لفظ «الوحي» مصدر من «وحى يحي وحيا» جاء في الأصل بمعنى الكتابة ، والبعث ، والالهام ، والتفهيم بإخفاء وإيماء ، والكلام الخفي برمز وإشارة ونحوها ، ومنه الإيحاء مصدر «أوحى يوحي». (1)

ولكن قال في المفردات :

«أصل الوحي الاشارة السريعة ، ولتضمّن السرعة قيل : أمر وحيّ. وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض. وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وباشارة ببعض الجوارح وبالكتابة ...» (2).

وفيه نظر؛ إذ لم يأخذ أحد من أئمة اللغة معنى السرعة في لفظ «الوحي» بسكون الحاء ، كما عرفت. وإنّما ذكروا هذا المعنى للفظة «الوحى» بفتح الحاء ، ومنه «الوحيّ» ؛ أي السريع. كما قال في العين‏ (3) : «الوحى : السرعة». وقال في الصحاح‏ (4) : «الوحى : السرعة ، يمدّ ويقصر. ويقال : الوحى والوحى : يعني البدار البدار». وقال الزمخشري : «يقال : الوحا الوحا ، والوحاك الوحاك : في الاستعجال» (5). ونظير ذلك ما جاء في ساير الجوامع اللغوية.

فمقتضى التحقيق عدم أخذ السرعة في معنا لفظ الوحي. ودعوى استلزام الخفاء السرعة ، لا وجه لها ؛ بداهة ملائمة الخفاء للبطوء أيضا. هذا ، مع عدم اقتضاء ذلك أخذ السرعة في مفهوم لفظ الوحي وماهية معناه.

ولا يخفى أنّ المعنى المقصود من لفظ «الوحي» في موارد استعماله في القرآن بموادّه المختلفة ، نفس المعنى اللغوي. وأمّا ما قيل له من المعاني‏ (6) ، فهو ممّا يرجع إلى معناه اللغوي بنحو.

_____________________

(1) قال الخليل : «وحى يحي وحيا ، أي يكتب كتبا ... وأوحى اللّه إليه؛ أي بعثه. وأوحى إليه أي ألهمه ... والايحاء الاشارة./ العين : ج 3 ، ص 1932- 1933.

وقال الجوهري : «الوحى : الكتاب ... والوحى أيضا : الاشارة والكتابة والرسالة والالهام والكلام الخفي وكلّ ما ألقيته إلى غيرك .../ صحاح اللغة : ج 6 ، ص 2519- 2520.

وقال ابن فارس : «وحى ... أصل يدل على إلقاء علم في إخفاء أو غيره إلى غيرك. فالوحى الاشارة. والوحى الكتابة والرسالة .../ معجم مقائيس اللغة : ج 6 ، ص 93. ونظير هذه التعابير تجدها في ساير الجوامع اللغوية.

(2) المفردات : ص 515.

(3) العين : ج 3 ، ص 1933.

(4) صحاح اللغة : ج 6 ، ص 2520.

(5) أساس البلاغة : ج 2 ، ص 324.

(6) ذكر في تلخيص التمهيد للمعاني المستعمل فيها لفظ الوحي- بموادّه- ، معاني أربعة ، فراجع ، تلخيص التمهيد : ج 1 ، ص 13- 15.