المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8830 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
لا عبادة كل تفكر
2024-04-27
معنى التدليس
2024-04-27
معنى زحزحه
2024-04-27
شر البخل
2024-04-27
الاختيار الإلهي في اقتران فاطمة بعلي (عليهما السلام)
2024-04-27
دروس من مدير ناجح
2024-04-27

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


في رحاب المرتضى "عليه السّلام" (ج3)  
  
2024   02:30 صباحاً   التاريخ: 18-7-2022
المؤلف : مركز المعارف للمناهج والمتون التعليميّة
الكتاب أو المصدر : سيرة الأئمة عليهم السلام دروس في الحياة الأخلاقيّة والتربويّة والسياسيّة
الجزء والصفحة : ص57-69
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) /

الإمام عليّ عليه السلام من الخلافة إلى الشهادة

1- الإمام عليّ عليه السلام والشورى:

عيّن عمر بن الخطاب قبيل وفاته ستّة أعضاء للشورى، ينتخبون الخليفة من بينهم، وهم: الإمام عليّ عليه السلام، عثمان بن عفّان، عبد الرحمان بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، وطلحة والزبير.

وقد حدّد عمر للأعضاء كيفيّة الانتخاب، حتّى إذا تساوت الأصوات رجّحت كفّة الفريق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف. ويوضّح الإمام عليّ عليه السلام واقع الحال في حديثه مع عمّه العبّاس عندما استفسره، فبادره قائلاً: "يا عمّ، لقد عُدِلَتْ عنّا"، فقال العبّاس: من أعلمك بذلك؟ فقال عليه السلام: "قُرِن بي عثمان، وقال عمر: كونوا مع الأكثر، فإن رضيَ رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الّذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون، فيولّيها عبد الرحمن عثمان أو يولّيها عثمان عبد الرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني"[1].

وحصل ما كان تفرّسه أمير المؤمنين عليه السلام، فبعد كثير من الجدال والنزاع قال عبد الرحمن للإمام عليه السلام: "أبايعك على كتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه وسيرة الشيخين"، فرمقه الإمام عليّ عليه السلام وعرف غايته، فأجابه وقال: "بل على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه واجتهاد رأيي"، فعدلوا البيعة عنه وولّوها عثمان‏[2].

ثم بيّن الإمام للناس خطأهم مرّة ثانية، فقال: "أيّها الناس، لقد علمتم أنّي أحقّ بهذا الأمر من غيري، أما وقد انتهى الأمر إلى ما ترون، فواللَّه لأُسلمنّ ما سَلِمَتْ أمور المسلمين، ولم يكن فيها جَور إلّا عليّ خاصّة"[3].

إنّ مثل هذا الموقف لهو حقّاً مدعاة للتعجّب والفخر بالانتساب إلى إمام الحقّ والقيم عليّ عليه السلام، ومع أنّه كان الأوفر حظّاً من بين الجميع في وصوله إلى الخلافة، لكنّ العقبة كانت مستبطنة في كلام عبد الرحمن "سيرة الشيخين"، فلو أنّ عليّاً عليه السلام قَبِل بكلامه لصار خليفة وسُوّي الأمر، لكن لا! هيهات أن يقبل إمام الحقّ شرط كهذا! ولو صُوريّاً. فلمّا كان هدف الإمام عليّ عليه السلام إقامة حكومة العدل والقيم الإلهيّة لا يمكنه أن يقبل بالخلافة كيفما كان وأن يساير أو يداهن، فالخلافة ليست بشيء بالنسبة إلى عليّ إن لم تخدم أهدافه الإلهيّة، لذا بيّن عليه السلام المعيار الذي يقبل على أساسه خلافة الناس (كتاب اللَّه، سنّة النبيّ واجتهاد).

2- مبايعة الناس للإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

بعد الأحداث التي جرت في خلافة عثمان وقيام جماعة من الناس عليه، بعد أن وجدوا تسلّط جماعة من بني أميّة على رقاب الناس، حيث كانوا ينهبون أموال المسلمين، وبعد مقتل عثمان، تهافت الناس إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام للمبايعة، لكنّ الإمام عليه السلام رفض غير مرّة، لأنّه كان يرى أنّ الظرف غير مناسب لقبول الخلافة بهذه الحالة التي وصلت إليها، فالناس غير مستعدّة لقبول حكمه العادل، فقال: "دعوني والتمسوا غيري، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الآفاق قد أغامت، والحجّة قد تنكّرت، واعلموا أنّي وإن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّي أميراً"[4].

إنّ هذا البيان الجامع من أمير الكلام يحمل سبب عدم قبول الإمام عليّ عليه السلام بدايةً للبيعة، فقد بيّن عليه السلام أنّ خلافته وولايته ليستا بالأمر المطاق لبعض الناس، لأنّه إن حكم فلن يحكم إلّا بالعدل العلويّ الإلهيّ! فهو بكلامه هذا أتمّ الحجّة على الناس من جهة، ومن جهة أخرى بيّن للناس أنّ تولّيه عليهم ليس بالأمر السهل، ولن يطبّق فيه إلّا الإرادة الإلهيّة. وما دام الناس في ذلك المستوى من ضياع المعايير والانحطاط، وما داموا غير مستعدّين لهذا الحكم الإلهيّ فهو لهم وزير خير لهم منه أمير!

لكنّ الناس لم تقبل اعتذاره عليه السلام وكثر توافد المسلمين على الإمام عليّ عليه السلام وازدحامهم عليه، واكتظّت داره بهم، وازداد إصرارهم عليه، تنفيساً عن عناء الاضطهاد السابق، وشوقاً إلى العدالة، فعاد الإمام عليه السلام وقبل التولّي عليهم. ويصف الإمام عليّ عليه السلام تلك البيعة، فيقول: "وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثمّ تداككتم عليّ تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتّى انقطعت النعل، وسقط الرداء، ووُطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل"[5].

وهكذا تمّت بيعة الإمام عليّ عليه السلام من قبل الناس، تلك البيعة التي لا مثيل لها في التاريخ الإسلاميّ، وبدأت معها مرحلة حكم السماء، حكم الولاية التي لم يكتب لها البقاء إلّا أربع سنوات وبضعة أشهر.

3- بعض إنجازات حكومة الإمام عليّ عليه السلام[6]:

على الرغم من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد واجه عقبات في أيّام خلافته، إلّا أنّه استطاع - بلا شكّ - أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة وَفق تعاليم الإسلام ومعاييره، وقد طبق العديد من الإصلاحات حتّى في تلك الظروف الصعبة والمدّة القصيرة التي لم تتجاوز 4 سنوات و9 أشهر، والتي نذكر بعضها بإيجاز:

1- الإصلاح الاجتماعيّ والاقتصاديّ:

كانت أوّل مسألة قام بها الإمام عليه السلام هي ضرب النظام الطبقيّ الذي خلّفته السياسات الخاطئة قبله، فطبّق مبدأ المساواة في العطاء، حيث قال: "وأيّما رجلٍ استجاب للَّه وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم فصدّق ملّتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد اللَّه، والمال مال اللَّه، يقسم بينكم بالسويّة"[7]. كذلك، فقد استرجع عليه السلام الأموال المنهوبة في السنوات التي مضت، حيث يقول: "ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال اللَّه فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي‏ء، ولو وجدته قد تزوّج به النساء وفرّق في البلدان لرددته، فإنّ في العدل سَعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق"[8].

2- الإصلاح الإداري:

اختار الإمام عليه السلام ولاة جدداً على أسس موضوعيّة لا تعتمد على الحسابات الشخصيّة والفئويّة، ونقل مركز الخلافة من المدينة المنوّرة إلى الكوفة، الأمر الذي كان له أبعادٌ استراتيجيّة متعلّقة بتحديّات العصر.

3- الإصلاح الدينيّ والثقافيّ:

حدّد الإمام عليه السلام أسباب الانحراف بكلمة مختصرة قال فيها:

"وَإِنَّمَا ابْتِدَاءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فيها حُكْمُ اللَّه، يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً، وَتَبَرَّأُ رِجَالٌ مِنْ رِجَالٍ. أَلَا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَإِنَّ الْبَاطِلَ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ذِي حِجًى، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ ومِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَيُحْسَبَانِ مَعاً، فَهُنَالِكَ اسْتَوْلَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى"‏[9]. وقام من أجل هذا الإصلاح بخطوات، منها: فتح باب العلم والحوار بأمور الدين، فهو القائل: "سلوني قبل أن تفقدوني"[10]، والاهتمام بقراءة القرآن، وربطه بالسنّة النبويّة الشريفة، والاهتمام بالتدوين، وهو القائل: "قيّدوا العلم، قيل: وما تقييده؟ قال: كتابته"[11].

4- القتال في ثلاث جبهات:

إنّ تطبيق العدل العلويّ ولمدّة وجيزة جدّاً لم يَرُقْ للكثير من الناس والوجهاء وأتباع الهوى، وقد أدّت الإصلاحات وسيادة الدين في عهده عليه السلام إلى نشوب العديد من المعارضات المناوئة، وانتهت هذه المعارضات إلى حدوث ثلاث حروب مع الناكثين والقاسطين والمارقين، سنمرّ على كلٍّ منها مروراً سريعاً:

أ- قتال الناكثين[12]: وقد كان سبب هذه الحرب مع الناكثين (ناقضي العهد) هو أنّ طلحة والزبير اللّذَين بايعا الإمام عليّاً قد طلبا منه أن يولّيهما أعمال البصرة والكوفة، ولكنّ الإمام رفض ذلك، فتركا المدينة سرّاً والتجآ إلى مكّة وجيّشا جيشاً بأموال بيت المال المختلس من قبل بني أُميّة وبمساعدة عائشة، وانطلقا نحو البصرة واستوليا عليها، فتحرّك الإمام عليّ عليه السلام تاركاً المدينة لمعالجة أمر الناكثين، فحدثت حرب طاحنة قرب البصرة انتهت بانتصار الإمام عليّ وهزيمة الناكثين، وتُسمّى "حرب الجمل" التي كان لها مساحة كبيرة في التاريخ، والتي اندلعت سنة 36 هجريّة.

ب- قتال القاسطين[13]: كان معاوية قد أعدّ منذ فترة سبقت خلافة الإمام عليّ عليه السلام مقدّمات الخلافة لنفسه في الشام، ولم يرضَ بعزل الإمام عليّ عليه السلام له. وكان حصيلة هذا النزاع أن تقاتل جيش العراق وجيش الشام في أرض تُدعى صفّين، وكان الانتصار لجيش الإمام عليّ عليه السلام، لكن حصل تمرّد في جيش الإمام من قبل من عرف فيما بعد بالخوارج، وذلك بعد خديعة معاوية وأمره جيشه برفع المصاحف على الرماح، والتفاوض. وفي النتيجة، وبعد الضغط الكبير على الإمام عليّ عليه السلام من قِبَل جيشه، والذي كان سيؤدّي إلى الانشقاق وقتل الإمام عليه السلام، قبل بتحكيم أبي موسى الأشعريّ وعمرو بن العاص، ثمّ خدَعَ موفدُ معاوية عمرو بن العاص موفدَ جيش الإمام عليه السلام أبي موسى، وأعلن معاوية خليفة. وبعد ذلك خرج بعض من المسلمين الذين كانوا في صفّ الإمام عليه السلام، وانتقدوه لقبوله التحكيم الذي فرضوه هم أنفسهم عليه، فسُمُّوا بالخوارج. وقد حدث قتال القاسطين عام 37 هجرية.

ج- قتال المارقين[14]: والمارقون هم أُولئك الذين أجبروا الإمام عليّاً عليه السلام على قبول التحكيم، وندموا بعد حادثة التحكيم على ذلك، وطلبوا منه أن ينقض العهد من جهته، غير أنّ الإمام عليه السلام لم يكن بذلك الشخص الذي ينقض عهده، ولهذا خرجوا على الإمام، ووقفوا ضدّه، وقاتلوه في النهروان. انتصر الإمام عليه السلام في هذه الحرب، غير أنّ الأحقاد ظلّت دفينة في النفوس. اندلعت هذه الحرب سنة 38 أو39 هجرية.

الإمام عليّ العدل الصرف

لم يقبل الإمام عليّ عليه السلام - إمام الحقّ - أيّ نوع من أنواع المساومات وأنصاف الحلول في أيّ مرحلة من حياته، ولا سيّما عند تسلّمه الخلافة. وهو أمر واضحٌ جليٌّ لكلّ من يقرأ سيرة هذا العظيم إلى درجة أنّ الخلافة قد نُحّيت عنه في شورى عمر لعدم قبوله المساومة على سيرة الشيخين، حتّى قال هو بنفسه: "ما ترك الحقّ لي صديقاً"[15].

ولكنّ هذا السلوك والمنطق العلويّ يطرح أمامنا تساؤلاً كبيراً، حيث كان ذلك العدل بالخصوص، والقيم التي حملها الإمام وقاتل طيلة حياته الشريفة لأجلها، كانت هي السبب الذي أثار في وجهه المخالفين، وكلّف الإمام ثلاثة حروب طاحنة، وكانت سبب شهادته في النهاية.. ألم يكن بإمكان الإمام عليه السلام أن يتّبع سياسة معيّنة يجري فيها بعض المساومات إلى فترة معيّنة في سبيل الحفاظ على دولته مثلاً؟!

يجيب السيد الخامنئيّ دام ظله على هذه المسألة، فيقول: "لقد قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثة معسكرات بثلاثة خطوطٍ منفصلة... وفي النهاية استُشهد على هذا الطريق، حتّى قيل بشأنه إنّ عدل عليّ عليه السلام قد قتله. لو لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام مريداً للعدالة، وعمد بدل ذلك إلى رعاية هذا وذاك... لكان أكثر الخلفاء نجاحاً وقدرةً، ولما وجد له معارضاً، لكنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو ميزان الحقّ والباطل، ولهذا كان عليه السلام يتحرّك وَفق جوهر التكليف دون أيّ ذرّة من تدخّل الأنا والمشاعر الشخصيّة والمنافع الذاتيّة، وقد تحرّك على هذا الطريق الّذي اختاره..."[16].

ويقول: "أثبت أمير المؤمنين خلال هذه المدّة أنّ الأصول الإسلاميّة والقيم الإسلاميّة الّتي وُجدت في مرحلة عزلة الإسلام، وفي مرحلة صغر المجتمع الإسلاميّ، هي قابلةٌ للتطبيق مثلما أنّها كذلك في مرحلة الرفاهية والتوسّع والاقتدار والتقدّم والازدهار الاقتصاديّ للمجتمع الإسلاميّ... فلقد نزل الوحي الإلهيّ بالأصول الإسلاميّة.. وقد ازدادت مساحة الدولة الإسلاميّة، خلال هذه المدّة، مئات الأضعاف لا ضعفين أو ثلاثة أو عشرة... لو لم يكن الإمام عليّ عليه السلام في البين، لربّما كان التاريخ سيحكم قائلاً إنّ المبادئ الإسلاميّة والقيم النبويّة كانت جيّدة لفترة المدينة النبويّة فقط، أي لذلك العهد الّذي تميّز بضآلة حجم المجتمع الإسلاميّ وفقره، أمّا بعد أن اتّسع المجتمع الإسلاميّ واختلط بالحضارات المختلفة.. فلا تبقى تلك المبادئ كافية ولا قادرة على إدارة البلد"[17].

فلأنّه عليّ، ولأنّه ميزان الحقّ والباطل، ولأنّه صوت العدل الذي لا بدّ من أن يبقى صادحاً على مرّ التاريخ، ولأنّه لم يحيَ إلّا بقيم الإسلام التي يعلوها العدالة، وهي التي قاتل مع الرسول لأجل ترسيخها، لا يمكن أن يساوم بأيّ شكل من الأشكال، فخلافة ودولة دون قيم ودون عدل ليست بدولة، فإمّا أن تكون الدولة العلويّة حافظةً للقيم الإلهيّة وإمّا أن لا تكون، وإن ساوم الإمام وقبِل بأنصاف الحلول، ولو لفترة وجيزة، لاختلّ ميزان القيم، ولمهّد الطريق لاعوجاج دائم لا زوال له، يتلقّفه كلّ فاسد ذريعةً لفساده، ويسمّيه سياسة مؤقّتة وتسوية لا بدّ منها، وقد تعالى إمام الحقّ عن ذلك علوّاً كبيراً.

شهادة الإمام عليّ عليه السلام

وأخيراً، حان موعد تسليم الروح لبارئها، فتضرّج الإمام عليه السلام بدمه على يد أحد المارقين، وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي في 19 من شهر رمضان المبارك عام 40 للَّهجرة، وهو ابن ثلاث وستّين سنة، وذلك أثناء صلاته الصبح في مسجد الكوفة، ودُفن في النجف الأشرف[18].

شذرات من خصائص الإمام عليّ عليه السلام

1- عبادة الإمام عليّ عليه السلام:

لو سألت عن إمامنا عليّ عليه السلام: أين ولد؟ لقلنا: في بيت اللَّه الحرام، ولو سألت عنه عليه السلام أين استشهد؟ لقلنا: في بيت اللَّه أيضاً. إنّ هذين المشهدين يختصران سيرة أمير المؤمنين عليه السلام التي كانت تنقّلاً ما بين طاعة وطاعة للباري - جلّ وعلا -، ولا شيء غير الطاعة.

والعبد العاشق المتألّه خزانة أسرار الإله، لا بدّ من أن يفصح عن عشقه لمولاه بشتّى الطرق وفي كلّ حين استطاع إلى ذلك سبيلاً، لذا نرى أنّ العبادة كان لها مقام عظيم في حياة أمير المؤمنين عليه السلام. فالعبادة هي تلك الصلة الحقيقيّة والباب المفتوح بين العبد وربّه، وهي تعبّر عن مدى معرفة الإنسان باللَّه وارتباطه به، ولكن بشرطها وشروطها.

ففي رواية عن شخص يدعى أبا الدرداء أنّه قال: "شهدت عليّ بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممّن يليه، واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته، وبعد عن مكانه، فقلت ألحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغم شجيّ، وهو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك... فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعينه، فاستترت له وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف اللّيل الغامر، ثمّ فرغ إلى الدعاء والبكاء، والبثّ والشكوى... ثمّ أمعن في البكاء، فلم أسمع له حسّاً، ولا حركة. فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته، فلم يتحرّك، وزويته فلم ينزوِ، فقلت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، مات - واللَّه - عليّ بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام: هي واللَّه - يا أبا الدرداء - الغشية التي تأخذه من خشية اللَّه"[19].

هذا شاهد من شواهد تعلّق الإمام عليه السلام باللَّه تعالى وشدّة انشداده إليه ورهبته منه، ويبدو أنّ هذا كان ديدن عليّ عليه السلام كما يظهر من قول الزهراء عليها السلام، وكأنّ هذه الحادثة كثيراً ما تتكرّر مع الإمام عليه السلام، وهذه ميزة عند توجّهه إلى اللَّه تعالى في صلاته وضراعته، الأمر الذي ألفه أهل البيت عليهم السلام في عليّ عليه السلام.

هذا، وقد وُصف بأنّه كان صوّاماً بالنهار قوّاماً باللّيل[20]، ولم تكن تلك العبادات كلّها ابتغاء أجر معيّن أو خوفاً من العقاب، بل إنّ أمير المؤمنين هو الذي عبد اللَّه شكراً، إذ يقول عليه السلام: "إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك"[21]. وقد كان الإمام عليه السلام لا يترك قيام اللّيل، حيث يُروى عنه عليه السلام أنّه قال: "ما لا يترك صلاة اللّيل منذ سمعت قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: صلاة اللّيل نور"[22].

وإلى جانب تعاهد الإمام عليه السلام لأمر الصلاة، فقد كان كثيراً ما يوصي أتباعه أيضاً بتعاهد أمرها، وأدائها في أوقاتها، وتعريفهم بأهمّيّتها وأثرها في شخصيّة المسلم، فيقول: "تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرّبوا بها"[23].

2- ورع الإمام عليّ عليه السلام:

إنّ الورع - وهو شدّة التقوى - من الصفات التي ينبغي للمؤمن التحلّي بها على الدوامّ، وعلى كلّ حال، في الشدّة والرخاء والفقر والغنى، وهي تجلٍّ لحقيقة إيمان ذلك المؤمن بربّه، وخوفه منه، وتعظيمه له، ومَن أولى بالورع من إمام المتّقين عليّ عليه السلام!

اشتُهر الإمام عليّ عليه السلام بورَعٍ لا مثيل له، وقد ظهر ذلك في محطّات حياته كلّها، ولا سيّما أيّام خلافته، حيث كان حكمه للأمّة مسرح تطبيقه لتقواه وورعه، فلم يظلم في حكمه أحداً، ولم يُؤثر أيّ طلب وطاعة لمخلوق قبال إرادة خالقه، مهما كان طلبه بسيطاً.

وذات مرّة جاءه أخوه عقيلٌ يطلب صاع قمح أزيد من حصّته لحاجة، فرفض، وجاء آخر بهديّة للإمام عليّ عليه السلام يهديه إيّاها لحاجة يريده أن يقضيها له فرفض أيضاً، وقد أخبر الإمام عليّ عليه السلام عن هاتين الحادثتين فقال: "واللَّه، لئن أبيت على حسك السعدان[24] مسهّداً، أو أُجرّ في الأغلال مُصفّداً أحبّ إليّ من أن ألقى اللَّه ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيءٍ من الحطام... واللَّه، لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتّى استماحني من برّكم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم، كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكّداً.. فأحميت له حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنَفٍ من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للَعِبِه وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه، أتئنّ من الأذى ولا أئنّ من لظى!

وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة[25] شنئتها، كأنّما عُجنت بِرِيق حيّةٍ أو قيئها، فقلت: أصِلةٌ أم زكاةٌ أم صدقةٌ فذلك مُحرّم علينا أهلَ البيت، فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنّها هديّة، فقلت: هبلتك الهبول، أعن دين اللَّه أتيتني لتخدعني! أمختبطٌ أم ذو جنّة أم تهجر! واللَّه، لو أعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللَّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإنّ دنياكم عندي لأهونُ من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليٍّ ونعيمٍ يفنى ولذّةٍ لا تبقى، نعوذ باللَّه من سُبات العقل وقُبح الزلل وبه نستعين"[26].

هذا هو إمامنا عليّ عليه السلام، الذي لا يُؤثر طاعةً لأيّ مخلوق في معصية الخالق، ولا يستصغر أيّ ذنب، لأنّه يعرف ربّه ويستعظم شأنه، فيرى أنّ استجابته لأخيه في زيادة حصّته بسبب فقره المدقع يستلزم دخول النار!! فأين المتأسّون بعليٍّ الماشون على دربه!

3- زهد الإمام عليّ عليه السلام:

"إنّ الزهد بالدنيا والحياة الفقيرة التي اشتُهر بها الإمام عليّ عليه السلام لهيَ مدعاةٌ للعَجَب بحقّ، فقد طلّق هذه الدنيا ثلاثاً لا رجعة فيها[27]، لِهوانها عليه، واستحقاره شأنها، وقد كان الإمام عليّ عليه السلام هو زينة الزهد ومفخرته، حتّى إنّه كان لا يرضى بأن يلبّي بعضُ عُمّاله دعواتٍ لموائد فيها البذخ وأنواع الأطعمة وقد استنكر عليه السلام فعل عامله على البصرة، لأنّه لبّى دعوةً مماثلة فأنّبه[28].

ثمّ يُبيّن لنا الإمام عليّ عليه السلام كيف أمضى عمره الشريف، فيقول: "ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد، فواللَّه، ما كنزت من دنياكم تِبراً، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً[29]... وإنّما هي نفسي أُروّضها بالتقوى لتأتي آمنةً يوم الخوف الأكبر"[30].

وليس زهد أمير المؤمنين بالأمر القسريّ والقهريّ، بل كان خياراً له عليه السلام، وهو القائل: "ولَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ، ولَعَلَّ بالْحِجَازِ أَوْ بِالْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ‏، وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ، أَوْ أَنْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى‏"[31].

أمّا ذاك الطعام الذي كان يدخل جوفه الشريف، فقد كان خبز شعير غير منخّل يفتُّهُ في قصعة، ويصبُّ عليه الماء، ثمَّ يذرُّ عليه الملح، وكان يقول: "لقد حانت هذه - ومدّ يده إلى محاسنه - وخسرت هذه، وأشار إلى بطنه أن أُدخلها النار من أجل الطعام، وهذا يُجزيني"[32].

إنّ اللّسان يعجز - بحقّ - عن وصف محاسن أفعال إمام كهذا، فللَّه درّ أرض حملته، وثوبٍ لبسه، وطعامٍ أكله، ومتأسٍّ اقتدى به! فليس للبشر إلّا الانحناء إجلالاً واستعظاماً لأروع البشر ودرّة الخلق عليّ عليه السلام، فهو مفخرة بني آدم كلّهم، والعبد الناطق المبرّز لمحاسن مولاه وجماله، فهو كما وُصِف، بل أعلى وأرقى، "كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله"[33].

 

[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص 262.

[2] المصدر نفسه، ج1، ص 188.

[3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ، مصدر سابق، ج6، ص 166.

[4] المصدر نفسه، ج7، ص 33.

[5] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ، مصدر سابق، ج13، ص 4.

[6] ياسين، الشيخ كاظم، تاريخ سيد الأوصياء (الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام)، دار المحجة البيضاء، لبنان - بيروت، ط1، 2016م، ج2، ص 95.

[7] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج32، ص 17.

[8] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج1، ص 269.

[9] كتاب سليم بن قيس الهلالي، مصدر سابق، ج2، ص 719.

[10] كتاب سليم بن قيس الهلالي، مصدر سابق، ج2، ص 802.

[11] المصدر نفسه، ج1، ص 18.

[12] راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج32، ص 17.

[13] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، الناشر: علامة، قم، 1421هـ، ط1، ج3، ص 363.

[14] راجع: الشاميّ، يوسف بن حاتم، الدر النظيم في مناقب الأئمّة اللَّهاميم، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ- جماعة المدرّسين بقم، قم، 1420هـ، ط1، ص 368.

[15] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص 58.

[16] السيد الخامنئي، إنسان بعمر 250 سنة، ص 108-109.

[17] المصدر نفسه، ص 110-111.

[18] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص 211-212، الشيخ الإربلي، كشف الغمّة، مصدر سابق، ج1، ص 436.

[19] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 77 - 79.

[20] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج2، ص 103.

[21] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج41، ص 14.

[22] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص 123.

[23] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج10، ص 202.

[24] أي أن ينام على نبات شوكي أرقاً.

[25] حلواء جاء بها إليه الأشعث بن قيس الكنديّ وقد تأنّق في صنعها.

[26] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج11، ص 244 - 245.

[27] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 283.

[28] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج33، ص 474.

[29] أي: ما كان يهيّئ لنفسه طمراً آخر بدلاً عن الثوب الذي يبلى، بل كان ينتظر حتّى يبلى ثمّ يعمل الطمر.

[30] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج16، ص 205.

[31] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج33، ص 474.

[32] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج2، ص 98.

[33] الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج1، ص 78.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.






قسم الشؤون الفكرية يقيم برنامج (صنّاع المحتوى الهادف) لوفدٍ من محافظة ذي قار
الهيأة العليا لإحياء التراث تنظّم ورشة عن تحقيق المخطوطات الناقصة
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول دور الجنوب في حركة الجهاد ضد الإنكليز
وفد جامعة الكفيل يزور دار المسنين في النجف الأشرف