المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أجوبة الإستفتاءات الشرعية طبقاً لفتاوى المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني

الوسواس
السؤال: شخص وسواسي كثيراً ويطيل الوقت في الوضوء والغسل والصلاة إلى درجة أنه إذا كان على جنابة في شهر رمضان وأراد أن يغتسل فسوف يدخل الفجر وهو لم ينتهي من الغسل فهو يتيمم بدل الغسل وهكذا إذا كان عليه جنابة في شهر رمضان؟ أو كانت عليه جنابة في الأيام العادية فأنه ينتظر إلى أن يقترب إنتهاء الوقت لكي يتيمم ويصلّي؟ فماذا يقول سماحة السيد السيستاني في هذا الشخص؟ وما هو الحل في نظر السيد؟ وما حكم صيامه وصلاته وجميع أعماله العبادية؟ وما هي نصيحة سماحة السيد في هذه الحالة؟
الجواب: تصح الصلاة ونحوها في مفروض السؤال وان كان الشخص آثماً في تفويتها مع الطهارة المائية عند التمكن منها. وينصح هذا الشخص بالسعي الى اصلاح حاله والتخلص من هذا الاداء، ويحصل ذلك بمرحلتين:
المرحلة الاولي : ان يلتفت الى هذه الحالة حالة ذميمة عقلاً وشرعاً لأنها خروج عن الوسطية والاعتدال وهدر لطاقات الانسان من غير ان يجني منها فائدة، فالوسوسة ليست ضرباً من الورع والتقوى ولا عناية مرغوب فيها بأحكام الشرع المقدّس وانما هي نحو اختلال في ادراك الانسان وضعف في نفسه وارادته واستسلام لإيحاءات الشيطان الخبيث كما اشير اليه في الحديث، فاذا وعي هذا المعنى جيداً وعرف حقيقة هذه الحالة تصل النوبة الى المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية : ان يسعى جاهداً الى السيطرة على نفسه وامتلاك زمام ارادته والحيلولة دون تلاعب الشيطان به، فليعقد العزم على ذلك مستيقناً بان الله سبحانه لا يعاقبه على عدم الاعتناء بما يحتمله في يوم القيامة، فاذا شك في وصول الماء لم يعتن وبنى على حصول الطهارة جارياً على المعتاد في ذلك، وكلّما كرّر منه عدم الاعتناء بالشك ضعفت سلطة الوهم على نفسه الى ان يزول بيأس الشيطان من التعلّق به فيصبح معتدلاً في رعايته للطهارة والنجاسة، وليستيقن انه اذا دخل هذا المضمار وعلى سبيل التحدّي اكان هو الغالب وكان الله سبحانه في عونه وضعف كيد الشيطان به قال تعالى «ان كيد الشيطان كان ضعيفاً» والله الموفق الى الصواب.
السؤال: هل هناك علاج للوسواس؟
الجواب: ليس للوسواس علاج ناجع إلا عدم الاعتناء بالوسوسة وعدم ترتيب الاثر عليها لمدة طويلة ولتعلم علم اليقين بأنك لا تتحمل اثماً ولا تستحق عقاباً يوم القيامة إذا لم تعتن بالوسوسة فإن جميع الفقهاء يفتون تبعاً للنصوص الشرعية بأن وظيفة الوسواسي عدم الاعتناء بالوسوسة حتى مع التأكد من المخالفة على خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك فلا عبرة بعلمه ايضاً فضلاً عن الظن والشك .
السؤال: هل عمل الوسواس مبطل للطهارة المعنوية كما اذا اعاد الغسل مرات ومرات في نفس الوضوء والغسل؟
الجواب: لا يبطل.
السؤال: إني مصابة بالوسواس في الطهارة والصلاة وفي غيرهما منذ سنوات ومعاناتي معه طويلة ومضنية وقد حاول أهلي صدّي عن الإعتناء بالوسواس بأساليب مختلفة ولكن لم يسعني التخلص منه أرجو من مكتب سيدنا المرجع دام ظله إسعافي في المجال؟
الجواب: إن الوقت لا يتسع لإيراد كل ما يمكن قوله في هذا المجال مما يمكن أن يساعد في علاج الوسوسة والحدّ من مضاعفاتها ولكن نتبرّك أولاً بذكر حديث شريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثم نردفه ببيان بعض النقاط.
أما الحديث فهو ما رواه عبدالله بن سنان ـ أحد أجلة أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ قال: ذكرت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجلاً مبتلي بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله: وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقال سله الذي يأتيه من أي شيء هو فإنه يقول لك من عمل الشيطان.
وأما النقاط التي يهمّنا إيرادها فهي:
١ ـ إنّ مرض الوسواس ليس له علاج ناجع إلا عدم الإعتناء بالوسوسة وعدم ترتيب الأثر عليها لمدّة طويلة، وكلما زادت مدة الإصابة بالمرض يتوقف العلاج منه على ممارسة عدم الإعتناء مدة أطول، فالذي بدأ معه الوسواس قبل شهر أو شهرين ربما يذهب عنه لو قاومه بعدم الإعتناء بضع شهور وأما الذي بدأ معه منذ سنوات فمن المؤكد أنه لا يذهب عنه الا بعدم الإعتناء مدة طويلة جداً.
٢ ـ السؤال المهم الذي يطرح في هذا المجال هو أنه كيف يمكن إقناع الوسواسي بعدم الإستجابة لنداء الوسوسة الذي هو نداء شيطاني؟
والجواب ان الطريق إلى ذلك هو إفهامه بصورة واضحة لا لبس فيها بأنه لا يتحمّل إثماً ولا يستحق عقاباً يوم القيامة إذا لم يعتن بالوسوسة وإن وقع في خلاف الواقع، فإن الذي يدعو الوسواسي إلى العمل وفق الوسوسة هو خوفه من بطلان عمله واستحقاقه العقاب على ذلك ولكن لو جعلناه يقتنع تماماً بأنه لا يتحمّل جراء مخالفته للوسوسة وعدم الإعتناء بها أي ذنب أبداً وإن لم يصح عمله في الواقع ويكون معذوراً أمام ربه فإن هذا سيساهم بكل تأكيد في الحدّ من إعتنائه بالوسوسة.
٣ ـ كيف يكون الوسواسي معذوراً أمام الله تعالي إذا لم يعتن بوسوسته وإن كان عمله خلاف الواقع؟ مثلاً: إذا شك في طهارة بدنه وبنى على الطهارة وتوضأ وصلى وكان في علم الله تعالي بدنه متنجساً ووضوؤه باطلاً وصلاته باطلة ألا يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله يوم القيامة؟
الجواب قطعاً بالنفي والوجه في ذلك ببساطة هو أنه عمل وفق واجبه الشرعي في عدم الإعتناء بالوسوسة فكيف يعاقبه الله على ذلك؟!
ولتوضيح الفكرة نقول: إن فتوى الفقيه حجّة للمكلف أي أن المكلف إذا عمل بها وكانت في علم الله مخالفة للواقع لم يعاقب يوم القيامة على مخالفته، مثلاً إذا أفتى الفقيه بطهارة الإسبرتو واستند المكلف إلى فتواه في عدم التجنب عنه في لباسه وبدنه فتوضأ وصلى ولكن كان الاسبرتو نجساً في حكم الله تعالي لم يعاقب المكلف يوم القيامة على صلواته الباطلة لأن حجّته أمام الله هي كالتالي:
يا ربّي إنك رخصت لي العمل بفتوى الفقيه، والفقيه أفتى بطهارة الاسبرتو فلذلك لم اتجنبها في بدني وملابس صلاتي فهل تعاقبني مع ذلك؟
ويأتي الجواب: إنك معذور يا عبدي ولا شيء عليك.
وهكذا حال الوسواسي تماماً، فإن جميع الفقهاء يفتون بكل صراحة ووضوح ـ تبعاً للنصوص الشرعية ـ بأن وظيفة الوسواسي هو عدم الإعتناء بوسوسته والبناء على طهارة كل ما يشك في طهارته بل حتى لو تأكد من نجاسة شيء ـ على خلاف ما يحصل لسائر الناس من العلم بذلك ـ فلا عبرة بعلمه وواجبه أن يبني على الطهارة.
فلو عمل الوسواسي بهذه الفتوي الشرعية وبنى على طهارة كل مشكوك الطهارة، بل ومتيقن النجاسة فهو معذور أمام الله تعالى وإن كان عمله على خلاف الواقع ووقعت صلاته في النجاسة أو كان أكله متنجساً.
نتمنى أن تقرأي هذا البيان عدة مرات لتتأكدي من صوابه ثم تعقدي العزم على عدم الإعتناء بالوسوسة بعد اليوم، اعقدي العزم على عدم غسل ما تتصورين أنه قد أصابته النجاسة. اعقدي العزم على البناء على طهارة كل شيء لم تجدي عين النجاسة فيه بأم عينيك.
سيأتي الشيطان ويقول لك: ان وضوءك باطل وصلاتك باطلة وبدنك متنجس و... وقولي في الجواب: فليكن: لا يهمني ذلك ما دمت معذورة أمام الله تعالى وانه لا يعاقبني يوم القيامة في حال من الأحوال.
٤ ـ من الأحكام الفقهية التي ينبغي الإلتفات إليها هو أن المتنجس بملاقاة المتنجس ينجس ملاقيه فيما إذا لم تتعدد الوسائط بينه وبين عين النجاسة وإلا فلا يكون موجباً لتنجسه، مثلاً إذا لاقت اليد اليمني البول فهي تتنجس، فإذا لاقتها اليد اليسرى مع الرطوبة حكم بنجاستها أيضاً، وكذا إذا لاقى اليد اليسرى مع الرطوبة شيء آخر كالثوب فإنه يحكم بنجاسته ولكن إذا لاقى الثوب شيء آخر مع الرطوبة سواء أكان مانعاً أم غيره فهو لا يوجب نجاسته.
وهذا باب ينفتح منه ألف باب في عدم حصول العلم بنجاسة معظم ما ذكرت في رسالتك أنها تتنجس بالواسطة.
وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى لك العافية التامّة والتوفيق لما يحب ويرضي.
توصيات المرجعية
توصيات المرجعية للشاب المؤمن
توصيات المرجعية للمجاهدين
السيرة الذاتية لسماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

وبعد / لقد أثمر منبر الإمام السيد الخوئي (قدس سرّه ) خلال أكثر من نصف قرن ثماراً عظيمة جليلة هي الأزكى والأفضل عطاءاً على صعيد الفكر الإسلامي وفي مختلف العلوم والقضايا والمواقف الإسلامية المهمّة ، حيث تخرّج من بين يديه مئات العلماء والفضلاء العظام الذين اخذوا على عاتقهم مواصلة مسيرته الفكرية ودربه الحافل بالبذل والعطاء والتضحية لخدمة الإسلام والعلم والمجتمع، ومعظمهم اليوم أساتذة الحوزات العلمية وبالخصوص في النجف الأشرف ومنهم من هو في مستوى الكفاية والجدارة العلمية والاجتماعية التي تؤهله للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ورعاية الأمة في يومنا الحاضر. المزيد