المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4516 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
حرمة زواج زوجة الاب
2024-05-01
{ولا تعضلوهن}
2024-05-01
{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الـموت}
2024-05-01
الثقافة العقلية
2024-05-01
بطاقات لدخول الجنة
2024-05-01
التوبة
2024-05-01

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


رد قول من زعم تحقق الاجماع في خلافة ابي بكر  
  
963   11:13 صباحاً   التاريخ: 11-4-2017
المؤلف : الفاضل محمد بن عبد الفتاح المشتهر بسراب التنكابني
الكتاب أو المصدر : سفينة النجاة
الجزء والصفحة : ص115- 132
القسم : العقائد الاسلامية / الامامة / امامة الامام علي عليه السلام /

...إن المهاجرين والأنصار تركوا تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن أمر الخلافة كان في غاية الاهتمام ، وربما يترتب على تأخيره المفاسد التي يتعذر تداركها أو يتعسر ، بخلاف تأخير تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه مع عدم المفسدة كان أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعض الأصحاب مشغولا به ، والأمر المخوف فواته هو المتعين بالمسارعة .

ولم يكن سبب ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عدم علمهم بما يقتضيه مرتبته ، بل علموا شناعة تركه في تلك الحال ، ومع هذا لم يبالوا بها وسارعوا إلى السقيفة ، لخوفهم من تأخير الفوات ما خافوا فواته .

وبعد ما حضروا السقيفة احتج الأنصار والمهاجرين بما احتجوا ، وظهر ضعف ما تمسك به الأنصار وقوة ما استدل به المهاجرون ، ورجحان أبي بكر بينهم بما ذكر الرجلان فبايعوه به ، وسعد بن عبادة لكونه صاحب غرض لا يلتفت إلى قوله في الاجماع ، ومخالفة بعض الأصحاب ، مثل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وطلحة والزبير وأبي سفيان وغيرهم ، قد ارتفع بعد مدة واستقر الاجماع على الأمر ، ولو تنزلنا عن هذه المرتبة وقلنا باعتبار مخالفة سعد في الاجماع ، قلنا بعد وفاته في أوائل عمر استقر الاجماع على إمامة عمر ، وإمامته تدل على إمامة أبي بكر بوجهين : أحدهما عدم القائل بالفصل ، وثانيهما فرعية إمامته على إمامة الأول ، وحقية الفرع كاشفة عن حقية الأصل .

ويمكن أن يقال : تحقق الاجماع بعد وفاة سعد ، بأن أبا بكر كان إماما في زمانه أيضا من غير حاجة إلى التمسك بعدم القائل بالفصل والفرعية .

وفيه نظر من وجوه :

أما أولا ، فلأن الأمر الذي كان في شأنه ذلك الاهتمام هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عالما به أو لا ؟ فإن كان عالما به فلم لم يعين الخليفة ؟ مع كون طريقته الشائعة تعيينه من له أدنى امتياز ومتبوعية في أمور ضعف احتمال المفسدة فيها وأمكن التدارك بأيسر وجه إن حصل أدنى مفسدة ، فكيف لا يبين هذا الأمر العظيم الذي في اختلاله ووضعه في غير موضعه مفاسد عظيمة ، منها عدم رعاية حق أهل البيت مع وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وظهورها بينهم ، واختلاف الصحابة وتشويش أحوالهم وتخويفهم للبيعة ، واستمرار الاختلاف والتشويش بين الأمة على ما ترى وغيرها مما ترتب على أمر الخلافة .

وأيضا كيف لا يبين مثل هذا الأمر ؟ مع خفاء المستحق بين الناس واختلاف الأهواء فيه ، وكون الأمور الدنيوية والدينية منوطة به ، وأصحاب التدبير من الملوك يعينون المستحق للسلطنة بزعمهم أو بهواهم ، نظرا له أو للرعية أو لهما عند ظهور أمارة قرب الموت ، بل قبل ظهورها أيضا ، فكيف ينسب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إهمال مثل هذا الأمر الذي في إهماله المفاسد العظيمة التي علمت بعضها ؟

وإن قلت إنه لم يكن عالما به ، فكيف كان أبو بكر وعمر عالمين عند شدة مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظهور أمارة انتقاله إلى روضة الرضوان ، والاحتياج إلى التدبير في أمر الخلافة ، حتى تخلفا عن جيش أسامة ، مع غاية مبالغة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في خروج الجيش ولعنه على المتخلف كما يدل عليه الأخبار ، ولم يعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ولو فرض عدم علمه ( صلى الله عليه وآله ) مع ظهور البطلان مماشاة معهم ، نقول : أرسل الله تعالى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الخلق لينقذهم عن الجهالة ويهديهم طرق الرشاد عن الضلالة ألم يلهمه تعيين الخليفة مع عظم الخطب ؟

وبالجملة مع ظهور حصول العلم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقرب الانتقال وأمر الخلافة ، يدل عليهما ما رووه ونقلته سابقا من قوله ( صلى الله عليه وآله ) " إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب " إلى قوله " أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " وغيره من الأدلة والآثار .

فإن قلت : لا ينفعكم الاستبعاد بعد ثبوت الاجماع على خلافة أبي بكر الدال على عدم التعيين .

قلت : مع دلالة كيفية ما جرى في السقيفة على أن البيعة لم تكن ناشئة عن اعتقاد استحقاق أبي بكر للأمر نتكلم في الاجماع أيضا .

وأما ثانيا : فلأن بعد حضورهم السقيفة تداركا لما خافوا منه ، وهو تولي سعد أمر السلطنة وقوة حاله ، بحيث لا يكونوا قادرين على دفعه ، لو كان غرضهم محض الخير ولم يكونوا قاصدين اختلاس السلطنة بأي وجه كان ، وجب أن يقولوا بعد حضورها ما حاصله : أيها المؤمنون كما أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خير خلق الله ، فمصيبته أعظم المصائب وحرمته أعظم الحرم ، فلا معنى لاشتغالنا بأمر قبل فراغنا عن أمره ( صلى الله عليه وآله ) ، فاتفقوا معنا بالمراجعة إلى المسجد والاشتغال بأمره ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعد الفراغ نشتغل بالتأمل في هذا الأمر وما يقتضيه العقل والمرجحات العقلية والشرعية .

وأيضا أعلمنا بالأمور بأخبار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع جمع من كمل الأصحاب مشغولا بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالضرورة ، لقباحة تركه رأسا ، فلا وجه لتأسيس مثل هذا الأمر الخطير بغير المراجعة إلى أمثالهم ، وبعد الفراغ من أمر التجهيز والدفن نستقر في مكان مناسب ونجول بالآراء الصائبة ، ونسمع حجة كل من يدعيها ، ونتأمل فيها مرة بعد أخرى لاستكشاف الحال ، وبعد المعاودة في النظر ومشاورة أصحاب البصيرة والخير والاطمئنان بالمستحق للأمر ، نقضي بما فيه تحصيل مرضات الله تعالى .

وخلو أمر السقيفة عن أمثال هذه الأمور مع اشتماله على ما اشتمل ، شاهد على أن بناء أمر السقيفة لم يكن مبنيا على الآراء ، حتى يظهر من الاتفاق في اللفظ بينهم على فرض التحقيق كونه كاشفا عن الاتفاق في الاعتقاد الذي هو المعتبر في الاجماع ، بل خلوه عما ذكرته واشتماله على ما عرفته شاهدا صدق على أن كان بناؤه على الأهواء والحيل التي لا تدل على اتفاق لاعتقاد لو فرض الاتفاق في اللفظ .

وأيضا ترك الأنصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يدل على غاية اهتمامهم في أمر الدين ، حتى لم يهربوا عن شناعة ترك أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلمهم بكون أمر الخلافة أهم ، والمنفعة التي تترتب على انتظامها أتم ، فذهلهم المسارعة إلى مرضات الله ترك الرسول والمسارعة إلى أمر به تشييد الأصول ، وأمثال هذه الجماعة لا يفعلون ما لا يكون فيه مرضات الله تعالى ، لدلالة فعلهم على غاية الاهتمام في أمر الدين ، حتى لم يبالوا بما قال الجاهلون بحالهم بمقتضى شريفة {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54] ورواية " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " شاهدة لهم ، فكيف يولون من لا حق له .

وإذا كان حالهم وشأنهم ما عرفت ، فإما أن كانوا يولون سعدا أمر السلطنة والخلافة ، أم لا . فإن ولوه كانت الخلافة تثبت بتوليتهم لكونهم جماعة كثيرة من أهل الخير والصلاح ، ومن كمل المسارعين إلى مغفرة من ربهم ، ومن الأصحاب الذين عرفت مرتبة الاقتداء بهم ، ولا يفعل مثل تلك الجماعة بل بعضهم ما لا يوافقه الشرع الأنور ، ولا غضاضة على إطاعة الشرع . وإن لم يكونوا يولونه لعدم استحقاقه الأمر ، وكونهم على الصفات المذكورة يمنعهم عن مثل هذا الأمر الشنيع ، فلا باعث على حضور قريش السقيفة وترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع افتخارهم بكونهم من الطائفة التي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منها .

وبالجملة صفة الأنصار مانعة عن الظلم والطغيان ، فلا يصلح جعل اجتماعهم في السقيفة لاعتمادهم على قريش في تجهيز الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واشتغالهم بأمر الخلافة على وجه شرعي سبب ترك قريش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على وجه لا يليق بأوساط الناس بلا غرض شرعي .

فإن قلت : لم يكن الأنصار غير متهمين عندنا ، والمسارعة إلى السقيفة من أعظم أمارات الاتهام ، والرواية مع كونها خبرا واحدا معارضة بإخباره ( صلى الله عليه وآله ) بارتداد كثير من الصحابة ، ولو كانت حقا كانت مأولة البتة ، فحينئذ يمكن الخيانة في أمر الخلافة والمسارعة في البيعة قبل ظهور المستحق ، وتدارك الباطل بعد البيعة مما يتعذر أو يتعسر تعسرا شديدا ، واحتمال هذا الأمر بل ظهوره دعانا إلى ارتكاب ما يحكم بشناعة العقول تداركا لما هو من أعظم الأمور ، فما راعيناه أعظم مما تركناه .

قلت : إن كان الأنصار متهمين بالباطل ، يمكن ( 1 ) أن يكون قولهم بخلافة أبي بكر أيضا للدواعي لا الاعتقاد ، والعبرة في الاجماع هي الاعتقاد لا القول على تقدير تسليم الاتفاق في القول ، واتهامكم في أموركم مثل اتهام الأنصار أو أزيد ، كما ظهر... في أمر السقيفة.

وأما ثالثا ، فلأن عدم الالتفات إلى تخلف سعد ، والتعليل بكونه صاحب غرض لا وجه له ، وإنما يصح عدم الالتفات لو علم أنه يعتقد استحقاق أبي بكر وتخلف عن البيعة للغرض .

وأما إذا جوز مع كونه صاحب غرض اعتقاده عدم استحقاق أبي بكر - كما أومأت إليه - سواء اعتقد استحقاق نفسه أم لا ، فلا وجه لعدم الالتفات ، كما يظهر لمن تدبر في دلائل حجية الاجماع .

وأما رابعا ، فلأنه يجوز أن يكون بيعة بشير بن سعد للحسد على سعد بن عبادة ، كما ذكره حباب بن المنذر في السقيفة ، أو طمع الوزارة الموعودة والقرب كما ذكرته لا لاعتقاده الاستحقاق .

وأما خامسا : فلأنه يجوز أن يكون بيعة الأوس لكراهتهم خلافة سعد واستيلاء الخزرج ، كما نقل هذا القول عن بعضهم في حكاية السقيفة لا للاعتقاد .

وأما سادسا ، فلأنه يجوز أن يكون بيعة جماعة للخوف عن فظاظة عمر ، ألم تر أن سعدا مع كونه أعظم قومه بل أعظم أهل المدينة جاها يقول عمر في شأنه في وقت البيعة لما رأى القوة ببيعة جمع ، مع عدم حصول الاتفاق وعدم حضور كمل الأصحاب : اقتلوه قتله الله ، ثم قال : لقد هممت أن أطأك حتى يندر عضوك .

وأما سابعا ، فلأن الامتناع عن البيعة الذي ظهر من سلمان وأبي ذر وطلحة وزبير وعباس وأبي سفيان وغيرهم يدل على أمرين : أحدهما علمهم بعدم استحقاق الأول للخلافة ، وثانيهما كون بيعة الجماعة : إما لغرض جلب النفع ، أو دفع الضرر ، سواء كان ذلك الضرر احتمال إصابة بعض المكاره بعد الاستقلال أو استيلاء ما يكرهون استيلاءه أو للشبهة .

والظاهر أن بيعة أكثر العوام من هذا الباب ، لا لعلمهم باستحقاق الأمر بما جرى في السقيفة ، ولو لم يكن امتناعهم عن البيعة لعلمهم بالبطلان وعدم الاستحقاق لم يكن للامتناع معنى ، لأن الدلائل التي بها تمسكوا في استحقاق الأول للخلافة كانت منتشرة في ألسنة الناس ، بحيث لا يمكن خفاء أصل الدلائل ، لكونها مع كونها مذكورة في مشهد الناس لا خوف على إظهارها حتى يكون عدم العلم بها راعيا على الامتناع ، ولا خفاء مقتضاها لو كانت مقتضية لاستحقاق الأول .

وكيف يظهر على العام والخاص من غير حاجة إلى التأمل والمراجعة ولا يظهر على مثل سلمان وأبي ذر ؟ مع ظهور جلالتهما وقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شأنهما ما قال ، ومع ظهور عدم احتمال ظهور الأمر على العامة والخاصة وخفائه على كل الممتنعين ، أو خفائه على البعض وامتناع البعض للدواعي ، لأن جلالة البعض مانعة عن الأمرين، واحتماله في البعض الآخر لا يضرنا ولا ينفعهم الاحتمال كاف لنا ومبطل لاحتجاجهم ، كما هو ظاهر لمن له أدنى ربط بقانون المكالمة .

ويدل على الجلالة ما روى ابن الأثير في جامع الأصول ، في آخر النوع الخامس من الفصل الثاني من الباب الرابع من الكتاب الأول من كتب حرف الفاء ، وهو  كتاب الفضائل والمناقب ، من صحيح الترمذي ، عن بريدة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تبارك وتعالى أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم ، قيل : يا رسول الله سمهم لنا ، قال : علي منهم يقول ذلك ثلاثا ، وأبو ذر والمقداد وسلمان ، وأمرني ربي بحبهم وأخبرني أنه يحبهم (2) .

وفي آخر النوع الأول من الفصل الثاني من الباب المذكور والكتاب المذكورين ، من صحيح الترمذي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي ، وعمار ، وسلمان (3) .

وفي أول النوع الثالث من الفصل المذكور ، من صحيح الترمذي ، عن أنس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أن قال : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر أشبه عيسى ( عليه السلام ) في ورعه ، قال عمر : أفنعرف له ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم فاعرفوا له (4) .

وروى في مبحث فضائل أبي ذر ، عن ابن عمرو بن العاص ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر (5) .

ومن صحيح الترمذي ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم ، فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله أفنعرف ذلك له ؟ قال: نعم .

وقال : وقد روى بعضهم هذا الحديث ، فقال : أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم (6) .

وروى البخاري ومسلم حديثا طويلا في إسلامه ، يدل على جلالة قدره وعلو مرتبته (7) .

وفي فضائل سلمان الفارسي ، من صحيح الترمذي ، عن أبي هريرة ، قال : تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] قالوا : ومن يستبدل بنا ؟ قال : فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على منكب سلمان ثم قال : هذا وقومه . وروى رواية أخرى عنه قريبا منها مع زيادة قوله ( صلى الله عليه وآله ) : والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس (8) .

ويظهر من أمر الله تعالى بحب المذكورين في الرواية وإخباره بحبه إياهم ، وذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الحب والإخبار به أولا عند الاجمال ، وذكرهما آخرا عند التفصيل دلالة واضحة على اتصافهم بأعلى مراتب الكمال والصلاح ، كدلالة اشتياق الجنة عليه .

فأمثال هذه الجماعة كيف يمتنعون عن البيعة المأمور بها شرعا ، مع ظهور أمرها على المهاجرين والأنصار ، لعدم قدرتهم على فهم الحجج والدلائل الواضحات التي فهمها الخواص والعوام ؟ وعملوا بمقتضاها من سرعة الإجابة في البيعة ، أم للأغراض الباطلة التي لها الاستيلاء على أهل الأهواء ؟ وتجويز عدم القدرة في مدة الامتناع مع الظهور التام الذي يدل عليه مبايعة الأقوام بلا تأمل وروية بعد سماع الحجة ، مع اشتهار حججهم التي بني عليها أمر البيعة ، وعدم الباعث على الاخفاء لشوكة الطالب وعدم المعارض لا معنى له .

والأغراض الباطلة كيف تتطرق إلى أمثال تلك الجماعة ؟ كيف ؟ ومع كون إثبات الاستحقاق في أول الأمر أصعب وأشكل لم يحصل التوقف بعد البيان بين المبايعين أصلا ، وفهم تمامية حجة تلقاها الجماعة التي يحسن الظن بهم بالقبول أيسر لحصول غاية الاقبال التي هي سبب أسرعية الانتقال من فهمها قبل ذلك ، فامتناعهم بعد هذه المرتبة يدل دلالة واضحة على بطلان ما شيدوا به أمر البيعة ، وكون صاحب الحق غير أبي بكر .

وعلى تقدير عدم الدلالة الواضحة الاحتمال كاف لنا هاهنا ، لأن غرضنا هاهنا عدم ظهور كون البيعة على وجه يدل عليه الحجة التي يمكن التعويل عليها ، وعدم ظهور الاتفاق اللساني ما قد رووا على إظهار الخلاف ، وعدم ظهور اتفاق الاعتقاد في وقت من الأوقات .

وأيضا كيف لم يقل بهذا الأمر الواضح الذي به تقوية الدين والشرع من لم يضل الخضراء ولم يقل الغبراء أصدق لهجة منه ومن له شبه عيسى ( عليه السلام ) وزهده أول ما بلغه ؟ ولم يظهر الله أمر الخلافة له ، مع وضوح الحجة وبلوغ الدعوة ، حتى يسرع إلى هذا الخير أيضا ، على ما هو شأن من هو أدنى مرتبة منه ، مع أن الله تعالى هداه إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بغير دعوة بلغته ، وجعل الذئب وسيلة لإيمانه برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بدو الحال ، ألم يكن في إنكاره خبرة للبصير بما وقع ولا الحيرة ؟

وأيضا ألم يدل امتناع سلمان عن البيعة مع إخبار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد السؤال بقولهم " ومن يستبدل بنا ؟ " بقوله " هذا " مشيرا به إلى سلمان في تفسير قوله تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [محمد: 38] على ضد مطلوبهم أقوى من دلالة البيعة والسكوت على مطلوبهم .

وأما ثامنا ، فلأن منازعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وامتناعه من البيعة تدل على بطلان ما شيدوا به أمر البيعة ، وإلا لكان أسرع المجيبين ، ولا يمكن أن يكون الامتناع ناشئا من عدم ظهور الحق عليه ، مع كون أمر البيعة على الوجه الشرعي، وكيف يجوز أن يظهر حقية أبي بكر ولزوم البيعة لأكثر الناس ولم تظهر لأعلمهم ؟ فلم يبق لسببية الامتناع أمر إلا علمه ببطلان الأمر ، وقوله ببطلان الأمر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببطلانه ، لتظافر الأخبار بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يدور الحق مع علي حيث ما دار .

فإن قلت : لا نسلم أن تأخير البيعة وقع بعد الطلب ، وعلى تقدير وقوعه بعده ، فلا نسلم وقوعه لعدم القول باستحقاق الأول للخلافة ، بل للوحشة التي نشأت من عدم مشاورتهم إياه في هذا الأمر : وفي أمثال تلك الأمور قد يحصل نوع غضاضة لكمل الناس ، من غير أن يكونوا معتقدين بطلان الأمر ، ولا نافين لوقوعه على وفق الشرع .

ويؤيد ما جوزناه ما رواه ابن الأثير في جامع الأصول في الباب الثاني من كتاب الخلافة ، من صحيح مسلم ، عن عائشة ، قالت : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والعباس أتيا يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني لا أدع أمرا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه فيه إلا صنعته - زاد في رواية : إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ - قال : فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها علي ، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك إلى اليوم .

قال : في رواية فهجرته فاطمة ، فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت : فكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي ، ومكثت فاطمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر ثم توفيت ، فقال رجل للزهري : فلم يبايعه على ستة أشهر ؟ قال : لا والله ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي .

فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ، ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، فأرسل إلى أبي بكر ائتنا ولا تأتنا معك بأحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر ، فقال عمر : لا تأتهم وحدك ، فقال أبو بكر : والله لآتينهم وحدي ما عسى أن يصنعوا بي ، فانطلق أبو بكر فدخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده .

فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فلم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك ، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ، ولكن كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا ، ثم ذكر قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحقهم ، فلم يزل علي يذكره حتى بكى أبو بكر وصمت علي .

فتشهد أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فوالله لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم عن الخير ، ولكن سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أدع أمرا صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا صنعته إن شاء الله ، ثم ساق الكلام إلى بيعته (9) .

وجه التأييد : تصريحه ( عليه السلام ) بأنه لم يكن مانعه من البيعة إنكار الفضيلة والنفاسة ، وما يشتمل كلامه ( عليه السلام ) عليه من أن الخلافة خير ساقه الله تعالى إلى أبي بكر ، فلو لم يكن أهلا لها لم يعبر ( عليه السلام ) عنها بالخير ، ولم ينسب سياقه إلى الله تعالى .

وبعد ما صرح ( عليه السلام ) أن مانعه من البيعة لم يكن ما ربما يتوهم الجاهل بمرتبة أبي بكر ، قال : مانعه أنه يرى أن له في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا ، ومراده ( عليه السلام ) من هذا الأمر إما الخلافة ، وإما المشورة ، والأول باطل ، لأنه صرح باستحقاق أبي بكر للخلافة ، وأن المانع لم يكن إنكارا لفضيلته والنفاسة ، علم أنه كان ( عليه السلام ) عالما باستحقاق أبي بكر للخلافة ، فتعين الثاني .

وصيرورة الوحشة مانعة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن تعجيل البيعة أقوى دليل على عدم منافاة التأخير في مثل هذا الأمر العظيم للوحشة للكمال ، لأنه بهذا الحديث الصحيح ظهر أن الوحشة كانت هي الباعثة على تأخيره ( عليه السلام ) عن البيعة ، وبالأخبار الصحيحة المتظافرة مثل حديث الطائر والمنزلة والراية وغيرها من الأخبار الكثيرة ظهر كونه ( عليه السلام ) في أعلى مراتب الكمال ، فوجب أن يحمل أن صيرورة الوحشة باعثة على تأخير مثل هذا الأمر ، والامتناع عنه مثل هذه المدة ليست قادحة في الكمال .

فظهر التأييد وتم المقصود بهذا الخبر الذي رواه مسلم الذي من أجلة الناقدين للأخبار ، وبهذا التجويز والتأييد خرجت بيعة المهاجرين والأنصار عن البطلان ، واندفعت المفسدة الواضحة التي هي خطأ مثل تلك الجماعة الذين قتلوا العشائر والأقارب لتحصيل مرضات الله تعالى ، وبذلوا الأموال والنفوس في إطاعته ، وإن سلم عدم الاجماع على ما قالت الشيعة .

قلت : فيه نظر من وجوه :

أما أولا ، فلأنه مع كون منع تأخير البيعة عن الطلب مكابرة صريحة ، كما يدل عليه السير والأخبار دلالة قول الزهري " فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر " ظاهرة (10) في امتناعه ( عليه السلام ) عن البيعة ما دام المقدرة ، وقوله ( عليه السلام ) " فلم يمنعنا أن نبايعك " صريح فيه .

وأما ثانيا ، فلأن منع كون امتناعه ( عليه السلام ) عن البيعة ناشئا عن اعتقاده ( عليه السلام ) عدم الاستحقاق لا معنى له ، لأنه لو كان قائلا به وبوقوع البيعة على وجه شرعي مع ظهور احتمال ترتب المفسدة على التأخير ، ولو كانت سوء الظن بالمحق كيف يجوز التأخير عنه ؟

وأيضا مسارعة الصحابة في الأمر المذكور يوم السقيفة كانت دالة على نهاية اهتمامهم في أمر الخلافة الدالة على كون التأخير فيه تهاونا في عمدة الواجبات المضيقة ، وبعد ما حصل الرضا وظهر الاستحقاق وأمكن البيعة ، كان تعجيل البيعة واجبا أو راجحا ، والوحشة عن فعل الواجب أو الراجح لا يليق بأوساط الناس ، فكيف تنسبونها إليه ( عليه السلام ) ؟ مع علمكم ببعض مراتبه ، فهذا التأخير دليل قطعي على اعتقاده بعدم استحقاق الأول الكاشف عن عدم استحقاقه في الواقع لدوران الحق معه حيثما دار .

وأما ثالثا ، فلأن تأخير بني هاشم أيضا كان : إما للوحشة ، أو لعدم بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ظنا منهم أنه ( عليه السلام ) يقول بعدم استحقاق الأول للخلافة ، وقوله بعدم

الاستحقاق يدل على عدم الاستحقاق ، أو لأنهم وإن كانوا عالمين بأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عالم باستحقاق الأول للأمر لكن لما ترك البيعة للوحشة تركوها اقتفاء به ( عليه السلام) في الترك ، وإن لم يوجد ما دعاه ( عليه السلام ) إلى الترك فيهم .

والأول باطل ، لأن الوحشة على وقوع الأمر على وفق الشرع المطاع أعلمهم به وعلمهم بعلم الشريف والوضيع حقية هذا الأمر ، لا وجه لها ، فكيف يتركون البيعة الواجبة عليهم ستة أشهر ؟ ويتهمون البرئ بالغصب وأنفسهم بالعصبية ؟

لدلالة الترك على أحدهما ظاهرا .

والثاني لا معنى له ، لأن وضوح استحقاق الخلافة كان في مرتبة لم يخف على أوساط الناس ، فكيف يخفى على بني هاشم ؟ مع كونهم من كمل الصحابة وأهل العلم والتميز ، فلم لم يصر عدم بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) شبهة لغيرهم وصار شبهة لهم ؟ والأقربية لا مدخل لها في الشبهة ، فلم لم يعلمهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالاستحقاق حتى يتخلصوا عن هذا الظن ، هل كانت وحشة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مانعة عن الإعلام ، ولا يخفى أن ظن هذا بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) من بعض الظن .

والثالث لا وجه له ، لأن ترك أعاظم الصحابة المسارعة إلى الخير ، بل تركهم فعل الواجب مدة متمادية لوحشة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لا معنى له ، وأيضا يجب على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إذا رأى ترتب ما ترتب على تأخير بيعته من ترك بني هاشم ، أن يترك الاصرار على مقتضى وحشته ويبايع حتى يبايعوا أو يأمرهم بالبيعة ، ويقول رعاية البيعة هاهنا مظنة بطلان حق أبي بكر ، أو عصبيتكم وتبعيتكم في مثل هذا الأمر غير محمودة بل مذمومة ، اعلم أن تجويز أيسر هذه الأمور بقنبر لا معنى له أصلا ، فكيف ينسبون إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟

اعلم أن هذا الخبر صريح في أن بيعة أبي بكر كانت على خلاف مرضات الله تعالى ، وتأخيره ( عليه السلام ) كان لضرورة الاجتناب عن معاونة الإثم والعدوان ، فلما رأى قوتهم وضعف الحق بوفاة خير نساء أهل الجنة ، اقتضى التقية وشريفة {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] المداراة معهم ، ومع هذا في التأخير إتمام الحجة على الناس بأنه لو كان في بيعة أبي بكر خيرية لم يؤخرها من كان أسرع المؤمنين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الخيرات .

وقوله ( عليه السلام ) " لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك " وغيره مما يدل على عدم بطلان أمر الخلافة ، تقية منه ( عليه السلام ) كما يشهد عليها سياق الخبر ونفس تأخيره (عليه السلام) ، ويحصل من هذا الخبر وسيرته ( عليه السلام ) وما نقل عنه ( عليه السلام ) في مواضع متعددة القطع بأنه ( عليه السلام ) كان منكرا لاستحقاق الأول للأمر ، وكارها للبيعة ومكرها بها بعد مدة اختلف في قدرها أنه كان أربعين يوما أو ستة أشهر .

وعلى التقديرين نقول : إما أن يكون امتناعه وإنكاره في المدة غير حق ، أو اعترافه به بعد المدة ، فإن قلنا بحقية مقتضى ظاهر الاعتراف ، فتركنا مقتضى الروايات المتظافرة بدوران الحق معه حيثما دار ، بل سيرة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) التي هي كونه أسرع المؤمنين إلى الخيرات ، وأطوع الأصحاب للقربات ، وأصدق السابقين في الأقوال والأفعال . وإن قلنا بحقية مقتضى الانكار ، حملنا البيعة على الاضطرار ، والتكلم بما ظاهره خلاف الواقع عند شدة الخوف لا ينافي دوران الحق معه حيثما دار ، لأن المراد من الدوران دورانه عند التكلم بما له فيه الاختيار .

ومع غاية ظهور ما ذكرته قلت : لو تنزلنا عن الظهور لا يقدر على نفي احتمال ما ذكرته من شم رائحة الانصاف ، وهو كاف لانتفاء العلم بتحقق الاجماع الذي هو مناط استدلالهم .

فإن قلت : يدل على كون بيعته ( عليه السلام ) مقرونة بالرضا ، وعدم كون الخلافة حق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قبل الثالث ، ترك المحاربة مع الثلاثة ، مع غاية الشجاعة وتبعية جماعة من كمل الصحابة ومحاربته ( عليه السلام ) مع أصحاب الجمل وصفين مؤيدة لما ذكر.

قلت : لما تحقق أمر البيعة في السقيفة بالحيلة والمغالبة في المتبوع ، وللطمع في بعض ، والشبهة في بعض ، وتبعية الأكابر في الجماعة التي لا مدرك لهم ، اشتد أمر السلطنة بحيث يحتاج المحاربة معهم إلى جمعية عظيمة لم تكن مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والمؤيد الذي ذكرته لا تأييد فيه أصلا ، لأن محاربته ( عليه السلام ) مع الطائفتين إنما كانت بعد تحقق السلطنة والشوكة ، فأي نسبة بين الأمرين ؟ 

ويؤيد ما ذكرته من قلة الناصر ، ما نقله عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة بقوله ويقال : إنه ( عليه السلام ) لما استنجد بالمسلمين عقيب يوم السقيفة وما جرى فيه ، حمار وابناها بين يدي الحمار ، وهو ( عليه السلام ) يسوقه ، فيطرق بيوت الأنصار وغيرهم ، ويسألهم النصرة والمعونة ، أجابه أربعون رجلا ، فبايعهم على الموت ، وأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقي رؤوسهم ومعهم سلاحهم ، فأصبح لم يوافه منهم إلا أربعة الزبير والمقداد وأبو ذر وسلمان ، ثم أتاهم من الليل فناشدهم ، فقالوا : نصبحك غدوة ، فما جاءهم منهم إلا الأربعة ، وكذلك في الليلة الثالثة ، وكان الزبير أشدهم له نصرة ، وأنفذهم في طاعته بصيرة ، حلق رأسه وجاءه مرارا وفي عنقه سيفه ، وكذلك الثلاثة الباقون ، إلا أن الزبير هو كان الرأس فيهم ، وقد نقل الناس خبر زبير لما هجم عليه ببيت فاطمة ( عليها السلام ) وكسر سيفه في صخرة ضربت به (11) .

ومما يؤيد ما ذكرته : أنه مع عظم سلطانه ( عليه السلام ) ووضوح بطلان معاوية ، تحقق المحاربة بينهما وامتد زمانها ، ولم يمتز الغالب عن المغلوب ، حتى انتهى الأمر إلى ما انتهى إليه ، فبأي شئ حكمتم بأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان قادرا على محاربة الناس ؟ مع كثرة الأعداء وقلة الناصر .

وأيضا المحاربة بين أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند خروجه إلى روضة الرضوان وقبل استيلاء شوكة الإسلام على البلدان ربما صار سببا لطمع الكفار وغلبتهم على المسلمين ، ومثل هذا الخلاف في أمثال هذه الأحوال يصير سببا لاستيلاء الأعداء ، كما يدل عليه السير الماضية .

وأيضا ربما صار تلك المحاربة سببا لضعف اعتقاد المسلمين وارتدادهم عن الإيمان ، بتوهمهم أن هذا الدين لو كان حقا لم يسرع أصحابه إلى المقاتلة في أيام أوائل انتقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى دار السلام ، بحيث كانت مضرتها على الدين أعظم من مضرة ما وقع من البيعة الباطلة .

وبالجملة يدل القاطع على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبطلان إمامة أبي بكر ، وتلك الشبهة السخيفة تندفع بأحد هذه الاحتمالات ، فلا وجه لذكرها في مقابل ما سمعتم ، وباب مدينة العلم أعلم بما يقتضيه الحال وبما سمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فالعمدة هي الدلالة على حقية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبطلان إمامة من جوز إمامته .

وأما رابعا ، فلضعف الاستبعاد الذي ذكرته وظننته مفسدة ، وكونه أضعف بمراتب شتى من ترك بني إسرائيل إطاعة هارون ( عليه السلام ) مع استمرار نبوته وظهور خلافته وإقرارهم بهما بمجرد غيبة موسى ( عليه السلام ) مع ظهور احتمال مراجعته وعبادتهم الجماد بقول السامري الذي لم يكن دليل على حجيته ، فإذا قلتم بوقوع هذا بشهادة القرآن ، فلم لا تجوزون بطلان بيعة أبي بكر لو فرض عدم شهادة الكتاب والبرهان ، وبالجملة أمثال تلك الشبهات لا وقع لها أصلا .

_________________

(1) خلاصة الكلام : أنه هل كان الأنصار معتمدين عندكم في الأمر الديني أم لا ؟ فعلى  الأول لم يصلح اجتماعهم في السقيفة لسببية ترك المهاجرين تجهيز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإن لم  يكونوا معتمدين ، فلا دلالة في بيعتهم على كونها على وفق الضمير .  

فإن قلت : وإن كانوا معتمدين ، والمعتمدون يجتنبون عن تعمد الظلم والطغيان ، لكن لم  يكونوا محروسين عن الخطأ والنسيان ، فيمكن صدور بيعة غير المستحق خطأ عن بعضهم  ، وعن بعض آخر بتبعيته ذلك البعض ، لأن عامة الناس لا مدرك لهم ، بل ينظرون إلى فعل كبرائهم ، وعن بعضهم للخوف بقوة حال غير المستحق ببيعة الطائفتين ، وطريقة العرب اهتمامهم في رعاية العهد والبيعة بأي وجه كان ، فيمكن منه حمية كلهم أو جلهم عن الرجوع عن مقتضى البيعة على تقدير ظهور الخطأ ، واعتمادهم في ترك تعمد بيعة غير المستحق لا يستلزم اعتمادهم في نقض البيعة الفاسدة على تقدير ظهور الخطأ وترك الحمية المذمومة ، وهذا القدر كاف للمسارعة إلى السقيفة .

ألا ترى أن بشير بن سعد تكلم بما تكلم بعد سماع كلام المهاجرين ، وقبله لم يتكلم هو ولا غيره بمثل هذه المقالة ، إما لعدم علمهم بقباحة البيعة على الأنصار ، وإما لعدم التأثير بغير معاونة المهاجرين ، فلو لم يحضر المهاجرون وتأخروا عن حضور السقيفة ، لم يبعد من ظاهر المكالمة المنقولة عن الأنصار بيعة جمع على واحد منهم ، والترتب على بيعتهم بيعة باقي الأنصار لتبعية الكبراء أو الخوف كما ذكرته ، وقوة حال الأنصار بغير حجة شرعية وعدم إمكان معارضتهم بعد القوة وتحقق المقدرة ، لكون معارضة أصحاب المقدرة والسلطنة في عرضة الآفات العظيمة .

قلت : ما جوزت من الأنصار يجري في مجموع المهاجرين والأنصار الذين اجتمعوا في السقيفة مع مزيد ، وهو تعمد بعض المهاجرين في الظلم والطغيان ، وعدم مبالاتهم بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والعصيان ، ومع كفاية الاحتمال هاهنا يحصل لك بالتأمل – فيما ذكرناه في الكتاب ونذكره - العلم القطعي بتحقق مقتضى الاحتمال ، فتأمل " منه " .

(2) جامع الأصول 9 : 424 برقم : 6383 .

(3) جامع الأصول 9 : 416 برقم : 6364 .

(4) جامع الأصول 9 : 417 برقم : 6367 .

(5) جامع الأصول 10 : 34 برقم : 6581 .

(6) جامع الأصول 10 : 34 - 35 برقم : 6582 .

(7) جامع الأصول 10 : 35 - 40 برقم : 6583 .

(8) جامع الأصول 10 : 52 - 53 برقم : 6606 .

(9) جامع الأصول 4 : 482 - 483 برقم : 2079 .

(10) المراد بالظهور هو الاستغناء عن النظر لا مقابل الصريح " منه " .

(11) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 14 .

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.

بالصور: عند زيارته لمعهد نور الإمام الحسين (عليه السلام) للمكفوفين وضعاف البصر في كربلاء.. ممثل المرجعية العليا يقف على الخدمات المقدمة للطلبة والطالبات
ممثل المرجعية العليا يؤكد استعداد العتبة الحسينية لتبني إكمال الدراسة الجامعية لشريحة المكفوفين في العراق
ممثل المرجعية العليا يؤكد على ضرورة مواكبة التطورات العالمية واستقطاب الكفاءات العراقية لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين
العتبة الحسينية تستملك قطعة أرض في العاصمة بغداد لإنشاء مستشفى لعلاج الأورام السرطانية ومركز تخصصي للتوحد