كلام في معنى الشهب
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج17 ، ص104-105 .
22-10-2014
3847
أورد المفسرون أنواعا من التوجيه لتصوير استراق السمع من الشياطين ورميهم بالشهب وهي مبنية على ما يسبق إلى الذهن من ظاهر الآيات والأخبار أن هناك أفلاكا محيطة بالأرض تسكنها جماعات الملائكة ولها أبواب لا يلج فيها شيء إلا منها وأن في السماء الأولى جمعا من الملائكة بأيديهم الشهب يرصدون المسترقين للسمع من الشياطين فيقذفونهم بالشهب.
وقد اتضح اليوم اتضاح عيان بطلان هذه الآراء ويتفرع على ذلك بطلان الوجوه التي أوردوها في تفسير الشهب وهي وجوه كثيرة أودعوها في المطولات كالتفسير الكبير ، للرازي وروح المعاني ، للآلوسي وغيرهما.
ويحتمل - والله العالم أن هذه البيانات في كلامه تعالى من قبيل الأمثال المضروبة تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس في صورة المحسوس لتقريبها من الحس وهو القائل عز وجل : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت : 43].
وهو كثير في كلامه تعالى ومنه العرش والكرسي واللوح والكتاب وقد تقدمت الإشارة إليها وسيجيء بعض منها.
وعلى هذا يكون المراد من السماء التي تسكنها الملائكة عالما ملكوتيا ذا أفق أعلى نسبته إلى هذا العالم المشهود نسبة السماء المحسوسة بأجرامها إلى الأرض ، والمراد باقتراب الشياطين من السماء واستراقهم السمع وقذفهم بالشهب اقترابهم من عالم الملائكة للاطلاع على أسرار الخلقة والحوادث المستقبلة ورميهم بما لا يطيقونه من نور الملكوت ، أو كرتهم على الحق لتلبيسه ورمي الملائكة إياهم بالحق الذي يبطل أباطيلهم.
وإيراده تعالى قصة استراق الشياطين للسمع ورميهم بالشهب عقيب الإقسام بملائكة الوحي وحفظهم إياه عن مداخلة الشياطين لا يخلو من تأييد لما ذكرناه والله أعلم.
قوله تعالى : {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات : 11] اللازب الملتزق بعضه ببعض بحيث يلزمه ما جاوره ، وقال في مجمع البيان : اللازب واللازم بمعنى.
انتهى.
والمراد بقوله : " مَنْ خَلَقْنَا " إما الملائكة المشار إليهم في الآيات السابقة وهم حفظة الوحي ورماة الشهب ، وإما غير الناس من الخلق العظيم كالسماوات والأرض والملائكة ، والتعبير بلفظ أولي العقل للتغليب.
والمعنى : فإذا كان الله هو رب السماوات والأرض وما بينهما والملائكة فاسألهم أن يفتوا أ هم أشد خلقا أم غيرهم ممن خلقنا فهم أضعف خلقا لأنا خلقناهم من طين ملتزق فليسوا بمعجزين لنا.
الاكثر قراءة في مصطلحات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة