الدرداء فقد أبدله بأبي موسى الأشعري ، ثم أنهى علم الستة إلى علي وعمر ( 10 ) .
وخلاصة القول عند ابن خلدون : إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن ، العارفين بناسخه ومنسوخه ، ومتشابهه ومحكمه ، وسائر دلالاته ، بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو ممن سمعه منهم وعن عليتهم ، وكانوا يسمون لذلك : ( القراء ) لأن العرب كانوا أمة أمية ( 11 ) .
الفارقة الثانية : المنع من التحديث :
قال الذهبي : إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم ، فقال إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه ! ( 12 ) .
فهنا أكثر من مشكلة ظاهرة ، منها :
أ - ما يعود إلى ( عدالة الصحابي ) فيعزز ما ذكرناه آنفا .
ب - ظهور الاختلاف بين الصحابة في نقل السنة ، إلى القدر الذي دعا أبا بكر إلى منعهم من ذكر شئ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
لكن هناك من الاختلاف ما لا ضير فيه ، كاختلاف اللفظ مع حفظ المعنى تاما ، كحديث من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ويروي من قال علي ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار فهما شئ واحد وإن اختلف اللفظ ، وليس في هذا محذور بلا خلاف ، والحديث كله قد يكون عرضة لهذا ، إذ الغالب أن الصحابي إنما يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة ، فإذا نقله من حفظه بعد زمن غير يسير ، فهو عرضة لاختلاف اللفظ . وليس هذا مطردا في كل الأحوال ، فرب لفظ إذا تبدل بآخر فقد بعض دلالاته ، أو جاء اللفظ بدلالة زائدة لم تكن من الحديث ! وهناك اختلافات أخرى خطيرة ، مصدرها وهم الصحابي أو نسيانه ، أو سماعه طرفا من الحديث فقط ، ونحو ذلك ، ولقد رد كثير من الصحابة اختلافات ظهرت من هذا النوع ، فمن ذلك :
* حديث عمر وابن عمر : إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فردته عائشة ، فقالت : إنكم تحدثون عن النبي غير كاذبين ، ولكن السمع يخطئ ، والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ! حسبكم القرآن ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) إنما قال : إنه ليعذب ، بخطيئته وذنبه ، وإن أهله ليبكون عليه .
وقد استدركت عائشة كثيرا على أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وأنس ابن مالك وغيرهم ، جمعها الزركشي في كتاب أسماه الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة .
* ورد الزبير رجلا كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : أنت سمعت هذا من رسول الله ؟ ! قال الرجل : نعم . قال الزبير : هذا وأشباهه مما يمنعاني أن أتحدث عن النبي ! قد لعمري سمعت هذا من رسول الله ، وأنا يومئذ حاضر ، ولكن رسول الله ابتدأ بهذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب ، فجئت أنت بعد انقضاء صدر الحديث ، فظننت أنه حديث رسول الله ! ( 13 ) .
* ومن هذا الصنف ما ذكر في اختلاط أحاديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأحاديثه عن كعب الأحبار ! ( 14 ) .
* ومنه قول عمران بن حصين : والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله يومين متتابعين ، ولكن بطأني عن ذلك أن رجالا من أصحاب رسول الله سمعوا كما سمعت ، وشهدوا كما شهدت ، ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون ! وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم ، فأعلمك أنهم كانوا يغلطون - وفي رواية : يخطئون - لا أنهم كانوا يتعمدون ( 15 ) .
هذه نبذة عن اختلاف الصحابة في الحديث ، الذي سيكون سببا في اختلافات أكبر حين ينتقل إلى المواضيع المستفادة من الحديث ، في العقيدة والفقه والتفسير ، وغيرها من نواحي المعرفة ، وهذه كلها سوف تكون بلا شك محاور نزاع الأجيال اللاحقة ، وهذا ما رآه أبو بكر ، فلجأ إلى قراره الأخير في المنع من الحديث والاكتفاء بالقرآن . لكن هل كان المنع من رواية الحديث النبوي والرجوع إليه في الفتيا هو الحل الأمثل لهذه المشكلة ؟ ! هذا على فرض كونه من صلاحيات الخليفة ، وأن الخليفة مخول أن يوقف السنة النبوية متى شاء ، رواية وفتيا ، وتدوينا أيضا كما سيأتي ! أما إذا كان هذا كله فوق الخليفة وصلاحياته ، فثمة ما ينبغي التوقف عنده طويلا إذن !
ج - والمشكلة الثالثة التي يثيرها حديث أبي بكر ، هي : ما سيعقب قرار المنع من ضياع لبعض السنن ، كثيرا كان أو قليلا ! خصوصا حين يمضي الأمر هكذا لعدة سنين .
* في عهد عمر : استمر هذا المنع من الحديث زمن عمر كله ، ولم يقتصر حكمه على أبي هريرة وكعب الأحبار اللذين اتهمهما في الحديث ، وتوعدهما بالطرد إلى ديارهما الأولى إن هما لم يكفا عن الحديث . . بل سرى إلى رجال من كبار الصحابة ، منهم : عبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء ، وأبو مسعود الأنصاري ، فقال لهم : قد أكثرتم الحديث عن رسول الله ! فحبسهم في المدينة ( 16 ) .
وسرى أيضا إلى أمرائه ، فقد كان يأخذ عليهم العهد باجتناب الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وربما بالغ في هذا فمشى مع عماله بعض الطريق يودعهم ، ثم يذكر لهم أنه إنما خرج معهم لأجل هذه الوصية : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جردوا القرآن ، وأقلوا الرواية عن رسول الله ، وأنا شريككم ! فلما قدم بعضهم العراق ، قالوا له : حدثنا . قال : نهانا عمر ( 17 ) . حتى توفي عمر على هذه السيرة سنة 24 ه .
وهذه السيرة أيضا جاءت على خلاف الحديث الذي رواه أبو موسى الغافقي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : عليكم بكتاب الله ، وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني - أو كلمة تشبهها - فمن حفظ شيئا فليحدث به ، ومن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار وقال أبو موسى : هذا آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ( 18 ) .
* وفي عهد عثمان : خطب الناس ، فقال : لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر ، فإنه لم يمنعني أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون من أوعى أصحابه ، إلا أني سمعته يقول : من قال علي ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار ( 19 ) .
لكن عثمان لم يتبع شدة عمر وسيرته في هذا الأمر ، فأطلق الصحابة الذين حبسهم عمر في المدينة ، وقد ذكر فيهم مع ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاري ، ثلاثة آخرون ، هم : صادق اللهجة أبو ذر ، وعبد الله بن حذيفة ، وعقبة بن عامر ، فكل هؤلاء لم يلتزموا أمر عمر في ترك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 20 ) . لنعرف من ذلك أن قرار المنع لم يكن إجماعا ، وإنما كان رأيا يراه الخليفة فيحمل الصحابة عليه ، ثم لم يكن جميعهم ممن استجاب لهذا الأمر وتقيد به ، فكان تمردهم هذا سببا في حفظ الكثير من السنن التي قد يطالها النسيان حين تأتي عليها السنون وهي في طي الكتمان .
د - حديث المنع والنبوءة الصادقة :
* وآخر المشكلات ، وربما أخطرها دلالة ، أننا نجد في هذا النص المنقول عن أبي بكر ، أول ظهور لتلك النبوءة الصادقة التي أخبر بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في تحذيره الخطير وقوله الشهير : يوشك الرجل متكئا على أريكته ، يحدث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ( 21) .
انظر ثانية في نص حديث أبي بكر : . . . فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ! إنه ظهور مبكر جدا لتلك النبوءة ، ولقد كان حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشعر بقرب ظهورها ، إذ استهل الحديث بقوله : يوشك ولم يقل : ( يأتي على الناس زمان ) كما في إخباره عن الغيب البعيد ( 22 ) .
الفارقة الثالثة : منع تدوين الحديث . قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلته يتقلب كثيرا ، فلما أصبح قال : أي بنية ، هلمي الأحاديث التي عندك ، فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها ! فقلت : لم أحرقتها ؟ قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به ، ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد نقلت ذاك ! ( 23 ) .
لكن هذه الحيطة وهذه الدقة ينبغي أن لا تتجاوز أحاديث سمعها من بعض الصحابة يحدثون بها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما هو صريح في قوله : فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به ، ولم يكن كما حدثني .
أما الأحاديث التي سمعها هو مباشرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي في منجاة من ذلك، إلا أن يقال إنه لم يميز بين ما سمعه هو مباشرة ، وما نقل له ! وهذا غير وارد، وحتى لو حصل مع بعضها فلا يمكن حصوله مع جميعها حتى لم يعد يعرف حديثا واحدا سمعه من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! فلماذا أوقع الإحراق على الجميع؟ !
لعل هذا الاضطراب هو الذي حمل الذهبي على تكذيب الخبر ، فقال : فهذا لا يصح ، والله أعلم ( 24 ) . فإذا لم يصح هذا ، فلم يثبت عن أبي بكر غيره في شأن تدوين الحديث النبوي الشريف ، إلا ما ورد في كتابته بعض كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي ضمنها جملة من السنن ، ككتاب فرائض الصدقة - الزكاة - الذي كتبه أبو بكر إلى عماله ، فجعل أوله : إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين ، التي أمر الله عز وجل بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن سئل من المسلمين على وجهها فليعطها . . . الكتاب ( 25 ) فهذا يعني أن تدوين الحديث على أصل الإباحة ، وهي مستفادة حتى من الحديث الأول على فرض صحته ، فمبادرة أبي بكر بجمع الحديث وتدوينه في كتاب دليل على أنه لم يعرف فيه إلا الإباحة ، ثم لما أحرقه لم يكن إحراقه لورود النهي عن كتابة الحديث ، وإنما لخشية تطرق الوهم إليه ! ومضى الأمر على هذه الحال حتى جاء عمر ، فأراد أن يكتب السنن ، فاستفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه بأن يكتبها ، ثم بدا له أن لا يكتبها . . ثم بعث إلى الأمصار : من كان عنده شئ فليمحه ! ( 26 ) .
وحدث مالك بن أنس : أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب هذه الأحاديث ، أو كتبها ، ثم قال : لا كتاب مع كتاب الله ! ( 27 ) .
هذه أيضا أدلة كافية على عدم ورود شئ في النهي عن تدوين السنة ، وإلا لما هم عمر بكتابتها ، واستشار الصحابة فأجمعوا على كتابتها .
فما كان المنع إذن إلا برأي رآه عمر ، ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وراح الصحابة من وراء الخليفة يكتبون الحديث والسنن ، ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما حدثهم به إخوانهم عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى كثرت عندهم الكتب ، فبلغ خبرها عمر ، فقام فيهم خطيبا ، فقال : إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي . فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بها ، فأحرقها بالنار ! ( 28 ) .
كتابة السنة تصد عن القرآن ! ! تلك هي أهم الحجج التي تمسك بها المانعون من تدوين السنة ، ومن رواية الحديث أيضا ، خشية أن يشغلهم ذلك عن القرآن ، كما انشغل أهل الكتاب بكتب أحبارهم عن كتاب ربهم ! ( 29 ) .
لكن هل يصح ذلك ؟ ! وما السنة - بالدرجة الأولى - إلا تبيانا للقرآن وتفصيلا لأحكامه ! ! نترك الجواب للصحابي الفقيه الذي بعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة يفقه أهلها : عمران بن حصين ( 30 ) . .
* كان عمران بن حصين جالسا ومعه أصحابه ، فقال له رجل : لا تحدثونا إلا بالقرآن . فقال عمران : أدنه ! فدنا منه ( 31 ) ، فقال له : أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا ، وصلاة العصر أربعا ، والمغرب ثلاثا ، تقرأ في اثنتين ؟ ! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا ، والطواف بالصفا والمروة ؟ ! ثم قال : أي قوم ! خذوا عنا ، فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن ! ( 32 ) .
* والتابعي أيوب السختياني كان يقول : إذا حدثت الرجل بالسنة ، فقال : دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن . فاعلم أنه ضال مضل ! ( 33 ) .
* وقال مكحول والأوزاعي : الكتاب أحوج إلى السنة ، من السنة إلى الكتاب ( 34 ) . ولعل هذا من الواضحات التي ينبغي ألا ينازع فيها . وبعد ذلك فإن السنة إنما تدعو إلى القرآن : تلاوته ، والتدبر فيه ، وفهمه ، والائتمام به باتباع أمره وإرشاده ، وتحذر من تركه ومخالفته ومجافاته .
فليست إذن بشاغلة عن القرآن ، ولا لقارئ القرآن عنها غنى . إذن ثمة فرق كبير بين موقع السنة من القرآن ، وموقع كتب الأحبار والرهبان من التوراة والإنجيل !
* ومما يثير الدهشة والاستفهام ، أنه في الوقت الذي كان يشدد فيه على المنع من رواية الحديث بحجة شغل القلوب بالقرآن وحده ، كانت تصدر في الوقت ذاته وصايا بتعلم الشعر والاهتمام به ! فقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري - عامله على البصرة - : أن مر من قبلك بتعلم العربية ، فإنها تدل على صواب الكلام ، ومرهم برواية الشعر ، فإنه يدل على معالي الأخلاق ( 35 ) .
ترى والحديث النبوي ، ألا يدل على صواب فهم القرآن ، ومعرفة الأحكام والسنن ، ومعالي الأخلاق ؟ ! وأيما أشغل للناس عن القرآن ومعرفته : رواية الحديث ، أم رواية الشعر ؟ !
ألا يثير هذا استفهاما لا تحمل له كل أخبار المنع من التدوين وما قيل في تبريرها جوابا ؟ !
أهو مجرد تناقض بين قولين ؟ !
أم الأمر كما ذهب إليه السيد الجلالي ، حين رأى أن السبب الحقيقي لمنع رواية الحديث هو صد الناس عن أحاديث تذكر بحقوق أهل البيت عليهم السلام ومنزلتهم ، لما في تذاكرها وتداولها من آثار غير خافية على الخليفة ! ( 36 ) .
فلنقل إذن : إن ( مصلحة أمن الدولة ) هي التي اقتضت منع رواية أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس شيئا آخر تعود فيه التهمة إلى الحديث النبوي نفسه ، كما في هذا العذر الذي رأى الحديث يصد عن القرآن ! ! أو تعود فيه التهم والطعون على القرآن الكريم نفسه ! كما في العذر الآخر ، الآتي :
اختلاط السنة بالقرآن : هو ثاني أهم الحجج التي فسر بها المنع عن تدوين السنة ( 37 ) . فإذا كان في الصحابة من يقع في مثل هذا الوهم ، كالذي حصل في دعاء الخلع ، ودعاء الحفد ، وسنة الرجم ، وعدد الرضعات ، وغيرها ( 38 ) .
فإن هذا كله قد حسمه جمع القرآن في المصحف المرتب ، وقد حصل هذا مبكرا جدا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يبق بعد ذلك أدنى قيمة لوهم يحصل من هذا النوع ، فهذه الأوهام المنقولة في الصحاح والسنن عن بعض الصحابة ، لم تؤثر شيئا ، ولا زادت في القرآن ولا نقصت منه .
أما إذا حصل الوهم والخلط بعد جيل الصحابة ، فهو أولى أن يهمل ولا يعتنى به . إن التمسك بمثل هذه الشبهة يوقع أصحابه بأكثر من تناقض :
* فمرة يناقضون ما سلموا به من انتهاء جمع القرآن في مصحف على أتم صورة ، وعلى شرط التواتر . . !
* ومرة يناقضون ما سلموا به من إعجاز القرآن ، وأن الحديث النبوي ليس معجزا ، بل ولا الحديث القدسي معجز !
* ومرة يناقضون ما احتجوا به لسلامة القرآن من أدنى تغيير أو تحريف، من قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] فكيف يخشون اختلاط الحديث بالقرآن ؟ ! وقد نزلت هذه الآية قبل هذا العهد تقول لهم : اكتبوا أحاديث نبيكم ، واكتبوا العلم ولا تخشوا اختلاط ذلك بالقرآن ، لأنا : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ومهما كان فلا تنجو هذه الحجة من أن تمس سلامة القرآن الكريم ، وهذا ما لا يريده أصحابها بحال ، ولكن أوقعهم به من حيث لا يشعرون دفاعهم عن هذه السيرة وما رأوه من لزوم تبريرها ، والحق أنه ليس شئ من ذلك بلازم ، فما كل رأي يتخذه صحابي يلزمنا تبريره والدفاع عنه ، ولا كل قرار يتخذه الخليفة كذلك !
خلاصة ونتائج : من هذه القراءة السريعة لتاريخ السنة في ربع قرن تحصل أن السنة في هذا العهد كانت تواجه معركة حقيقة متصلة الحلقات :
* فالرجوع إليها في الفتيا قد صدر فيه المنع مبكرا .
* والتحدث بها ونشرها لمن لم يسمعها صدر فيه أكثر من قرار بالمنع .
* ومن عني بالحديث ونشره صدر بحقه قرار الحبس في المدينة مع الإنذار والتهديد .
* وما كتب منها تعرض للإحراق والاتلاف ، دون تمييز بين الأحكام والفرائض ، وبين الآداب والمفاهيم والعقائد ، فكان الإحراق والاتلاف يقعان على الكتاب بمجرد العثور عليه ، دون أدنى نظر فيه ، كما مر عن عمر في ما جمعه من كتب الحديث التي كتبها بعض الصحابة .
وروي شئ من ذلك عن عبد الله بن مسعود ، في حديث عبد الرحمن الأسود عن أبيه ، قال : جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن ، صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت ، بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فاستأذنا على عبد الله فدخلنا عليه فدفعنا إليه الصحيفة ، فدعا الجارية ثم دعا بطست فيه ماء ، فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن ، انظر ، فإن فيها أحاديث حسانا . . فجعل يميثها فيها ويقول : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3] القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه ! ! ( 39 ) .
لكن قد ثبت عن ابن مسعود أيضا خلاف ذلك ، إذ أخرج ابنه عبد الرحمن كتابا وحلف أنه خط أبيه بيده ( 40 ) .
فهذان موقفان متناقضان لابن مسعود من التدوين ، على فرض صحة الروايتين معا ، ويمكن تفسير هذا التناقض بوجوه ، منها :
أ - أنه قد عدل عن رأيه ، فأجاز الكتابة ، وكتب بنفسه بعد أن كان يمنع منها .
ب - أن يكون قد كتب لنفسه خاصة لأجل أن يحفظ فلا ينسى ، كما كان يفعل بعضهم إذ يكتب ليحفظ ثم يمحو ما كتب .
ج - أن يكون واثقا بحفظه وصحة ما يكتبه ، شاكا بضبط غيره إلى حد جعله كالمتيقن من تسرب الوهم والغلط إليهم ، لشدة اعتداده بضبطه ، كما هو شأنه المعروف في القرآن الكريم إذ كان قد غضب غضبا شديدا على عثمان حين أسند مهمة جمع المصحف إلى زيد بن ثابت ولم يسندها إليه ، فكان يقول : لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة وزيد له ذؤابة يلعب مع الغلمان ! ( 41 ) .
د - أن يكون موقفه من تلك الصحيفة التي أماثها عائدا إلى موضوعها ، فهي صحيفة جمعت أحاديث في موضوع واحد ، وهو موضوع منازل وفضائل أهل البيت عليهم السلام ، فأماثها لأجل اختصاصها بهذا الموضوع ، وليس لكونها صحيفة جمعت شيئا من الحديث النبوي . ولعل هذا هو أضعف الوجوه ، خصوصا حين ينسب إلى عبد الله بن مسعود الذي ورد عنه حديث كثير في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وقد أثبت في مصحفه ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - أن عليا مولى المؤمنين - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) ( 42 ) .
ه - أن يكون معتقدا جواز التدوين فكتب بناء على اعتقاده هذا ، وهو في الوقت ذاته متحفظ من نشر كتب الحديث لعلة كان يراها ، وقد كشف هنا عنها بقوله : القلوب أوعية ، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه . ولأجل ذلك أتلف الكتاب الذي رآه . وهذا هو الراجح في تفسير موقفه ، يدل عليه نفس حديث ولده عبد الرحمن ، فهو حين أخرج لهم الكتاب كان يحلف لهم أنه بخط أبيه ، فهذا كاشف عن أن الظاهر من حال أبيه والمعروف عنه هو المنع من تدوين الحديث ، وهذا هو الذي ألجأه إلى القسم .
ومع أي واحد من هذه الوجوه الخمسة فإن الثابت في قناعة ابن مسعود هو أن الأصل في السنة جواز التدوين ، وأن المنع منه كان لرأي رآه وليس هو بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا بعينه هو المستفاد من موقف أبي بكر وعمر .
* ولو رضينا بكل ما قيل في تبرير هذه السياسة والاعتذار عنها ، فهل ستجيب تلك التبريرات على بضعة أسئلة تطرحها هذه الحالة ؟ ! ومن هذه الأسئلة :
1 - لماذا السنة ؟ : هل ترك النبي سنته للإحراق والاتلاف ؟ ! أم تركها نورا وتبيانا وهدى ودستورا ؟ !
2 - منزلة السنة : هل يحق للصحابة مجتمعين تطويق السنة النبوية ومحاصرتها بهذه الطريقة أو بما هو أدنى منها ؟ !
3 - الأمانة على السنة : هل وجد الصحابة الذين واجهوا السنة بهذه الطريقة ، أو الذين تحفظوا عن روايتها خشية الوهم ، هل وجدوا أنفسهم مستأمنين على السنة النبوية وحفظها وصيانتها ونشرها وتعليمها لمن لم يعلم ، وتبليغها لمن لم يبلغه منها إلا القليل في عصرهم ، ولمن لم يبلغه منها شئ من الأجيال اللاحقة ؟ !
4 - السنة لمن؟ : هل الأجيال اللاحقة ملزمة بهذه السنة النبوية بكاملها ؟ ! أم كانت السنة خاصة بجيل الصحابة ليحتفظوا بها لأنفسهم عن طريق التورع عن الحديث ! أو سدا لباب الاختلاف في الرواية ! أو خشية الانشغال عن القرآن ! أو خشية الهلاك كما هلك أهل الكتاب ؟
_________________
( 1 ) تذكرة الحفاظ 1 / 2 .
( 2 ) أي من الصحابة ، فالذي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينبغي أن تكون له صحبة .
( 3 ) الكفاية في علم الرواية : 81 ، 83 مختصرا .
( 4 ) صحيح البخاري - الاعتصام بالكتاب والسنة - باب 22 ح 6920 ، تذكرة الحفاظ 1/ 6.
( 5 ) صحيح البخاري-الاعتصام بالكتاب والسنة - باب 13ح6887،تذكرة الحفاظ1 / 7 - 8.
( 6 ) المستدرك ، وتلخيصه 1 / 326 .
( 7 ) الإخاذ : واحدها إخاذة ، وهي الغدير .
( 8 ) الطبقات الكبرى 2 / 343 .
( 9 ) الطبقات الكبرى 2 / 351 ، سير أعلام النبلاء 1 / 493 - 494 ، تدريب الراوي 2 / 193 .
( 10 ) الطبقات الكبرى 2 / 351 .
( 11 ) مقدمة ابن خلدون : 563 - الفصل السابع من الباب الرابع .
( 12 ) تذكرة الحفاظ 1 / 2 - 3 .
( 13 ) محمود أبو رية / أضواء على السنة المحمدية : 116 - 117 عن ابن الجوزي .
( 14 ) سير أعلام النبلاء 2 / 606 ، البداية والنهاية 8 / 117 ، إرشاد الساري 2 / 690 .
( 15 ) ابن قتيبة / تأويل مختلف الحديث : 49 - 50 .
( 16 ) تذكرة الحفاظ 1 / 7 .
( 17 ) تذكرة الحفاظ 1 / 7 ، المستدرك 1 ح 347 وصححه الحاكم والذهبي .
( 18 ) المستدرك وتلخيصه 1 / 196 ح 385 .
( 19 ) منتخب كنز العمال 4 / 172 .
( 20 ) ابن حبان / المجروحين 1 / 35 ، المستدرك 1 / 193 ح 374 و 375 ، وفيه : أبو ذر وأبو الدرداء وأبو مسعود .
( 21 ) سنن ابن ماجة 1 ح 12 - والنص عنه - و ح 13 و 21 ، سنن الترمذي 5 ح 2663 و 2664 ، سنن أبي داود 3 ح 3050 و 4 ح 4604 و 4605 ، مسند أحمد 4 / 130 و 132 و 6 / 8 ، المستدرك 1 / 108 و 109 .
( 22 ) في لسان العرب - وشك - : الوشيك : السريع . . أمر وشيك : سريع . . وأوشك : أسرع ، ومنه قولهم : يوشك أن يكون كذا .
( 23 ) تذكرة الحفاظ 1 / 5 .
( 24 ) تذكرة الحفاظ 1 / 5 .
( 25 ) مسند أحمد 1 / 11 ، صحيح البخاري - كتاب الزكاة - زكاة الغنم ، سنن أبي داود - كتاب الزكاة - ح 1567 - 1570 ، سنن النسائي ح 2235 .
( 26 ) جامع بيان العلم 1 / 78 ح 313 و 315 .
( 27 ) جامع بيان العلم 1 / 78 ح 312 .
( 28 ) الطبقات الكبرى 5 / 188 ، تقييد العلم : 52 .
( 29 ) انظر : سنن الدارمي 1 ح 475 ، تقييد العلم : 53 و 56 ، جامع بيان العلم : 79 ح 318 و 319 ، أصول الحديث : 154و 156 و 158، علوم الحديث ومصطلحه : 30 - 31 .
( 30 ) انظر ترجمته في أسد الغابة والإصابة .
( 31 ) في رواية ابن عبد البر ، قال له : إنك امرؤ أحمق . . .
( 32 ) الكفاية في علم الرواية : 15 ، جامع بيان العلم : 429 واختصرها .
( 33 ) الكفاية في علم الرواية : 16 .
( 34 ) جامع بيان العلم : 429 .
( 35 ) كنز العمال 10 / 300 ح 29510 .
( 36 ) محمد رضا الحسيني الجلالي / تدوين السنة الشريفة : 409 - 421 .
( 37 ) انظر : تقييد العلم : 56 ، أصول الحديث : 159 .
( 38 ) انظر : الإتقان في علوم القرآن 1 / 184 - 185 ، صحيح البخاري / كتاب المحاربين - باب رجم الحبلى من الزنى ح 6442 .
( 39 ) تقييد العلم : 54 ، وانظر : أصول الحديث 155 - 156 .
( 40 ) جامع بيان العلم : 87 ح 363 .
( 41 ) مسند أحمد 1 / 389 و 405 و 414 ، سير أعلام النبلاء 1 / 472 .
( 42 ) الشوكاني / فتح القدير 2 / 60 .