أ. د - كريم مطر حمزة الزبيدي
ايها المقاتلون الميامين .. فالنصر منكم ولكم واليكم وأنتم أهله وأصحابه فهنيئاً لكم به، وهنيئاً لشعبكم بكم، وبوركتم وبوركت تلك السواعد الكريمة التي قاتلتم بها وبوركت تلك الحجور الطاهرة التي ربيتم فيها، أنتم فخرنا وعزّنا ومن نباهي به سائر الامم.. ما أسعد العراق وما أسعدنا بكم لقد استرخصتم أرواحكم وبذلتم مهجكم في سبيل بلدكم وشعبكم ومقدساتكم، اننا نعجز عن أن نوفيكم بعض حقكم ولكن الله تعالى سيوفيكم الجزاء الاوفى، وليس لنا الا أن ندعوه بأن يزيد في بركاته عليكم ويجزيكم خير جزاء المحسنين.
المقدمة
تعدُّ الحركة الوهابية من الحركات السياسية الدينية الأكثر جدلاً في العالم؛ لما تتميز به من أفكار متطرفة جداً، تصل الى التكفير والقتل، وكتب عنها الباحثون مئات الدراسات، معظمها تنتقد وتعارض سلوك الوهابيين في الفكر والعمل، وقليلٌ جداً ممَّن يمتدحها ويعدها من الحركات الإصلاحية والتجديدية في الوطن العربي. ومهما يكن من كثرة الآراء حولها قدحاً أو مدحاً، لكن الحقائق الموضوعية عن الحركة من خلال دراسة تأريخها وأفكارها، والحركات الإجرامية التي ولدت من رحمها، نجد أن هذه الحركة تبتعد عن الإسلام في كثير من جوانبه، ولا تقيم أي احترام للإنسان حياً أو ميتاً، وتتميز بالتطرف والكراهية.
إن ظهور محمد بن عبد الوهاب في أرض نجد، بين الأقوام البدوية، التي تتميز بضعف إيمانها بالإسلام، وانتشار حركته بسرعة بعد تعاونه مع ال سعود حكام الدرعية، يعطي لنا عدة تساؤلات عن نشوء الحركة وكيف استطاعت أن تحقق النجاح بهذه السرعة؟، ولماذا أصبح البدو من أنصارها الأشداء؟
ومن خلال قراءتي لعدَّة مصادر عن تاريخ شبه الجزيرة العربية وجدت أن المال له دور كبير في نجاح الأفكار أو فشلها، وقد حصلت الحركة على دعم مالي كبير من جهة أجنبية، فضلاً عن المال المستحصل من السلب والنهب من الغارات الإجرامية للوهابيين على المدن والقرى المجاورة.
كانت بريطانيا هي الداعم الأكبر لهذه الحركة من أجل أن تقف ضد الدولة العثمانية في منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، التي تعدها مناطق نفوذها، وقد أثبتت كثير من الوثائق أن التشجيع البريطاني لهذه الحركة كان علناً وواضحاً للعيان.
في ظل ظروف العراق الحالية، وما تعرض له من هجمة إجرامية كبيرة طالت ملايين الأبرياء، من قتل وتشريد وتدمير للممتلكات، وكلُّ ذلك بسبب الوهابيين وتنظيماتهم التي يرعونها رعاية تامة، وأذنابهم ممَّن يدين بأفكارهم، ويعيش على فتات موائدهم، كان واجب علينا أن نتصدى لهذه الحركة، من خلال الفكر وتعرية هذه الحركة الهدامة، التي تبتعد كثيراً عن روح الإسلام، الذي نادى بالوسطية والاعتدال، ولنسجل فضل من تصدى لهم بروحه ودمه؛ لكي يحافظ على كرامة الإنسان العراقي، كانت مشاركتنا المتواضعة هذه، وبدعوة من الأمانة العامة للعتبة العباسية المطهرة، لتسليط الضوء على مدة تأسيس الحركة الوهابية، وهي تمتد من أواخر القرن الثامن عشر، وحتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهي في حقيقة الأمر دراسة مقتضبة كون الموضوع كتب عنه مئات الكتب في الجانبين الفكري والتاريخي، فكان من وكدنا ان نقف على أهمية الفتوى الكفائية ودور الحشد المقدس في التصدي لهذه الحركات الإجرامية لابدَّ من توطئة تاريخية، وكان الفصل الاول الذي كلفنا به يمثل جزءاً من التوطئة التاريخية التي توضح الفكر المنحرف، ونشاط الوهابيين الهدام.
يتضمن الفصل عدة مباحث، تُفصِّل في الطبيعة الجغرافية لمنطقة نجد، وطبيعة القبائل البدوية الاجتماعية والفكرية، والأفكار التي نادى بها محمد بن عبد الوهاب، وهي امتداد لأفكار ابن تيمية التي تعتمد على التكفير، واستخدام القوة في تنفيذ هذه الأفكار بعد تحالف ابن عبد الوهاب مع ابن سعود، وجعل الغنائم حافزاً قوياً للقبائل البدوية في القتال والهجوم على المدن والقصبات المجاورة، بل طالت هجماتهم المناطق المقدسة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والنجف الاشرف، وكربلاء المقدسة، ففي عام 1802، على سبيل الذكر لا الحصر، كانت مجزرة كربلاء على أيديهم الآثمة، ولم يسلم منها أيُّ إنسان كربلائي، وهدمت البيوت ونهبت النفائس الثمينة التي تحويها الروضتان المطهرتان.
وعلى الرغم من أن الوهابيين يكفِّرون كلَّ من لا يقتنع بأفكارهم من المسلمين، سنة وشيعة، لكنهم يجدون الشيعة أعداءً حقيقيين، فمعظم أحاديثهم وكتبهم عن الشيعة وتكفيرهم، كما أن معظم أعمالهم ضد مقدسات الشيعة ولاسيما هدم قبور الأئمة، بل حاولوا هدم قبر النبي صلى الله عليه واله ، لكن إرادة الله منعتهم من ذلك، وهذا الأمر طبيعي بين من يؤمن بحرمة الإنسان وبالفكر المعتدل والوسطي، ولا يكفر أي إنسان شهد بالشهادتين، وبين من يؤمن بالتكفير والقتل والتطرف الأعمى، لابد أن تكون الهوة كبيرة بين الفريقين.
اننا نعتقد أن لليهود دوراً كبيراً في تغذية الفكر الوهابي بالتطرف والقتل، وكل الاعمال الإجرامية، فلم نجد على مر التاريخ نشاطاً للوهابيين ضد اليهود أو تكفيرهم أو الخروج بمظاهرات ضدهم، بل كل نشاطهم ضد المسلمين، أليس ذلك يولد لدينا كثيراً من الأسئلة، الافكار حول نشاطهم؟.
إن مواجهة المد الوهابي الفكري ليس بالأمر اليسير، لأن الوهابيين يملكون أموالاً طائلة يصرفونها في مختلف دول العالم؛ لتغذية الفكر الوهابي، والحصول على الأنصار، والطريقة الأفضل في المواجهة هي التعليم والثقافة لأجيالنا، وتوضيح خطر الحركة الوهابية وأهدافها، ونشاطاتها عبر التاريخ، وهذا يتطلب جهوداً استثنائية من الحكومة والمثقفين، وكل المؤسسات المعنية؛ لتكاتف الجهود، وبناء مشروع فكري ناجح يقف بوجه التطرف، ويعري أصحابه، ويضعهم في حقيقتهم أمام سكان الأرض.
كما أن من الضروري جداً أن نستثمر الجهود التي بذلت في هذا الاتجاه ولاسيما نشاط الأبطال من جيشنا الباسل، وحشدنا المقدس؛ لنقوم بخطوات أخرى تعزز الانتصارات ضد المتطرفين، ونبني جيلاً مؤمناً بالوسطية والاعتدال والتعايش السلمي، وهذه الموسوعة من الخطوات المباركة التي تخلد ملحمة الصمود ضد تيار التكفير والقتل، ولتنقل الصورة الواضحة عن دعاة التكفير الوهابيين، الى مختلف شعوب العالم؛ ولتبقى حافزاً لأجيالنا القادمة؛ ليقفوا بوجه كل من يمس الوطن والمقدسات بأي سوء.