جواري وقهرمانات الخليفة أبو جعفر القائم بأمر الله (422-4622-467هـ/ 1030 – 1074م) (1)

هو الخليفة السادس والعشرون من قائمة السيوطي في خلفاء البيت العباسي ، من أولاد القادر بالله ، شهد عصره انتقال الحكم من البويهيين الى السلاجقة (2) .

ظهر في عهد الخليفة القائم بأمر الله شلة من الجواري والقهرمانات لم تعرف قصور دار الخلافة لهن سجلاً منذ أيام دخول البويهيون بغداد قبل أكثر من قرن، على الرغم من أن هذه الظاهرة تعد مدة خاصة بعهد السلاجقة اكثر من حالها من أكثر الأيام حكمة خلال أيام البويهيين، من أشهرهن بدر الدجى سيدة القصر العباسي أيام ولدها القائم، وأرجوان، ووصال القهرمانة وصلف القهرمانة ، وغيرهن من شهيرات هذا العصر .

فأول ما نلاحظ على خلافته أنها كانت مثل خلافة والده القادر طويلة جداً تجاوزت أربعة عقود ونصف (3) ومثله كذلك في ان الخليفة الجديد أمه أم ولد تدعى بدر الدجى (قطر الندى) أرمنية الأصل (4)، على ما تذكر المصادر، وقد أتبع سياسة والده الدينية الى حد ما في تبني الاعتقاد الذي أشتهر به كليهما (الاعتقاد القادري والقائمي) (5) ، ويقال ان قصد الخلافة عندما نهب في فتنة قائد الجيش  أبو الحارث البساسيري ( تـ 451هـ/ 1059م ) (6) لم يــوجد فيه شيء من الآت الملاهي (7) . لكن القائم عاصر الغزو السلجوقي الذي جاء بالجواري الأتراك والخواتين الى بغداد والذي ملئت منهن بغداد كثيراً (8) ، ولنبدأ بذكر أشهر الجواري من ثم أشهر القهرمانات :

1. الجارية أرجوان ( قرن العين ) (9) : هي أرمنية الأصل ، من جواري قصر الخلافة أيام القائم بأمـر الله (10)، تزوجت مـن ولـده محمد الذي تـوفي أيام خلافة والده (11) ، ومع ذلك فأن أرجوان هذه لها ميزة خاصة بين جواري القائم في إنها حفظت للبيت العباسي استمرار خط الخلفاء العباسيين من نسل وأحفاد الخليفة المعتضد لأبنه ذخيرة الدين محمد الذي ولدت له أبو القاسم عبد الله ( مستقبلاً الخليفة المقتدي ) بعد وفاة والده بستة أشهر (12) .

يقال ان الخليفة القائم أشتراها بعشرة آلاف درهم من أحد النخاسين في أسواق بغداد وبموجب ذلك عرفت بقرة العين (13) ، وعدت من النساء المباركات لأنها حفظت خط الخلافة بيد العباسيين وأدامته .

كانت أرجوان من حريم دار الخلافة ومن الملازمات للجارية الأرمنية بدر الدجى (قطر الندى) والدة الخليفة القائم بأمر الله (14) .

وقد فرقت حادثة البساسيري سنة ( 450هـ/ 1058م ) بين الخليفة القائم وأرجوان حيث هربت مع سيدتها بدر الدجى إلى نواحي بغداد بعيداً عن الخليفة القائم (15) ، الذي فر بدوره إلى حديثة ، حتى تمكن السلاجقة من الفتنة وعودة الخليفة في25 ذي القعدة سنة 45 ذي القعدة سنة 451هـ /  1059م .

عاشت أرجوان مدة تحت حراسة البساسيري أثناء أقامتها في واسط مع سيدتها ، حتى وقت تحريرها من قبل السلطان طغرل (16)، أما تفاصيل حياتها الأخرى فلا نعرف عنها شيئاً مع ان من المحتمل جداً انها قضت حياتها في معية ولدها المقتدي أثناء توليه الخلافة بين السنوات (467- 487هـ/ 1074- 1094م) ، فضلاً عن أنها أدركت خلافة حفيدها المستظهر بالله (487-512هـ/ 1094-1118 م) وخلافة أبنه المسترشد بالله (512 – 529هـ/ 1118-1134م ) ورأت البطن الرابعة من أولادها  توفيت سنة ( 512-1118م ) ودفنت في دار الخلافة ثم نقلت في السنة نفسها إلى مقبرة الخلفاء العباسيين بالرصافة (17) ، وقيل عنها بأنها كانت سيدة كثيرة البر والمعروف وحجت بيت الله ثلاث مرات (18) .

2. صلف القهرمانة: هي أرمنية الأصل أيضاً اشتراها الخليفة القائم بمبلغ عشرون ألف درهم من احد تجار الرقيق في سوق بغداد (19) عرفت بالذكاء وسرعة البديهية ، فقد جعلت الخليفة القائم يسرع بشرائها ، ويقال أيضاً انه خصص خادماً خاصاً بها هو موفق الخادم (20) .

وذهبت صلف الى ابعد من ذلك بتدخلها بزواج الخليفة من أخت الملك ألب أرسلان ( مستقبلاً السلطان ) المسماة خديجة خاتون (21) .

ويقال ان صلف القهرمانة أطمعت أثناء زيارتها للسلطان برفقة الخادم موفق طغرل بك في إمكان الزواج من بنت الخليفة القائم ، مما أدى إلى انزعاج الخليفة من هذا الطلب وثقل عليه (22) ووجهت مثل هذه التهمة للتحريض إلى الوزير عميد الملك الكندري (23) ، لأنه لم تكن العادة الجارية لأحد من الملوك بالزواج من بنات الخلفاء حفاظاً على إبقاء النسب بقريش ، فتقدم بالكثير من الطلبات والاقتراحات محاولة منه أبطال هذه الخطبة ، لكن طغرل بك وافق على الطلبات جميعها ليتم الزواج من بنت الخليفة السيدة في الري ، الـذي لم يستمر طويلاً لوفاة السلطان (24) رافقت السيدة في رحلتها صلف القهرمانة وعن جانب السلطان الوزيــر عميد الملك الكنــدري ، لكــن السلطان كما قلنا توفى ولم يدخل بها (25) ، واستدعى أولوا أمر السلطنة الجديدة إرجاعها الى حجر والدها في دار الخلافة ، ومعها خمسة آلاف دينار للنفقة برفقة صلف القهرمانة وحاشيتها (26) مستحقة لقب ( المتزوجة العذراء ) من قبل الباحثين بعدها عاصرت خلافة المقتدى والمستظهر الى وفاتها سنة ( 497هـ/ 1103م ) ودفنت في الرصافة (27) .

لم تكن صلف القهرمانة مسؤولة عن أعمال السيدة بنت القائم فحسب بل كان لها تأثير قوي في مواقف الخليفة القائم من رجال إدارته (28) ، مثلاً : عندما اتهم الوزير فخر الدولة  ابن جهير بمناصرة سياسة السلاجقة ومعاداة الخليفة وعائلته ، توسطت صلف لحساب الوزير عند الخليفة (29) ، الذي كان يطلب العفو ويواصل السؤال حتى حصول موافقة الخليفة على دفع مبلغ قدره خمسة عشر الف دينار ، فوقعت الإجابة من الخليفة وأعفى عنه (30) بموجب وساطة صلف ومكانتها لدى الخليفة .

ويقال أنها كانت تمتلك مبالغ كبيرة حتى انه عندها من المال والذهب والحلي عندما وقع حائط من دارها ملاصق لدار الخلافة ، أوقعته ريح شديدة سنة ( 461هـ/1068م ) ظهر بين الآجر صفيحة فيها تسعة أرطال من الذهب (31) .

تركت صلف بعض الأعمال العمرانية التي خلدت أسمها، منها مسجد قريب من دار الخلافة، يحمل أسم مسجد القهرمانة (32) ، يعود بناؤه إليها ، كان مجمعاً للقواد والأمراء ، حتى يذكر أنهم اذا أرادوا أستوزار شخصاً اجتمعوا في مسجد صلف القهرمانة (33) .

أما وظيفتها كقهرمانة المالية ، لم تذكر المصادر التاريخية شيئا عن وظيفتها الإدارية .

3. وصال القهرمانة :

جارية أرمنية أوصلها الرق الى دار الخلافة (34) ، كان الخليفة القائم قد اشتراها من سوق النخاسين بمبلغ خمسة عشر الف درهم ، تصفها بعض المصادر بأنها حسنة الوجه ولذلك أصبحت حظية لدى الخليفة (35) ، كانت بصحبة والدة الخليفة قطر الندى ، وعند وقوع حادثة البساسيري فرت مع حريم دار الخلافة إلى واسط سنة ( 451 هـ/ 1059م ) ، ثم عادت إلى بغداد بعد انتصار طغرل بك على رؤوس الفتنة من الأتراك البغداديين وأمراء السلاجقة (36) ، وفيما عدا ذلك لا نعرف شيئاً عن مسؤولياتها أو واجباتها الأخرى .

ان وجود هذا النفر من القهرمانات في دار الخلافة في عهد الخليفة القائم ينافي ما ذكره أحد الباحثين من ان هيمنة السلاجقة على دولة الخلافة العباسية بين ( 447-552هـ / 1055 – 1157م ) والانشغال بالحروب شرقاً ضد شعوب ودول آسيا وضد الدولة البيزنطية والصليبيين ، لم يسمح بظهور القهرمانات في عهد السلاجقة (37) .

______________

(1)  القائم بامــر الله : هو عبد الله بن أحمد القادر بالله ، لقب القائم بامر الله ، ولد سنة 391 هـ/ 1000م  ، بويع بالخلافة سنة 422هـ / 1030م بحضور القضاة والأمراء والكبراء في الدولة ، سيطر السلاجقة على دست الحكم ، ومرض القائم فبايع حفيده المقتدى ، توفي سنة 467هـ/ 1074م . ينظر : السيوطي ، تاريخ الخلفاء ، ص ص 47هـ . ينظر : السيوطي ، تاريخ الخلفاء ، ص ص 417 – 4 – 418 .

(2)  السلاجقة : هم الأتراك الذين سيطروا على المشرق الإسلامي باستثناء مصر ، ثم أصبحوا مهيمنين على الخلافة العباسية ما بين سنة 447-552هـ/ 1055-1157م ، وشغلوا بحروبهم شرقاً ضد شعوب ودول آسيا ضد الدولة البيزنطية والصليبية غرباً . ينظر : لويس معلوف : المنجد ، ص450 .

(3)  أبن كثير : البداية والنهاية ، ج12، ص120 ؛ المقريزي : أغاثة الأمة ، ج2 ، ص532

(4) عريب : الصلة ، ص132؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص418 ؛ ابن العماد : شذرات الذهب ، ج3 ، ص226 .

(5)  الصابي : رسوم دار الخلافة ، ص172 ؛ ابن خلدون : العبر ، م3  ق4 ، ص794 .

(6)  البساسيري : ( ت 451هـ/ 1059م )  قائد تركي ثار على الخليفة القائم العباسي   قضى على فتنة طغرل بك السلجوقي . ينظر : لويس معلوف : المنجد في الأعلام ، ص127 .

(7)  ابن العمراني : الأنباء في تاريخ الخلفاء ، ص201 ؛ ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة ، ج6  ص151 .

(8) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج6، ص175؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج12 110.

(9)  أرجوان : يعني أحمر شديد الحمرة ، فكل لون يشبهها فهو أرجوان . ينظر ابن الجوزي : المنتظم ، ج9 ، ص200 ؛ ابن الكازروني : مختصر التاريخ ، ص210 ؛ لويس معلوف : المنجد في اللغة ، ص266 .

(10)  ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج6 ، ص177 ؛ الذهبي : العبر ، ج4 ، ص117 .

(11)  الصابي : الوزراء ، ص172 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج12 ، 112 ؛ السيوطي : المستظرف من اخبار الجواري ، ص25 .

(12) ابن العمراني : الأنباء في تاريخ الخلفاء ، ص210 ؛ ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة  ج6  ص245 .

(13) ابن الجوزي : المنتظم ، ج6 ، ص181 ؛ المقريزي : إغاثة الأمة ، ج2 ، ص245 .

(14) الثعالبي : ثمار القلوب ، ج2   ص265 ؛ ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج7   ص255 .

(15) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج7 ، ص255 ؛ سبط بن الجوزي : مرآة الزمان ، ج2 ص 65 .

(16) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج7 ، ص255 ؛ ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة ، ج6  ص175 .

(17) غي لسترانج : بغداد في عهود الخلافة العباسية ، ج2 ، ص82 ؛ مصطفى جواد : سيدات البلاط العباسي ، ص170 .

(18) السيوطي : المستظرف ، ص26 ؛ آدم متز : الحضارة الإسلامية ، ج2 ، ص142 .

(19) الهمداني : التكملة ، ج3 ، ص72 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج12 ، ص 257 .

(20) موفق الخادم : مؤسس المدرسة الموفقية في بغداد . ينظر : الزركلي : الأعلام ، ج6  ص189 .

(21) خديجة : هي خديجة ارسلان خاتون بنت داود جغري السلجوقي . ينظر : سبط بن الجوزي : مرآة الزمان ،ج2 ، ص272 .

(22) ابن الجوزي : المنتظم ، ج7 ، ص88 ؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص51 .

(23) الذهبي : العبر ، ج4 ، ص120 ؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص431 .

(24) الهمداني : التكملة ، ج1 ، ص51 ؛ ابن الاثير : الكامل في التاريخ ، ج6 ، ص175 .

(25) الصابي : الوزراء ، ص177 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج 12 ، ص192 ؛ مصطفى جواد : سيدات البلاط العباسي ، ص     .

(26) سبط بن الجوزي : مرآة الزمان ، ج2 ، ص320 ؛ القلقشندي : مآثر الأنافة ، ج2  ص179 .

(27) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج7 ، ص180 ؛ ابن خلدون : العبر ، م3  ق4  ص794 .

(28) ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة ، ج6 ، ص275 ؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء   ص55 .

(29) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج6 ، ص195 ؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص425 .

(30) القرماني : أخبار الدول ، ص120 ؛ ابن الكازروني : مختصر التاريخ ، ص200 .

(31) سبط بن الجوزي : مرآة الزمان ، ج2 ، ص132 ؛ اليافعي : مرآة الجنان ، ج2 ، ص88

(32) ابن دحية : النبراس ، ص150 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج12 ، ص179 .

(33) الذهبي : العبر ، ج2 ، ص153 ؛ ابن الدبيثي : مختصر المحتاج ، ص180 .

(34) السيوطي : المستظرف ، ص55 ؛ الذهبي :مشاهير النساء ، ص75 .

(35) ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص58 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج12 ، ص180 .

(36) سبط بن الجوزي : مرآة الزمان ، ج2 ، ص135 ؛ ابن الكازروني : مختصر التاريخ  ص201 .

(37) بدري محمد فهد : القهرمانات في العصر العباسي ، مجلة المناهل ، العدد : 14 ( المغرب الرباط ، 1979 ) ، ص205 .