المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) حجّة الله يوم القيامة
2024-04-26
امساك الاوز
2024-04-26
محتويات المعبد المجازي.
2024-04-26
سني مس مربي الأمير وزمس.
2024-04-26
الموظف نفرحبو طحان آمون.
2024-04-26
الموظف نب وعي مدير بيت الإله أوزير
2024-04-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


بشار  
  
3933   01:46 مساءً   التاريخ: 7-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص148-156
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-06-2015 1560
التاريخ: 9-04-2015 1631
التاريخ: 25-12-2015 2322
التاريخ: 29-12-2015 2494

هو بشَّار بن برد، كان أبوه من سبي المهلَّب بن أبي صفرة حين كان واليًا على خُرَاسان من سنة 79 إلى 82 وَفَدَ على البصرة مع بعض الأسرى وأقام بها مع زوجه، وربما كانت رومية، وقد وُلد لهما بشار في العقد الأخير من القرن الأول للهجرة أعمى لا يبصر(1)، وحددت هذه الآفة حياته؛ إذ جعلته يتجه إلى مجالس العلماء والأدباء، وكان ذكيًّا؛ فأخذ يتعلم العربية، وساعده على ذلك مرباه في بني عقيل؛ إذ وهبته امرأة المهلب لإحدى صديقاتها منهم(2) وأيضًا فإنه حين أيفع تبدى حتى أدرك كما مر بنا في غير هذا الموضع، ويقال إن أباه طيَّانًا يضرب اللبن(3) وكان له أخوان احترفا مهنة الجزارة.
ولما استيقظت في بشار مواهبه الشعرية أخذ يغدو على المربد؛ فيستمع للفرزدق وجرير وأضرابهما، وتعرض لجرير يريد أن يرد عليه حتى يشتهر؛ ولكنه لم يأبه له. وظل يعنى بهذا الفن فن الهجاء، حتى يقال إنه كان سبب حتفه(4). ولا نشك أنه منذ نشأته كان يقصد سراة البصرة بمديحه، حتى يجلب لنفسه بعض المال. وأخذ يخالط علماء الكلام؛ فكان يصحب واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة، وأعدَّه ذلك لأن يتصل بآراء الزنادقة التي كان يرد عليها واصل وغيره من المتكلمين، كما أعدَّه لأن يعرف شيئًا من منطق اليونان وفلسفتهم؛ مما تسرب إلى تلك الجماعة، ولا نصل إلى سنة 126 للهجرة حتى يفسد ما بينه وبين واصل لما أظهره من زندقة سبق أن عرضنا لها، وأباح واصل دمه؛ ففر من البصرة ووفد على حران فمدح سليمان بن هشام بن عبد الملك، وتحول إلى واسط حين ولي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة؛ فلزمه وقدم له مدائح يتضح فيها تعصبه لقيس لأن الأمير كان قيسيًّا وكان هو ولاؤه أيضًا لقيس المضرية، وكذلك كان الخليفة مروان بن محمد مضري النزعة، فلجج في هذا الباب طويلًا. وتطورت الظروف، وتوفي واصل وقامت الدولة العباسية على رماح الخراسانيين؛ غير أنه لم يعد إلى البصرة إلا بعد وفاة عمرو بن عبيد خليفة واصل سنة 144 للهجرة(5)، وقد عاد ثائرًا، شاعرًا كأن الدنيا أقبلت عليه، واشتعلت الجذوة التي كانت خامدة في نفسه جذوة الشعوبية، ونسب نفسه في ملوك الفرس الأولين(6). ونراه مترددًا إزاء الخلفاء العباسيين؛ لما قدَّم سابقًا من شعره في يزيد بن عمر بن هبيرة ومروان بن محمد. ولعل ذلك ما جعله يحس بشيء غير قليل من الفرح حينما نشبت ثورة إبراهيم بن عبد الله على المنصور في البصرة سنة 145 للهجرة؛ فأسرع يمدحه بميمية فضَّلها الأصمعي على ميميتي جرير والفرزدق، ولما أخفقت الثورة أنكرها بشار، وحذف منها أبياتًا، وأظهر أنها قالها في عدو المنصور أبي مسلم، وكان أولها.
أبا جعفر ما طول عيش بدائم ... ولا سالم عما قليل بسالم
فقال: "أبو مسلم" بدلًا من "أبي جعفر"(7)، ونراه يكثر من وفادته على خالد ابن برمك في أثناء ولايته على فارس، فيقر به منه ويبذل له أموالًا كثيرة(8)، وكذلك كان يصنع ممتدحوه من ولاة البصرة وعلى رأسهم عقبة بن سلم الهنائي. ولما علا نجم خالد وابنه يحيى في عصر المهدي رأيناه يفد على الخليفة يمدحه؛ فيقر به منه ويحضره مجالسه، ويعلم بما في شعره من الرفث في الغزل وأنه يصرح فيه بأشياء تفسد الشباب، فينهاه عن ذلك، ويشكو في شعره من هذا النهي كثيرًا. ولا تلبث الأخبار أن تتواتر على سمع المهدي بزندقته، فيأمر بقتله، يقول ابن المعتز:
"
وقيل: بل قيل للمهدي إنه يهجوك فقتله، والذي صح من الأخبار في قتل بشار أنه كان يمدح المهدي، والمهدي ينعم عليه، فرمي بالزندقة، فقتله، قيل: ضربه سبعين سوطًا فمات، وقيل بل ضرب عنقه. وكانت وفاته سنة سبع وقيل ثمانٍ وستين ومائة(9)".
وواضح أن عوامل متشابكة أثرت في شخصية بشار الأدبية؛ فقد كان مولى، وكان يحس بعمق أنه قن ابن قن وأنه من أسرة فقيرة متخلفة في المجتمع، فانطوى على مرارة ولَّدت فيه ميلا قويًّا إلى العُدوان، وقد ورث عن جنسه الفارسي مزاجًا حادًا واندفاعًا شديدًا نحو المتع الحسية وضاعف ذلك عنده أنه كان مكفوفًا؛ فعدت وسيلته إلى الجمال والإحساس به حسية: سمعية ولمسية، وغزله من هذه الناحية يصور أثار فقده لبصره وما تتركه حواس السمع واللمس والشم من آثار في نفوس المكفوفين. واندمج في هذه المكونات الشخصية والجنسية مكوِّن البيئة وما كانت تكتظ به من دور الرقيق والجواري والإماء. ِ كل ذلك دفعه لصراحة صريحة في غزله وخمره، وهي صراحة وجد فيها رجال الدين من وعاظ البصرة خطرًا على المجتمع؛ فقاوموه مقاومة عنيفة(10) وبلغ من شدة هذا الخطر أن تدخل المهدي وحاول أن يرده عن هذا الطريق(11) ولكن الموجة كانت حادة، ودخل فيها جمهور الشعراء لا في البصرة وحدها، بل في الكوفة أيضًا وفي بغداد، وكان الجواري وغناؤهن من أهم ما يروج لها، إذ اتَحْنَ لهذا الشعر الماجن الجديد انتشارًا واسعًا، وكن يبعن وينتقلن من العراق إلى الحواضر العربية؛ فكن يحملنه في حقائبهن ويذعنه في كل مكان.
واشتركت الثقافات الأجنبية والعربية في تكوين شخصية بشار؛ فقد كان يجالس المتكلمين كما قدمنا، كما كان يجالس من يعرفون زندقة الفرس ودهرية الهند وآراءهم في التناسخ، ويجمع ذلك كله قول صاحب الأغاني: "كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وبشار الأعمى وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء ورجل من الأزد -يعني جرير بن حازم- فكانوا يجتمعون في منزل الأزدي ويختصمون عنده، فأما عمرو وواصل فصارا إلى الاعتزال. وأما بشار فبقي متحيرًا مخلَّطًا، وأما الأزدي فمالَ إلى قول السُّمَنِيَّة وهو مذهب من مذاهب الهند الدهرية يقول أصحابه "بتناسخ الأرواح"(12) وأكبر الظن أن بشارًا لم يظل متحيرًا طويلًا؛ فقد اعتنق الزندقة(13) كما اعتنقها صالح وابن أبي العوجاء وقتلوا بها جميعًا لعهد المهدي. والمهم أن بشارًا كان واقفًا على معارف عصره وثقافته الدخيلة وكان لها تأثير واسع فيه، حتى آمن بما يقول به المانوية والمزدكية. وربما كان أهم ثقافة أثرت في شعره هي الثقافة العربية التي هيأته للتفوق في فن الشعر، وساعدته في ذلك نشأته اللغوية، واختلافه إلى المربد، وأيضًا خروجه إلى البادية حتى يأخذ اللغة من ينابيعها الأصلية. وبذلك تحولت إليه السليقة اللغوية العربية تحولًا لفت إليه الأنظار، حتى كان لا يقول ما يُسْتَكْره في شعره(14)؛ بل حتى كان يميز تمييزًا دقيقًا بين جيد الشعر ورديئه وصحيحه ومنحوله(15):
وكثير في حياة بشار يملأ نفوسنا عليه ازدراء؛ فنحن نزدري فجره وتهتكه وفسقه وزندقته وشعوبيته، وقد لقي عند المهدي جزاءه وإن جاء متأخرًا. غير أننا إذا تركنا هذه الجوانب السيئة في حياته إلى شعره وجدنا معاصريه ومن جاءوا بعدهم يجمعون على أنه هو الذي نهج للعباسيين طريقتهم الجديدة، وهي طريقة كانت تعتمد اعتمادًا شديدًا على الأصول التقليدية للشعر القديم، حتى لتبدو فيه نزعة محافظة وخاصة في مدائحه، فإن الإطار فيها لا يختلف عن الإطار القديم إلا قليلًا؛ إذ يستوفي فيها قيم التعبير الجزلة وكل ما تقتضيه الجزالة من رصانة وقوة في البناء، ومعنى ذلك أن بشارًا الفارسي الجنس قد أثر فيه مرباه العربي حتى أصبح عربيًّا خالصًا في أسلوبه وتعبيره. ولا يعني ذلك أنه كان غائبًا في مديحه عن عصره؛ فهو يزاوج بين الماضي والحاضر: يصف الأطلال والصحراء ولكن بذوق حضري جديد فيه رقة، وفيه دقة في استنباط المعاني وتوليدها. إنه ربيب بيئة المتكلمين، وقد أخذ عنهم قدرتهم في بسط الأدلة وتفصيل الأفكار وتفريعها وتشعيب المعاني وتشقيقها، كما أخذ عن الفرس أمثالهم وحكمهم، وتحول إلى معاني الشعر الجاهلي يستخرج منها ما لا يحصى من خواطر، ويستطيع أن يتبين ذلك كل من يقرأ مديحه؛ فنسيجه العام قديم، ولكن خيوطًا كثيرة جديدة تلمع في هذا النسيج، حتى في نماذجه الموغلة في التشبه بالبدو، ونقصد الأراجيز، مثل أرجوزته التي سبق أن تحدثنا عنها والتي نظمها تحديًّا لعقبة بن رؤبة إذ نراه يقول في تشبيهها(16):
صدت بخد وجلت عن خد ... ثم انثنت كالنَّفَسِ الْمُرْتَد

ويُدخل في نسيجها بعض الحكمة؛ فيقول:
الحر يلحى والعصا للعبد ... وليس لملحف مثل الرد(17)
وصاحب كالدُّمَّل الممد ... حملته في رقعة من جلدي
وينتقل إلى المديح فيصف ممدوحه بالشجاعة والكرم على طريقة العرب ويقول في تضاعيف ذلك
ما كان مني لك غيرُ الوُدِّ ... في ثناء مثل ريحِ الوردِ
وبمثل هذه الخيوط الجديدة يختلف مديح بشار عن المديح القديم؛ فالقصيدة في الظاهر توغل في التمسك بإطار القدماء ومعانيهم، وفيها مع ذلك كثير من عقل بشار وذوقه وبراعته في التصوير ويضرب القدماء لتلك البراعة مثالًا: أنه ما زال يدبر في نفسه بيت امرئ القيس في وصف العقاب:
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي(18)
حتى قال في المديح:
كأن مُثارَ النقعِ فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه(19)
وإذا تركنا مديحه إلى فخره وجدنا فيه نفس متانة البناء ونفس الصياغة الباهرة التي تميز بها شعراء العرب السابقين من أمثال زهير والنابغة وجرير، وإنه ليضيف إلى معانيه مبالغة تزيدها جمالًا على شاكلة قوله مفتخرًا بقيس مواليه في ميميته المشهورة(20):
إذا ما غضبنا غضبة مُضَريَّةً ... هتكنا حجابَ الشمسِ أو تمطر الدَّما
وكنا نتمنى أن لو ظل يفتخر بالعرب وأن لا ينقلب مع الثورة العباسية يفتخر بآبائه من الفرس؛ حتى لا يؤذينا في فخره بشعوبيته، وكان حريًا به أن يظل مؤمنًا بالعرب الذين أورثوه هذا الفن الجميل.
وتطور الهجاء عنده على هدي الأمثال الفارسية القصيرة، إذا استطاع هو وصاحبه حماد عجرد أن يحدثا فيه هذا النمط القصير الذي سبق أن عرضنا له، وقلنا إنه كان يقوم على القذف في الأعراض والاتهام بالزندقة والإلحاد، مع أنهما كانا جميعًا زنديقينِ ملحدين، ويصور بشار هجاءه فيقول:
تزل القوافي عن لساني كأنها ... حمات الأفاعي ريقُهن قضاءُ(21)
ويقول الجاحظ في المفاضلة بينه وبين خصمه: "وما كان ينبغي لبشار أن يناظر حمادًا من جهة الشعر وما يتعلق بالشعر؛ لأن حمادًا في الحضيض وبشار مع العيُّوق(22)، وليس في الأرض مولَّد قروي يعد شعره في المحدث إلا وبشار أشعر منه"(23).
وإذا تحولنا إلى الغزل عند بشار وجدناه فيه يعكف على نماذج القدماء شأنه في كل شعره؛ فهو يقرأ الغزل الجاهلي ويقرأ غزل عصر بني أمية عند عمر بن أبي ربيعة وأضرابه من أهل مكة والمدينة وعند جميل بثينة وأضرابه من شعراء نجد وبوادي الحجاز، وبذلك يعرف معرفة دقيقة شعر الأطلال والوصف الحسي للمرأة عند الجاهليين، كما يعرف شعر عمر وأمثاله مما يصور قصة الحب ووقائعه وحياته وموته وما يُشْفَعُ به من بعض الحرية، كما يعرف شعر العُذْريين وما يكسوه من عفه وطهر، ويحول كل ذلك إلى غزله. ولا يقف عنده، بل يضيف إليه إثمه ومجونه، وكل ما رفدته بيئته به من أسباب العبث التي زخر بها جو المجتمع العباسي وما أذاعه فيه الإماء والجواري من مجون. وكان بشار لا يأبَه للقيم الخلقية والدينية، وكان ضريرًا، فاعتمد على حاستي السمع واللَّمس في غزله، ولعل من الطريف أنه يصرح بذلك في مثل قوله(24):
يا قوم أذْني لبعض الحي عاشقةٌ ... والأُذْنُ تعشقُ قبل العينِ أحيانا
ولا يصبح الغزل عنده في أكثر جوانبه حسيًّا فحسب، بل يصبح ضربًا من نداء الغريزة النوعية بصورة ليس فيها أدني احتشام؛ بل فيها غير قليل من العدوان على المجتمع وآدابه. ولا نبالغ إذا قلنا إنه هو الذي دفع الشعراء من بعده إلى التمادي في تصوير المتاع الحسي، حتى الشاذ منه على نحو ما هو معروف عند أبي نُواس. وحقًّا قد نقرأ عنده غزلًا يحتفظ فيه بكرامته وكرامة المرأة من مثل قوله(25):
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكَرَى طيف ألم
نَفِّسي عني قليلًا واعلمي ... أنني يا عَبدَ من لحم ودم
إن في بُرديَّ جِسْمًا ناحلًا ... لو توكأتِ عليه لانهدم
ولكن كثرة الغزل المادي الصريح عنده طغت على مثل هذه الأبيات التي كان يشكو فيها الصبابة وتباريح الحب. وينبغي أن نعرف أنه مع ماديته في غزله كان لا يزال يستقي من غزل القدماء ومعانيه، ولا يزال يتتبع حتى صورهم فيصوغها صياغة جديدة تلائم رقة عصره؛ فقد روى الرواة أنه أنشد قول كثير:
ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكفِّ تلينُ
فقال: والله لو زعم أنها عصا مخ أو عصا زبد، لقد كان جعلها جافية خشنة بعد أن جعلها عصا، ألا قال:
ودعجاء المحاجر من معدٍّ ... كأن حديثها ثمرَ الجنانِ
إذا قامت لمشيتها تثَنَّتْ ... كأن عظامَها من خيزَرانِ(26)
ومعنى ذلك أن بشارًا كان يستغل صور الغزل القديم، وكان يستغل أيضًا معانيه، ومن خير ما يصور ذلك وقوفه عند طول الليل والسهاد فيه الذي طالما ذكره الجاهليون والإسلاميون؛ فقد عرضه في معارض مختلفة، تارة يقول(27):
النَّجْمُ في كَبِدِ السَّمَاءِ كأنَّهُ ... أعمى تحيَّرَ ما لديهِ قائدُ
ويقول تارة ثانية(28):
خليليَّ ما بال الدُّجى ليس يبرحُ ... وما بال ضوءِ الصبحِ لا يتوضحُ
أضلَّ الصباحُ المستنيرُ طريقَهُ ... أم الدهر ليلٌ كلُّه ليس يبرحُ
ويقول تارة ثالثة(29):
كأن جفونَه سملت بشوك ... فليس لنومه فيها قرار
أقولُ وليلتي تزدادُ طولًا ... أما لليل بعدهم نهارُ
جفَّت عيني عن التغميضِ حتى ... كأن جفونَها عنها قصارُ
وعلى هذه الشاكلة لا يزال يدير المعاني القديمة في ذهنه ويولد منها ويستخرج طرائف رائعة، وعلي الرغم من أنه كان مكفوفًا كان يحسن الوصف حتى ليقول الأصمعي: "إنه ما نظر إلى الدنيا قط، وكان يشبه الأشياء بعضها ببعض في شعره، فيأتي بما لا يقدر البصراء أن يأتوا بمثله"(30) ومن وصفه البديع لإحدى المغنيات قوله(31):
وصفراءُ مثل الخيزرانة لم تعشْ ... ببؤس ولم تركب مطية راعِ
تصلِّي لها آذاننا وعيوننا ... إذا ما التقينا والقلوبُ دواعِ
جرى اللؤلؤ المكنون فوق لسانِها ... لزوَّارها من مزهرٍ ويَرَاعِ(32)
إذا قلدت أطرافها العود زلزلت ... قلوبًا دعاها للوساوسِ داعِ
كأنهم في جنة قد تلاحقت ... محاسنُها من روضةٍ ويفاعِ(33)
يروحون من تغريدِها وحديثِها ... نشاوى وما تسقيهم بصواعِ(34)
لعوبٌ بألباب الرجال وإن دَنَتْ ... أطيع التُّقى والغيُّ غيرُ مُطاعِ
وفي كل مكان من غزله نجد أثر الحضارة في رقة حِسِّه؛ سواء حين يصف حنينه وحرمانه وصدود محبوباته أو حين يصور لقاءه لهن ووداعهن أو ذكرياته معهن على شاكلة قوله(35):
لقد كان ما بيني زمانًا وبينها ... كما بين ريحِ المسكِ والعنبرِ الوردِ
وقوله(36):
عندها الصبر عن لقائي وعندي ... زفرات يأكلن قلب الجليدِ
ولعل في كل ما قدمنا ما يوضح كيف كانت صنعة بشار في شعره تقوم على الموازنة الدقيقة بين العناصر التقليدية في الشعر العربي والعناصر التقليدية المستمدة من الحضارة والثقافة المعاصرة. وثَبَّتَ بشار هذه الطريقة؛ بحيث أصبحت منهجًا عامًّا للشعراء من بعده، وبحيث عدَّ بحق زعيم المجددين؛ فهو الذي نهج لهم هذا النهج من التطور بالشعر العربي تطورًا لا تنقطع الصلة فيه بين حاضره وماضيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-أغاني 3/136، 141، وانظر: طبقات الشعراء ص222.
2- أغاني 3/ 136.
3- أغاني 3/ 137.
4- أغاني 3/ 245.
5- البيان والتبيين 1/25.  

 6- أغاني 3/ 138، والديوان 1/ 73.
7-أغاني 3/ 156- 158، وانظر 3/ 213، 214.
8- أغاني 3/ 202، وانظر 3/ 173، 184، 192.
9- طبقات الشعراء، ص21.  

 10- أغاني 3/ 170.
11- أغاني 3/ 182.
12-أغاني 3/ 146.
13- أغاني 3/ 145، وانظر: البيان والتبيين 1/ 16 وما بعدها.  

14- أغاني 3/ 149
15-أغاني 3/ 143
16- أغاني3/ 175، وديوان بشار "طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر" 2/ 218.

  17- يلحى: يُلام.
18- العناب: ثمر أحمر، أو هو عنب الثعلب، والحشف: ما يَبُس من التمر.
19-أغاني 3/ 196، والنقع: الغبار.
20- أغاني 3/ 162.     

 21- الديوان 1/ 129، والحيوان 4/ 261، والحمات: أنياب الأفعى
22- العيوق: نجم أحمر في طرف المجرة، يضرب به المثل في العلو.
23- الحيوان 4/ 453.
24- طبقات الشعراء، ص29.     

25- أغاني 3/ 150، وما بعدها.
26- أغاني 3/ 154.
27- انظر التبيان شرح ديوان أبي الطيب المتنبي للعُكْبَري، طبعة الحلبي، 2/ 72.
28- الديوان 2/ 104.
29-الديوان 3/ 249.   

 30- أغاني 3/ 142.
31-أمالي المرتضى 2/ 139.
32- "يراع" هنا: مزمار
33-اليفاع: المرتفع من الأرض.
34-"الصواع" هنا: الجام يشرب فيه.
35- أمالي المرتضى 2/ 64، والديوان 2/ 314.
36- الديوان 2/ 272.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.


اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحسيني الثاني عشر في جامعة بغداد تعلن مجموعة من التوصيات
السيد الصافي يزور قسم التربية والتعليم ويؤكد على دعم العملية التربوية للارتقاء بها
لمنتسبي العتبة العباسية قسم التطوير ينظم ورشة عن مهارات الاتصال والتواصل الفعال
في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية