جواري وقهرمانات الخليفة أبو العباس الناصر لدين الله (575- 622هـ/1179-1225م) (1) .

هو الخليفة الرابع والثلاثون في قائمة السيوطي من الخلفاء العباسيين البغداديين وخلافته أطــول خــلافة شهدتها الدولة العباسية امتدت لسبع وأربعين سنة (2) شارف على السبعين عند وفاته ، وانتقل الملك الى ولده الظاهر بأمر الله  وعمل بنظام الفتوة دعماً للخلافة العباسية والحكم (3) ، توافد التجار على بغداد في زمانه لاستقرار أمور البلاد (4).

وكثرت الأموال المخصصة لشراء الجواري والخدم والغلمان، كما   نعرف أنه أطلق وظيفة الجواري لمختلف الوظائف، بما في ذلك جارية علمها الخط بنفسه، فكانت تكتب مثل خطه، فتكتب على التواقيع (5). ويتصف حكمه بالرفاهية ولم تزل الرعية في ظل أنعامه يرجعون إلى أوفى الأمن، وأوفر فضل وأكمل من ، واوسع معيشة ، وأرخى حياة وعيشة ، وتميز بأنه ذا هيبة في قلوب الناس (6) ، وضم قصره الكثير من الجواري والقهرمانات أمثال القهرمانة حدق الناصرية ، وست النسيم ، وفضلاً عن والدة الخليفة وهي زمرد خاتون ، أما الزوجة الرسمية للخليفة الناصر هي سلجوقة خاتون ، ونبدأ بأشهرهن  وأهمهن مكانة وهي حدق الناصرية القهرمانة.

1. حدف الناصرية القهرمانة :

هي تركية الأصل (7) وصلت الى بغداد عن طريق احد تجار الرقيق واستصفاها لنفسه بمبلغ خمسة عشــر الف دينار من سوق الجواري في بغداد(8)، نظراً لما كانت تحمل في نفسها  من الصفات العالية مثل الذكاء والفطنة ، لدرجة ان الناصر او كلها أمور نسائه (9) من الحريم ، إذ تحكمت في دار الخلافة تحكماً عظيماً حتى صارت لا يقال لها الا بالست حدق (10) لانها كانت هي التي في مسؤوليتها الصرف على نساء الخليفة من ناحية الملبس والمأكل والهبات بعد استحصال موافقة الخليفة الناصر في أخذها المال من خزانة الخليفة الخاصة ، وكان الأمر يسري حتى على زوجات الخليفة ووالدته زمرد خاتون الشهيرة فتسأل القهرمانة حدق في ذلك (11) وعندما حجت هذه القهرمانة ضرب بها المثل بما فعلته من الخيرات (12) وعمرت جامعاً هــو جامــع الظاهر فــي القاهــرة يقال له جامع " الست مسكة ( نجهل سبب هذه التسمية ) (13)   وماتت سنة 625 هـ/ 1227م في بغداد ودفنت في الرصافة (14) .

2-ست النسيم القهرمانة:

هي رومية الأصل (15) ، أوصلها الرق إلى بغداد منذ مدة مبكرة من حياتها وكانت تنتقل من سيد إلى آخر إلى ان انتقلت إلى قصر  الخليفة الناصر من سوق بغداد للجواري زهاء شرائها بمبلغ سبعة عشر الف دينار (16) ،  وكانت لهذه القهرمانة صفة مهمة داخل قصر الخليفة ، تتلخص في قدرتها على تقليد خط الخليفة وتكتب على تواقيعه ،و قد أثبتت جدارة عندما ضعف بصر الخليفة وظهر العجز عليه في تمشية الرقع (17) ،وإظهار التواقيع وذلك بان جعلها بين يديه تكتب الأجوبة والرقاع بمشاركة خادم الخليفة اسمه ( تاج الدين رشيق ) (18)  ثم زايد الأمر بالناصر فصارت القهرمانة تكتب الأجوبة بما تراه فمرة تصيب ومرة تخطى ويشاركها رشيق في مثل ذلك، الى وقت اكتشاف أمرها من قبل الوزير المؤيد (19).

عاشت ست النسيم القهرمانة حياة مترفه بجانب الخليفة وعاصرت ولده الظاهر وحفيده المستنصر الى ان ماتت سنة 627هـ/ 1229م ودفنت بالتربة في الرصافة (20)   .

___________

(1) الناصر : هو أحمد بن المستضيء بن المستنجد ، ولد سنة ( 553هـ/ 1158م ) ، بويع له عند موت أبيه المستضيء ، عاش الناصر مدة خلافته في عز وجلال وقمع الأعداء واستظهار على الملوك ، ولم يخرج عليه خارجي الا وقمعه ، وقيل انه أقوى الخلفاء منذ القرن الثالث الهجري ، توفى سنة 622هـ/ 1225م  . ينظر: السيوطي : تاريخ الخلفاء  ص ص 448-458

(2)  ابن الطقطقي : الفخري  ، ص322 السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص448.

(3) الذهبي : دول الإسلام ، ج2 ، ص127 ؛ العصامي : سمط النجوم ، ج3 ، ص116

(4) القرماني : أخبار الدول ، ص151 ؛ ابن الدبيثي : المختصر المحتاج أليه ، ج1 ، ص36

(5) صدر الدولة ، أبو الحسن علي بن الناصر ( القرن السابع الهجري ) : أخبار الدولة السلجوقية ( لاهور : نشر محمد أقبال ، 1933 ) ، ص104 .

(6) ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص66 ؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص450 .

(7) محمد بن عبد المنعم الحميري : الروض المعطار في خبر الأقطار ،تحقيق : إحسان عباس ( بيروت : مط دار الهلال ، 1975) ، ص85، قرص ليزري.

(8) حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري : تاريخ الحسين في أحوال انفس النفيس ( بيروت  : مط سفيان ، بلا ) ج2، ص61.

(9) القلقشندي  : مآثر الانافة ،ج2، ص127 ؛ ابن الساعي : الجامع المختصر ،ج9  ص260، قرص ليزري .

(10) ابن تغري : النجوم الزاهرة ،ج6، ص285؛ ابن العماد : شذرات الذهب ،ج5، ص98.

(11) ابن العبري : تاريخ مختصر الدول ، ص239؛ المقريزي : السلوك ، ج1، ص218؛ السيوطي : المستظرف ، ص42.

(12) العمري : مهذب الروضة ، ص268 ؛ الذهبي : مشاهير النساء ، ج2 ، ص128 ( قرص ليزري )

(13)  ابن كثير : البداية والنهاية ،ج12؛ ص215؛ اليافعي : مرآة الجنان ،ج2، ص128.

(14)  ابن خلكان :وفيات الأعيان ،ج3، ابن شاكر الكتبي : فوات الوفيات ، ج4، ص248.  

(15)  ابن القفطي :  تاريخ الحكماء ،ج3، ص166؛ القلقشندي : مآثر الأنافة ،ج2، ص228.

(16)  القزويني : آثار البلاد ، ص49؛ العصامي : سمط النجوم ، ج4 ، ص212.

(17)  الذهبي : العبر ،ج4، ص189؛ القرماني : أخبار الدول ، ص278؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص452 .

(18)  الديار بكري : تاريخ الخميس ، م1-2، ص261؛ اليافعي : مرآة الجنان ، ج4،  ص50.

(19). المؤيد :

(20) ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة ، ج6، 261 ؛ ابن شاكر الكتبي : فوات الوفيات  ج4، ص280.