انتشار الفكر الكلاسيكي في فرنسا

الفكر الاقتصادي للمفكرين الكلاسيك هو حصيلة الأفكار الاقتصادية للمفكرين الذين سبقوا آدم سميث وقد وضع المفكر آدم سميث العينة السليمة التي احتوت افكار السابقين بإطار يتماشى وروح العصر ، وفي ابعاده كل ما هو جديد ترقبه البشرية فإن كل ذلك الفكر افضل من الافكار السابقة اتخذته البشرية منهجاً واسلوباً ، واذا لم يكن كذلك فإن البشرية تنتظر نتائج التطبيق وحتى لو كانت الافكار رصينة ونتائج التطبيق ليست بالمستوى المطلوب فلا يتم تطبيقه وخير مثال نسوقه نظرية الفيزيوقراط لم تتعدى فرنسا مع رصانة افكارها .

من هذا المنطلق نجد ان نجاح آدم سميث في نظريته جعلت الفكر الكلاسيكي يتعدى حدود البلاد الانكليزية الى بلدان اوربية اخرى وقد تأثرت فرنسا بهذه الافكار وقد اصبح للمدرسة الكلاسيكية انصار لهم آراء سديدة في فرنسا منهم المفكران جان باتيست ساي J.B. Say   وفريدريك باستيا F . Basiat هم من اهم المفكرين الفرنسيين وقد تولى ساي تدريس مادة الاقتصاد السياسي في المعهد الفرنسي والذي يعد المؤسسة الاولى التي اخذت على عاتقها تدريس مواد الفكر الكلاسيكي بعد الفيزيو قراط ونشر كتابه الموسوم في بحث الاقتصاد السياسي في عام 1803 م ونال اهتمام كبير حيث بدا ساي يشرح آراء آدم سميث ويطورها ويضيف عليها خصوصية البلاد الفرنسية وقام بتقسيم علم الاقتصاد الى ثلاث اتجاهات وهي التي تتبع الى الآن وهي : الانتاج والتوزيع والاستهلاك⁽¹⁾ . 

ويعرف ساي الثروة بشكل آخر مختلف عن تعريف سميث وبرأيه ان الثروة تعني كل السلع والخدمات والأشياء التي لها قيمة ، وبعبارة اخرى فإنه يقصد ليس فقط السلع المادية وانما الخدمات الشخصية كخدمات التدريس والمحامي وغيرها ، والمنافع غير المادية التي يتحصل عليها من استخدام رأس المال ودور السكن والأراضي والأثاث والجسور والى ما ذلك ، كما قدم ساي نظريته والتي بقى صداها قائم لغاية ازمة الكساد العالمي 1929م ومفادها هو انه من غير الممكن ان يكون هناك افراط في الانتاج وان الدليل على ذلك هو ان السلع والخدمات تُستبدل في الواقع بسلع وخدمات اخرى ، وعليه فإن السلع والخدمات المعروضة تخلق بنفسها الطلب لشرائها .

ان البيع والشراء يتم بين المنتجين بواسطة النقود ، لكن دور النقود كما يرى ساي هو دور الوسيط الذي يذلل الصعاب لكي تتم المعاملات فقط ، فالبائع الذي يستلم النقود مقابل الخدمة المقدمة او السلعة ليس هدفه اخذ النقود لاقتنائها وانما يأخذها لشراء السلع والخدمات الأخرى ، ولذا فإن انتاج السلع والخدمات يخلق عند منتجيها الإمكانية لشراء سلع وخدمات اخرى ، وبهذه الصوة يكون المنتج الذي تمكن من انتاج سلعة او خدمة ما قد وفر فرصة بنفسه لخلق طلب على السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع بنفس القدر الذي ارتفعت به قيمة العرض السلعي ، وبمعنى آخر يقول انه وهو ينتج السلعة يعطي فرصة لخلق قوة شرائية مقابلة لقيمة ما انتج من سلع وخدمات ، لأن السلع التي تُنتج تكلف بذات الوقت عناصر انتاج ، وكلفة العناصر هي دخولها ، ونحن على علم بأن الرغبة في اقتناء السلع ليس لها⁽²⁾ حدود حيث الانسان يطلب كل ما يرغب به وعليه سوف يكون العرض يخلق الطلب على السلعة في ذات الوقت وان شراء السلعة المنتجة سوف يكون ضمن هذا المفهوم ، ومن هذا المنطلق يصرح بعدم حصول أزمة اقتصادية ، ويرى ساي ان النقود ليس لها قيمة تُذكر وما هي الا ستار يحجب الجسم الاقتصادي عن الانظار ولا يؤثر في فعالياته ، اما باستيا فقد بحث في التجارة الخارجية وطالب بإلغاء الضرائب في فرنسا وقد الف كتاب الانسجام الاقتصادي وتعود أهمية باستيا لنظرته في الانسجام الاجتماعي ، حيث يعتقد باستيا بأن تحقيق الحرية الكاملة للافراد في العمل لبلوغ المصلحة الذاتية وكذلك المنافسة التامة بينهم هم الكفيلان الأساسيان اللذان سيحققان انسجام المصالح جميعها لكافة افراد وطبقات المجتمع وقد يتفق في رأيه مع آدم سميث بأن النظام الرأسمالي من الجودة بحيث ان هناك قوانين الهية تنظم الفعاليات الاقتصادية في المجتمع وتقودها الى الانسجام التام .

وللأهمية فقد فضلنا دراسة الفكر الكلاسيكي وتطوراته في المانيا والـولايات المتحدة بفصل قادم . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ جعفر طالب الجنديل ، محاضرات غير منشورة القيت على طلبة الماجستير ، جامعة واسط ، العام الدراسي 2014-2015 .  

2ـ عدنان عباس علي ، تاريخ الفكر الاقتصادي ، مصدر سابق ، ص266 .