المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16337 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
لا عبادة كل تفكر
2024-04-27
معنى التدليس
2024-04-27
معنى زحزحه
2024-04-27
شر البخل
2024-04-27
الاختيار الإلهي في اقتران فاطمة بعلي (عليهما السلام)
2024-04-27
دروس من مدير ناجح
2024-04-27

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (1-5) من سورة الحشر  
  
29974   03:22 مساءً   التاريخ: 24-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحشر /

قال تعالى : {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُو الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 1 - 5].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال تعالى :{سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} مضى تفسيره {هوالذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني يهود بني النضير {من ديارهم} بأن سلط الله المؤمنين عليهم وأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بإخراجهم من منازلهم وحصونهم وأوطانهم {لأول الحشر} اختلف في معناه فقيل كان جلاؤهم ذلك أول حشر اليهود إلى الشام ثم يحشر الناس يوم القيامة إلى أرض الشام أيضا وذلك الحشر الثاني عن ابن عباس والزهري والجبائي قال ابن عباس قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخرجوا قالوا إلى أين قال إلى أرض المحشر وقيل معناه لأول الجلاء عن البلخي لأنهم كانوا أول من أجلي من أهل الذمة من جزيرة العرب ثم أجلى إخوانهم من اليهود لئلا يجتمع في بلاد العرب دينان وقيل إنما قال لأول الحشر لأن الله فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أول ما قاتلهم عن يمان بن رباب.

 {ما ظننتم أن يخرجوا} أي لم تظنوا أيها المؤمنون أنهم يخرجون من ديارهم لشدتهم وشوكتهم {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله} أي وظن بنو النضير أن حصونهم لوثاقتها تمنعهم من سلطان الله وإنزال العذاب بهم على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث حصنوها وهيأوا آلات الحرب فيها {فأتاهم الله} أي فأتاهم أمر الله وعذابه {من حيث لم يحتسبوا} أي لم يتوهموا أن يأتيهم لما قدروا في أنفسهم من المنعة جعل الله سبحانه امتناعهم من رسوله امتناعا منه {وقذف في قلوبهم الرعب} وألقى سبحانه في قلوبهم الرعب بقتل سيدهم كعب بن الأشرف {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} أي يهدمون بيوتهم بأيديهم من داخل ليهربوا لا أنهم خربوا ما استحسنوا منها حتى لا يكون للمسلمين ويخربها المؤمنون من خارج ليصلوا إليهم عن الحسن وقيل أن معنى تخريبها بأيدي المؤمنين أنهم عرضوها لذلك عن الزجاج وقيل أنهم كانوا يخربون بيوتهم بأيديهم بنقض الموادعة وبأيدي المؤمنين بالمقاتلة.

 {فاعتبروا يا أولي الأبصار} أي فاتعظوا يا أولي العقول والبصائر وتدبروا وانظروا فيما نزل بهم ومعنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها والمراد استدلوا بذلك على صدق الرسول إذ كان وعد المؤمنين أن الله سبحانه سيورثهم ديارهم وأموالهم بغير قتال فجاء المخبر على ما أخبر فكان آية دالة على نبوته ولا دليل في الآية على صحة القياس في الشريعة لأن الاعتبار ليس من القياس في شيء لما ذكرناه ولأنه لا سبيل لأهل القياس إلى العلم بالترجيح ولا يعلم كل من الفريقين علة الأصل للآخر فإن علة الربا عند أحدهما الكيل والوزن والجنس وعند الآخر الطعم والجنس وفي الدراهم والدنانير لأنهما جنس الأثمان وقال آخرون أشياء أخر وليس هذا باعتبار إذ لا سبيل إلى المعرفة به.

 {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} أي حكم عليهم أنهم يجلون عن ديارهم(2) وينقلون عن أوطانهم {لعذبهم في الدنيا} بعذاب الاستئصال(3) أو القتل والسبي كما فعل ببني قريظة لأنه تعالى علم أن كلا الأمرين في المصلحة سواء وقد سبق حكمه بالجلاء {ولهم في الآخرة} مع الجلاء عن الأوطان {عذاب النار} لأن أحدا منهم لم يؤمن وقيل أن ذلك مشروط بالإصرار وترك التوبة {ذلك} الذي فعلنا بهم {بأنهم شاقوا الله} أي خالفوا الله {ورسوله} ثم توعد من حذا حذوهم وسلك سبيلهم في مشاقة الله ورسوله فقال {ومن يشاق الله} أي يخالفه {فإن الله شديد العقاب} يعاقبهم على مشاقتهم أشد العقاب.

{ما قطعتم من لينة} أي نخلة كريمة من أنواع النخيل عن مجاهد وابن زيد وقيل كل نخلة سوى العجوة عن ابن عباس وقتادة {أو تركتموها قائمة على أصولها} فلم تقطعوها ولم تقلعوها {فبإذن الله} أي بأمره كل ذلك سائغ لكم علم الله سبحانه ذلك وأذن فيه ليذل به أعداءه {وليخزي الفاسقين} من اليهود ويهينهم به لأنهم إذا رأوا عدوهم يتحكم في أموالهم كان ذلك خزيا لهم .

_____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص427-428.

2- جملة ((وينقلون عن اوطانهم)) زائدة.

3- في المخطوطة ليست لفظة ((أو)).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال تعالى :{سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . جميع الكائنات تسبح بقدرة اللَّه وحكمته بلسان المقال أو الحال ، وتقدم مثله بالحرف مع التفسير في أول سورة الحديد {هُو الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} . المراد بالذين كفروا هنا بنو النضير باتفاق المفسرين ، واختلفوا في معنى أول الحشر قال الرازي : ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ان معنى أول الحشر ان أهل الكتاب أخرجوا من جزيرة العرب للمرة الأولى ، وكانوا من قبل في عزة ومنعة . . وليس هذا ببعيد لأن الحشر الثاني كان على يد الخليفة الثاني ، والمعنى ان اللَّه سبحانه أجلى بني النضير من ديارهم بأيدي المسلمين ، وكان هذا أول جلاء لليهود عن الجزيرة العربية ، أما السبب الموجب فهو غدرهم وخيانتهم ونقضهم عهد الأمان الذي قطعوه للرسول (صلى الله عليه واله وسلم) على أنفسهم .

وتسأل : لما ذا عاقبهم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) على خيانتهم بالجلاء ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة مع ان العقوبة على أنواع ؟ .

الجواب : لقد أخذهم بشريعتهم التي بها يدينون ، فقد نصت توراتهم على {ان المدينة التي تفتح لك فكل الشعب الموجود فيها لك للتسخير ويعبد لك ، فإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فهي لك غنيمة تغنمها لنفسك - اصحاح 20 من التثنية} . . . وليس من شك ان من دان بدين من الأديان أو مبدأ من المبادئ فعليه ان يلتزم بجميع أحكامه ، ويجريها على نفسه قبل أن يجريها على غيره ، وعلى هذا فإن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان رؤوفا رحيما ببني النضير لأنه لم يقتل الذكور ويسبي النساء والأطفال كما نصت شريعتهم وتوراتهم . . وتكلمنا عن ذلك مفصلا في ج 6 ص 208 فقرة (هل ظلم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بني قريظة) ؟

{ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} . الخطاب في ما ظننتم للمسلمين . وظنوا أي بنو النضير ، والمعنى ان المسلمين لم يتوقعوا على

الإطلاق أن يخرج بنو النضير من ديارهم ويتركوها لأعدائهم المسلمين لما عرفوا عنهم من العناد وشدة البأس ، وكثرة العدة والعدد ، وأيضا كان بنو النضير يعتقدون انهم في قوة ومنعة من حصونهم وعدتهم وعددهم ، وان أية يد لا تستطيع أن تمتد إليهم . . ولكن حصن الغدر والخيانة واه لا يمنع أهله ، ولا يحرز من لجأ إليه .

الدعايات المضللة والوقت المناسب :

{فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} . ظنوا انهم ما نعتهم حصونهم . . ولكن الذي بيده ملكوت كل شيء قد ختم على قلوبهم بعد ان ملأها بهيبة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وجنده ، فانهارت وانهار معها كل شيء لأن القلوب هي الأساس الذي ترتكز عليه جميع القوى . . ومن هنا يحرص سفاحو الشعوب وتجار الحروب على الحرب النفسية ، ويحشدون لها الطاقات والثروات ، ونسوا أو تناسوا انه لا طريق إلى القلوب إلا الحق والصدق والخير والإحسان ، وإذا وجدت الدعايات المضللة من يستجيب لها فإلى حين ، ثم تتكشف عن عورات صاحبها وأسوائه .

سئل (تشالز) الممثل الخبير بشؤون الحياة : إلى ما يحتاج المرء ليشق طريقه في الحياة ؟ أللعقل أم الطاقة أم العلم ؟ فقال : ثمة شيء أهم ، وهو معرفة الوقت المناسب . ونقول لتشالز : أجل ، لا بد من الوقت ولكن على شريطة أن يكون مناسبا لمصلحة الخير لا للشر ، وللحق لا للباطل ، لأن الشر وأنصاره إلى زوال : وان طال بهم الأمد .

{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} . قال بعض المفسرين : المراد بخراب البيوت هنا الجلاء عنها ، وبأيديهم إشارة إلى أنهم هم السبب الموجب لهذا الجلاء حيث نقضوا عهد الرسول وميثاقه ، وأيدي المؤمنين تشير إلى أن المسلمين هم الذين أجلوا بني النضير عن ديارهم . وقال آخرون : ان بني النضير أفسدوا بيوتهم بأيديهم قبل الجلاء كيلا تقع سليمة في أيدي المسلمين ، وان المسلمين دكوا بأيديهم حصون بني النضير لينفذوا إليهم . . وهذا قريب ، والاعتبار يؤيده ، وظاهر

الآية يدل عليه ، ولا يتنافى مع المعنى الأول ، بل هو نتيجة للجلاء وأثر من آثاره {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصارِ} . الاعتبار هو رد الشيء إلى نظائره ، والحكم عليه بأمثاله ، وقد أجلى اللَّه بني النضير من ديارهم جزاء على خيانتهم ، فعلى العاقل أن يتعظ ويعتبر ويجتنب الغدر والخيانة لئلا يحل به ما حل بهم .

{ولَولا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ} . عذبهم اللَّه في الدنيا بالجلاء ولولا ذلك لعذبهم بالقتل والاستئصال كما فعل ببني قريظة . . وفي سائر الأحوال فلا نجاة لهم من عذاب السعير {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهً ورَسُولَهُ} . استحقوا عذاب الدنيا والآخرة لأنهم خالفوا اللَّه وتجاوزوا حدوده ، ونصبوا العداء لرسوله {ومَنْ يُشَاقِّ اللَّهً فَإِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ} . هذا تهديد ووعيد لكل متكبر جبار .

{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} - أي نخلة - {أَو تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ} . كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قد أمر أن تقطع بعض نخيل بني النضير ليغيظهم بذلك . . فظن البعض ان هذا نوع من التخريب ، فبين سبحانه ان كل ما وقع من قطع النخيل ، وما ترك منه بغير قطع فهو بأمر اللَّه ، وليس من عند الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، والقصد منه غيظ الكفار من أجل ما قطع ، وأيضا غيظهم من أجل ما بقي قائما من غير قطع حيث ينتفع به أعداؤهم .

وتجدر الإشارة إلى ان قطع الأشجار وما إليه أيام الحرب لا يجوز الأخذ به كمبدأ عام ، بل قد يجب القطع ، وقد يحرم تبعا لما تستدعيه مصلحة حرب العدو تماما كهدم الدور وقلع الأشجار أيام السلم يجوزان لشق الطرق - مثلا - ويحرمان من غير مبرر .

__________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص282-284.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تشير السورة إلى قصة إجلاء بني النضير من اليهود لما نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين، وإلى وعد المنافقين لهم بالنصر والملازمة ثم غدرهم وما يلحق بذلك من حكم فيئهم.

ومن غرر الآيات فيها الآيات السبع في آخرها يأمر الله سبحانه عباده فيها بالاستعداد للقائه من طريق المراقبة والمحاسبة، ويذكر عظمة قوله وجلالة قدره بوصف عظمة قائله عز من قائل بما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا.

والسورة مدنية بشهادة سياق آياتها.

قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} افتتاح مطابق لما في مختتم السورة من قوله: {يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}.

وإنما افتتح بالتنزيه لما وقع في السورة من الإشارة إلى خيانة اليهود ونقضهم العهد ثم وعد المنافقين لهم بالنصر غدرا كمثل الذين كانوا من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم، وبالنظر إلى ما أذاقهم الله من وبال كيدهم، وكون ذلك على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة ذيل الآية بقوله: {وهو العزيز الحكيم}.

قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} تأييد لما ذكر في الآية السابقة من تنزهه تعالى وعزته وحكمته، والمراد بإخراج الذين كفروا من أهل الكتاب إجلاء بني النضير حي من أحياء اليهود كانوا يسكنون خارج المدينة وكان بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد أن لا يكونوا له ولا عليه ثم نقضوا العهد فأجلاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وستأتي قصتهم في البحث الروائي التالي إن شاء الله.

والحشر إخراج الجماعة بإزعاج، و{لأول الحشر} من إضافة الصفة إلى الموصوف، واللام بمعنى في كقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78].

والمعنى: الله الذي أخرج بني النضير من اليهود من ديارهم في أول إخراجهم من جزيرة العرب.

ثم أشار تعالى إلى أهمية إخراجهم بقوله: {ما ظننتم أن يخرجوا} لما كنتم تشاهدون فيهم من القوة والشدة والمنعة {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله} فلن يغلبهم الله وهم متحصنون فيها وعد حصونهم بحسب ظنهم مانعة من الله لا من المسلمين لما أن إخراجهم منها منسوب في الآية السابقة إليه تعالى وكذا إلقاء الرعب في قلوبهم في ذيل الآية، وفي الكلام دلالة على أنه كانت لهم حصون متعددة.

ثم ذكر فساد ظنهم وخبطهم في مزعمتهم بقوله: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} والمراد به نفوذ إرادته تعالى فيهم لا من طريق احتسبوه وهو طريق الحصون والأبواب بل من طريق باطنهم وهو طريق القلوب {وقذف في قلوبهم الرعب} والرعب الخوف الذي يملأ القلب {يخربون بيوتهم بأيديهم} لئلا تقع في أيدي المؤمنين بعد خروجهم وهذه من قوة سلطانه تعالى عليهم حيث أجرى ما أراده بأيدي أنفسهم {وأيدي المؤمنين} حيث أمرهم بذلك ووفقهم لامتثال أمره وإنفاذ إرادته {فاعتبروا} وخذوا بالعظة {يا أولي الأبصار} بما تشاهدون من صنع الله العزيز الحكيم بهم قبال مشاقتهم له ولرسوله.

وقيل: كانوا يخربون البيوت ليهربوا ويخربها المؤمنون ليصلوا.

وقيل: المراد بتخريب البيوت اختلال نظام حياتهم فقد خربوا بيوتهم بأيديهم حيث نقضوا الموادعة، وبأيدي المؤمنين حيث بعثوهم على قتالهم.

وفيه أن ظاهر قوله: {يخربون بيوتهم} إلخ أنه بيان لقوله: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} إلخ، من حيث أثره فهو متأخر عن نقض الموادعة.

قوله تعالى: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار} الجلاء ترك الوطن وكتابة الجلاء عليهم قضاؤه في حقهم، والمراد بعذابهم في الدنيا عذاب الاستئصال أو القتل والسبي.

والمعنى: ولولا أن قضى الله عليهم الخروج من ديارهم وترك وطنهم لعذبهم في الدنيا بعذاب الاستئصال أو القتل والسبي كما فعل ببني قريظة ولهم في الآخرة عذاب النار.

قوله تعالى: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب} المشاقة المخالفة بالعناد، والإشارة بذلك إلى ما ذكر من إخراجهم واستحقاقهم العذاب لولم يكتب عليهم الجلاء، وفي تخصيص مشاقتهم بالله في قوله: {ومن يشاق الله} بعد تعميمه لله ورسوله في قوله: {شاقوا الله ورسوله} تلويح إلى أن مشاقة الرسول مشاقة الله والباقي ظاهر.

قوله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} ذكر الراغب أن اللينة النخلة الناعمة من دون اختصاص منه بنوع منها دون نوع، رووا: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بقطع نخيلهم فلما قطع بعضها نادوه: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال النخيل تقطع فنزلت الآية فأجيب عن قولهم بأن ما قطعوا من نخلة أو تركوها قائمة على أصولها فبإذن الله ولله في حكمه هذا غايات حقة وحكم بالغة منها إخزاء الفاسقين وهم بنو النضير.

فقوله: {وليخزي الفاسقين} اللام فيه للتعليل وهو معطوف على محذوف والتقدير: القطع والترك بإذن الله ليفعل كذا وكذا وليخزي الفاسقين فهو كقوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [الأنعام: 75].

قوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} إلخ، الإفاءة الإرجاع من الفيء بمعنى الرجوع، وضمير {منهم} لبني النضير والمراد من أموالهم.

وإيجاف الدابة تسييرها بإزعاج وإسراع والخيل الفرس، والركاب الإبل و{من خيل ولا ركاب} مفعول {فما أوجفتم} ومن زائدة للاستغراق.

والمعنى: والذي أرجعه الله إلى رسوله من أموال بني النضير - خصه به وملكه وحده إياه - فلم تسيروا عليه فرسا ولا إبلا بالركوب حتى يكون لكم فيه حق بل مشيتم إلى حصونهم مشاة لقربها من المدينة، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير وقد سلط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بني النضير فله فيئهم يفعل فيه ما يشاء.

_________________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص176-179.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

نهاية مؤامرة يهود بني النضير:

بدأت هذه السورة بتنزيه وتسبيح الله وبيان عزّته وحكمته، يقول سبحانه: {سبّح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.

وهذه في الحقيقة مقدّمة لبيان قصّة يهود بني النضير، اُولئك الذين إنحرفوا عن طريق التوحيد ومعرفة الله وصفاته، وبالإضافة إلى كونهم مغرورين بإمكاناتهم وقدرتهم وعزّتهم ويتآمرون على الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

التسبيح العامّ الوارد في الآية لجميع موجودات الأرض والسماء، أعمّ من الملائكة والبشر والحيوانات والنباتات والجمادات يمكن أن يكون بلسان «القال» ويمكن أن يكون بلسان «حال» هذه المخلوقات حول دقّة النظام المثير للعجب لها في خلق كلّ ذرّة من ذرّات هذا الوجود، وهو التسليم المطلق لله سبحانه والإعتراف بعلمه وقدرته وعظمته وحكمته.

ومن جهة اُخرى فإنّ قسماً من العلماء يعتقدون أنّ كلّ موجود في العالم له نصيب وقدر من العقل والإدراك والشعور، بالرغم من أنّنا لم ندركه ولم نطّلع عليه، وبهذا الدليل فإنّ هذه المخلوقات تسبّح بلسانها، بالرغم من أنّ آذاننا ليس لها القدرة على سماعها، والعالم بأجمعه منشغل بحمد الله وتسبيحه وإن كنّا غير مطّلعين على ذلك.

الأولياء الذين فتحت لهم عين الغيب يتبادلون أسرار الوجود مع كلّ موجودات العالم، ويسمعون نطق الماء والطين بصورة واضحة، إذ أنّ هذا النطق محسوس من قبل أهل المعرفة. (وهنالك شرح أكثر حول هذا الموضوع في تفسير الآية 44 من سورة الإسراء).

وبعد بيان المقدّمة أعلاه نستعرض أبعاد قصّة يهود بني النضير في المدينة حيث يقول سبحانه: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر}.

«حشر» في الأصل تحريك جماعة وإخراجها من مقرّها إلى ميدان حرب وما إلى ذلك، والمقصود منه هنا إجتماع وحركة المسلمين من المدينة إلى قلاع اليهود، أو إجتماع اليهود لمحاربة المسلمين، ولأنّ هذا أوّل إجتماع من نوعه فقد سمّي في القرآن الكريم بأوّل الحشر، وهذه بحدّ ذاتها إشارة لطيفة إلى بداية المواجهة المقبلة مع يهود بني النضير ويهود خيبر وأمثالهم.

والعجيب أنّ جمعاً من المفسّرين ذكروا إحتمالات للآية لا تتناسب أبداً مع محتواها، ومن جملتها أنّ المقصود بالحشر الأوّل ما يقع مقابل حشر يوم القيامة، وهو القيام من القبور إلى الحشر، والأعجب من ذلك أنّ البعض أخذ هذه الآية دليلا على أنّ حشر يوم القيامة يقع في أرض الشام التي اُبعد اليهود إليها، وهذه الإحتمالات الضعيفة ربّما كان منشؤها من وجود كلمة «الحشر»، في حين أنّ هذه الكلمة لم تكن تستعمل هذا بمعنى الحشر في القيامة، بل تطلق على كلّ إجتماع وخروج إلى ميدان ما، قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ } [النمل: 17].

وكذلك ما ورد في الإجتماع العظيم لمشاهدة المحاججة التي خاضها موسى(عليه السلام) مع سحرة فرعون حيث يقول سبحانه: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } [طه: 59].

ويضيف الباريء عزّوجلّ: {ما ظننتم أن يخرجوا وظنّوا أنّهم مانعتهم حصونهم من الله) لقد كانوا مغرورين وراضين عن أنفسهم إلى حدّ أنّهم اعتمدوا على حصونهم المنيعة، وقدرتهم الماديّة الظاهرية. إنّ التعبير الذي ورد في الآية يوضّح لنا أنّ يهود بني النضير كانوا يتمتّعون بإمكانات واسعة وتجهيزات وعدد كثيرة في المدينة، بحيث أنّهم لم يصدّقوا أنّهم سيغلبون بهذه السهولة، وذلك ظنّ الآخرين أيضاً.

ولأنّ الله سبحانه يريد أن يوضّح للجميع أن لا قوّة في الوجود تقاوم إرادته، فإنّ إخراج اليهود من أراضيهم وديارهم بدون حرب، هو دليل على قدرته سبحانه، وتحدّ لليهود الذين ظنّوا أنّ حصونهم مانعتهم من الله.

ولذلك يضيف ـ إستمراراً للبحث الذي ورد في الآية ـ قوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخرّبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} نعم، إنّ هذا الجيش غير المرئي هو جيش الخوف الذي يرسله الله تعالى في كثير من الحروب لمساعدة المؤمنين، وقد خيّم على قلوبهم، وسلب منهم قدرة الحركة والمقاومة، لقد جهّزوا وهيّأوا أنفسهم لقتال المهاجرين والأنصار غافلين عن إرادة الله تعالى، حيث يرسل لهم جيشاً من داخلهم ويجعلهم في مأزق حرج إلى حدّ ينهمكون فيه على تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم من المسلمين.

صحيح أنّ مقتل زعيمهم «كعب بن الأشرف» ـ قبل الهجوم على قلاعهم وحصونهم ـ كان سبباً في إرباكهم وإضطراب صفوفهم، إلاّ أنّ من الطبيعي أنّ مقصود الآية غير ما تصوّره بعض المفسّرين، فإنّ ما حدث كان نوعاً من الإمداد الإلهي للمسلمين الذين حصل لهم مرّات عديدة حين جهادهم ضدّ الكفّار والمشركين.

والطريف هنا أنّ المسلمين كانوا يخرّبون الحصون من الخارج ليدخلوا إلى عمق قلاعهم، واليهود كانوا يخرّبونها من الداخل حتّى لا يقع شيء مفيد منها بأيدي المسلمين، ونتيجة لهذا فقد عمّ الخراب التامّ جميع قلاعهم وحصونهم.

وذكرت لهذه الآية تفاسير اُخرى أيضاً منها: أنّ اليهود كانوا يخربونها من الداخل لينهزموا، أمّا المسلمون فتخريبهم لها من الخارج ليظفروا باليهود ويجهّزوا عليهم (إلاّ أنّ هذا الإحتمال مستبعد).

أو يقال إنّ لهذه الآية معنىً كنائي، وذلك كقولنا: إنّ الشخص الفلاني هدم بيته وحياته بيده، يعني أنّه بسبب جهله وتعنّته دمّر حياته.

أو أنّ المقصود من تخريب اليهود لبعض البيوت، هومن أجل إغلاق الأزقّة الموجودة داخل القلاع ومنع المسلمين من التقدّم ولكي لا يستطيعوا السكن فيها.

أو أنّهم هدموا قسماً من البيوت داخل القلعة حتّى إذا ما تحوّلت الحرب إلى داخلها يكون هنالك مكان كاف للمناورة والحرب.

أو أنّ مواد بناء بعض البيوت كان ثميناً فخرّبوها لكي يحملوا ما هو مناسب منها، إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب من الجميع.

وفي نهاية الآية ـ بعنوان إستنتاج كلّي ـ يقول تعالى: {فاعتبروا يا اُولي الأبصار}.

«اعتبروا» من مادّة (إعتبار) وفي الأصل مأخوذة من العبور، أي العبور من شيء إلى شيء آخر، ويقال لدمع العين «عبرة» بسبب عبور قطرات الدموع من العين، وكذلك يقال (عبارة) لهذا السبب، حيث أنّها تنقل المطالب والمفاهيم من شخص إلى آخر، وإطلاق «تعبير المنام» على تفسير محتواه، بسبب أنّه ينقل الإنسان من ظاهره إلى باطنه.

وبهذه المناسبة يقال للحوادث التي فيها دروس وعظات (عبر) لأنّها توضّح للإنسان سلسلة من التعاليم الكلية وتنقله من موضوع إلى آخر.

والتعبير بـ «اُولي الأبصار» إشارة إلى الأشخاص الذين يتعاملون مع الحوادث بعين واقعية ويتوغلون إلى أعماقها.

كلمة (بصر) تقال دائماً للعين الباصرة، و«البصيرة» تقال للإدراك والوعي الداخلي(2).

وفي الحقيقة أنّ «اُولي الأبصار» هم أشخاص لهم القابلية على الإستفادة من (العبر)، لذلك فإنّ القرآن الكريم يلفت نظرتهم للإستفادة من هذه الحادثة والإتّعاظ بها.

وممّا لا شكّ فيه أنّ المقصود من الإعتبار هو مقايسة الحوادث المتشابهة من خلال إعمال العقل، كمقارنة حال الكفّار مع حال ناقضي العهد من يهود بني النضير، إلاّ أنّ هذه الجملة لا ترتبط أبداً بـ «القياسات الظنّية» التي يستفيد منها البعض في إستنباط الأحكام الدينيّة.

والعجيب هنا أنّ بعض فقهاء أهل السنّة إستفادوا من الآية أعلاه لإثبات هذا المقصود، بالرغم من أنّ البعض الآخر لم يرتضوا ذلك.

والخلاصة أنّ المقصود من العبرة والإعتبار في الآية أعلاه هو الإنتقال المنطقي والقطعي من موضوع إلى آخر، وليس العمل على أساس التصوّر والخيال.

وعلى كلّ حال فإنّ مصير طائفة «بني النضير» بتلك القدرة والعظمة والشوكة، وبتلك الصورة من الإستحكامات القويّة، صار موضع (عبرة) حيث أنّهم إستسلموا لجماعة من المسلمين لا تقارن قوّاتها بقوّاتهم، وبدون مواجهة مسلّحة، بحيث كانوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم وتركوا بقيّة أموالهم للمسلمين المحتاجين، وتفرّقوا في بقاع عديدة من العالم، في حين أنّ اليهود سكنوا في المدينة من أجل أن يدركوا النبي الموعود الذي ورد في كتبهم، ويكونوا في الصفّ الأوّل من أعوانه كما ذكر المؤرّخون ذلك.

وبهذا الصدد نقرأ حديثاً ورد عن الإمام الصادق حيث يقول: «كان أكثر عبادة أبي ذرّ رحمه الله التفكّر والإعتبار»(3).

ومع الأسف فإنّ كثير من الناس يفضّلون تجربة الشدائد والمحن والمصائب بأنفسهم ويذوقوا مرارة الخسائر شخصيّاً، ولا يعتبرون ولا يتّعظون بوضع الآخرين وما يواجهونه في أمثال هذه الموارد، ويقول الإمام علي (عليه السلام) «السعيد من وعظ بغيره»(4).

وتضيف الآية اللاحقة {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذّبهم في الدنيا}.

وبدون شكّ فإنّ الجلاء عن الوطن وترك قسم كبير من رؤوس الأموال التي جهدوا جهداً بليغاً في الحصول عليها، هو بحدّ ذاته أمر مؤلم لهم، وبناءً على هذا فإنّ مراد الآية أعلاه أنّه لولم يحلّ بهم هذا العذاب، فإنّ بإنتظارهم عذاباً آخر هو القتل أو الأسر بيد المسلمين ... إلاّ أنّ الله سبحانه أراد لهم التيه في الأرض والتشرّد في العالم، لأنّ هذا أشدّ ألماً وأسىً على نفوسهم، إذ كلّما تذكّروا أرضهم وديارهم ومزارعهم وبساتينهم التي أصبحت بيد المسلمين. وكيف أنّهم شردوا منها بسبب نقضهم العهد ومؤامراتهم ضدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ ألمهم وحزنهم ومتاعبهم تضاعف وخاصّة على المستوى النفسي.

نعم، إنّ الله أراد لهذه الطائفة المغرورة والخائنة، أن تبتلى بمثل هذا المصير البائس.

وكان هذا عذاباً دنيوياً لهم، إلاّ أنّ لهم جولة اُخرى مع عذاب أشدّ وأخزى، ذلك هو عذاب الآخرة، حيث يضيف سبحانه في نهاية الآية {ولهم في الآخرة عذاب النار}.

هذه عاقبتهم في الدنيا والآخرة، وهي درس بليغ لكلّ من أعرض عن الحقّ والعدل وركب هواه، وغرّته الدنيا وأعماه حبّ ذاته.

وبما أنّ ذكر هذه الحادثة مضافاً إلى تجسيد قدرة الله وصدق الدعوة المحمّدية، فهي في نفس الوقت تمثّل إنذاراً وتنبيهاً لكلّ من يروم القيام بأعمال مماثلة لفعل بني النضير، لذا ففي الآية اللاحقة يرشدنا سبحانه إلى هذا المعنى: {ذلك بأنّهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقّ الله فإنّ الله شديد العقابْ(5).

«شاقّوا» من مادّة (شقاق) وهي في الأصل بمعنى الشقّ والفصل بين شيئين، وبما أنّ العدو يكون دائماً في الطرف المقابل، فإنّ كلمة (شقاق) تطلق على هذا العمل.

وجاء مضمون هذه الآية بإختلاف جزئي جدّاً في سورة الأنفال الآية 13، وذلك بعد غزوة بدر وإنكسار شوكة المشركين، والتي تبيّن عمومية محتواها من كلّ جهة، في قوله تعالى: {ذلك بأنّهم شاقوا الله ورسوله، ومن يشاقق الله ورسوله فإنّ الله شديد العقاب}.

والشيء الجدير بالملاحظة أنّ بداية الآية الكريمة طرحت مسألة العداء لله ورسوله، إلاّ أنّ الحديث في ذيل الآية إقتصر عن العداء لله سبحانه فقط، وهو إشارة إلى أنّ العداء لرسول الله هو عداء لله أيضاً.

والتعبير بـ {شديد العقاب) لا يتنافى مع كون الله «أرحم الراحمين» لأنّه في موضع العفو والرحمة فالله أرحم الراحمين، وفي موضع العقاب والعذاب فإنّ الله هو أشدّ المعاقبين، كما جاء ذلك في الدعاء: «وأيقنت أنّك أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة»(6).

وفي الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث نلاحظ جواباً على إعتراض يهود بني النضير على قطع المسلمين لنخيلهم ـ كما ورد في شأن النزول ـ بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتهيئة ظروف أفضل لقتال بني النضير أو لزيادة حزنهم وألمهم، فيضطرّوا للنزول من قلاعهم ومنازلة المسلمين خارج القلعة .. وقد أثار هذا العمل غضب اليهود وحنقهم، فقالوا: يامحمّد، ألم تكن الناهي عن مثل هذه الأعمال؟ فنزلت الآية الكريمة مبيّنة لهم أنّ ذلك من أمر الله سبحانه حيث يقول الباريء: {وما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على اُصولها فبإذن الله(7) وليخري الفاسقين).

«لينة» من مادّة (لون) تقال لنوع جيّد من النخل، وقال آخرون: إنّها من مادّة (لين) بمعنى الليونة التي تطلق على نوع من النخل، والتي لها أغصان ليّنة قريبة من الأرض وثمارها ليّنة ولذيذة.

وتفسّر (ليّنة) أحياناً بألوان وأنواع مختلفة من شجر النخيل، أو النخل الكريم، والتي جميعها ترجع إلى شيء واحد تقريباً.

وعلى كلّ حال فإنّ قسماً من المسلمين أقدموا على قطع بعض نخيل بني النضير، في الوقت الذي خالف البعض الآخر ذلك، وهنا نزلت الآية أعلاه وفصلت نزاعهم في هذا الموضوع(8).

وقال البعض الآخر: إنّ الآية دالّة على عمل شخصين من الصحابة، وقد كان أحدهم يقوم بقطع الجيّد من شجر النخل ليغضب اليهود ويخرجهم من قلاعهم، والآخر يقوم بقطع الرديء من الأشجار كي يبقي ما هو جيّد ومفيد، وحصل خلاف بينهم في ذلك، فنزلت الآية حيث أخبرت أنّ عملهما بإذن الله(9).

ولكن ظاهر الآية يدلّ على أنّ المسلمين قطعوا بعض نخل (اللينة) وهي نوع جيّد من النخل، وتركوا قسماً آخر، ممّا أثار هذا العمل اليهود، فأجابهم القرآن الكريم بأنّ هذا العمل لم يكن عن هوى نفس، بل عن أمر إلهي صدر في هذا المجال، وفي دائرة محدودة لكي لا تكون الخسائر فادحة.

وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان إستثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع .. والعمل أعلاه كان مرتبطاً بمورد معيّن حيث اُريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلك ـ وعادةً توجد إستثناءات جزئيّة في كلّ قانون، كما في جواز أكل لحم الميّت عند الضرورة القصوى والإجبار.

جملة {وليخزي الفاسقين) ترينا على الأقل أنّ أحد أهداف هذا العمل هو خزي ناقضي العهد هؤلاء، وكسر لشوكتهم وتمزيق لروحيّتهم.

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص59-66.

2 ـ المفردات للراغب.

3 ـ كتاب الخصال مطابق لنقل نور الثقلين، ج5 ص274.

4 ـ نهج البلاغة، خطبة 86.

5 ـ «من» شرطية وجزاؤها محذوف وتقديره: ومن يشاقّ الله يعاقبه فإنّ الله شديد العقاب.

6 ـ دعاء الإفتتاح (من أدعية شهر رمضان المبارك).

7 ـ «ما» في الآية أعلاه شرطية وجزاؤها (فبإذن الله).

8 ـ تفسير أبو الفتوح الرازي، ج11، ص93، وجاء هذا المعنى في الدرّ المنثور، ج9، ص188.

9 ـ تفسير الفخر الرازي، ج29، ص283.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الفكرية يقيم برنامج (صنّاع المحتوى الهادف) لوفدٍ من محافظة ذي قار
الهيأة العليا لإحياء التراث تنظّم ورشة عن تحقيق المخطوطات الناقصة
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول دور الجنوب في حركة الجهاد ضد الإنكليز
وفد جامعة الكفيل يزور دار المسنين في النجف الأشرف