الجغرافية الاجتماعية وعلم الاقتصاد

هناك ترابط واضح بين الجغرافية الاجتماعية وعلم الاقتصاد، لأن طبيعة الحالة الاجتماعية وما يتعلق بها ماهي إلا انعكاس للواقع الاجتماعي، كما أن الأنماط الاجتماعية تفسر على أساس التباينات الاقتصادية، لذا يعتبر علم الاقتصاد بفروعه المختلفة من أهم العلوم المؤثرة بالجغرافية الاجتماعية. ويأخذ التأثير الاقتصادي شكلاً مباشراً أو غير مباشر من خلال مساهمته في تفشي الظواهر الاجتماعية الخطيرة في المجتمع، كما يأخذ التأثير الاقتصادي شكلاً جماعياً أو فردياً.

ومن جهة أخرى تختلف الأنماط الاجتماعية باختلاف النشاطات الاقتصادية التي يمارسها الإنسان، فالمجتمع الزراعي يختلف في بنائه الاجتماعي عن المجتمع الصناعي، لذا ظهر في علم الاجتماع ما يسمى بعلم الاجتماع الصناعي والزراعي.. الخ. كما أن تطور علم الاقتصاد من خلال الثورة الصناعية أدخل مفاهيم اقتصادية حديثة أكثر شمولية إلى البيئة، أدت إلى تسميته بعلم البيئة (Environmental) كنظام السوق والناتج المحلي والدخل القومي وما إلى ذلك(1).

وتبرز أهمية الصناعة من خلال الأثر الاجتماعي Social Impact الذي تتركه الصناعة في مجمل الجوانب الاجتماعية من خلال نظريات الموقع الصناعي، إذ أن اختيار تلك المواقع يساهم في بناء منظومات اجتماعية جديدة وضرب النسق القديم والسائد في المناطق الصناعية، فتبرز مجتمعات صناعية جديدة لها خصائصها المميزة وتضعف ارتباطاتها بالواقع الاجتماعي السابق. كما أن ال الصناعة تتأثر بالواقع الاجتماعي من خلال الطلب على سلع معينة تناسب الواقع الاجتماعي السائد. كما أن الاستهلاك يخضع لعوامل اجتماعية وحضارية تحدد نسبة الاستهلاك ومدة بقاء السلعة، مما يؤثر في نشاط السوق وبالتالي انتعاش الصناعة أو ضمورها، بعبارة أخرى: إن البيئة الاجتماعية تحدد نوع الفعاليات الصناعية في المجتمع ومدى نجاحها. فضلاً عن استفادة المخطط الصناعي من السكان وخصائصهم الاجتماعية، وهو ما يطلق عليه رأس المال الاجتماعي، أي الواقع الثقافي والعلمي والفني للسكان.

من الناحية الاجتماعية تساهم الصناعة في تغيير النمط الاجتماعي والاقتصادي والحضاري للمنطقة، من خلال تغيير هيكلية الأيدي العاملة وتركيب المهن والنشاطات الاقتصادية، فضلاً عن التغيير في السلوك البشري بسبب النشاط الصناعي الجديد ونشوء أنماط اجتماعية جديدة من العلاقات والسلوكيات، كما أن للصناعة دوراً مهماً في تطوير السكان في الإقليم ثقافياً السكان بشكل متوازن ضمن المناطق والأقاليم، وتحول الأسر من ممتدة إلى نووية، في حين أن الآثار السلبية للصناعة تتمثل بما يحصل من واجتماعياً، وتوزيع ضعف الروابط الاجتماعية وانتشار بعض الظواهر الاجتماعية السلبية. فضلاً عن تشويه النمو العمراني واختلال التوازن بين فروع الإنتاج المختلفة والخدمات بسبب تركز العاملين في قطاع الصناعة وهجرة الشباب إلى مناطق الصناعة وإفراغ الريف من قواه البشرية، مما يعني بقاء مساحات شاسعة دون استصلاح. وتهتم الجغرافية الاجتماعية أيضاً بدراسة العلاقات الاقتصادية بين العمال وأصحاب الأعمال، أي بين العمل ورأس المال.

وتدرس الجغرافية الاجتماعية تباين النواحي الاجتماعية للأنشطة الاقتصادية. ومن الملاحظ أن الكثير من المشكلات الهامة ذات الصلة الوثيقة بعلم الاقتصاد لم تتناولها البحوث الاقتصادية. ومن أمثلة ذلك دراسة دور التركيب السكاني في الإنتاج والاستهلاك، وتحديد الصناعات، وتأثير القيم والأعراف على قوة العمل، وأثر العادات الاجتماعية في الاستهلاك والإنتاج والعمل واختيار المهن والنشاطات الاقتصادية ومستوى الاسعار، ودور التعليم في الإنتاج وغير ذلك من الموضوعات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كامل جاسم المرأيأتي، مفهوم البيئة في منظور علم الاجتماع، الطبعة الأولى، بيت الحكمة، بغداد، 2001، ص6.