أكدت العتبة العباسية المقدسة على اهتمامها البالغ برعاية الأيتام والمواهب، بهدف بناء مستقبل يليق بالأفراد والمجتمع. جاء ذلك خلال كلمة للأمانة العامة ألقاها بالنيابة عنها رئيس المجمع العلمي للقرآن الكريم الأستاذ الدكتور مشتاق العلي، في حفل اختتام الملتقى الأول لمديري المؤسّسات الخيرية في العراق، الذي أقامه قسم العلاقات العامة في العتبة المقدسة، وهذا نصّ الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم السلام على الحسين وعلى قمر الحسين (عليهما السلام) الحضور جميعًا مع حفظ الألقاب والمقامات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال تعالى في محكم كتابه المجيد (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) صدق الله العلي العظيم.. لنذهب مباشرةً أيّها الحضور الكريم إلى خاتمة الآية الشريفة، سنجد البوصلة الربانية تدلّنا على فئة محمودة طيبة الذكر والسلوك من البشر، كلّنا يأمل أن يكون من ضمنهم، ألا وهم (المفلحون)... ولكن هذه المنزلة الاجتماعية والأخلاقية لا تُستحصل بالاختيار من دون شروط، بل وضع الباري جلّ شأنه وفقًا للآية الكريمة التي قرأناها آنفًا ثلاثة شروط لاستحصالها، وهي: - الدعوة إلى الخير. - الأمر بالمعروف. - النهي عن المنكر. ولو تفحّصنا هذه الشروط لوجدناها عصيّةً على كثير من الخلق، ولكنها ليست مستحيلة، فهناك من الناس من يقدر عليها، بحكم ضبطه السلوكيّ وتمكّنه الأخلاقي، وتفقهه بالشريعة على ما يضمن له الوعي الكافي لمعرفة الحقوق والواجبات تجاه الخالق والمخلوق، من ذلك كانت البعضية في مستهلّ الآية بقوله (منكم أمّة) فلولا هذه البعضية لتحتّم علينا جميعًا أن نكون كذلك، وعلى الرغم من أنّ السعي لنيل ذلك من الأهداف النبيلة، لكنّها ليست متمكّنة من الناس جميعًا، فحقّ على الله أن ينصف من يسعى لنيلها، فجعله في هذه المنزلة الشريفة في الدارين. ولعل هذا الجمع المبارك من المؤسّسات الموسومة بـ (الخيريّة) أدعى لأن تكون ساعية لنيل هذه المنزلة، وهي كذلك إن شاء الله تعالى، ولكن هذا لا يمنع من التزاور والتشاور، فالذكرى –يا سادتي– تنفع المؤمنين؛ وليس أزكى وأعلى من التذكير بأمرين: - رعاية الأيتام. - رعاية الموهوبين. فلأنّ الأول موصّى به من الخالق ونبيّه الكريم(صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، إذ ورد عن النبيّ الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله) أنّه قال (من مسح على رأس يتيم ترحّمًا له، كتب الله له بكلّ شعرة مرّت عليها يده حسنة)، وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضًا أنّه قال: (إنّ في الجنة دارًا يقال لها دار الفرح، لا يدخلها إلاّ من فرّح يتامى المؤمنين)... ربما هذه الأحاديث عامّة تمسّ الجانبي العاطفي؛ كالعطف، والفرح، ولكن هناك أحاديث أكثر تخصيصًا لما نحن في صدد الاجتماع عنه، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر رضي الله عنه أنّه قال: (وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ)؛ إذ بات الأمر واضحًا والأمر كذلك في وجوب رعاية الأيتام والمحتاجين، لمن يستطيع من المسؤولين أو الميسورين أو المكلّفين ممّن أوجب عليهم الشرعُ ذلك. أما الثاني، فلأنّه باب من أبواب تعمير المجتمعات، وهو نافذة من نوافذ الخير، فرعاية المواهب، يعني بناء مستقبلٍ واعدٍ للأفراد ولمجتمعهم، فبهم تُبنى الأوطان، وفي ذلك ورد أنّ حبّ الأوطان من الإيمان، أيها المجتمعون الأكارم... لو نظرنا إلى محور اجتماعنا لوجدناه لا يعدو هذه المساحة المباركة التي تحدّثنا عنها، فهنيئًا لمن سعى، لمن صدق سعيه، ولمن داوم على ذلك السعي. أما عن العتبة العباسية المقدّسة فهي تسعى دومًا إلى دخول هذين البابين (رعاية اليتيم والموهوب)، ومن مصاديق ذلك كفالتهم في مدارسها وجامعاتها، فضلًا عن مشاريعها التنموية والتثقيفية عبر مؤسّساتها أو المؤسّسات الخارجية الموثوق بعملها، لذلك تثمّن العتبة المطهّرة تفاعلكم مع مشروعها (اكفَلْ مَوهِبَةً)، الذي تبنّاه قسم العلاقات العامة الموقّر ممثّلاً بشعبة العلاقات الجامعية الموفقة فيه، ولن تألوَ العتبة المقدّسة عن تقديم أيّ مساندة لتحقيق هذا الهدف، ولاسيّما الرعاية التدريبية والاستشارية وسواهما. وفي الختام ننقل إليكم تحايا ودعاء المتولّي الشرعي للعتبة العباسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) والأمانة الموقرة، سائلين المولى جلّت قدرته أن يشملكم برعايته وحفظه، كما نشكر معتمدي المرجعية الدينية العليا على تعاونهم المطلق في إنجاح هذا الملتقى، الذي سيخرج بجملة توصيات تُسهم في تفعيله على أرض الواقع، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.