أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
3932
التاريخ: 5-11-2014
1896
التاريخ: 5-11-2014
1771
التاريخ: 2023-05-19
1369
|
لتجسيد الفنّي يُسمّى عندهم بالتمثيل ، وكان من أروع أنواع التشبيه ، ذو فوائد وحِكم شتّى ذكرها أرباب البيان :
قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني : اتّفق العقلاء على أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه ، ونُقلت عن صورها الأصلية إلى صورة التمثيل ، كساها أُبّهة ، وكسبها منقبةً ، ورفع من أقدارها ، وشبّ من نارها ، وضاعف قُواها في تحريك النفوس لها ، ودعا القلب إليها ، واستنار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقَسَر الطباع على أن تعطيها محبةً وشغفاً . ثمّ جعل يُعدّد فوائده في أنواع الكلام ، مدحاً أو ذمّاً ، حجاباً أو فَخاراً أو اعتذاراً ، أو وعظاً وإرشاداً ، ونحو ذلك ، قال :
فإن كان مدحاً كان أبهى وأفخم ، وأنبل في النفوس وأعظم ، وأهزّ للعطف ، وأسرع للأُلف ، وأجلب للفرح ، وأغلب على الممتدح ، وأوجب شفاعة للمادح ، وأقضى له بغُرّ المواهب والمنائح ، وأَسير على الألسن وأذكر ، وأولى بأن تعلّقه القلوب وأجدر .
* ومثاله في القرآن قوله تعالى ـ في وصف المؤمنين الذين ثبتوا على الإيمان والجهاد في سبيله صفّاً كأنّهم بنيانٌ مرصوص ـ : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } [الفتح : 29] .
فقد شبّه صلابة الإيمان بزرع نَما فقوى ، فخرج فرخه من قوته وخصوبته ، فاشتدّ واستغلظ الزرع ، وضخُمت ساقه وامتلأت ، فاستوى وازدهر ، الأمر الذي يبعث على الابتهاج والإعجاب من جهة ، وإغاظة الكفّار من جهة أُخرى .
* وقوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران : 103].
قال الزمخشري : يجوز أن يكون تمثيلاً ، لاستظهاره به ووثوقه بحمايته ، بامتساك المتدلّي من مكان مرتفع بحبل وثيق يُأمن انقطاعه .
فقد شُبّهت عُرى الدين بوشائج وثيقة تربط الأُمّة بعضها ببعض ، فكأنّ الشريعة المقدّسة حبل ممدود على طرف مهواة سحيقة ، والأُمّة المتماسكة مستوثقون
بعراها استيثاقاً يأمن جانبهم من أخطار السقوط ، ويُنجيهم من مهاوي الضلال .
* وقوله تعالى : {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة : 257] شبّه الهدى بالنور ، والضلال بالظلمات ، والاهتداء بحالة الخروج من الظلمات إلى النور .
* وقوله تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } [الإسراء : 24] شَبّه الأولاد بأفراخ الطير تستذلّ لدى والديها تستطعمهما وتسترحمهما ، ودليلاً على ذلك تبسط أجنحتها على الأرض خفضاً وذلاً ، وهي من المبالغة في التشبيه وتصوير حالة الذلّ في موضع ينبغي الذلّ فيه بمكان .
* وقوله تعالى : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر : 94] لو اعتبرنا التشبيه في جملة ( فاصدع ) فقد شُبّهت شوكة المشركين وهيبتهم بصرح زجاجي ، وشُبّهت الدعوة بمصادمة هذا الصرح ، وشُبّه التأثير البليغ بالصدع ، وهو الأثر البيّن في الزجاجة المصدومة .
وهذا من تشبيه عدّة أشياء بأشياء مع إفاضة الحركة والفعل والانفعال ، فقد شبّه النبي ( صلّى الله عليه وآله ) في إبلاغ دعوته للمشركين بمَن يرمي بقذائفه إلى قلاع مبنية من زجاجات سريعة التكسّر والانهيار .
قال : وإن كان ذمّاً كان مسّه أوجع وميسمه ألذع ، ووقعه أشدّ وحدّه أحدّ ، كما جاء في قوله تعالى ـ في تصوير حالة من أُوتي الهداية لغيّه وانسلخ منها ـ : {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف : 176]إنّه من التمثيل الرائع وفي نفس الوقت لاذع ، إنّه يمثّل مشهد إنسان يُؤتيه الله آياته ويخلع عليه من فضله ويُعطيه الفرصة للاكتمال والارتفاع ... ولكن ، ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً ، كمَن ينسلخ عن أديم جلده بجهد ومشقّة ، ويتجرّد من الغطاء الواقي والدرع الحامي ، ويهبط من الأُفق العالي إلى سافل الأرض ، فيُصبح غرضاً للشيطان ، لا وقاية ولا حِمى ، وإذا هو أُلعوبة أو كرة قدم تتقاذفه الأقدار ، لا إرادة له ولا اختيار ، فمثله كمثل كلب هِراش لا صاحب له ، ويلهث من غير هدف ، ويتضرّع من غير أن يجد مَن يشفق عليه .
وهكذا جاء تصويره لمَن حُمّل ثقل الحقّ ولا يهتدي به بالحمار يحمل أسفاراً ، هي أفضل ودائع الإنسان ، يَئنّ بثقلها ولا يعي شرف محتواها : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة : 5] .
فقد كُلّفوا حمل أمانة الله في الأرض ، لكن القلوب الحيّة الواعية هي التي تطيق عبء هذه الأمانة ، وقد افتقدها هؤلاء فلم يصلحوا لحملها ومرافقتها .
وإن كان حجاباً كان برهانه أنور ، وسلطانه أقهر ، وبيان أبهر ، قال تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت : 41] وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 264].
قال ابن معصوم ـ في قوله تعالى : {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } [الحجرات : 12] ـ : إنّه من التمثيل اللطيف ، مُثّل الاغتياب بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله ، ثمّ لم يقتصر عليه حتى جعله لحم الأخ وجعله ميّتاً ، وجعل ما هو في غاية الكراهة موصولاً بأخيه ، ففيه أربع دلالات واقعة على ما قصدت له مطابقة المعنى الذي وردت لأجله :
أمّا تمثيل الاغتياب بأكل لحم المغتاب فشديد المناسبة جدّاً ؛ لأنّه ذكر مثالب الناس وتمزيق أعراضهم .
وأمّا قوله ( لحم أخيه ) ؛ فلِما في الاغتياب من الكراهة ، وقد اتّفق العقل والشرع على استكراهه .
وأمّا قوله ( ميتاً ) ؛ فلأجل أنّ المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحسّ بها (1) .
* * *
قال : وان كان افتخاراً كان شأوه أبعد ، وشرفه أجدّ ، ولسانه ألذّ ، قال تعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر : 67].
وإن كان اعتذاراً كان إلى القبول أقرب ، وللقلوب أخلب ، وللسخائم أسلّ ، ولغرب الغضب أفلّ ، وفي عقد العقود أنفث ، وعلى حسن الرجوع أبعث (3) .
وإن كان وعظاً كان أشفى للصدر ، وأدعى إلى الفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، وأجدر بأن يجلي الغياية (4) ويبصر الغاية ، ويبرئ العليل ويشفي الغليل .
قال تعالى ـ في وصف نعيم الدنيا وزوالها ـ : {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد : 20] .
وقال تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } [إبراهيم : 24].
وقال تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [الزمر : 21].
قال الجرجاني : وهكذا في سائر فنون الكلام وضروبه ومختلف أبوابه وشعوبه (4) .
__________________
1- أنوار الربيع : ج3 ، ص179 .
2- يقال : خَلَبه أي أصاب خِلبه أي قلبه وسلبه إيّاه وفتنه ، والسخائم : الضغائن ، وسلّها : نزعها ، وغرب السيف : حدّه ، وفلّه : ثلمه ، والنفث : النفخ مع التفل .
3- الغياية ـ بياءين ـ : كل ما يغطّي الإنسان من فوق رأسه.
4- أسرار البلاغة : ص 92 ـ 96 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|