النكاح والطلاق
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج2 , ص236-237
5-10-2014
2429
عمل النكاح من أصول الأعمال الاجتماعية، و البشر منذ أول تكونه و تكثره حتى اليوم لم يخل عن هذا العمل الاجتماعي، و قد عرفت أن هذه الأعمال لا بد لها من أصل طبيعي ترجع إليه ابتداء أو بالأخرة.
و قد وضع الإسلام هذا العمل عند تقنينه على أساس خلقه الفحولة و الأناس إذ من البين أن هذا التجهيز المتقابل الموجود في الرجل و المرأة - و هو تجهيز دقيق يستوعب جميع بدن الذكور و الإناث - لم يوضع هباء باطلا، و من البين عند كل من أجاد التأمل أن طبيعة الإنسان الذكور في تجهيزها لا تريد إلا الإناث و كذا العكس، و أن هذا التجهيز لا غاية له إلا توليد المثل و إبقاء النوع بذلك، فعمل النكاح يبتني على هذه الحقيقة و جميع الأحكام المتعلقة به تدور مدارها، و لذلك وضع التشريع على ذلك أي على البضع، و وضع عليه أحكام العفة و المواقعة و اختصاص الزوجة بالزوج و أحكام الطلاق و العدة و الأولاد و الإرث و نحو ذلك.
و أما القوانين الآخر الحاضرة فقد وضعت أساس النكاح على تشريك الزوجين مساعيهما في الحياة، فالنكاح نوع اشتراك في العيش هو أضيق دائرة من الاجتماع البلدي و نحو ذلك، و لذلك لا ترى القوانين الحاضرة متعرضة لشيء مما تعرض له الإسلام من أحكام العفة و نحو ذلك.
و هذا البناء على ما يتفرع عليه من أنواع المشكلات و المحاذير الاجتماعية على ما سنبين إن شاء الله العزيز لا ينطبق على أساس الخلقة و الفطرة أصلا، فإن غاية ما نجده في الإنسان من الداعي الطبيعي إلى الاجتماع و تشريك المساعي هو أن بنيته في سعادة حياته تحتاج إلى أمور كثيرة و أعمال شتى لا يمكنه وحده أن يقوم بها جميعا إلا بالاجتماع و التعاون فالجميع يقوم بالجميع، و الأشواق الخاصة المتعلق كل واحد منها بشغل من الأشغال و نحو من أنحاء الأعمال متفرقة في الأفراد يحصل من مجموعها مجموع الأشغال و الأعمال.
و هذا الداعي إنما يدعو إلى الاجتماع و التعاون بين الفرد و الفرد أيا ما كانا، و أما الاجتماع الكائن من رجل و امرأة فلا دعوة من هذا الداعي بالنسبة إليه، فبناء - الازدواج على أساس التعاون الحيوي انحراف عن صراط الاقتضاء الطبيعي للتناسل و التوالد إلى غيره مما لا دعوة من الطبيعة و الفطرة بالنسبة إليه.
و لو كان الأمر على هذا، أعني وضع الازدواج على أساس التعاون و الاشتراك في الحياة كان من اللازم أن لا يختص أمر الازدواج من الأحكام الاجتماعية بشيء أصلا إلا الأحكام العامة الموضوعة لمطلق الشركة و التعاون، و في ذلك إبطال فضيلة العفة رأسا و إبطال أحكام الأنساب و المواريث كما التزمته الشيوعية، و في ذلك إبطال جميع الغرائز الفطرية التي جهز بها الذكور و الإناث من الإنسان، و سنزيده إيضاحا في محل يناسبه إن شاء الله، هذا إجمال الكلام في النكاح، و أما الطلاق فهو من مفاخر هذه الشريعة الإسلامية، و قد وضع جوازه على الفطرة إذ لا دليل من الفطرة يدل على المنع عنه، و أما خصوصيات القيود المأخوذة في تشريعه فسيجيء الكلام فيها في سورة الطلاق إن شاء الله العزيز.
و قد اضطرت الملل المعظمة اليوم إلى إدخاله في قوانينهم المدنية بعد ما لم يكن.
الاكثر قراءة في المعاملات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة