أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-1-2018
1538
التاريخ: 2023-09-19
947
التاريخ: 20-6-2017
1499
التاريخ: 20-6-2017
1789
|
نهضة الشيعة ضدَّ العبَّاسيِّين وسرُّ مطاردة العبَّاسيِّين لهم:
... كان بنو أميّة يمقتون جميع الهاشميِّين ـ إِلاّ القليل ـ أشدَّ المقت أيَّام الجاهلية، وداموا على ذلك حتّى في أيَّام نبي الإسلام الهاشمي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن قد كمن مقتهم هذا لمَّا ظهرت معجزات النبوة وآياتها الباهرة، واشتدَّ عضد الإسلام بالمهاجرين والأنصار. وبقي ذلك المقت كامنا إِلى أواخر أيّام عثمان +؛ حيث ظهر على يد بطانته الأموية، وبلغ أشدَّه يوم تولَّى الخلافة العامَّة أميرُ المؤمنين وسيِّد الهاشميِّين بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فنال من مقتهم ومناوأتهم له ما غصَّت به بطون الكتب.
ولمَّا استشهد (عليه السلام) وبويع شبله الحسن، قاموا يناهضونه بكلِّ ما لديهم من قوَّة، حتّى إذا ما تمَّت لهم الغلبة الدنيوية (كتب معاوية نسخة واحدة إِلى جميع عمَّاله بعد عام الجماعة: أنْ برأت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب علي (عليه السلام) وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلِّ كورة وعلى كلِّ منبر يلعنون عليَّاً ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته) (1).
وقد علمت ممَّا تقدَّم أنَّ لعن عليٍّ والبراءة منه كانا سنَّة متَّبعة في الدولة الأموية إِلى عهد عمر بن عبد العزيز، ولكن يظهر من المقريزي (أنّ سنَّة اللعن دامت في مصر من حين فتحها مروان إلى سنة 133 هـ) (2).
وقد بلغ اضطهاد الأمويِّين وعمَّالهم إلى بني هاشم إِلى حدٍّ كانت تُعدُّ صلة الهاشمي جريمة كبرى في نظر بعض العمَّال، يتَّخذونها طريقاً للوشاية بخصومهم والوقيعة بهم.
يحدثنا الطبري: (أنَّ يوسف بن عمر كتب إِلى هشام: إنَّ أهل البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعاً؛ حتّى كانت همَّة أحدهم، قوت عياله. فلمَّا ولي خالد العراق، أعطاهم الأموال، فقووا بها حتّى تاقت أنفسهم إلى الخلافة) (3).
وكان هذا الاضطهاد الأموي متَّجهاً نحو الهاشميَّين أجمع؛ لا فرق لديه بين العلوي والعبَّاسي، كما يظهر من ابن أبي الحديد الذي حكى لنا (قصَّة اجتماع معاوية ومروان وزياد ويزيد وعتبة، وسبِّهم لحبر الأمَّة عبد الله بن عبَّاس، وتحقيرهم إيَّاه في مجلس معاوية (4)، وحكى قول معاوية لابن عبَّاس: (إنَّ في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم، وإِنّي لخليق أنْ أدرك بكم الثأر) (5).
وذكر أيضاً: (أنَّ الوليد بن عبد الملك ضرب علي بن عبد الله بن عبَّاس بالسياط، وشهره بين الناس، يُدار به على بعير ووجهه ممَّا يلي ذنب البعير وصائح يصيح عليه: هذا علي بن عبد الله بن عبَّاس الكذَّاب (6). وروى في مكان آخر (كيفيَّة خنق الأمويِّين لإبراهيم العبَّاسي في جراب من نورة بالحبس).
لذلك كان من الطبيعي أن يترقَّب العبَّاسيُّون الفرصة للوثبة على الأمويِّين، وأن يبايعوا بعض العلويِّين وينهضوا معاً ضدَّ الدولة الأموية؛ لِمَا رأوا تفكُّك الأمويِّين وثورة بعضهم على بعض، وخروج البلاد عليهم ومَللها منهم ومِن حكمهم.
لمَّا رأى الهاشميَّون ذلك كلَّه، قاموا يُنظِّمون الدعوة ويبثون الدعاة، ويجعلون في رأس الدعوة وعنوانها: البيعة لرجل من آل هاشم، من غير ذكرٍ لأحد الفريقين المتَّحدين. وأرى أنَّه لولا ذكر الآل في مواد الدعوة، لمَا نالت ذلك الظفر الباهر، ولأسرت بسرعة البرق إِلى القلوب، خصوصاً قلوب أهل الكوفة وسوادها؛ لتشيُّع أهلها تشيُّعاً علويِّاً، ولعلمهم بانحصار الآل وغلبة إِطلاقه على أبناء فاطمة بضعة المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولأنَّ ظلم الأمويِّين كان أثره في العلويِّين أظهر منه في العبَّاسيِّين. ومعلوم أنّ النفوس البشرية ميَّالة بالطبع إِلى نصرة مَن ظهرت ظُلامته. زد على ذلك أنَّ آل العبَّاس كانوا ـ قبل نيل المُلك ـ يُظهرون محبَّة عليّ وينتصرون له ولآله (عليهم السلام)، ويُصرِّحون كثيراً بأنَّ غايتهم الأولى الأخذ بثأر الحسين بن عليّ وأحفاده (وكان عبد الله بن علي بن عبد الله بن عبَّاس ينشد حينما قُتل الأمويِّين في الشام، ويترنَّم بقوله:
حسبت أميَّة أنْ سترضى iiهاشم عنها ويذهب زيدها وحسينها (7)
وعلى كلٍّ... فقد لبَّس العبَّاسيُّون على الشيعة في هذه الدعوة (8) حتّى قام بعض الكوفيِّين يعاضدها في العراق مع شيعة بني العبَّاس الخراسانيِّين، ولكن لمَّا تمَّ النجاح وظهرت الغلبة، وانكشفت أستار تلك الرواية الخداعية، ورأى الشيعة العلوية تربَّع السفَّاح العبَّاسي على سرير الخلافة أو الملك (على الأصح)، قاموا يطالبون بحقوق العلويِّين ونصيبهم من تلك الدعوة المشتركة، فما كان جوابهم ـ بالطبع ـ إِلاَّ السيف تارة، والخداع والمواعيد تارة أخرى، على طبق ما يصنعه ذئاب الاستعمار اليوم مع العرب، وخصوصاً في فلسطين المجاهدة المكلومة.
قتل المنصور (محمدَ بن عبد الله الحسني الذي غضب لمَّا حبس المنصور 11 رجلاً من بني الحسن في سجن ضيق حتّى ماتوا جميعاً، وقام في المدينة ضدَّ المنصور، وكذلك قام أخوه إبراهيم بن عبد الله بالبصرة، فقتل) (9).
وقد كان المنصور (بايع محمد بن عبد الله الحسني بالخلافة مرَّتين، وكذلك بايعه إبراهيم الإِمام وأبو العبَّاس السفَّاح. إِحداهما بالمدينة، والأخرى بمكَّة في المسجد الحرام. فلمَّا خرج محمد من المسجد أَمسك له المنصور بركاب دابته، وقال له: أَمَا إنَّه إِنْ أفضى إليك هذا الأمر، نسيت لي هذا الموقف ولم تعرفه لي) (10). ولكن التقادير قد عاكست محمداً، وأفضت بذلك الأمر إلى المنصور الذي نسي أو تناسى ما كان في عنقه من البيعة الثنائية إلى محمد هذا. وبعبارة أخرى، راح ينكث بيعته لمحمد، ويتعمَّد قتله وقتل بقية الحسنيِّين بأنواع القتل الفظيع.
يقول ابن الأثير: (لمَّا أُتي ببني الحسن، نظر المنصور إلى محمد بن إبراهيم بن الحسن، فقال: أنت الديباج الأصفر؟ قال: نعم. قال: أمَا والله، لأقتلنك قتلة ما قتلتها أَحداً من أهل بيتك، ثُمَّ أمر به، فبني عليه إسطوانة وهو حيٌّ، فمات فيها)(11).
وهكذا كان مَن تخلَّف بعد المنصور؛ فإنَّهم تفنَّنوا بالوقيعة والقتل لأبناء عمِّهم العلويِّين، فدسُّوا السمَّ للإمام الرضا وأَبيه وابنه الجواد ـ على قولٍ، في حين أنّ الذي سمَّ الرضا كان يُحبُّ العلويِّين كثيراً ويكرمهم، وقد يكون صادقاً في حبِّه إِلاّ أنّ حبَّ المَلك ـ الذي قتل في سبيله أخاه ـ قد غلب على ذلك الحب، وأزاله من قلبه.
وقتلوا أَيضاً الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن السبط في (فخ) بين مكَّة والطائف. (ظهر الحسين هذا سنة 169 هـ بمدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان معه جماعة من الطالبيّين، وأشتدَّ أمره وجرى بينه وبين عامل موسى الهادي العبّاسي على المدينة قتالٌ عظيم، فانهزم العامل، وبايع الناس الحسين على كتاب الله وسنة رسوله للمرتضى من آل محمد. وأقام الحسين بالمدينة يتجهَّز، فجاء جماعة من العبَّاسيِّين والقوَّاد إِلى الحج، وحاربوه يوم التروية، فقتلوه وأصحابه المخلصين، وفرَّ الباقون، وكان مقتلهم بموضع يقال له: (وج). وفي ذلك يقول بعضهم:
تُركوا بوجٍّ iiغدوة في غير منزلة الوطن
ولقد أرسل موسى بن عيسى العبَّاسي رجلا إِلى عسكر الحسين هذا؛ حتّى يراه ويخبره عنه، فمضى الرجل وتعرَّف عسكر الحسين، فرجع، وقال لموسى بن عيسى: ما أظنُّ القوم إِلاَّ منصورين، فقال: وكيف ذاك يا ابن الفاعلة؟ قال الرجل: لأنِّي ما رأيت فيهم إِلاّ مصلِّياً أو مبتهلاً أو ناظراً في مصحف أو مُعدَّاً للسلاح. فضرب موسى يداً على يد وبكى، ثُمَّ قال: هم والله أكرم خلق الله، وأحقُّ بما في أيدينا منَّا، ولكن الملك عقيم، لو أنَّ صاحب هذا القبر (يعني النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم) نازعنا الملك، ضربنا خيشومه بالسيف) (12).
وقتلوا يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن السبط، وأخاه إِدريس الذي فرَّ بعد مقتل أخيه إِلى بلاد فاس وطنجة، فأرسلوا إليه مَن سمَّه (13).
(ظهر يحيى المذكور بالديلم سنة 176 هـ واشتدَّت شوكته فيها، فجهَّز الرشيد إليه الفضل بن يحيى البرمكي، فخدعه بالأمان. ولمَّا وصل يحيى إِلى بغداد، أخذ الرشيد صكَّ الأمان من يحيى ومزَّقه، ثُمَّ حبس يحيى في حبس مظلم ضيق، وكان يخرجه كلِّ يوم ويضربه مائة سوط، وينقص مِن طعامه وشرابه حتّى مات، وقيل: أنَّه دسَّ إِليه في الليل مَن خنقه، وقيل: أنَّه سقاه سمَّاً، وقيل: أنّه أجاع السباع، ثُمَّ ألقاه إِليها، فأكلته. ولقد ظهرت ليحيى مكرمة عظيمة أَمام الرشيد حينما تناظر يحيى مع عبد الله بن مصعب الزبيري وحلفه يحيى يميناً عظيمة، فما برح الزبيري من موضعه حتّى أصابه الجذام؛ فتقطَّع ومات. ولمَّا وضعوه في قبره، انخسف وخرجت منه غبرة عظيمة، فصاح الفضل بن الربيع: التراب، التراب. فجعلوا يطرحونه على القبر وهو يهوي، فدعا بأحمال الشوك فطرحوها فهوت. فأمر أن يُسقف القبر بالخشب ومضى منكسراً) (14).
وقتلوا غير هؤلاء من آل أبي طالب، وطاردوهم في البلدان حتّى أنّ ابن المعتز العبَّاسي (كان يقول: إِنْ ولاَّني الله، لأفنينَّ جميع آل أبي طالب. فبلغ ذلك وِلْد عليّ، فكانوا يدعون عليه)(15).
وكان أشدَّ العبَّاسيِّين عداوة ـ بعد المنصور والرشيد ـ المتوكِّل؛ (فإِنّه أمر سنة 236 هـ بهدم قبر الحسين بن عليّ(عليه السلام) وهدم ما حوله من المنازل، ومنع الناس من إِتيانه. وكان المتوكِّل شديد البغض لعليِّ بن أبي طالب ولأهل بيته. وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث؛ كان يشدُّ على بطنه مخدة ويكشف رأسه ـ وهو أصلع ـ ويرقص، ويقول: قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين (يعني: عليَّاً)، والمتوكِّل يشرب ويضحك. وفعل ذلك يوماً بحضرة المنتصر، فقال له: يا أمير المؤمنين، إِنَّ عليَّاً ابن عمِّك، فكلْ أنت لحمه إذا شئت، ولا تُخلِ هذا الكلب وأمثاله يطمع فيه. فقال المتوكِّل للمغنين: غنُّوا:
غار الفتى لابن iiعمه رأس الفتى في حَرِ أمه
وكان يجالس مَن اشتهر ببغض عليّ؛ مثل: ابن الجهم الشاعر، وأبي السمط من ولد مروان بن أبي حفصة) (16).
(ولمَّا هدم المتوكِّل قبر الحسين(عليه السلام)، قال الشاعر المعروف بالبسَّامي:
تاالله إِنْ كانت أُميَّة قد iiأتت قتل ابن بنت نبيِّها iiمظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله هذا لعمرك قبره iiمهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه iiرميما (17)
ولولا نُصب المتوكَِّل، لَمَا (سَلَّ لسان الإِمام في اللغة ابن السكِّيت من قفاه حتّى مات من ساعته؛ لأنَّه غضَّ من ابني المتوكِّل وذكر الحسنين بما هما أهله) (18). وقد بلغ النصب بالمتوكِّل إِلى أنْ (كتب سنة 236 هـ إِلى مصر: بإِخراج آل أبي طالب منها. فأُخرجوا وقدموا العراق، فاخرجوا منها إِلى المدينة. ولمَّا مات المتوكِّل، قام من بعده ابنه محمد المستنصر(19)، فكتب إِلى مصر: بأن لا يقبل علوي ضيعة ولا يركب فرساً، وأنْ يمنعوا من اتخاذ العبيد. ومَن كان بينه وبين أحد من الطالبيِّين خصومة، قُبِل قول خصمه من سائر الناس فيه، ولم يُطالب ببيِّنة. وكتب إِلى العمال بذلك)(20).
وأنت تعلم أَنَّ الضغط كثيراً ما يُولد الانفجار، ويوجب كراهية عيش الذلَّة، ويُحبب الموت تحت ظلال الأسنَّة. فمن الطبيعي آنئذ أن ينهض الشيعة وأن ينفجر بركان غيظهم المختبئ في الصدور. ومن الطبيعي أَيضاً أن يبالغ العبَّاسيُّون في مطاردتهم وترويع أئمَّتهم الأَطهار؛ ولو كانوا في عزلة عن الخلق مُتَّجهين نحو عبادة الخالق ومناجاته عزَّ اسمه.
(وجَّه المتوكِّل إِلى عليّ الهادي بعدَّة من الأتراك ليلاً، فهجموا عليه في منزله على غفلة، فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة يترنَّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إِلا ّالرمل والحصى.
فأخذ على الصورة التي وُجد عليها في جوف الليل، فمثل بين يدي المتوكِّل؛ والمتوكِّل يستعمل الشراب وفي يده كأس. فلمَّا رآه، أعظمه وأجلسه إِلى جانبه، ولم يكن في منزله شيء ممَّا قيل للمتوكِّل عنه، ولا حجَّة يتعلَّل عليه بها، فناوله المتوكِّل الكأس، فقال: يا أمير المؤمنين: ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفاه منه) (21).
نعم، كان من الطبيعي أن يبالغ العبَّاسيِّون في ذلك؛ لأنَّ غايتهم الوحيدة، الإِمرة والتربُّع على أسرة المُلك، وهي ـ في الغالب ـ إذا خامرت قلباً نزعت من صاحبه الأناة والرحمة، ولوَّثته بموبقات الأعمال في سبيل الوصول إليها.
ولذا قَتل بعض العبَّاسيِّين في سبيلها أخاه، وبعضٌ عمَّه، وبعض أباه؛ ولذا نقض كثير منهم لأجلها العهود ونكث الأيمان، وقرَّب الفاسق وأبعد الناسك، وأغدق عطاءه لمَن انتقد في مجلسه زعماء العلويِّين، ولفَّق له الأدلَّة على أنَّ العبَّاس أحقَّ بالخلافة من ابن أخيه عليّ (عليهما السلام)؛ وأنَّها وراثية والعبَّاس أولى بالتراث وأحقَّ به.
ولا أخال أنَّ أحداً من المسلمين يعتقد أنَّ الخلافة وراثية؛ لأنَّهم على الغالب بين قائل: إِنَّها لا تكون إِلا بالنصِّ والأفضلية. وقائل: إنَّها تكون بالانتخاب والاختيار من الأمَّة، أو مِن خليفة لآخر، أو من خمسة من أهل الحلِّ والعقد. لكن للشعراء الأقدمين مذاهب طريفة وطرقاً خاصَّة في الكذب والتزلُّف، كانوا يسلكونها للتوصُّل إِلى مجالس الأمراء والارتزاق منهم ومن ولاتهم.
وإِليك هذه القصِّة عن أبان بن عبد الحميد، فإِنَّها تُطلعك على طرق أُولئكم الشعراء وعلى نفوسهم الواطئة الأمَّارة بالسوء وعلى رخص الضمير والوجدان، وتريك كرم الرشيد في سبيل الدعاية ضدَّ أَهل البيت العلوي، وتبرهن لك على نُصب بعض البرامكة الذين يعدُّهم البعض من الكتَّاب والمؤرِِّخين في زمرة الشيعة الموالين لآل علي(عليه السلام).
قال أبو بكر الصولي: (عاتب أبانُ البرامكة في إِعطاء الرشيد الأموال للشعراء وفقره مع خدمته لهم وموضعه منهم، فقال له الفضل: إِن سلكت مذهب مروان ابن أبي حفصة (وكان من مذهبه هجاء آل أبي طالب وذمِّهم) أوصلتَ شعرك وبلَّغتك إِرادتك. قال أبان: والله، ما استحل ذلك. فقال له الفضل: كلُّنا يفعل ما لا يحلُّ له، ولك بنا وبسائر الناس أسوة. فقال أبان:
نشدتُ بحقِّ الله مَن كان مسلماً أَعُمُّ بما قد قلته العجم iiوالعرب
أعَمُّ نبيِّ الله أقرب iiزلفة إِليه أم ابن العمِّ في رتبة iiالنسب؟
وأيُّهما أولى به iiوبعهده ومَن ذا له حقُّ التراث بما iiوجب؟
فإن كان عبَّاس أحقُّ iiبتلكمُ وكان عليٌّ بعد ذاك على سبب
فأبناء عبَّاس هُمُ iiيرثونه كما العمُّ لابن العمِّ في الإرث قد حجب
...إِلى آخر الأبيات، ثُمَّ جاء بها إِلى الفضل، وقال له: قد اقترحت، فوفِّر عليَّ الجاري. فقال الفضل: ما بقيت. وما يرد على أمير المؤمنين اليوم شيء أعجب إليه من أبيانك. فركب أبان وأنشدها الرشيد، فأمر له بعشرين ألف درهم. وأتصل به بعدها (22).
______________
(1) المعتزلي، شرح النهج، ج3، ص15.
(2) الخطط، ج4، ص152.
(3) تاريخ الطبري، ج2، ص18.
(4) المعتزلي، شرح النهج، ج2، ص15.
(5) شرح النهج، ج2، ص105.
(6) شرح النهج، ج2، ص210، والمبَّرد، تهذيب الكامل، ج1، ص292 الذي ذكر فيه(ص392): أنَّ الوليد هذا ضرب عليَّاً هذا بالسياط مرَّتين. وكذلك ذكر ابن خلِّكان في : الوفيَّات، مجلَّد1، ص323.
(7) ابن قتيبة، عيون الأخبار، مجلّد 1، ص208.
(8) كما لبَّس الأمويُّون على أهل الشام أنَّ بني أميَّة هم أهل بيت رسول الله (ص) والوارثون له. حكى المسعودي (مروج الذهب، مجلّد 2، ص73): (أن عبد الله بن علي وجَّه إِلى أبي العبَّاس السفَّاح أشياخاً من أهل الشام من أرباب النعم والرئاسة، فحلفوا له أنَّهم ما علموا لرسول الله (ص) قرابة ولا أهل بيت يرثونه غير بني أميَّة حتّى وليتم الخلافة). وذكر هذا الحلف الريائي صاحب عصر المأمون (مجلّد 1، ص190). وإِنَّا ـ مع اعتقادنا بحصول التلبيس على الشام ـ لنشكُّ في صدق هؤلاء الأشياخ بحلفهم هذا، لأنَّه من البعيد جداً أن يجهل مثلهم؛ من المسنِّين المتَّصلين برجال بقية الأقطار، قرابة الرسول القريبة الذي أذهب الله عنها الرجس وطهَّرها تطهيراً. نعم، كان التلبيس من بني أميَّة على العامَّة الجاهلة، وخصوصاً الأحداث، وكذلك من بني مروان الذين بالغوا في التلبيس واللعن لعلي وإِخفاء فضله. (قال عمر بن عبد العزيز لأبيه يوماً: يا أبت، أنت أفصح الناس، فما بالي أراك إذا مررت بلعن هذا الرجل( يعني: عليَّاً) صرت ألكن عيباً ؟ فقال عبد العزيز: يا بني، إِنَّ مَن ترى من أهل الشام وغيرهم تحت منبرنا، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك، لم يتبعنا منهم أحد ). انظر: شرح النهج، مجلَّد 1، ص356.
(9) الصيرفي، منقريوش، تاريخ دول الإسلام، ج1، ص80.
(10) مقاتل الطالبيِّين، ص143، و145، و203.
(11) إِبن الأثير، ج5، ص195، والمقاتل الطالبيِّين، ص140.
(12) تاريخ أبي الفداء، ج2، ص11، ومقاتل الطالبيِّين، ص303.
(13) بلغ الرشيد خبر إتِّباع البربر لإِدريس هذا، فغمَّه، وشكى ذلك إِلى يحيى بن خالد البرمكي، فقال يحيى: أنا أكفيك أمره، فحمل سليمان بن جرير ـ أحد متكلمي الزيدية
البترية ـ على سمِّه، ووعده بكلِّ ما أحبَّ على أن يحتال لإِدريس، فيقتله. فذهب سليمان واحتال عليه وسمَّه. انظر ذلك مفصَّلاً: مقاتل الطالبيِّين، ص326.
(14) مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج، ص318؛ ( بتلخيص).
(15) تاريخ أبي الفداء، ج2، ص29.
(16) تاريخ أبي الفداء، ج2، ص38؛ (بتلخيص).
(17) تاريخ أبي الفداء، ج2، ص68.
(18) وفيَّات الأعيان، ج2، ص310، وتاريخ أبي الفداء، ج2، ص40.
(19) الموجود في التاريخ أنَّ الذي قام بعد المتوكِّل هو إبنه المسمَّى بالمنتصر، لا المستنصر، وهو ـ كما مرَّ في معارضته لأبيه في استماع قول عبادة الأثيم ـ من محبِّي سيِّد الطالبيِّين عليّ(ع)، فما السرُّ في كتابته هذه إِلى مصر بشأن الطالبيِّين؛ هل هو قيامه مقام أبيه أم غيره؟ الله أعلم.
(20) خطط المقريزي، ج4، ص153.
(21) وفيَّات الأعيان، ج1، ص322، وتاريخ أبي الفداء، ج2، ص44.
(22) الأوراق، ص14. وذكر ذلك أيضاً أبو الفرج، الأغاني، ج20، ص75.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|