إقتبس محمد الصوم من اليهود والنصارى والمانوية وكلمة الصوم مشتقة من الإستعمال اللغوي اليهودي الآرامي |
1561
10:29 صباحاً
التاريخ: 13-1-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2019
1562
التاريخ: 13-1-2019
1786
التاريخ: 15-1-2019
1954
التاريخ: NaN-undefine
4130
|
[الشبهة] : في مادّة ( صوم ) يقول ( بيرك G. G. Berg ): ( أمّا ( الصوم ) [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب] فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي ـ الآرامي ـ لِما عَرَف محمّد وهو في المدينة شعيرة الصوم عن كثب )(1) .
ويستمرّ في هذه الدعوى فيقول في موضعٍ آخر من نفس المادّة : ( ويدلّ على ظهور الصيام باعتباره رياضةً اختياريّة ، غايتها قهر الشهوات بين المسلمين الأوّلين في مكّة ما يغلب على الظن مِن أنّ محمّداً ، وهو في أسفاره الكثيرة ، لاحظ هذه العبادة عند اليهود والنصارى )(2).
ويقول أيضا في نفس المادّة : (... لكنّ محمّداً لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات ؛ لأنه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء ، إلاّ بعد الهجرة لمّا رأى اليهود يصومونه )(3) .
ويذهب ( بيرك ) إلى أكثر من ذلك فيقول : ( وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد شهر رمضان بالذات والمصدر الذي أُخذت عنه شعيرة الصوم الإسلاميّة ، قيلت آراء عديدة ، ويقول الإسلام : إنّه هو الصوم الذي فرضه الله على اليهود والنصارى لكنّهم أفسدوه ، فأعاده محمّد إلى صورته الصحيحة ، ويذهب ( سپرنكر Sprenger ) إلى أنّه تقليد لصوم الأربعين عند النصارى ، و( نولدكه وشفالي Noldeke - Schwally ) يُشيران إلى مشابهة الصوم الإسلامي لنوع الصوم عند المانويّة )(4) .
[جواب الشبهة] : قول ( بيرك ) تحت مادّة ( صوم ) : ( أمّا الصوم ، بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب ، فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي...) إلى آخره ، يرد عليه ما أوردناه على قول ( ر. پاريه ) تحت مادّة ( أُمّة ) وفيه أنّ طريقة الاستدلال على كون كلمة ( صوم ) وأمثالها من الكلمات المذكورة في أقوال الآخرين دخيلةٌ ومأخوذةٌ من الاعاجم ، مثلاً لمجرد وجود شبَه لفظي في حرف أو حرفين بين الكلمة العربيّة وكلمة بمعناها في الاعجمية متكلّفة لا تخلو من تمحّل ومغالطة ، إذ بهذه الطريقة سوف نهدم الكثير من صِيغ الوضع اللفظي للّغات ، إلاّ إذا ساق المدّعي دليلاً أو قرينةً معتبرةً على مدّعاه .
ولو سلّمنا وصحّ هذا الادّعاء فلا يثبت منه قول ( پاريه ) : ( فإنّ محمّداً أخذ هذه الكلمة واستعملها ، وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلاميّاً أصيلاً )إذ إنّها ـ حسب الدعوى ـ قد أصبحت جزءاً من اللغة العربيّة واستعمالها في المراد المعنوي لها سواء في القرآن الكريم أو في السنّة الشريفة استعمال مألوف وليس قائماً على قصد الاستقاء من العبريّة ، هذا مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم كلام الله عزّ وجل وليس كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ إذا أنكر ( پاريه ) ذلك ، فعندها يأتي كلامنا الآنف إنْ شاء الله في صدق الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) [في الصفحة (313-346) من هذا الكتاب في موضوع ادّعاء النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وابتكاره واصطناعه وتأثره بمَن حوله] . [انتهى قول پاريه] .
وما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) وهو : قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) : فيه انسياقٌ واضح مع إنكار الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) [وجوابه في الصفحة (313-346) من هذا الكتاب في موضوع ادّعاء النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وابتكاره واصطناعه وتأثره بمَن حوله] .
[على انه] لم يسُق إلينا القائل دليلاً واحداً ولا شاهداً على مدّعاه .
إلاّ أنّه لا يعدم وجود تقارب والتقاء في بعض المفاهيم والعقائد والأحكام والإسلاميّة مع الأديان السابقة كالمسيحيّة واليهوديّة ؛ لأنّ الإسلام لا ينكر تلك الأديان ، ولا ينكر الرسُل الذين أرسلهم الله سبحانه بها ، ولا الكتب المنزّلة من لدنه تعالى عليهم ، كالتوراة والإنجيل ، بل يصرّح بأنّه خاتم الأديان وأكملها ، وأنّ القرآن المجيد خاتم الكتب ، والرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خاتم الأنبياء وأكملهم ، إلاّ أنّه يعتقد بأنّ يد التحريف قد طالت هذه الأديان والكتب ، كما يعتقد أنّ النسخ حصل للعديد من الأحكام التشريعيّة (5) الواردة فيها ، وما تبقّى من الصحيح وغير المنسوخ منها يُقارب ويلتقى عادة مع ما جاء به الإسلام ؛ لأنّه من سراجٍ ومصدرٍ واحد .
[انتهى قول هيك] .
أمّا قول (بيرك) تحت نفس المادّة : (... لكنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات ؛ لأنّه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء ، إلاّ بعد الهجرة ، لمّا رأى اليهود يصومونه ) ففيه :
أ ـ إنّ عاشوراء على وزن فاعولاء ، مختومة بالألف الممدودة ، وتصحّ بالألف المقصورة بلا همزة : عاشورا(6)، فهي صفةٌ مؤنّثة لليلة العاشر من الشهر القمري العربي ، وغلب إطلاقها على الليلة العاشرة من أوّل تلك الشهور وهو محرّم الحرام ، ولا يُوصف بها اليوم ، فلا يُقال : اليوم العاشوراء .
وقد اشتهر استعمال هذه الكلمة في ليلة العاشر من محرّم الحرام ، ذكرى شهادة الإمام الثالث من أئمّة أهل بيت النبوّة الطاهرة ( عليهم السلام ) الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) . مع العلم أن اللغويين قد نصّوا على أنّ هذه الكلمة ( اسم إسلامي )(7) ( لم يُعرف في الجاهليّة )(8) . وعلى هذا فمن أين جاءت دعوى وجود يوم باسم يوم عاشوراء لدى اليهود وأنّهم كانوا يصومونه ؟
ب ـ لعلّ دعوى ( بيرك ) بوجود مثل هذا اليوم لدى اليهود ، وأنّهم كانوا يصومونه ، قد استندت على بعض الروايات الضعيفة سنداً ، والمتناقضة دلالةً والتي وردت في بعض كتب الحديث ، وأدناه نستعرض مجموعتين منها مع الإشارة الكلّيّة إلى ظروف وملابَسات اختلاف هذه الأحاديث ونسبتها كذِباً إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :
المجموعة الأولى :
1 ـ عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهليّة ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يصومه في الجاهليّة ، فلمّا قدِم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلمّا فُرِض رمضان ترك يوم عاشوراء فمَن شاء صامه ومَن شاء تركه (9) .
2 ـ عنها قالت : كان يوم عاشوراء فكان مَن شاء صامه ومَن شاء لم يَصمه (10) .
3 ـ عنها قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرَض رمضان ، وكان يوماً تسترّ فيه الكعبة ، فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( مَن شاء أنْ يَصومه فليَصُمه ، ومَن شاء أنْ يَتركه فليتركه ) (11) .
فكيف التوفيق بين هذا وبين ما مرّ من نصوص اللغويّين ، على أنّ اسم عاشوراء اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة ؟ وإذا كانوا يصومونه ؛ لأنّه كان يوماً تُسترّ فيه الكعبة ، فلماذا أُضيف إلى وصف الليلة ( عاشوراء ) كما مرّ ؟ ولم تكن الكعبة تُسترّ في الليل طبعاً قطعاً . وهل وصفوا اليوم المُذكّر بصفة التأنيث ؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا ؟!
وهنا نتساءل :
بما أنّ الجاهليّة هي عهد ما قبل الإسلام ، فإذا كان النبيّ يصوم يوم عاشوراء في الجاهليّة فلماذا تركه بعد الإسلام ؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركينّ فلماذا رجع إليه بعد الهجرة ؟
المجموعة الثانية :
1 ـ عن ابن عبّاس قال : قدِم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ( ما هذا ؟) قالوا : هذا يوم صالح ، يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى . قال : ( أنا أحقُّ بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه (12) .
2 ـ عنه قال : إنّ النبيّ لما قدِم المدينة وجدهم يصومون يوماً ( يعني يوم عاشوراء ) فقالوا : هذا يومٌ عظيم ، وهو يوم نجّى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون ، فصام موسى شاكراً لله . فقال : ( أنا أولى بِموسى مِنهُم ) . فصامه وأمر بصيامه .(13)
3 ـ عنه قال : لمّا قدم النبيّ المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسُئلوا عن ذلك فقالوا : هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصومه تعظيماً له . فقال رسول الله : ونحن أولى بموسى منكم . فأمر بصومه (14) .
4 ـ عنه قال : قدِم النبيّ المدينة واليهود تصوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبيّ لأصحابه : ( أنتم أحقّ بموسى منهم ، فصوموا ) (15) .
5 ـ عنه قال : لمّا قدِم رسول الله المدينة واليهود تصوم عاشوراء ، فسألهم ، فقالوا : هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبيّ : ( نحن أولى بموسى منهم ) (16) .
6 ـ عن أبي موسى الأشعري قال : دخل النبيّ المدينة وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه فقال النبيّ : ( نحن أحقّ بصومه ) ، فأمر بصومه (17) .
7 ـ عنه قال : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، فقال النبيّ : فصوموه أنتم (18) .
وهذه المرويّات عن ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري لا نجد فيها أن اليهود كانوا يسمونه عاشوراء ، أمّا ما هي حقيقته عند اليهود ؟ فهذا ما تبينه لنا دائرة المعارف البريطانيّة بالانجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة حيثُ جاء فيها :
إنّ احتفال اليهود بنجاة موسى وبني إسرائيل يمتدّ سبعة أيّام لا يوماً واحداً فقط .
أمّا صوم اليهود فهو في اليوم العاشر ، ولكنّه ليس العاشر من المحرّم ، بل من شهرهم الأوّل : تشري ، ويسمّونه يوم ( كيپور) ، أي يوم ( الكفّارة ) ، وهو اليوم الذي تلقّى فيه الإسرائيليّون اللوح الثاني مِن ألواح الشريعة العشرة ، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون ، بل بعد نجاتهم من فرعون ، وميقات موسى ( عليه السلام ) وابتلائهم بعبادة العجل إلهاً لهم ، ورجوع موسى من الميقات إليهم ، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض ، وبحصولهم على العفو من رفقائهم ، ولذلك فقد خُصّص اليوم قبل ( كيپور ) بتبادل العفو فيما بينهم ، وخُصّص يوم ( كيپور ) للصيام والصلاة والتأمّل كأقدس أيّام اليهود .
والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمريّة ، ولذلك فعدد أيّام السنة في السنوات العاديّة 355 أو 354 أو 353 ، ولكنّهم جعلوا سنواتهم شمسيّة بشهور قمريّة ، ولذلك فلهم سنوات كبيسة ، ففي كلّ سنةٍ كبيسة يُضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع ، ويكون نيسان الشهر الثامن ، وعليه تكون أيّام السنة الكبيسة 385 أو 384 أو 383 .
مناقشة ما ورد في روايات المجموعتين :
أ ـ يلاحظ بخصوص خبرَي أبي موسى الأشعري :
أنّه في الأوّل يقول : ( وإذا أُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه ، فقال النبيّ : ( نحن أحقّ بصومه ) . فأمر بصومه ) بلا ذكر لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء وصومه ، ولا ذكر لوجه أحقيّة المسلمين بصومه .
وفي الثاني يقول : ( كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً . قال النبيّ : فصوموه أنتم ) بلا ذكر لوجه كون يوم عاشوراء عيداً عندهم ، ولا ذكر لوجه أمره ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بصومه ، وكأنّه يُقابل بين الأمرين : بين صوم المسلمين فيه وعدّه اليهود عيداً ، دون الأولويّة .
ب ـ يلاحظ في الخبَرَين أيضاً :
أنّه قال في الأوّل : ( وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ) وقال في الثاني : ( كان يوم عاشوراء تعدّه عيداً ) فعلّق وصف العيد وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء ، ولا وجه لذلك . وقد مرّ نص اللغويّين على أنّه اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة أي قبل الإسلام ، وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الإسلام ؟!
وقال في الثاني : ( قال النبيّ : فصوموه أنتم ) وقال في الأوّل : ( فقال النبيّ : نحن أحقّ بصومه . فأمر بصومه ) وجوباً أم استحباباً ؟ وظاهر الأمر الوجوب كما قالوا ، وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدى هذا الأمر إلى متى كان أو يكون ؟ وكذلك تخلو منه أخبار ابن عبّاس .
ج ـ وذكرت المدى أخبار عائشة : ( فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( من شاء أنْ يصومه فليصمه ، ومن شاء أنْ يتركه فليتركه ) .
وقد ذكروا بلا خلاف أنّ فرْض الله صيام شهر رمضان كان بنزول القرآن به لمنتصف السنة الثانية للهجرة ، أي أنّه لم يكن بين هجرته وبين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحد ، وإذا كان قد أمر بصيامه مواساة لموسى ( عليه السلام ) شكراً لنجاته على قول يهود المدينة له بعد هجرته جواباً عن سؤاله عن صومهم يوم عاشوراء ، إذن فعاشوراء الأُولى قد مضت ولم تأتِ الثانية ليصوموا يومها ، حتّى نزل القرآن بفرض رمضان فما معنى : ( كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرض رمضان ؟ وكذلك ما عن عائشة أيضاً قالت : كان عاشوراء يُصام قبل رمضان ، فلمّا نزل رمضان مَن شاء صام ومَن شاء أفطر (19) .
8 ـ وعنها قالت : كان رسول الله أمر بصيام عاشوراء ، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر (20) . وكأنّه أمر بالصيام فقط ولم يصوموه .
د ـ وهناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمان ، أنّه سمِع معاوية بن أبي سفيان على منبر يوم عاشوراء عام حجّ يقول : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمِعت رسول الله يقول : ( هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر ) (21).
فهذا يتضمّن تنكّراً لصيام قريش في الجاهليّة ، ولصيام اليهود كذلك ، وينصّ من أوّل يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب . ولكن يُلاحظ عليه أمران :
الأول : إنّه يتضمّن اعترافاً بعدم علم علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله .
الثاني : أفكان هذا قبل الهجرة ؟ أم بعدها ؟ أم بعد فتح مكّة ؟ فمتى سمعه معاوية ؟ وإذا كان لليهود تقويم عِبري يخصّهم يختلف تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمَري ، وإذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل من فرعون ، فلا يصحّ ما جاء في بعض كتب الحديث ممّا نُسِب إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أخبار في عاشوراء تتضمّن أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من الفراعنة فهو يوم عيد الخلاص .
وإلى جانبه ذكريات أُخرى منها : أنّه يوم خلْق الأرض والجنّة وآدم ( عليه السلام ) فهو عيد الخلق ، وهو يوم نجاة نوح من الغرق ، ونجاة إبراهيم من الحرْق (22) .
أمّا علّة وضع هذه الأحاديث فقد روى الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، مسنداً عن جبلة المكّيّة قالت : سمعت ميثم التّمار يقول : ( والله لتقتلنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشرٍ مضين منه ، وليتخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وأنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره ، أعلم بذلك بعهدٍ عهِده إليّ مولاي أمير المؤمنين ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
قالت جبلة : فقلت : يا ميثم ، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) يوم بركة ؟!
فبكى ميثم ، ثمّ قال : سيزعمون ـ بحديث يضعونه ـ أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم ( عليه السلام ) وإنّما تاب الله على آدم في ذي الحجّة . ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوحٍ على الجودي، وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة .
ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل . وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل (23).
ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبل الله فيه توبة داود ، وإنّما قبل الله توبته في ذي الحجّة . ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة .
ثمّ قال ميثم : يا جبلة ، إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط ، فاعلمي أنّ سيّدك الحسين ( عليه السلام ) قد قُتِل ) (24).
أمّا قول ( بيرك ) تحت نفس المادّة وكذلك قول ( سبرنجر ) وقول ( نولدكه وشفالي ) فهي مجرّد فرضيّات وادّعاءات احتماليّة لم يسوقوا أيّ دليلٍ أو قرينةٍ عليها ، ويرد عليها ما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) فراجع . على أنّ قول ( بيرك ) : ـ ( وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) شهر رمضان بالذات... قيلت آراءٌ عديدة ) ـ لا مورد له ؛ لأنّ الله سبحانه قد أظهر سرّ عظمة هذا الشهر في قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] فجعل أداء هذه الفريضة العظيمة في الشهر العظيم فقال سبحانه : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] .
ــــــــــــــــــــــ
(1) دائرة المعارف الإسلاميّة 14 : 393 ـ 394 .
(2) المصدر 14 : 395 ـ 396 .
(3) المصدر 14 : 397 .
(4) المصدر 14 : 398 ـ 399 .
(5) لأنّ النسخ ينحصر أمره بالأحكام التشريعيّة دون العقائد والوقائع ، إنّما الذي يحصل في الأخيرين هو الإجمال أو التفصيل ، والبيان لمفرداتها بما يتناسب وتطوّر الإدراك والفكر البشري والمناسبات الموضوعيّة لها.
(6) مجمع البحرين ، مادّة ( عشر ) .
(7) النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 240.
(8) الجمهرة في لغة العرب 4 : 212 .
(9) صحيح البخاري ، كتاب الصوم .
(10) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن ، سورة البقرة .
(11) صحيح البخاري ، كتاب الحج ، الباب 47 .
(12) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .
(13) صحيح البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء : 60.
(14) صحيح البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، الباب 52 .
(15) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة يونس .
(16) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة يونس .
(17) صحيح البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، الباب 52 .
(18) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .
(19) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة البقرة .
(20) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .
(21) المصدر السابق .
(22) تفصيل الرد تجده في مجلّة رسالة الثقلين العدد الثاني ـ يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث .
(23) وهذا يتّفق مع ظاهر أخبار ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري في أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا قدم المدينة ـ وقدِمها في ربيع الأوّل بلا خلاف ـ رأى اليهود يصومون اليوم ويقولون أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون والغرق، لا يوم عاشوراء .
(24) أمالي الشيخ الصدوق : 110ط . بيروت .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|