سنبحث في هذا الموضوع أسس الميراث وأسبابه عند الرومان وسنحاول أخيراً تقويمه وكما يأتي:

1- أسس الميراث :

إن النظام الاجتماعي والاقتصادي عند الرومان يقوم على أساس سلطة رب الأسرة، فقد كان لرب الأسرة عندهم من السلطة والحقوق مالا يكاد يعرف له التاريخ مثيلاً عند غيرهم من  الأمم فكان له حقوق مطلقة على الأشخاص والأموال، مما أدى إلى تعسف رب الأسرة وبمرور الزمن تم تقييد هذه السلطة بقيود تحد من إستعمالها، إلا أن سلطة رب الأسرة بقيت سائدة برغم تقييدها(1). ومن أجل ذلك نجد أن لجنة الاثني عشر التي وضعت قانون الألواح الاثني عشر قد سارت في نظام الميراث على مبدأين:

الأول- المحافظة على بناءً الثروة في العائلة وحفظها من التفتت، لذلك حرموا أولاد البطون من الميراث فحرموا التوارث بين الأم وأولادها حرصاً على عدم تفتت الثروة وعدم انتقالها  إلى عائلات أخرى، وما ترثه الأم من ابيها يؤول إلى اخوانها وغيرهم من عصبتها بعد موتها ولايؤول إلى أولادها، لأنها من عائلة أخرى.

الثاني- المحافظة على كيان العائلات وعلى سلطة رب الأسرة، لذا حرموا من الميراث أولاد الظهور الذين زالت عنهم سلطة الآباء بسبب نبذه أو بيعه من قبل رب الأسرة(2).

2- أسباب الميراث

أسباب الميراث عند الرومان تنحصر في سببين : القرابة، وولاء العتاقة :

أ- القرابة : تعني كل ما ينسب إلى المتوفى بصلة الدم ويشمل الفروع والأصول والحواشي. والفروع عند الرومان يثبت نسبهم إلى الأصل بطرق عديدة منها أن يأتي الولد من زواج صحيح، أو أن يكون من زنا، أو أن يكون ولداً بالتبني، والتبني لا يكون إلا من الرجل أما النساء فليس لهن حق التبني لأنه لا ولاية لهن على أولادهن الحقيقيين فمن باب أولى أن لا يكون لهن حق التبني. فالمولود من هذه الأصناف المتقدمة يثبت نسبه من الرجل، ويكون له حق الميراث من أبيه(3). وفرع الميت يستأثر بالميراث سواءً أكان ذكراً، أو أنثى، للذكر مثل حظ الأنثى مستقلاً بشؤون نفسه أو تحت ولاية غيره، فتكون له الأولوية والتفضيل على جميع الأقارب الأخرين (الأصول والحواشي)، وحجب الفروع للأصول في الميراث يكون بالنسبة لرقبة الأموال، أما المنافع الأخرى التي تتولد من هذه الأموال فإنه يجوز للأصول الانتفاع بها مدى حياتهم وبعد موتهم تكون الأموال ومنفعتها للفروع، وإذا توفى واحد من هؤلاء الفروع في حياة أبيه وترك أولاداً فإن هؤلاء الأولاد يحلون في الميراث محل أبيهم ويرثون النصيب الذي كان يستحقه لو كان حيا عند وفاة ابيه(4). وإذا لم يترك الميت ورثة من الفروع، وسيد أعتقه إذا كان عبداً فإن تركته تؤول إلى أبويه وغيرهما من أصوله، ويحرم منها جميع أقربائه من الحواشي ويستثنى من ذلك الإخوة الأشقاء، فإنهم يشتركون مع الأب والأم، فيقتسمون التركة بينهم بالتساوي، ولا يفضل واحد منهم على غيره ولا فرق بين ذكورهم وإناثهم. وإذا مات عن أصول عديدة على قيد الحياة فإن التركة تؤول إلى أقربهم إليه ذكوراً، أو إناثاً دون تمييز بين الأجداد والجدات من جهة الأب أو من جهة الأم، وإذا تزاحم على التركة أصول عديدة من جهة الأب والأم فإن التركة تقسم بينهم مناصفة، فنصفها يكون للأصول من جهة الأب والنصف الآخر للأصول من جهة الأم(5). أما الحواشي فقد ذكرنا آنفاً أن الإخوة والأخوات الأشقاء يرثون مع وجود الأبوين، وإذا لم يترك الميت وارثاً من الفروع ولا الأصول، فإن تركته تؤول إلى الإخوة والأخوات الأشقاء، أما إذا لم يوجد أشقاء فالتركة للإخوة والأخوات لأب، وإذا توفى عن إخوة وأخوات وعن فروع لأخ آخر أو أخت أخرى توفيا قبله، فإن الفرع يقوم مقام أصله في الميراث، وعلى هذا الاساس يحجب الإخوة والأخوات الأشقاء وفروعهم الإخوة والأخوات لأب  أو لأم(6).

ب- ولاء العتاقة

يقصد بها الرابطة بين العتيق والسيد الذي منّ عليه بنعمة الحرية، ومركز السيد في ميراث عبده الذي أعتقه مركز قوي فهو أولى من أصول العتيق وعصبته إذ لا يتقدم عليه سوى فروع العتيق وحدهم، فهو أحياناً يرث التركة كلها، إذا لم يكن للعتيق ذرية ومات من غير وصية توزع بها أمواله، وتارة يرث نصف التركة، إذا كان للعتيق ذرية ولكنهم حرموا بمقتضى وصية، وتارة أخرى يكون له نصيب أحد أولاد العتيق إذا مات عن أقل من ثلاثة أولاد(7).

3- تقويم نظام الميراث عند الرومان

إن نظام الميراث لدى الرومان أكثر تقدماً من نظام الميراث عند اليهود، إذ أن الرومان حاولوا تحديد حصص للورثة، مما يسهل عملية التوزيع بين الورثة، كما أن هذا النظام أعطى للمرأة حقا في الميراث ، ومع ذلك نجد ان هناك ملاحظات عديدة على هذا النظام يمكن حصرها بما يأتي :

أ- إن هذا النظام ساوى في الميراث بين الذكر والانثى، وبذلك خالف الفطرة والعدالة...... .

ب- إن هذا النظام حصر أسباب الميراث بالقرابة، وولاء العتاقة، وهذا يعني أنه لم يجعل الزوجية سبباً من أسباب الميراث وفي هذا تجاهل للحقوق المتقابلة بين الزوجين وغض النظر عن العشرة والمودة والمشاركة في تكوين الأسرة وجمع ثروتها طيلة مدة الزواج.

جـ- ان هذا النظام ساوى في الميراث بين الولد الشرعي والولد المتبنى وولد الزنى بما يؤدي إلى تفكك المجتمع ورفع شأن الجريمة.

د- إن هذا النظام أعطى للسيد مركزاً قوياً في الميراث لا يتقدم عليه أحد سوى فروع الميت، بل أنه يرث بوصفه أحد أولاده إذا كانوا أقل من ثلاثة وفي ذلك غبن وظلم لأصوله وفروعه(8).

_________________________

[1]- انظر د. آدم وهيب النداوي، د. هاشم الحافظ، تاريخ القانون، بيت الحكمة، مطابع التعليم العالي، بغداد، 1989 ، ص130 وما بعدها.

2- انظر د. بدران أبو العينين ، أحكام التركات والمواريث في الشريعة الإسلامية والقانون ، مؤسسة شباب الجامعة ، الاسكندرية ، 1981 ، ص20.

3- انظر د. محمد يوسف موسى ، المصدر السابق ، ص53 وما بعدها.

4- انظر جوستنيان ، مدونة جوستنيان في الفقه الروماني ، نقلاً عن عبد العزيز فهمي، عالم الكتب، بيروت، 1946 ، ص324 وما بعدها.

5- انظر جوستنيان، المصدر السابق، ص326 وما بعدها.

6- أنظر د. محمد يوسف موسى، المصدر السابق، ص62 وما بعدها.

7- انظر محمد عبد المنعم بندر، عبد المنعم البدراوي، مبادئ القانون الروماني تاريخه ونظمه، دار الكتاب العربي ، القاهرة ، 1954 ، ص187 وما بعدها.

8- انظر د. بدران أبو العينين ، المصدر السابق ، ص23.