1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اجتماعية
صناعة الفخار في العراق
عدد المقالات : 25
يمتاز بلاد ما بين النهرين بتنوع ثقافاته واختلاف مناخه والطبيعة الجغرافية فيه والتي ادت بدورها الى تنوع المواد الأولية التي تسود في كل منطقة كل هذه العوامل ادت الى تكوين خصوصية البلد وتطور نوع معين من الحرف التي ميزتهم عن غيرهم وبرع بها سكانها.
في بلدنا العراق الذي ضم تاريخه الشامخ الكثير من الانجازات والحضارات التي قدمت للبشرية فهناك مهن وحرف ارتبطت بذلك التاريخ واصبحت من التراث الشعبي التي تدل على عمق واصالة هذا الشعب والتي تجسد اصالة الاباء والاجداد وتذكرنا بتاريخهم المجيد ونتاجهم الابداعي.
حرف لم تكن وليدة الأمس القريب حيث عمل العراقيون بها من اجل كسب الرزق ولقمة العيش ولسد احتياجاتهم اليومية واغلبها كانت من الحرف اليدوية المتوارثة عبر الاجيال والتي كانت تلبي متطلبات المجتمع.
اهم هذه الحرف التي ابدع بها سكان بلاد الرافدين هي صناعة الفخار التي ذاع صيتها منذ فجر التاريخ ووجود البشرية في ارض السومريين واستمرت الى يومنا هذا.
يعود مصطلح (الفخار) الى المواد التي يصنع من الطين كما ورد ذكره في القران الكريم حيث قوله تعالى (خلق الانسان من صلصال كالفخار). وايضا يطلق على عامل الفخار (الكواز).
بدأ العراقيون بالعمل في صناعة الفخار قبل ثلاثة الاف سنة ق.م عندما توسعت مطالب الفرد والجماعة عن ذي قبل وكانت هناك ضرورة في سد احتياجات المجتمع فظهرت هذه الصناعة لحفظ طعامه وشرابه بالاضافة الى احتياجاته الاخرى في حياته اليومية ولعل الهاجس الاول الذي ادى الى مزاولة سكان بلاد ما بين النهرين في الحضارات القديمة هو احتياجه الى الاشكال المجوفة لأغراض متنوعة الى جانب عدة حرف كان يعملون بها سكان وادي الرافدين كالزراعة والصيد ورعي الاغنام وغيرها
كما انتج الفخار بكميات كبيرة في العصور السابقة حتى اصبح مقياس حضارة وازدهار الشعوب على مدى كمية انتاجها من الفخار ويعتبر نهري دجلة والفرات عاملان اساسيان في فعالية صناعة الفخار في بلاد وادي الرافدين لأرتباط هذه الحرفة بتوفر المياه.
وبعد ازدهار الحياة الاجتماعية في هذه العصور أخذت تدخل على الفخار المسائل الجمالية. حيث زينت جدران المعابد بأوتاد صغيرة من الفخار المزجج الذي أستخدم في تغليف جدران المقابر والقصور في مدينة الوركاء الواقعة في جنوب العراق في محافظة الناصرية.
وتعتبر القطع الفخارية هي اقدم انواع الاثار التي عثر عليه النسان في العصر الحديث خلال عمليات التنقيب
اما المادة الاساس التي يصنع منها الفخار هي (الطين الحري) الخالي من الاملاح والذي يمر بعدة مراحل قبل ان يتحول الى اواني فخارية فبعد اتمام جمع الطين الحري من نهر الفرات وبحر النجف لجودته يتم تنظيفه من الشوائب الموجودة فيه حتى يصبح نقي بشكل كامل ثم يخمر في الماء لمدة يوم كامل بعدها يتم تجفيفه بتعرضه للشمس لفترة معينه ويعجن بالاقدام ليتحول الى عجينة سهلة ثم يقطع الى كتل طينية طرية بحسب المادة التي سيصنع منها توضع هذه الكتل على دولاب الفخار (الجرخ الدائر) ليبدأ (الكواز) بتصنيع الاواني الفخارية بالرسم والنحت عليها بعد ذلك يتم تجفيفها تحت أشعة الشمس وفي المرحلة الاخيرة يتم وضع الاشكال التي صنعت في الفرن الحراري او ما تسمى (الكورة) ليتم تجفيفها بشكل تام لتخرج بأنواع متعددة تصنف حسب اشكالها واستعمالاتها فمنها (الحب) ويستعمل في حفظ ماء الشرب وتبريده في فصل الصيف، و(البواكة) وهي صغيرة الحجم وتوضع تحت الحب لخزن الماء الصافي المتساقط منه، و(التنكة) او ما تسمى بـ (الشربة) التي تستخدم لشرب الماء و(القوق) وهو خاص بالنواعير، ويستعمل أيضا في الجدران والنوافذ حيث يخفى داخل الجدران والنوافذ لخزن بعض الاغراض فيه.
كما توجد (البستوكة) وتتميز على سائر الفخاريات الأخرى بان النصف الأعلى منها مطلي باللون الأزرق تستعمل في خزن بعض المواد الغذائية بداخلها مثل ألطرشي أو الدبس وغيرها.

تعد هذه المهنة موروث شعبي تناقل عبر الاجيال فأزدهر في العصور السابقة وهي الهوية الحقيقة التي تحمل رسائل عن تاريخ واحداث وعادات وتقاليد الشعوب وتنقل فنون وافكار ازمنة بعيدة لأجيال جدد تقع على عاتقهم مهمة اكمال الرسالة التاريخية التي يحملها تراث ارضهم.
كان إقبال الناس على شراء هذه المنتجات المحلية كبير جدا حتى نهاية القرن العشرين خاصة خلال فصل الصيف حيث يوفر بقاء الماء في (الحب) عند ملئه في الليل من خفض درجة حرارته ويكون ماء باردا وهو ما يعرف بـ (ماء بيوتي).
لكن بمرور الوقت اصبح الطلب على هذه المنتوجات ضئيل وبقت القلة من العوائل الجنوبية الريفية مصرة على استخدامها مثل التنور الطيني لصناعة الخبز
تعاني هذه المهن الامرين فهي على وشك الانقراض والضياع واصحاب هذه المهن اصبحت لا تغنيهم ولا تسمنهم فالهاجس الوحيد بينهم هو انهم يحبون ما ورثه وتعلموه من ابائهم واسلافهم
ان انفتاح السوق وغزارة المنتج المستورد رخيص الثمن وردئ الجودة ادت الى اندثار هذه الحرف وعزوف المواطن على شرائها والاقبال عليها كما ان التطور الذي طرأ على هذه الصناعات كان له الاثر الاكبر في ذلك.
وايضاً الاهمال الحكومي لمهنة كانت في السابق احد الأوجه الحضارية التي عرف بها سكان ما بين النهرين وعدم التسويق لهذه المنتجات ساهم في ركود هذه الحرفة،
وكما هو معروف ان الصناعات المحلية هي احد موارد اقتصاد البلد التي يجب المحافظة علية والعمل على تطويره والارتقاء به الى جانب تفعيل قوانين صارمة تحمي المنتج المحلي ضد الاستيراد العشوائي للسلع والبضائع الاجنبية.
كان من الممكن الحفاظ على هذا الارث الحضاري الكبير من خلال تظافر الجهود من الجهات المسؤولة بما فيهم وزارة الثقافة والمؤسسات السياحية بأنشاء سوق تراثية خاصة لأصحاب المهن القديمة وتشجيع اصحابها على الاستمرار بالعمل وتوفير الظروف المناسبة لهم وإرشاد السياح على هذه السوق لأنها تعتبر جسراً لربط الماضي العريق بالحاضر المشرق التي لا ينبغي ان نقطع حبال هذا الجسر مهما كانت الظروف او تعددت الاسباب فالحفاظ على هذا الموروث شئ اساسي حتى تصل الى الاجيال القادمة والى المهتمين بالاطلاع على تراثنا.



علي العسكري
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 9 ساعات
2025/10/21م
بين قدسية المنبر وضجيج الخطاب قراءة نقدية في ظاهرة الشيخ مصطفى الأنصاري الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 21/10/2025 منذ فجر التاريخ، كان المنبر الحسيني صوتَ الوعي في وجه الضجيج، ومنارةَ الهدى في زمن التيه. فهو ليس خشبةً يُرتقى عليها، بل مقامٌ تُرتقى به الأرواح، ومحرابٌ للكلمة الصادقة التي تهدي... المزيد
عدد المقالات : 83
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 9 ساعات
2025/10/21م
كنت في الباص المنطلق من كراج المشتل الى باب المعظم وكان صوت المذياع عاليا يتحدث عن الانتخابات فضحك السائق الشاب وقال بصوت مسموع للركاب: اوووف من الانتخابات فقط صرف أموال لا جديد مثل كل مرة والفاسدون باقون للابد. كان لجانب السائق رجل يبدو انه خمسيني العمر فدار حديث بينهما حيث اضاف السائق وهو ساخط جدا:... المزيد
عدد المقالات : 26
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 4 ايام
2025/10/17م
مأساة العقل: عندما نجيب عن أسئلة لم تُطرح الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 16/10/2025 كم مرة أجابنا بسرعة، ظنًّا أننا نفهم، لنكتشف بعد ذلك أن السؤال لم يكن كما تصوّرنا هذه هي مأساة العقل، الذي يسبق الفهم بالعجلة، ويختزل الحقيقة في صورة الإجابة الأولى. في مسيرتي الأكاديمية الطويلة، التي تشعّبت بين... المزيد
عدد المقالات : 83
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/10/14م
كثيرًا ما تحسم مصائر الشعوب والدول سياسيًا من خلال المعارك العسكرية الفاصلة التي تكون بداية توجه سياسي جديد يختلف عن النمط السابق. ولعل أهم معركة سياسية في تاريخ إنجلترا كانت معركة هيستينغز الشهيرة عام 1066، التي غيرت مجرى التاريخ الإنجليزي تمامًا على جميع الأوجه سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بل... المزيد
عدد المقالات : 53
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه "يعقوب"، رجل عُرف يومًا بحكمته الراجحة ولسانه البليغ، لكنه اليوم بات شبحًا لمن كان. نشب خلاف بين تاجرين، وارتفعت الأصوات، فتوجهت الأنظار إلى يعقوب، الذي كان الحَكم في مثل هذه النزاعات. قال أحدهم: "يا يعقوب، احكم... المزيد
عدد المقالات : 12
علمية
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السبعون: الدالة الموجية دون اختزال نظريات الكم في بحثها عن الحقيقة الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 20/10/2025 تُعد نظريات المتغيرات المخفية، التي تتعامل مع الدالة الموجية بوصفها "موجة دليلية" (pilot wave) ، من بين... المزيد
تنتمي زهرة الزعفران إلى مملكة النباتات، وفئة وحيدة الفلقة، وعائلة القزحيات، وهي من بين 75 نوعًا ينتشر في جميع أنحاء العالم، وتُعد من النباتات بطيئة النمو. الموطن الأصلي لزهرة الزعفران: يعود أصل الزهرة إلى جبال الألب، ومنطقة البحر الأبيض... المزيد
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء التاسع والستون: الوجود خارج المكان والزمان: تأملات في طبيعة الدالة الموجية الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 16/10/2025 نحن كائنات واعية، قادرة على استقبال المعلومات من خلال حواسنا عن الواقع الذي نعيش فيه والذي... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com