أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2016
237
التاريخ: 18-9-2016
294
التاريخ: 18-9-2016
276
|
[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :
- محتوى القاعدة .
- ما ذكر في مدركها مما لا يعتمد عليه .
- العمدة في مستند القاعدة .
- القصد انما يعتبر في موضوع العقد لا في حكمه .
- التبعية إنما هي في الحدوث لا في البقاء .
- التبعية انما هي في مقام الثبوت لا الإثبات .
- النقوض التي أوردت على القاعدة والجواب عن جميعها .
من القواعد المعروفة المتداولة بين أصحابنا رضوان اللّه عليهم هو قاعدة تبعية العقود للقصود.
وهذه القاعدة على إجمالها مجمع عليها بين الأصحاب، بل بين علماء الإسلام جميعا، بل وغيرهم من العقلاء في كل عرف وزمان ، فهم بأجمعهم قائلون بتبعية العقود ، بل الإيقاعات أيضا ، لما يقصده العاقدون، فلا إشكال في شيء من ذلك، وانما الكلام في بعض خصوصيات المسألة وما يتصور انه كالاستثناء بالنسبة إليها فهو العمدة والمقصود في هذا الباب.
والكلام هنا يقع في مقامات :
الأول في محتوى القاعدة :
ذكر «في العناوين»: «ان هذه القاعدة محتملة لأمرين ليس بينهما منع جمع :
أحدهما : ان العقد تابع للقصد، بمعنى انه لا يتحقق الا بالقصد، كما ذكره الفقهاء في شرائط العقود، مع الشرائط الأخر، بمعنى انه لا عبرة بعقد الغافل والنائم والناسي والغالط والهازل والسكران، فيكون معنى التبعية عدم تحققه بدونه إذ لا وجود للتابع بدون متبوعه.
ثانيهما: ان العقد تابع للقصد بمعنى ان العقد يحتاج الى موجب وقابل، وعوض ومعوض، وبعد حصول هذه الأركان لكل عقد اثر خاص» (انتهى).
ولكن الظاهر ان المراد من هذه القاعدة معنى ثالث، وحاصله انه بعد الفراغ عن لزوم القصد في العقود بما ذكر في محله من الدليل، ان ما يتحقق في الخارج من حيث نوع العقد وكمه، وكيفه، وشرائطه، وغير ذلك من خصوصياته، تابع للقصد فلو قصد النكاح وقع نكاحا، ولو قصد العارية وقعت عارية، ولو قصد هبة كانت هبة، كما انه لو قصد على امرأة معينة بصداق معين وأجل وشروط وغير ذلك كل هذه الأمور تابعة لقصد الموجب والقابل، فهذا هو المراد بتبعية العقود للقصود واما مسألة اعتبار القصد في مقابل الهازل والغالط وغيرهما فهو أمر آخر.
وبعبارة أخرى حاجة العقد في تحققه الى القصد أمر وتبعيته في أصوله وفروعه للقصد أمر آخر، كما يعرف بمراجعة كلام الأصحاب عند الاستدلال بهذه القاعدة وتنبه له صاحب العناوين وغيره أيضا في سائر كلماتهم في المقام.
ومن هنا يعلم انه لا يتفاوت فيه بين البيع والنكاح والعقود اللازمة والجائزة، بل الإيقاعات أيضا كذلك، فلو طلّق امرأة خاصة أو وقف شيئا (بناء على كون الوقف من الإيقاعات) كان تابعا لقصد الموقع من جهة خصوصياتها.
بل الظاهر ان هذه القاعدة لها مفهوم ومنطوق فكل ما قصده يقع، وكل ما لم يقصده فهو غير واقع، ومن هنا اشتهر بينهم في موارد الحكم بإبطال عقد لم يتحقق مضمونه، بل تحقق غيره بدعوى الخصم، «ان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، فهذه القضية صحيحة من الجانبين، فمقتضى القاعدة ان ما يقصده المتعاقدان يقع في الخارج كما ان مقتضى القاعدة انه لا يقع ما لم يقصداه فلو ادعى مدع خلافهما كان محجوجا بالقاعدة.
الثاني - مدرك قاعدة تبعية العقود للقصود :
قد يتمسك لها بالإجماع، وبأن الأصل في العقود الفساد، الا ما خرج بالدليل ويظهر الاستناد الى هذين من المحقق النراقي في عوائده، وصاحب العناوين في عناوينه، وبعض من تأخر عنهما، وان استدلوا أيضا ببعض ما سنتكلم فيه ان شاء اللّه.
ولكن الإنصاف ان شيئا منهما غير تام لان دعوى الإجماع في هذه المسائل التي فيه مدارك أخر معتبرة يمكن استناد المجمعين إليها غير مفيد كما عرفت مرارا.
بل هذه القاعدة لا زالت معروفة حتى قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام أمضاها فليست قضية تعبدية متخذة من النبي صلّى اللّه عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السّلام.
بل لا حاجة الى الأصل هنا، لأنه في مورد الشك، ومن المعلوم انه لا شك في تبعية العقد للقصد، فاذا كان في المسألة دليلا عمليا قطعيا لا معنى للرجوع إلى الأصول.
كما ان الاستدلال عليها بأن «الأعمال بالنيات» و«لا عمل إلا بالنية» كما عن بعضهم أيضا فاسد.
قال في العناوين: «و يمكن ان يتمسك في هذه المقام بمثل قول لا عمل إلا بالنية وانما الأعمال بالنيات، فان ظاهر الروايتين ان ماهية العمل من دون نية غير متحققة فاما ان يحمل على معناه الحقيقي الظاهر، وتكون الأعمال التي تتحقق بغير قصد خارجة عن العموم، واما ان يحمل على نفي الصحة، لأنه أقرب المجازات، فيكون المراد عدم الصحة إلا بالنية، ولا ريب ان عموم الاعمال يشمل العقود والإيقاعات أيضا، فيدل على انها لا تصح بدون القصد (انتهى موضع الحاجة).
ويرد عليه ان الاعمال في هذه الأحاديث عام لا تختص بالأمور القصدية، بل تشمل العبادات بالمعنى الأخص والأعم، وكما تشمل الصلاة والزكاة كذلك الجهاد وسائر الواجبات والمستحبات، بل سيأتي ان بعض هذه الأحاديث ورد في مورد الجهاد وان كان مفهومه عاما.
وحينئذ الظاهر ان المراد منها هو تبعية ثواب العمل بنية القربة والإخلاص، فلو أخلص نيته كان عمله لابتغاء وجه ربه كان له اجره، ولو عمل لا لابتغاء وجه اللّه كان العمل تابعا لنيته لا يترتب عليه أي أجر الهي.
ويشهد لذلك ما رووه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في حديث قال: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع اجره على اللّه عز وجل، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له الا ما نوى» «1»! وروى في المجالس صدر هذا الحديث هكذا: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اغزى عليا عليه السّلام في سرية فقال علي عليه السّلام لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا يتبلغ به فبلغ النبي صلّى اللّه عليه وآله قوله فقال: إنما الأعمال بالنيات «2».
و يشهد له أيضا ما رواه أبو عثمان العبدي عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام :
«قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: لا قول الا بعمل ونية، ولا قول وعمل إلا بنية «3».
وكذا ما رواه انس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لا يقبل قول الا بالعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بإصابة السنة «4».
فان التعبير بعدم القبول ظاهر فيما ذكرنا من عدم الأجر .
وبالجملة احاديث النية التي مرت الإشارة إليها انما هي ناظرة إلى القبول الإلهي، وترتب الثواب، ومسألة الإخلاص ولا دخل لها بتبعية المعاملات للقصود.
وتلخص ان شيئا من ذلك لا دخل له بهذه القاعدة، بل العمدة فيها بعد بناء العقلاء بأجمعهم عليه أمر آخر وهي :
ان العقود والإيقاعات أمور قصدية، بل القصد قوامها، وداخل في هويتها، وبعبارة أوضح حقيقة العقود والإيقاعات أمور اعتبارية إنشائية، ومن الواضح ان الإنشاء والاعتبار قائم بقصد المعتبر، وهو كالإيجاد في عالم التكوين، فكما ان الخالق تعالى شأنه يوجد الأشياء بإرادته، وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون فكذلك المعتبر في عالم الاعتبار، فهو بحول اللّه وقوته يعتبر الأمور الاعتبارية وينشأها فلولا القصد لم يكن منها عين ولا أثر.
أضف الى ذلك ان العقد، هو «الإلزام» و«الالتزام» وماهية الالتزام هو قبول شيء وجعله في عهدته وهل يمكن قبول شيء بلا قصد؟
فقد ظهر مما ذكرنا انا لا نحتاج في هذه المسألة إلى التمسك بالأصل، لأن الأصل انما يحتاج إليه في موارد الشك وليس هنا شك، لأنه لا يتصور وجود العقد بدون القصد، وكذلك كيفيتها وأركانها وشرائطها تتبع القصود، لأن شيئا يكون قوامه بالقصد جميع خصوصياته أيضا تنشأ منه لا محالة، فتمسك بعض الأعيان بأصالة الفساد هنا لم يظهر له وجه.
كما قد ظهر أيضا انه لا يمكن التمسك في هذه المسألة بالإجماع، لأنه ليست قضية متخذة من الأئمة الطاهرين عليهم السّلام بل هو مبني على بناء العقلاء بل مقتضى حكم العقل الممضاة من قبل الشارع المقدس.
كما ان الاستدلال عليه بان الأعمال بالنيات أيضا أجنبي عن موضوع البحث لما أشرنا إليه آنفا.
وبالجملة هذه المسألة أوضح من ان تحتاج الى مزيد بحث بعد وضوح قيام العقود في وجودها وهويتها وذاتها بالقصد.
تنبيهات :
الأول: الحاجة الى القصد انما هو في موضوع العقد لا في حكمه :
قد ظهر مما ذكرنا ان العقود تتبع القصود في تحقق موضوعها، لا في أصل العقد فقط، بل في جميع أركانها وشرائطها وخصوصياتها، فالبيع يتبع القصد في أصله، وفي المتعاقدين، والثمن والمثمن، وما يتبعها من الشروط، وكما ان وقوع عقد بعنوان البيع أو الهبة يتبع القصد فكذلك وقوعها لزيد أو لعمرو، وعلى هذا العين أو ذاك العين، ومع هذا الشرط أو غيره، من الشرائط كلها تتبع القصود لعين ما مر من الدليل.
و لكن إذا تحقق الموضوع تترتب احكامه عليه سواء قصدها، أم لم يقصدها مثلا حكم الشرع بخيار المجلس والعيب والحيوان وغيرها، وكذلك حكمه بلزوم الأرش في بعض الموارد، وكون ضمان المثمن على البائع قبل إقباضه وغير ذلك من الاحكام لا تترتب على قصد المتبايعين لها، بل لو كانوا جاهلين بهذه الاحكام أو عالمين بخلافها تترتب عليها بلا ريب.
وكذلك إذا لم يعلم الزوج احكام النفقة، والزوجة مثلا بعدم جواز خروجها عن بيتها من دون اذن زوجها وكذا أحكام الإرث وغيرها لزمهما هذه الاحكام من دون حاجة الى قصدها.
والسر في جميع ذلك ان الحاجة الى القصد انما هو في قوام العقد وتحققه، واما الأحكام فهي أمور أخر ترتبط بالشارع وارادته، ولا دخل لقصد العاقد فيها ابدا والأمر واضح.
2- العقود انما تتبع القصود حدوثا لا بقاءا :
قد عرفت ان العمدة في قاعدة تبعية العقود للقصود انما هو من ناحية تقومها بالاعتبار والإنشاء والقصد، ومن الواضح ان قوامها بها انما هو في حدوثها، فاذا تحقق الإنشاء والاعتبار، وجد العقد بخصوصياته في عالم الاعتبار، فكان له وجود اعتباري في هذا الوعاء، كوجود الأشياء الخارجية بعد تحققها.
ولكن بينهما فرق ظاهر فإن الأشياء في عالم التكوين كما تحتاج الى خالقها وباريها حدوثا، تحتاج إليها بقاءا، على ما هو التحقيق في محله من حاجة الممكن الى الواجب في جميع شراشر وجوده، وفي جميع عمره، لأنها بذاتها وجودات ربطية ومتدليات بذاته تعالى، فلو انقطع فيض الوجود فيها آنا ما انعدمت بأجمعها، ولكن الأمور الاعتبارية إذا حدثت من ناحية المتعاقدين غير محتاجة إليهما في بقائها بل لو قصدا الخلاف بقاءا لم يؤثر شيئا إلا في موارد لهما حق الفسخ والخيار.
و ان شئت قلت حدوثها بيد المتعاقدين وبقائها انما هو باعتبار العقلاء، فإنهم يعتبرون بقائها وان قصدا المتعاقدان خلافه، وهذا أيضا مما لا يحتاج الى مزيد بحث.
الثالث- تبعية العقود للقصود انما هو في مقام الثبوت لا الإثبات :
مقتضى ما عرفت من الدليل في هذا الباب ان التبعية إنما هي تبعية ثبوتية ، لأن تقوم العقد بالقصد والاعتبار انما هو بحسب نفس الأمر والواقع، واما لو ادعى البائع أو المشتري أو غيرهما انه قصد كذا وكذا لا يقبل منهما الا ما وافق ظاهر اللفظ، فلو كان ظاهر اللفظ أو صريحه، أو مقتضى إطلاقه بمقدمات الحكمة، أو ما ينصرف إليه شيئا، وادعى أحدهما غيره، لا يقبل منه، لان طريق الوصول الى القصود في مقام الإثبات انما هو ظواهر الألفاظ المعتبرة عند أهل العرف والعقلاء، التي أمضاها الشرع، فمن ادعى خلافها فعليه الإثبات واقامة الدليل، ولو لم يأت بشيء يؤخذ بظاهر لفظه، ويكون حجة عليه شرعا، فالطريق الوحيد للوصول الى المقاصد عند وقوع الخلاف فيها انما هو هذه الظواهر لا غير.
نعم إذا كان المعنى مما لا يعلم الا من قبل القاصد له فلا محيص عن قبول قوله كما إذا كان وكيلا عن شخصين في بيع أو شراء أو نكاح أو إجارة أو غيرها، ثمَّ أنشأ العقد على شيء فادعى انه قصد هذا الموكل أو ذاك، فلا شك في قبول قوله، لأنه من قبيل ما لا يعلم الا من قبله فلا يعتنى بدعوى احد الموكلين بأنه كان مقصودا بالمعاملة أو كان غيره مقصودا، بل المدار على قول الوكيل.
الرابع- النقوض التي أوردت على هذه القاعدة :
وقد يورد على القاعدة نقوض كثيرة لا بد من التأمل فيها وانها استثنائات من القاعدة- فإن باب الاستثناء والتخصيص واسع، ولا يمتنع في الشرع أو العقل إلزام إنسان بشيء لم يقصده لمصالح خاصة- أو انها بظاهرها استثنائات ولكنها في الواقع من قبيل التخصص والخروج موضوعا أو أصل النقض باطل والقاعدة باقية على عموما؟
وهي أمور:
1- بيع الغاصب لنفسه :
- فان المشهور كما حكى عنهم صحته ووقوع المعاملة للمالك بعد اجازته مع انه قصد البيع لنفسه، فما قصده لم يقع وما وقع لم يقصد.
قال في «العناوين» قد ذكر بعض الفقهاء منهم المحقق، انه لو دفع المشتري عين مال لغيره ثمنا عن مبيع وقصد الشراء لنفسه، أو دفع البائع عين مبيع لغيره وقصد البيع وتملك الثمن لنفسه. فإنه يصير المعاوضة على مالكي العوضين، دون ذلك الغير المقصود.
ثمَّ قال: وعلله المحقق الثاني بأن قاعدة المعاوضة انتقال كل من العوضين الى مالك عوض الأخر، لا الى غيره، والا فخرج عن كونه معاوضة.
ثمَّ أجاب هو نفسه عن هذا الاشكال بوجوه خمسة جلها أو كلها مما لا يروى الغليل «5».
والعمدة في الجواب ان يقال: لا شك ان حقيقة المعاوضة دخول كل من العوضين في ملك مالك الأخر، والغاصب انما يقصد ملك العوض لنفسه بعد دعوى كونه مالكا للمعوض، فبالملكية الادعائية الحاصلة من سلطته على العين غصبا يرى نفسه مالكا، ثمَّ يقصد المبيع لنفسه، ففي الحقيقة انه يقصد وقوع البيع لمالك العين، ولكن حيث يرى نفسه مصداقا للمالك، يقصد البيع لنفسه فهو من بعض الجهات يشبه الخطأ في التطبيق.
ومن هنا يظهر انه ليس هذا نقضا على القاعدة ولا استثنائا منها.
ولمسئلة بيع الغاصب الفضولي جهات أخر من البحث ليس هنا موضع ذكرها .
2- وقد نوقضت أيضا بعقد المكره بعد لحوق الرضا :
فان المشهور بين المتأخرين انه لو رضى المكره بما فعله صح العقد، بل عن الرياض تبعا للحدائق ان عليه اتفاقهم، مع ان المكره غير قاصد لمضمون العقد والرضا اللاحق ليس عقدا جديدا، فما وقع لم يقصده.
وبعبارة أخرى المكره كالهازل قاصد للفظ دون المعنى، فكيف يصح عقده بلحوق الرضا، مع انه لا يصح عقد الهازل وان رضي بعد ذلك وأجاز.
والعمدة في الجواب عنه كما ذكره غير واحد من المحققين: ان عقد المكره لا يخلو عن القصد، بل هو قاصد لللفظ والمعنى كليهما، وان كان عقده خاليا عن الرضا، وبالجملة يعتبر في صحة العقد أمران: الإنشاء الجدي، والرضا بمفاده، وهما ما ذكره تعالى في قوله {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء: 29] والركن الأول موجود في عقد المكره ، وانما المفقود هو الثاني فإذا تحقق تمَّ الأمران، وحيث لا يعتبر التقارن بين الإنشاء والرضا يكفي لحوق الرضا لعقد المكره، ولكن عقد الهازل ليس كذلك بل المفقود فيه كلا الركنين، وبالرضا اللاحق يتم أحدهما ولكن إنشاء العقد لم يحصل بعد.
3- وقد أورد عليها أيضا بالمعاطاة على القول بالإباحة أيضا :
لأن المتعاطيين قصدا الملك، فما قصداه لم يقع وما وقع لم يقصداه .
قال شيخنا الأعظم : ذكر بعض الأساطين في شرحه على القواعد في مقام الاستبعاد ان القول بالإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك والبيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة، منها ان العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود (انتهى) «6».
وأجاب الشيخ قدس سره بما حاصله: ان حكاية تبعية العقود وما قام مقامها للقصود ففيها ان المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة من العقود ولا من القائم مقامها شرعا، فإن تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه انما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه، فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه، اما المعاملات الفعلية التي لم يدل على صحتها دليل فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها، نعم إذا دل الدليل على ترتب الأثر عليه حكم به وان لم يكن مقصودا «7».
وحاصل ما ذكره ان المعاطاة على هذا القول ليس عقدا والإباحة ليست إباحة مالكية بل إباحة شرعية بدليل خاص.
هذا ولكن ما ذكره لا يخلو عن بعد، وكيف يمكن القول بان المالكين لم يقصدا اباحة، ولكن الشارع ألزمهما بها رغما لأنفسهما؟! ولم لا يقال على هذا القول: بان المالك يقصد في المعاطاة أمرين : التمليك والإباحة، فإذا لم يتحقق التمليك لمنع شرعي تتحقق الإباحة، والإباحة وان كانت متفرعة على الملك، ولكن السيرة اقتضت باستقلالها هنا ولو خلت عن التمليك، فان الغرض في المعاطاة نهائيا تسلط كل واحد من المالكين على ملك الأخر والانتفاع به.
هذا غاية ما يمكن ان يقال في تصحيح هذا القول ولكن الأمر سهل بعد فساد هذا القول من أصله (أعني القول بكون المعاطاة موجبة للإباحة) بل الحق في المعاطاة الملكية بل اللزوم أيضا!.
4- وأورد عليها أيضا بالنقض بقاعدة ضمان تلف المبيع قبل قبضه ، فإنه على بايعه بمعنى ان المعاملة قبل تلف المبيع آنا ما تنفسخ من حينه أو من الأصل ويعود كل من الثمن والمثمن الى ملك صاحبه، فيكون تلف المبيع من ملك البائع وهذا أمر لم يقصداه.
وفيه اشكال واضح وهو انك قد عرفت ان القصد انما يعتبر في أركان المعاملة وشرائطها، وما فيها من القيود، واما الاحكام فلا تأثير للقصد وعدمه فيها، وكون تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه وكذا مسئلة الفسخ آنا ما قبل التلف كلها أحكام شرعية لا دخل للقصد فيها ابدا، وقد عرفت انه لو لم يعلما ببعض أحكام المعاملة مثل خيار المجلس والحيوان وغيرهما بل وان علم بخلافها فإنه تترتب عليها من دون اشكال، ولا يكون أمثال هذه نقضا على القاعدة بل هي أجنبية عنها.
5- وأورد عليها أيضا بصحة العقد مع فساد الشرط ، بناء على ان فساد الشرط لا يوجب فساد العقد كما عليه أكثر القدماء فيما حكي عنهم، فان المتعاقدين قصدا المعاملة مع الشرط، فوقوعها بدون الشرط أمر لم يقصداه، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.
وقد يجاب عنه بان هذا من قبيل الاحكام وقد عرفت ان الحكم لا يتبع قصد المتعاملين.
وفيه ان الشرط من خصوصيات المعاملة، بل قد يكون له قسط من الثمن في المعنى، وان لم يقابل به في الظاهر، وقد يرضى إنسان بالعقد مع شرط خاص ولا يرضى بدونه ابدا، فهذا داخل في موضوع المعاملة فكيف يصح الحكم بتبعية العقود للقصود مع الانفكاك بين الشرط والمشروط؟ وبالجملة وقع الخلط في هذا الجواب بين الموضوع والحكم.
والحق في الجواب ان يقال: ان قضية الشروط ليست كقضية الثمن والمثمن، أو الزوج والزوجة في النكاح، بل هي أمور تعتبر في المعاملة بعنوان تعدد المطلوب، فتخلفها لا يوجب فسادا في العقد، وانما هو تخلف في بعض المطلوب منه فيوجب الخيار فقط.
وان شئت قلت للعقد أركان وتوابع، فاذا تخلف أركانها فسدت، واما عند تخلف التوابع لا يفسد، بل يكون فيه الخيار، نظير تخلف الوصف أو وجود عيب في المتاع، فإنه لا يوجب فسادا في العقد قطعا، مع ان وصف الصحة ربما يكون قيدا في قصد المتبايعين بلا اشكال فلما ذا لا يوجب تخلفه فساده، والوجه ربما يكون قيدا في قصد المتبايعين بلا اشكال فلما ذا لا يوجب تخلفه فساده، والوجه ظاهر وهو ان أصل المعاملة مطلوب، ووصف الصحة مطلوب آخر، وهذا بخلاف ما إذا باع الفرس فبان حمارا، أو باع الحديد فبان نحاسا، فإنه تخلف في أركان المعاملة.
وبالجملة الفرق بين المقدمات والتوابع، وكون الأول من قبيل الركن، والثاني من قبيل تعدد المطلوب أصل مهم يتبنى عليه حل كثير من المشكلات في أبواب المعاملات فلا تغفل.
ان قلت: قد يكون تمام مقصود المتبايعين ذاك الوصف أو الشرط، وحيث لا يرضى واحد منهما بدونه بل لا يكون عندهما فرق بين الركن والتابع، بل التابع قد يكون ركنا عندهما.
قلنا: ليس المدار في المعاملات على الدواعي الشخصية، بل الملاك على الدواعي النوعية، فبحسب النوع، الشرط تابع، وأصل المتاع مقوم، وهذا هو معيار تعدد المطلوب عند العقلاء، ولذا لا يفرقون في مباحث خيار العيب بين من يكون وصف الصحة مقوما عنده شخصيا، ومن لا يكون كذلك.
والحاصل ان قواعد الشرط وبناء العقلاء لا تدور مدار الدواعي الخاصة لا في مقامنا هذا ولا في غيره وانما تدور مدارها نوعيا.
ومن هنا يظهر ان ما افاده «المحقق النراقي» في «عوائده» ما لفظه:
«لا يخفى ان ما ذكروه ان العقود تابعة للقصود فإنما هو على سبيل الأصل والقاعدة على ما عرفت، ويمكن ان يتخلف في بعض المواضع، لدليل خارجي، كان يحكم الشارع بصحة عقد مع فساد شرطه، فيقال ان ذلك خارج عن القاعدة بالدليل» «8».
منظور فيه، لما عرفت من ان هذا ليس تخصيصا في القاعدة، ولا يكون خارجا عنها بدليل.
ومنه يظهر الحال في تخلف وصف الصحة ومسئلة خيار العيب فلا نحتاج الى مزيد بحث فيه.
هذا كله بناء على كون الشرط الفاسد غير مفسد واما بناء على الإفساد فلا كلام.
6- وقد يورد عليها أيضا بما إذا باع ما يملك على ما لا يملك (مبنيا على المعلوم) أو باع ما يملك على ما لا يملك (مبنيا على المجهول) فان المتعاقدين قصدا المعاملة في مجموع المبيع والثمن، واما المبادلة بين بعض الثمن والمثمن فشيء لم يقصداه، فلو صحت بالنسبة الى ما يملك، وبطل فيما لا يملك، عد جزء من الثمن، «فما قصداه لم يقع، وما وقع لم يقصداه» ولذا قال العلامة الأنصاري (قدس سره الشريف) بخروجه عن تلك القاعدة بالنص والإجماع «9».
والانصاف انه يمكن تطبيقه أيضا على القواعد، بحيث لا يكون استثنائا في قاعدة التبعية بما عرفته من البيان في الشرط الفاسد، من ان العقد فيه «أركان» و«توابع» وتخلف الأركان يوجب الفساد قطعا، واما تخلف التوابع لا يوجبه، بل قد يوجب الخيار، وما نحن فيه من هذا القبيل.
فان نوع المتاع وان كان ركنا في المعاملة كالفرس والحمار والحديد والنحاس، ولكن مقداره وكميته ليس ركنا في الغالب عند العقلاء، بل من قبيل تعدد المطلوب فمن اشترى عشرين منّا من الحنطة بعشرين درهما، ثمَّ ظهر نصفه مما لا يملكه، فالمعاملة تتجزى في هذه الاجزاء وتصح في العشرة في مقابل العشرة، لما عرفت من ان المقدار من قبيل تعدد المطلوب، ولكن وقوع هذا التخلف يوجب خيار تبعض الصفقة.
وقد عرفت ان المدار في هذه المقامات على الدواعي النوعية، لا الشخصية.
نعم إذا كان الربط بين ما يملك وما لا يملك بحيث لا تتعلق بواحد منهما الدواعي النوعية كما في النعلين ومصراعي الباب فلا يبعد الحكم بالفساد حينئذ فتدبر.
7- ومما أورد على عمومية القاعدة أيضا مسألة المتعة إذا لم يذكر فيها الأجل فإنها تنقلب دائما عند المشهور كما ذكره في المسالك، حتى عند قصدهما الأجل، قال ما لفظه:
«و لو قصدا المتعة وأخلا بذكر الأجل، فالمشهور بين الأصحاب انه ينعقد دائما» ثمَّ المستدل عليه بان لفظ الإيجاب صالح لهما، وانما يتمحض للمتعة بذكر الأجل، وللدوام بعدمه، فاذا انتفى الأول ثبت الثاني .
ولأن الأصل في العقد الصحة، والفساد على خلاف الأصل.
ولموثقة عبد اللّه بن بكير عن الصادق عليه السّلام قال ان سمي الأجل فهو متعة، وان لم يسم الأجل فهو نكاح ثابت.
ثمَّ أورد على الجميع بقوله: «و فيه نظر لان المقصود انما هو المتعة، إذ هو الغرض، والأجل شرط فيها وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط، وصلاحية العبارة غير كافية، مع كون المقصود خلاف ما يصلح له اللفظ، والمعتبر اتفاق اللفظ والقصد على معنى واحد، وهو غير حاصل هنا- الى ان قال:
والخبر مع قطع النظر عن سنده ليس فيه دلالة على ان من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما بل انما دل على ان الدوام لا يذكر فيه الأجل، وهو كذلك لكنه غير المدعى.
ثمَّ استنتج من جميع ذلك ان القول بالبطلان أقوى «10».
وقال السبزواري في «الكفاية» في كتاب النكاح: «لو لم يذكر الأجل وقصد المتعة قيل ينعقد دائما، وقيل يبطل مطلقا، وقيل ان كان الإيجاب بلفظ التزويج والنكاح انقلب دائما وان كان بلفظ التمتع بطل العقد، وقيل ان الإخلال بالأجل ان وقع على وجه النسيان والجهل بطل، وان وقع عمدا انقلب دائما والقول الأول مذهب الأكثر- ثمَّ استدل له بمثل ما ذكره الشهيد الثاني، وأورد عليه بما يشبهه- ثمَّ قال- والمسألة محل اشكال «11».
هذا ولكن ذهاب المشهور الى هذا الحكم غير ثابت، بل يمكن ان يكون من قبيل ما ذكره الشيخ (قدس سره) في «الخلاف» حيث قال:
النكاح المتعة عندنا مباح جائز، وصورته ان يعقد عليها مدة معلومة بمهر معلوم فان لم يذكر المدة كان النكاح دائما» «12».
والظاهر ان مراده من هذه العبارة ما إذا لم ينو الأجل بل نوى معنى اللفظ على إطلاقه، ولا أقل من الاجمال.
ويشهد له ما استدل لمذهب المشهور- كما في الرياض- بصلاحية العقد لكل منهما، وانما يتمحض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه، فمع انتفاء الأول يثبت الثاني لأن الأصل في العقد الصحة «13».
فإن من المعلوم ان مجرد صلاحية اللفظ عند قصد خلاف معناه غير كاف في صحة العقد، بل الصلاحية انما تنفع مع القصد.
وعلى كل حال لا دليل على أصل هذه المسألة، لا من القواعد العامة والعمومات ولا من الروايات الخاصة، فحينئذ لا يكون نقضا على عموم هذه القاعدة، أي قاعدة تبعية العقود للقصود.
وقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان شيئا مما أورد على هذه القاعدة بعنوان النقض لا يكون نقضا عليها بل هو بين ما لم يثبت وما يكون ثابتا وليس نقضا.
ومن هنا يظهر النظر فيما ذكره العلامة الأنصاري (قده) في بعض كلماته في مبحث المعاطاة وانه لو قلنا بان نتيجتها الإباحة يلزم انثلام قاعدة تبعية العقود، وما قام مقامها، للقصود، بقوله: «ان تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير- ثمَّ ذكر تأثير العقد الفاسد في الضمان (ضمان المثل أو القيمة) ثمَّ قال:- وكذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة إلا مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء، وبيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكل، وبيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع اجازته على قول كثير، وترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه في المسالك وكشف اللثام الى المشهور» «14».
وقد عرفت ان شيئا مما افاده (قده) لا يكون نقضا على القاعدة.
_____________
(1) الوسائل ج 1 أبواب مقدمات العبادات الباب 5 الحديث 10.
(2) الوسائل ج 1 أبواب مقدمات العبادات الباب 5 الحديث 10.
(3) الوسائل ج 1 أبواب مقدمات العبادات الباب 5 الحديث 4.
(4) المستدرك ج 1 أبواب مقدمات العبادات الباب 5 الحديث 3.
(5) العناوين ص 196.
(6) المكاسب ص 84.
(7) المكاسب ص 84.
(8) العوائد ص 54.
(9) راجع المكاسب كتاب البيع (بيع ما يملك وما لا يملك) ص 151.
(10) المسالك ج 1 ص 503.
(11) كفاية الأحكام ص 170.
(12) الخلاف ج 2 ص 394 (كتاب النكاح مسألة 119).
(13) رياض الاحكام ج 2 ص 115.
(14) المكاسب ص 84.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|