بقلم: الشيخ خليل رزق.
اختص الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وتفرّد بخصوصيات لم تكن لأحد من الناس ، وهي إن دلّت على شيء فإنما تدل على مدى الاهتمام والرعاية الإلهية لشخصه ، وتبيانا لعظمة مقامه الشريف عند اللّه .
كيف لا وهو خاتم الأوصياء ، ومنجز حلم الأنبياء ، والشخصية الربانية التي أوكل إليها وألقي على عاتقها أعظم وأقدس مهمة على مستوى التغيير والإصلاح على وجه الأرض وليظهر اللّه على يديه ما خفي على الناس من عظيم قدرته سبحانه وتعالى ، بحيث تكون ثورته ورسالته خاتمة المطاف في هذه الرحلة الطويلة التي بدأها أبو الأنبياء ( وآخر إنذار للبشرية لتعود إلى بارئها لذلك فإن من أعظم الخصائص والمميزات في الرسالة المهدوية هي وجوب الانصياع التام لها بحيث يخيّر الإنسان معها للدخول إما إلى معسكر الكفر والنفاق أو الالتحاق بركب الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . ولا مبرر لأحد بعد ذلك على الإطلاق لأن الحقيقة حينها ستظهر جلية واضحة بما أعطاه اللّه من معجزات وعلامات تظهر حقيقة دعوته التي لا يرفضها إلا كل معاند أو جاحد .
فمع الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف تنتفي الذرائع ، وتقطع الحجج والبراهين ليكون الحق حقا لا شائبة فيه والباطل باطلا لا التباس فيه .
ومع الإعلان عن الظهور الشريف والمبارك وخروج الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف شاهرا سيف الحق ورافعا للواء العدل تصاحبه عشرات الخصائص التي ترفع الشك والريب ، ولا يبقى مجال لأصحاب القلوب المريضة أن يشكّوا أو يشكّكوا في شخصية الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وتلزمهم الحجّة القطعية التي تأخذ بأعناقهم وتسدّ عليهم أبواب الشكوك والمناقشة ، ولامكان حينها لأشخاص كأبي جهل ، وأبي لهب وأبي سفيان وغيرهم من الأفراد الذين أنذرهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المرة تلو الأخرى عسى أن تنفهم الذكرى .
فمع الإمام عليه السّلام وعلائمه وخصائصه الواضحة والجلية ينبغي الخضوع الفوري للإرادة الإلهية .
وقد استعرضت الأحاديث والمرويات الشريفة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة الأطهار عشرات الخصائص للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ولعصر ظهوره .
ونحن نستغني عن ذكر هذه الروايات بما قدمه لنا خاتمة المحدثين الشيخ حسين النوري الطبرسي في كتابه : النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وهي :
الأول : امتياز نور ظله ( في عالم الأظلة بين أنواع الأئمة عليهم السّلام ) .
فعن الإمام الباقر عليه السّلام في ذكر الأئمة عليهم السّلام في ليلة المعراج ورؤية أنوارهم . . . إلى أن يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« . . . فإذا علي . . . وعدهم إلى الحسن بن علي . . . والحجة القائم كأنه كوكب دري في وسطهم ، فقلت يا رب من هؤلاء ؟ فقال :
هؤلاء الأئمة ، وهذا القائم ، يحل حلالي ، ويحرّم حرامي ، وينتقم من أعدائي ، يا محمد ! أحببه فأنا أحبه ، وأحب من يحبه » .
الثاني : شرف النسب .
فإن له عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف شرف نسب جميع آبائه الطاهرين عليهم السّلام ، وإن شرف نسبهم أشرف الأنساب .
ويتصل شرف نسبه من جهة الأم إلى قياصرة الروم وينتهي إلى وصي عيسى عليه السّلام .
الثالث : جمعه لكنية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم واسمه المبارك .
الرابع : حرمة التصريح باسمه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
الخامس : أن به عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ختم وصاية الحجة على وجه الأرض .
السادس : غيبته منذ ولادته .
السابع : ليس لأحد من الجبارين في عنقه بيعة ، فعن الإمام الحسن عليه السّلام أنه قال :
« . . . ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح اللّه عيسى بن مريم خلفه . . . » .
الثامن : له علامة في ظهره كالعلامة التي في ظهر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المبارك التي تسمى ب ( ختم النبوة ) ، ولعل الذي فيه إشارة إلى كونه ( ختم الوصاية ) .
التاسع : ظهور الآيات الغريبة والبينات السماوية والأرضية لظهوره السعيد عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ولم تظهر لولادة وظهور أي حجة غيره .
العاشر : النداء السماوي باسمه حين الظهور ، فعن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام :
« . . . فينادي مناد من السماء ، أيها الناس ! إن أميركم ( فلان ) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . . . » .
الحادي عشر : تظله غمامة بيضاء فوق رأسه المبارك عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وينادي مناد في تلك الغمامة يسمعه الثقلين والخافقين كما في رواية الشيخ الطوسي :
« وهو المهدي من آل محمد يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا » .
الثاني عشر : حضور الملائكة والجن في عسكره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وظهورهم لأنصاره .
الثالث عشر : عدم تأثير طول الدهر ودوران الليل والنهار وسير الفلك الدوار في بنيته ومزاجه وأعضائه وقواه وصورته وهيئته . . . فمع هذا العمر الطويل ، ورغم ما انقضى من عمره الشريف إلى زماننا هذا ، ولكنه عندما يظهر فإنه يظهر في صورة رجل ابن ثلاثين أو أربعين .
الرابع عشر : حضور مجموعة من الأموات في جيشه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف كما في رواية الشيخ المفيد في الإرشاد :
« سبعة وعشرين رجلا ، ( خمسة عشر ) من قوم موسى عليه السّلام وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون ، وسلمان ، والمقداد ، وأبا دجانة الأنصاري ، ومالكا الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما » .
الخامس عشر : وتخرج الأرض كنوزها وذخائرها التي استودعت فيها ففي الإرشاد روى الشيخ المفيد :
« إن قائمنا إذا قام . . . تظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها » .
السادس عشر : زيادة الأمطار والزرع والأشجار والثمار وسائر النعم الأرضية .
ففي كشف الغمة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« تتنعم أمتي في زمانه نعيما لم يتنعموا مثله قط البر والفاجر ، يرسل اللّه السماء عليهم مدرارا ، ولا تدخر الأرض شيئا من نباتها » .
السابع عشر : تكمل عقول الناس ببركة وجوده عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
الثامن عشر : القوة الخارقة للعادة في أنظار وأسماع أصحابه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف كما عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :
« إن قائمنا إذا قام مد اللّه عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه » .
التاسع عشر : طول عمر أصحابه وأنصاره .
العشرون : إعطاء قوة أربعين رجل لكل من أعوانه وأنصاره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
الواحد والعشرون : استغناء الخلق بنوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف عن ضوء الشمس ونور القمر .
الثاني والعشرون : إن معه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم تنشر إلا في بدر ويوم الجمل .
الثالث والعشرون : لا يستوي درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلا عليه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال بعد ذكر جملة مما عنده من السلاح ومواريث الأنبياء :
« وإن قائمنا من لبس درع رسول اللّه فملأها . . . » .
الرابع والعشرون : خصه اللّه تعالى بسحاب ذخره له فيه رعد وبرق ، روى الشيخ المفيد بأسانيد متعددة عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال :
« أما إن ذا القرنين قد خيّر السحابتين فاختار الذلول ، وذخر لصاحبكم الصعب . قال : قلت : وما الصعب ؟
فقال : ما كان من سحاب فيه رعد أو صاعقة أو برق فصاحبكم يركبه ، أما أنه سيركب السحاب ، ويرقى في الأسباب ، أسباب السماوات السبع ، والأرضين السبع . . . » .
الخامس والعشرون : ارتفاع التقية والخوف من الكفار والمشركين والمنافقين والتمكن من عبادة اللّه تعالى والسلوك في أمور الدين والدنيا حسب القوانين الإلهية والأوامر السماوية .
السادس والعشرون : انبساط ملكه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف على جميع الأرض من المشرق إلى المغرب ، برا وبحرا ، الجبل والسهل ، ولا يبقى مكان لا يكون فيه ملكه ولا ينفذ فيه أمره ، والأخبار في هذا المعنى متواترة .
السابع والعشرون : يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وقلّما ترد الأخبار الإلهية أو النبوية الخاصة أو العامة التي ذكرت المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ولم يذكر فيها هذه البشارة وهذه الفضيلة .
الثامن والعشرون : يحكم بين الناس بعلمه كإمام ، ولا يطلب بينة وشاهدا من أحد .
فعن الإمام الصادق عليه السّلام قال :
« لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت يحكم بحكم داوود ولا يسأل الناس بينة » .
التاسع والعشرون : أنه يأتي بأحكام خاصة لم تظهر ولم يعمل بها أحد إلى حين ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
الثلاثون : يخرج كل مراتب العلوم .
الواحد والثلاثون : نزول السيوف السماوية لأنصاره وأصحابه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
الثاني والثلاثون : نزول روح اللّه عيسى بن مريم عليهم السّلام لنصرة المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف والصلاة خلفه .
الثالث والثلاثون : انقطاع سلطة الجبابرة ودولة الظالمين في الدنيا بوجوده عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وسوف لا يحكمون على وجه الأرض بعد ذلك ، لأن دولته تتصل بالقيامة طبق رأي بعض العلماء ، أو تتصل برجعة باقي الأئمة عليهم السّلام طبق رأي جماعة وظواهر أخبار كثيرة .
ونختم الحديث في هذا المجال بما رواه الطبرسي في الاحتجاج وابن طاووس في كشف اليقين ، خطبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم البليغة والطويلة في حجة الوداع في غدير خم التي خطبها في ذلك المحضر العظيم .
ومن جملة فقرات تلك الخطبة :
« معاشر الناس ! ألا وأني منذر ، وعلي هاد .
معاشر الناس ! أنا نبيّ وعليّ وصيّ ، ألا إن خاتم الأئمة منا ، القائم المهدي .
ألا أنه فاتح الحصون ، وهادمها . . . .
ألا أنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك . . . .
ألا أنه المدرك بكل ثأر لأولياء اللّه عز وجل . . . .
ألا أنه الناصر لدين اللّه . . . .
ألا أنه الغراف من بحر عميق . . .
ألا أنه خيرة اللّه ومختاره . . .
ألا أنه وارث كل علم ، والمحيط به . . .
ألا أنه المخبر عن ربه عز وجل ، والمنبه بأمر إيمانه . . .
ألا أنه الرشيد السديد . . .
ألا أنه المفوض إليه . . .
ألا أنه قد بشر به من سلف بين يديه . . . »[1].
[1] النجم الثاقب ، الطبرسي النوري ، ج 1 ، ص 343 .