اعتبر ممثل المرجعية العليا في كربلاء سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي أن رابطة "الجوار" لها دور في بناء الحياة الاجتماعية.
وقال في خطبته الأولى يوم الجمعة، من الصحن الحسيني الشريف "رابطة الجوار لها دورها العظيم في بناء الحياة الاجتماعية بناءً سليماً".
وأضاف "إنها تعد بالمرتبة الثانية في النسيج الاجتماعي بعد رابطة الاسرة ولهذا نجد في التشريع الاسلامي عناية خاصها بها".
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة يوم الجمعة 12فبراير/ شباط الموافق 3 جمادي الأول/ 1437هـ:
من دعاء الامام السجاد (عليه السلام) لجيرانه واوليائه اذا ذكرهم :
(اّللّهُمَّ صّلِّ عّلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَوَلَّني في جِيرانِي وَمَوالِيّ العارِفِينَ بَحَقِّنا، وَالمُنابِذيِنَ لأعْدآئِنا بِأَفْضَلِ وَلايَتِكَ وَوَفِّقْهُمْ لإقامَةِ سُنَّتِكَ، وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ في إرفَاقِ ضَعِيِفِهِمْ، وَسَدِّ خِلَّتِهِمْ، وَعِيادَةِ مَرِيضِهِمْ، وَهِدايَةِ مُسْتَرشِدِهِمْ)
اختلفت الاقوال في تحديد الجار..
قيل : من يلي الدار الى اربعين ذراعاً من كل جانب، وقيل : الى اربعين داراً من كل جانب، وقيل : الرجوع الى العرف في تحديد الجار..
و الاولياء جمع ولي ويطلق على معان كثيرة والذي يقتضيه المقام منها هو المحب، والتابع والمعين والناصر والصديق ذكراً كان ام انثى..
تولاه الله .. كان له ولياً أي معيناً وكافلا ً لمصالحه وقائماً باموره..
و في: ظرفية مجازية: أي اجعل ولايتك لي سارية في جيراني ومواليّ راسخة فيهم..
والموالي : جمع مولى والمراد به هنا : المحب والتابع والناصر.
العارفين بحقنا : الاعتقاد بامامتهم وافتراض طاعتهم ووجوب اتباعهم والتسليم اليهم..
المنابذين لاعدائنا : نابذتهم .. خالفتهم..
وفي النعتين المذكورين .. العارفين بحقنا والمنابذين لاعدائنا اشارة الى ان موالاتهم لا تكون الا بمعرفة حقهم ومخالفة اعدائهم..
الولاية بالفتح والكسر : لغتان بمعنى النصرة والاعانة.
والغرض هو الدعاء لهم بالتوفيق باستعمال هذه الآداب والاخذ بها في معاشرة بعضهم بعضا..
حدود الجار :
عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كلُّ اربعين داراً جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله"
ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "الجيران ثلاثة : جارٌ له حق واحد وهو الجار المشرك له حق الجار، وجارٌ له حقّان حق الجوار وحق الاسلام وهو الجار المسلم وجارٌ له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق الاسلام وحق الرحم وهو الجار المسلم ذو الرحم".
ومما يدل على شدة اعتناء الاسلام بالجار ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "ما زال اخي جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت انه يورّث".
واعلم .. انه لا ينحصر حقه في كفِّ الاذى، فانه حق كل احد، بل لابد من الرفق واسداء الخير وتشريكه فيما يملكه ويحتاج اليه من المطاعم، وعيادته في المرض وتعزيته عند مصيبته، وتهنئته في مسرته، والصفح عن زلته وستر عورته وغض البصر عن حرمته، والتوجه لعياله في غيبته، والاشارة الى مصلحته، وتشييع جنازته، ولا يضايقه فيما يلتمس منه ان امكنه، ولم يضره مطلقاً ولا يطيل البناء عليه فيشرف على بيته او يحجب الهواء عنه الا باذنه، وغير ذلك مما ورد في الاخبار..
تولّني : أي اجعلني متوليا لامورهم وقضاء حوائجهم..
(وَمَوالِيّ العارِفِينَ بَحَقِّنا) : أي المحبين والناصرين العارفين بحقنا، أي بامامتنا القائلين بنا وباننا منصوصون من جانب الله ورسوله لخلافته ووصايته واحداً بعد واحد..
(وَمَوالِيّ العارِفِينَ بَحَقِّنا)
السُّنة بالضم : في الاصل الطريقة .. وسنة الله تعالى : حكمه ما شرعه من فرض او ندب.. واقامة السُّنة عبارة عن صيانتها وحفظها من ان يقع فيها شيء من الزيغ.. او عن المواظبة عليها..
(وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ في إرفَاقِ ضَعِيِفِهِمْ)
المحاسن: جمع الحسن الذي هو خلاف القبح، الادب: رياضة النفس ومحاسن الاخلاق، والمعنى : وفقهم للسيرة بمحاسن ادبك..
الإرفاق: وهوخلاف العنف لين الجانب ولطافة الفعل.. ويأتي الارفاق بمعنى النفع..
(وَسَدِّ خِلَّتِهِمْ)
والخلّة بالفتح : الحاجة والفقر ، وسدّها جبرها وازالتها..
(وَعِيادَةِ مَرِيضِهِمْ)
وعدت المريض عيادة : زرته.. وقيل: العيادة في المرض، والزيارة في الصحة.
(وَهِدايَةِ مُسْتَرشِدِهِمْ)
والمسترشد : طالب الرشد : أي الهدى وإصابة الصواب..
ثم يقول الامام السجاد (عليه السلام) في الدعاء : (وَمُناصَحَةِ مَسْتَشِيرِهِمْ وَتَعَهُّدِ قادِمِهِمْ، وَكِتْمانِ أسْرارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْراتِهِمْ، وَنُصْرَةِ مَظْلوُمِهِمْ، وَحُسْنِ مُواسَاتِهِمْ بِالماعُونِ، وَالعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِالجِدَةِ وَالإفْضَالِ)
(وَمُناصَحَةِ مَسْتَشِيرِهِمْ) أي النصح.
(وَتَعَهُّدِ قادِمِهِمْ) ، وتعهدت الشيء: تفقدته وجددت العهد به أي الالتقاء به.
(وَكِتْمانِ أسْرارِهِمْ) ، والاسرار : جمع سرّ بالكسر وهو ما تخفيه وتكتمه عن غيرك.
(وَسَتْرِ عَوْراتِهِمْ) ، والعورات : جمع عورة: وهو كل شيء يستره الانسان أنفة او حياء..
(وَنُصْرَةِ مَظْلوُمِهِمْ)، والنصرة : اعنته وقويّته.
(وَحُسْنِ مُواسَاتِهِمْ بِالماعُونِ) : المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق.
الماعون : اختلف في معناه ، فقيل : هو المعروف كلّه.
وقيل: هو اسم جامع لما لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني في اغلب الاحوال ولا ينسب سائله الى لؤم، بل ينسب مانعه الى اللؤم والبخل، كالفأس والقصعة والقدر والدلو والغربال والقدوم، ويدخل فيه الماء والملح والنار..
(وَالعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِالجِدَةِ وَالإفْضَالِ)
والعود عليهم : من العائدة بمعنى : ايصال المعروف اليهم او بمعنى : الرجوع ، أي : التكرار عليهم بالانعام..
الجدة : الثروة والغنى، والافضال : الزيادة والاكثار او الكثرة في العطاء..
فقوله (عليه السلام) : (وَالعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِالجِدَةِ وَالإفْضَالِ) أي التطول عليهم والاحسان اليهم ..
رابطة الجوار :
رابطة الجوار لها دورها العظيم في بناء الحياة الاجتماعية بناءاً سليماً لأنها تعد بالمرتبة الثانية في النسيج الاجتماعي بعد رابطة الاسرة ولهذا نجد في التشريع الاسلامي عناية خاصها بها ..
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : " حرمة الجار على الانسان كحرمة امه".
ان من آثار حسن الجوار هو زيادة العمر : عن الصادق (عليه السلام) : "حسن الجوار زيادة في الاعمار".
عن امير المؤمنين (عليه السلام) : " حسن الجوار يزيد في الرزق".