عسل كوربيزولو ليس حلو المذاق، وله تاريخ يعود إلى أكثر من 2000 عام، ويمكن الحصول عليه من الإزهار الخريفي لشجرة الفراولة في جزيرة سردينيا.
يتميز عسل كوربيزولو بأن مذاقه مختلف عن بقية أنواع العسل. فبدلا من الحلاوة التي يتوقعها المرء، فإن هذا العسل النادر للغاية والموجود في جبال جزيرة سردينيا الإيطالية، مر بشكل مدهش، ويضم نكهات مميزة هي مزيج من الجلد وعرق السوس والدخان.
يقيم النحالون الرحل خلايا النحل في المنطقة لجمع هذا العلاج العطري - المشتق من أزهار شجرة الفراولة البرية البيضاء التي تشبه شكل الجرس - منذ أكثر من 2000 عام.
وذكر رجل الدولة والمحامي والفيلسوف ماركوس توليوس شيشرون (106-43 قبل الميلاد) العسل في حديثه عن مواطن روماني متهم بارتكاب جريمة قتل في بلدة نورا بجزيرة سردينيا، قائلا: "كل ما تنتجه جزيرة سردينيا، رجالا وأشياء، سيء!. حتى العسل الموجود بكثرة في تلك الجزيرة مر!"
ربما لم يكن شيشرون يعلم أن عسل كوربيزولو المر مليء بالعناصر الغذائية وغني بالفيتامينات والمعادن، ومضاد للالتهابات، وهو الأمر الذي جعله محل تقدير كبير من قبل أجيال بعد أجيال على تلك الجزيرة المعروفة بطول عمر سكانها، والذين يعيش الكثير منهم لأكثر من 100 عام.
يُستخدم عسل كوربيزولو في الطب التقليدي كمحفز للنوم ومهدئ للسعال ومضاد للإسهال، وذلك بفضل خصائصه القابضة والمضادة للالتهابات، ويمكن أيضا أن يُستخدم كمضاد للأورام.
وخلصت دراسة أجراها باحثون في جامعة ماركي التقنية وجامعتي فيغو وغرناطة بإسبانيا عام 2019، ونُشرت في مجلة الأطعمة الوظيفية، إلى أن عسل كوربيزولو يقلل من نمو وانقسام خلايا سرطان القولون المزروعة في المختبر.
وظهرت أسطورة شجيرة كوربيزولو عريضة الأوراق، المعروفة باللغة الإنجليزية باسم شجرة الفراولة لثمارها برتقالية اللون بحجم الفراولة، لأول مرة في "كتاب الأيام" للشاعر الروماني القديم أوفيد في أوائل القرن الأول الميلادي.
ووفقا لأوفيد، فإن ديا كارنا، إلهة الرومان وحامية الصحة والحيوية، أنقذت الوريث الجديد لمدينة ألبا لونغا اللاتينية القديمة من خلال النقر على باب منزل الطفل ثلاث مرات بغصين من شجرة فراولة.
وأعطى المؤلف وعالم الطبيعة والفيلسوف الروماني بلينيوس الأكبر، الشجيرة البرية اسمها النباتي " أربوتوس أونيدو". ومن الواضح أن بلينيوس الأكبر لم يكن من محبي الفاكهة الحامضة، لذلك أطلق عليها التعبير اللاتيني "أونوم إيدو" الذي يعني "سأتناول واحدة فقط".
وكان إنتاج عسل كوربيزولو راسخا في الجزيرة بحلول العصور الوسطى. وفرضت إليانور، قاضية بلدة أربوريا، (1347-1404 م)، والتي كانت واحدة من أقوى القضاة في ذلك العصر، غرامات باهظة، وفي أسوأ السيناريوهات أمرت ببتر الأذن، على من يسرق خلايا عسل كوربيزولو، في مدونتها القانونية "كارتا دي لوغو"، والتي كتبتها بلغة سردينيا عام 1392.
تنمو شجرة الفراولة البرية في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الغربية وحتى أيرلندا، على الرغم من أن جزيرة سردينيا تحمل الرقم القياسي في إنتاج عسل كوربيزولو.
تنضج ثمار كوربيزولو ببطء، وتغير لونها عدة مرات أثناء العملية، من الأصفر إلى البرتقالي إلى الأحمر الناضج. لكن الزهور البيضاء الحلوة للشجيرة - التي تتفتح خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول حتى ديسمبر /كانون الأول - هي التي يُلقحها النحل ويتحول رحيقها إلى عسل ذي نكهة غير عادية.
تتكشف بتلات الزهور ببطء، في عملية حساسة بشكل غريب يمكن لهطول الأمطار الغزيرة إيقافها بسهولة. ونظرا لأن الإزهار يحدث في أواخر فصل الخريف عندما يكون الطقس باردا وممطرا وعاصفا، فإن النحل يعاني أحيانا حتى يخرج من خلاياه لجمع الرحيق الثمين.
تنتج الأزهار التي تشبه شكل الجرس حوالي نصف كمية الرحيق التي تنتجها الأزهار الأخرى، لذلك يتعين على النحل بذل جهد إضافي لجمع ما يكفي. وهذه العوامل الرئيسية الثلاثة تجعل عسل كوربيزولو ثمينا للغاية، لدرجة يصعب معها العثور عليه خارج جزيرة سردينيا.
ولا يعرف أحد بالضبط ما الذي يعطي هذا العسل طعمه المر، على الرغم من أن البعض يعتقد أن السبب في ذلك هو وجود أربوتين غليكوسيد (جزيء يتحد مع السكريات في النباتات) في رحيق أزهار شجرة الفراولة.
وبالإضافة إلى مرارته، يضم عسل كوربيزولو مكونات حادة من الخل البلسمي، وعصارة شجرة الصنوبر، والجلد، وعرق السوس، والقهوة، وتكون رائحته النهائية دخانية بعض الشيء. وغالبا ما يُضاف إلى القهوة لتعزيز النكهة المرة للشراب.
وكما هو الحال مع النبيذ الفاخر، فإن عسل كوربيزولو يتوافق أيضا بشكل مثالي مع العديد من الأطباق التقليدية في جزيرة سردينيا.
ولاحظ الشاعر الإيطالي الشهير جيوفاني باسكولي أن ألوان العلم الإيطالي موجودة في شجرة الكوربيزولو نفسها - الأوراق الخضراء اللامعة، والزهور البيضاء، والتوت الأحمر - وذكر نضالها من أجل الازدهار على قمم الجبال التي تعصف بها الرياح في قصيدة كتبها عام 1906 بعنوان "قصيدة إلى كوربيزولو".
وتقول هذه القصيدة في جزء منها "أيتها الشجرة الإيطالية الخضراء التي تواجه الضباب في شهر مايو، حتى لو مات كل شيء آخر، فأنت باقية كالراية القوية في وجه الرياح الشمالية".