المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



إقتبس محمد الصوم من اليهود والنصارى والمانوية وكلمة الصوم مشتقة من الإستعمال اللغوي اليهودي الآرامي  
  
1561   10:29 صباحاً   التاريخ: 13-1-2019
المؤلف : الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
الكتاب أو المصدر : الإسلام و شبهات المستشرقين
الجزء والصفحة : 282- 291
القسم : العقائد الاسلامية / شبهات و ردود / الاسلام والمسلمين /

[الشبهة] : في مادّة ( صوم ) يقول ( بيرك G. G. Berg ): ( أمّا ( الصوم ) [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب] فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي ـ الآرامي ـ لِما عَرَف محمّد وهو في المدينة شعيرة الصوم عن كثب )(1) .

ويستمرّ في هذه الدعوى فيقول في موضعٍ آخر من نفس المادّة : ( ويدلّ على ظهور الصيام باعتباره رياضةً اختياريّة ، غايتها قهر الشهوات بين المسلمين الأوّلين في مكّة ما يغلب على الظن مِن أنّ محمّداً ، وهو في أسفاره الكثيرة ، لاحظ هذه العبادة عند اليهود والنصارى )(2).

ويقول أيضا في نفس المادّة : (... لكنّ محمّداً لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات ؛ لأنه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء ، إلاّ بعد الهجرة لمّا رأى اليهود يصومونه )(3) .

ويذهب ( بيرك ) إلى أكثر من ذلك فيقول : ( وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد شهر رمضان بالذات والمصدر الذي أُخذت عنه شعيرة الصوم الإسلاميّة ، قيلت آراء عديدة ، ويقول الإسلام : إنّه هو الصوم الذي فرضه الله على اليهود والنصارى لكنّهم أفسدوه ، فأعاده محمّد إلى صورته الصحيحة ، ويذهب ( سپرنكر Sprenger ) إلى أنّه تقليد لصوم الأربعين عند النصارى ، و( نولدكه وشفالي Noldeke - Schwally ) يُشيران إلى مشابهة الصوم الإسلامي لنوع الصوم عند المانويّة )(4) .

[جواب الشبهة] : قول ( بيرك ) تحت مادّة ( صوم ) : ( أمّا الصوم ، بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب ، فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي...) إلى آخره ، يرد عليه ما أوردناه على قول ( ر. پاريه ) تحت مادّة ( أُمّة )  وفيه أنّ طريقة الاستدلال على كون كلمة ( صوم ) وأمثالها من الكلمات المذكورة في أقوال الآخرين دخيلةٌ ومأخوذةٌ من الاعاجم ، مثلاً لمجرد وجود شبَه لفظي في حرف أو حرفين بين الكلمة العربيّة وكلمة بمعناها في الاعجمية متكلّفة لا تخلو من تمحّل ومغالطة ، إذ بهذه الطريقة سوف نهدم الكثير من صِيغ الوضع اللفظي للّغات ، إلاّ إذا ساق المدّعي دليلاً أو قرينةً معتبرةً على مدّعاه .

ولو سلّمنا وصحّ هذا الادّعاء فلا يثبت منه قول ( پاريه ) : ( فإنّ محمّداً أخذ هذه الكلمة واستعملها ، وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلاميّاً أصيلاً )إذ إنّها ـ حسب الدعوى ـ قد أصبحت جزءاً من اللغة العربيّة واستعمالها في المراد المعنوي لها سواء في القرآن الكريم أو في السنّة الشريفة استعمال مألوف وليس قائماً على قصد الاستقاء من العبريّة ، هذا مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم كلام الله عزّ وجل وليس كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ إذا أنكر ( پاريه ) ذلك ، فعندها يأتي كلامنا الآنف إنْ شاء الله في صدق الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) [في الصفحة (313-346) من هذا الكتاب في موضوع ادّعاء النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وابتكاره واصطناعه وتأثره بمَن حوله] . [انتهى قول پاريه] .

وما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) وهو : قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) : فيه انسياقٌ واضح مع إنكار الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) [وجوابه في الصفحة (313-346) من هذا الكتاب في موضوع ادّعاء النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وابتكاره واصطناعه وتأثره بمَن حوله] .

[على انه] لم يسُق إلينا القائل دليلاً واحداً ولا شاهداً على مدّعاه .

إلاّ أنّه لا يعدم وجود تقارب والتقاء في بعض المفاهيم والعقائد والأحكام والإسلاميّة مع الأديان السابقة كالمسيحيّة واليهوديّة ؛ لأنّ الإسلام لا ينكر تلك الأديان ، ولا ينكر الرسُل الذين أرسلهم الله سبحانه بها ، ولا الكتب المنزّلة من لدنه تعالى عليهم ، كالتوراة والإنجيل ، بل يصرّح بأنّه خاتم الأديان وأكملها ، وأنّ القرآن المجيد خاتم الكتب ، والرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خاتم الأنبياء وأكملهم ، إلاّ أنّه يعتقد بأنّ يد التحريف قد طالت هذه الأديان والكتب ، كما يعتقد أنّ النسخ حصل للعديد من الأحكام التشريعيّة (5) الواردة فيها ، وما تبقّى من الصحيح وغير المنسوخ منها يُقارب ويلتقى عادة مع ما جاء به الإسلام ؛ لأنّه من سراجٍ ومصدرٍ واحد .

[انتهى قول هيك] .

أمّا قول (بيرك) تحت نفس المادّة : (... لكنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات ؛ لأنّه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء ، إلاّ بعد الهجرة ، لمّا رأى اليهود يصومونه ) ففيه :

أ ـ إنّ عاشوراء على وزن فاعولاء ، مختومة بالألف الممدودة ، وتصحّ بالألف المقصورة بلا همزة : عاشورا(6)، فهي صفةٌ مؤنّثة لليلة العاشر من الشهر القمري العربي ، وغلب إطلاقها على الليلة العاشرة من أوّل تلك الشهور وهو محرّم الحرام ، ولا يُوصف بها اليوم ، فلا يُقال : اليوم العاشوراء .

وقد اشتهر استعمال هذه الكلمة في ليلة العاشر من محرّم الحرام ، ذكرى شهادة الإمام الثالث من أئمّة أهل بيت النبوّة الطاهرة ( عليهم السلام ) الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) . مع العلم أن اللغويين قد نصّوا على أنّ هذه الكلمة ( اسم إسلامي )(7) ( لم يُعرف في الجاهليّة )(8) . وعلى هذا فمن أين جاءت دعوى وجود يوم باسم يوم عاشوراء لدى اليهود وأنّهم كانوا يصومونه ؟

ب ـ لعلّ دعوى ( بيرك ) بوجود مثل هذا اليوم لدى اليهود ، وأنّهم كانوا يصومونه ، قد استندت على بعض الروايات الضعيفة سنداً ، والمتناقضة دلالةً والتي وردت في بعض كتب الحديث ، وأدناه نستعرض مجموعتين منها مع الإشارة الكلّيّة إلى ظروف وملابَسات اختلاف هذه الأحاديث ونسبتها كذِباً إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

المجموعة الأولى :

1 ـ عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهليّة ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يصومه في الجاهليّة ، فلمّا قدِم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلمّا فُرِض رمضان ترك يوم عاشوراء فمَن شاء صامه ومَن شاء تركه (9) .

2 ـ عنها قالت : كان يوم عاشوراء فكان مَن شاء صامه ومَن شاء لم يَصمه (10) .

3 ـ عنها قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرَض رمضان ، وكان يوماً تسترّ فيه الكعبة ، فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( مَن شاء أنْ يَصومه فليَصُمه ، ومَن شاء أنْ يَتركه فليتركه ) (11) .

فكيف التوفيق بين هذا وبين ما مرّ من نصوص اللغويّين ، على أنّ اسم عاشوراء اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة ؟ وإذا كانوا يصومونه ؛ لأنّه كان يوماً تُسترّ فيه الكعبة ، فلماذا أُضيف إلى وصف الليلة ( عاشوراء ) كما مرّ ؟ ولم تكن الكعبة تُسترّ في الليل طبعاً قطعاً . وهل وصفوا اليوم المُذكّر بصفة التأنيث ؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا ؟!

وهنا نتساءل :

بما أنّ الجاهليّة هي عهد ما قبل الإسلام ، فإذا كان النبيّ يصوم يوم عاشوراء في الجاهليّة فلماذا تركه بعد الإسلام ؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركينّ فلماذا رجع إليه بعد الهجرة ؟

المجموعة الثانية :

1 ـ عن ابن عبّاس قال : قدِم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ( ما هذا ؟) قالوا : هذا يوم صالح ، يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى . قال : ( أنا أحقُّ بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه (12) .

2 ـ عنه قال : إنّ النبيّ لما قدِم المدينة وجدهم يصومون يوماً ( يعني يوم عاشوراء ) فقالوا : هذا يومٌ عظيم ، وهو يوم نجّى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون ، فصام موسى شاكراً لله . فقال : ( أنا أولى بِموسى مِنهُم ) . فصامه وأمر بصيامه .(13)

3 ـ عنه قال : لمّا قدم النبيّ المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسُئلوا عن ذلك فقالوا : هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصومه تعظيماً له . فقال رسول الله : ونحن أولى بموسى منكم . فأمر بصومه (14) .

4 ـ عنه قال : قدِم النبيّ المدينة واليهود تصوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبيّ لأصحابه : ( أنتم أحقّ بموسى منهم ، فصوموا ) (15) .

5 ـ عنه قال : لمّا قدِم رسول الله المدينة واليهود تصوم عاشوراء ، فسألهم ، فقالوا : هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبيّ : ( نحن أولى بموسى منهم ) (16) .

6 ـ عن أبي موسى الأشعري قال : دخل النبيّ المدينة وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه فقال النبيّ : ( نحن أحقّ بصومه ) ، فأمر بصومه (17) .

7 ـ عنه قال : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، فقال النبيّ : فصوموه أنتم (18) .

وهذه المرويّات عن ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري لا نجد فيها أن اليهود كانوا يسمونه عاشوراء ، أمّا ما هي حقيقته عند اليهود ؟ فهذا ما تبينه لنا دائرة المعارف البريطانيّة بالانجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة حيثُ جاء فيها :

إنّ احتفال اليهود بنجاة موسى وبني إسرائيل يمتدّ سبعة أيّام لا يوماً واحداً فقط .

أمّا صوم اليهود فهو في اليوم العاشر ، ولكنّه ليس العاشر من المحرّم ، بل من شهرهم الأوّل : تشري ، ويسمّونه يوم ( كيپور) ، أي يوم ( الكفّارة ) ، وهو اليوم الذي تلقّى فيه الإسرائيليّون اللوح الثاني مِن ألواح الشريعة العشرة ، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون ، بل بعد نجاتهم من فرعون ، وميقات موسى ( عليه السلام ) وابتلائهم بعبادة العجل إلهاً لهم ، ورجوع موسى من الميقات إليهم ، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض ، وبحصولهم على العفو من رفقائهم ، ولذلك فقد خُصّص اليوم قبل ( كيپور ) بتبادل العفو فيما بينهم ، وخُصّص يوم ( كيپور ) للصيام والصلاة والتأمّل كأقدس أيّام اليهود .

والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمريّة ، ولذلك فعدد أيّام السنة في السنوات العاديّة 355 أو 354 أو 353 ، ولكنّهم جعلوا سنواتهم شمسيّة بشهور قمريّة ، ولذلك فلهم سنوات كبيسة ، ففي كلّ سنةٍ كبيسة يُضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع ، ويكون نيسان الشهر الثامن ، وعليه تكون أيّام السنة الكبيسة 385 أو 384 أو 383 .

مناقشة ما ورد في روايات المجموعتين :

أ ـ يلاحظ بخصوص خبرَي أبي موسى الأشعري :

أنّه في الأوّل يقول : ( وإذا أُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه ، فقال النبيّ : ( نحن أحقّ بصومه ) . فأمر بصومه ) بلا ذكر لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء وصومه ، ولا ذكر لوجه أحقيّة المسلمين بصومه .

وفي الثاني يقول : ( كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً . قال النبيّ : فصوموه أنتم ) بلا ذكر لوجه كون يوم عاشوراء عيداً عندهم ، ولا ذكر لوجه أمره ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بصومه ، وكأنّه يُقابل بين الأمرين : بين صوم المسلمين فيه وعدّه اليهود عيداً ، دون الأولويّة .

ب ـ يلاحظ في الخبَرَين أيضاً :

أنّه قال في الأوّل : ( وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ) وقال في الثاني : ( كان يوم عاشوراء تعدّه عيداً ) فعلّق وصف العيد وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء ، ولا وجه لذلك . وقد مرّ نص اللغويّين على أنّه اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة أي قبل الإسلام ، وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الإسلام ؟!

وقال في الثاني : ( قال النبيّ : فصوموه أنتم ) وقال في الأوّل : ( فقال النبيّ : نحن أحقّ بصومه . فأمر بصومه ) وجوباً أم استحباباً ؟ وظاهر الأمر الوجوب كما قالوا ، وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدى هذا الأمر إلى متى كان أو يكون ؟ وكذلك تخلو منه أخبار ابن عبّاس .

ج ـ وذكرت المدى أخبار عائشة : ( فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( من شاء أنْ يصومه فليصمه ، ومن شاء أنْ يتركه فليتركه ) .

وقد ذكروا بلا خلاف أنّ فرْض الله صيام شهر رمضان كان بنزول القرآن به لمنتصف السنة الثانية للهجرة ، أي أنّه لم يكن بين هجرته وبين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحد ، وإذا كان قد أمر بصيامه مواساة لموسى ( عليه السلام ) شكراً لنجاته على قول يهود المدينة له بعد هجرته جواباً عن سؤاله عن صومهم يوم عاشوراء ، إذن فعاشوراء الأُولى قد مضت ولم تأتِ الثانية ليصوموا يومها ، حتّى نزل القرآن بفرض رمضان فما معنى : ( كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرض رمضان ؟ وكذلك ما عن عائشة أيضاً قالت : كان عاشوراء يُصام قبل رمضان ، فلمّا نزل رمضان مَن شاء صام ومَن شاء أفطر (19) .

8 ـ وعنها قالت : كان رسول الله أمر بصيام عاشوراء ، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر (20) . وكأنّه أمر بالصيام فقط ولم يصوموه .

د ـ وهناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمان ، أنّه سمِع معاوية بن أبي سفيان على منبر يوم عاشوراء عام حجّ يقول : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمِعت رسول الله يقول : ( هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر ) (21).

فهذا يتضمّن تنكّراً لصيام قريش في الجاهليّة ، ولصيام اليهود كذلك ، وينصّ من أوّل يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب . ولكن يُلاحظ عليه أمران :

الأول : إنّه يتضمّن اعترافاً بعدم علم علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله .

الثاني : أفكان هذا قبل الهجرة ؟ أم بعدها ؟ أم بعد فتح مكّة ؟ فمتى سمعه معاوية ؟ وإذا كان لليهود تقويم عِبري يخصّهم يختلف تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمَري ، وإذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل من فرعون ، فلا يصحّ ما جاء في بعض كتب الحديث ممّا نُسِب إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أخبار في عاشوراء تتضمّن أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من الفراعنة فهو يوم عيد الخلاص .

وإلى جانبه ذكريات أُخرى منها : أنّه يوم خلْق الأرض والجنّة وآدم ( عليه السلام ) فهو عيد الخلق ، وهو يوم نجاة نوح من الغرق ، ونجاة إبراهيم من الحرْق (22) .

أمّا علّة وضع هذه الأحاديث فقد روى الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، مسنداً عن جبلة المكّيّة قالت : سمعت ميثم التّمار يقول : ( والله لتقتلنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشرٍ مضين منه ، وليتخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وأنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره ، أعلم بذلك بعهدٍ عهِده إليّ مولاي أمير المؤمنين ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

قالت جبلة : فقلت : يا ميثم ، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) يوم بركة ؟!

فبكى ميثم ، ثمّ قال : سيزعمون ـ بحديث يضعونه ـ أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم ( عليه السلام ) وإنّما تاب الله على آدم في ذي الحجّة . ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوحٍ على الجودي، وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة .

ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل . وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل (23).

ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبل الله فيه توبة داود ، وإنّما قبل الله توبته في ذي الحجّة . ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة .

ثمّ قال ميثم : يا جبلة ، إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط ، فاعلمي أنّ سيّدك الحسين ( عليه السلام ) قد قُتِل ) (24).

أمّا قول ( بيرك ) تحت نفس المادّة وكذلك قول ( سبرنجر ) وقول ( نولدكه وشفالي ) فهي مجرّد فرضيّات وادّعاءات احتماليّة لم يسوقوا أيّ دليلٍ أو قرينةٍ عليها ، ويرد عليها ما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) فراجع . على أنّ قول ( بيرك ) : ـ ( وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) شهر رمضان بالذات... قيلت آراءٌ عديدة ) ـ لا مورد له ؛ لأنّ الله سبحانه قد أظهر سرّ عظمة هذا الشهر في قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] فجعل أداء هذه الفريضة العظيمة في الشهر العظيم فقال سبحانه : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] .

ــــــــــــــــــــــ

(1) دائرة المعارف الإسلاميّة 14 : 393 ـ 394 .

(2) المصدر 14 : 395 ـ 396 .

(3) المصدر 14 : 397 .

(4) المصدر 14 : 398 ـ 399 .

(5) لأنّ النسخ ينحصر أمره بالأحكام التشريعيّة دون العقائد والوقائع ، إنّما الذي يحصل في الأخيرين هو الإجمال أو التفصيل ، والبيان لمفرداتها بما يتناسب وتطوّر الإدراك والفكر البشري والمناسبات الموضوعيّة لها.

(6) مجمع البحرين ، مادّة ( عشر ) .

(7) النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 240.

(8) الجمهرة في لغة العرب 4 : 212 .

(9) صحيح البخاري ، كتاب الصوم .

(10) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن ، سورة البقرة .

(11) صحيح البخاري ، كتاب الحج ، الباب 47 .

(12) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .

(13) صحيح البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء : 60.

(14) صحيح البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، الباب 52 .

(15) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة يونس .

(16) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة يونس .

(17) صحيح البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، الباب 52 .

(18) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .

(19) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة البقرة .

(20) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .

(21) المصدر السابق .

(22) تفصيل الرد تجده في مجلّة رسالة الثقلين العدد الثاني ـ يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث .

(23) وهذا يتّفق مع ظاهر أخبار ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري في أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا قدم المدينة ـ وقدِمها في ربيع الأوّل بلا خلاف ـ رأى اليهود يصومون اليوم ويقولون أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون والغرق، لا يوم عاشوراء .

(24) أمالي الشيخ الصدوق : 110ط . بيروت .




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.