المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) حجّة الله يوم القيامة
2024-04-26
امساك الاوز
2024-04-26
محتويات المعبد المجازي.
2024-04-26
سني مس مربي الأمير وزمس.
2024-04-26
الموظف نفرحبو طحان آمون.
2024-04-26
الموظف نب وعي مدير بيت الإله أوزير
2024-04-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


التطور اللغوي العام (أثر العوامل الاجتماعية والنفسية والجغرافية في خصائص اللغة وتطورها, ونقد نظرية دو سوسور De Saussure)  
  
4990   04:35 مساءً   التاريخ: 23-4-2019
المؤلف : د. علي عبد الواحد وافي
الكتاب أو المصدر : علم اللغة
الجزء والصفحة : ص257- ص267
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / قضايا لغوية أخرى /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-4-2019 1391
التاريخ: 9-4-2019 10284
التاريخ: 20-4-2019 1025
التاريخ: 19-3-2019 4471

 

أثر العوامل الاجتماعية والنفسية والجغرافية في خصائص اللغة وتطورها, ونقد نظرية دو سوسور De Saussure
تتأثر اللغة أيما تأثر بحضارة الأمة، ونظمها وتقاليدها، وعقائدها واتجاهاتها ودرجة ثقافتها، ونظرها إلى الحياة، وأحوال بيئتها الجغرافية وشئونها الاجتماعية العامة ... وما إلى ذلك, فكل تطور يحدث في ناحية من هذه النواحي يتردد صداه في أداة التعبير, ولذلك تعد اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب, فبالوقوف على المراحل التي اجتازتها لغة ما، وفي ضوء خصائصها في كل مرحلة منها، يمكن استخلاص الأدوار التي مر بها أهلها في مختلف مظاهر حياتهم.
فكلما اتسعت حضارة الأمة، وكثرت حاجاتها ومرافق حياتها، ورقي تفكيرها, وتهذبت اتجاهاتها النفسية، نهضت لغتها، وسمت أساليبها، وتعددت فيها فنون القول، ودقت معاني مفرداتها القديمة، ودخلت فيها مفردات أخرى عن طريق الوضع والاشتقاق والاقتباس للتعبير عن المسميات والأفكار الجديدة. وهلم جرا. واللغة العربية أصدق شاهد على ما نقول؛ فقد كان لانتقال العرب من همجية الجاهلية إلى حضارة الإسلام، ومن النطاق العربي الضيق الذي امتازت به حضارتهم في عصر بني أمية, إلى الأفق العالمي الواسع الذي تحولوا إليه في عصر بني العباس، كان لهذين الانتقالين أجلَّ أثر في نهضة لغتهم ورقيّ أساليبها واتساعها لمختلف فنون الأدب وشتى مسائل العلوم.
وانتقال الأمة من البداوة إلى الحضارة يهذب لغتها، ويسمو بأساليبها، ويوسع نطاقها، ويزيل ما عسى أن يكون بها من خشونة، ويكسبها مرونة في التعبير والدلالة, وأن موازنة بين حالة اللغة العربية

ص257

في عهد بداوة العرب قبل الإسلام, وحالتها في عهد حضارتهم الإسلامية، أو بين ما كانت عليه عند أهل البادية في عصر ما, وما كانت عليه في الحضر في العصر نفسه، لأصدق برهان على ذلك, وأن البدويّ الذي لم يلهمه شيطانه في مدحه للأمير أحسن من قوله:

أنت كالكلب في حفاظك للعهد ... وكالتيس في قراع الخطوب

قد استطاعت قريحته بعد أن هذبتها حضارة بغداد أن تجود بمثل قوله:
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وما يحدث بين حضارة الأمة ولغتها من توافق وانسجام، يحدث مثله بين لغتها ومظاهر بيئتها الجغرافية؛ فجميع خصائص الإقليم الطبيعية تنطبع في لغة سكانها, ومن أجل ذلك نشأت فروق كبيرة في مختلف مظاهر اللغة بين سكان المناطق الجبلية وسكان الصحراء وسكان الأودية, وبين سكان المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية، ومن كذلك نشأت فروق غير يسيرة بين الفصيلة اللغوية الواحدة, بل بين لهجات اللغة الواحدة. ومن أجل ذلك أيضًا غزرت في كل لغة المفردات التي تدور حول مظاهر بيئتها الجغرافية، ودقت دلالاتها، وانبثت في شتى فنون القول, ومن أجل ذلك أيضًا كان قسط كبير من مادة الخيال والتشبيه في كل لغة مستمدًّا من مظاهر البيئة وما اختصت به طبيعة البلاد, ومن أجل ذلك أيضًا تمثل في أسلوب اللغة وفنونها الأدبية ما تختص به بيئتها الطبيعية من تلَبُّدٍ أو صفاء، وقبح أو جمال، وصخب أو هدوء، وتنوع أو اطراد، وتقلب أو ثبات، وما ينبعث عنها من رخاوة أو قوة، وخمول أو نشاط، وخشونة أو نعيم, ولهذا كله يستطيع الباحث معرفة البيئة الأولى التي نشأت فيها لغة ما على ضوء مفردات هذه اللغة وغزارتها في بعض النواحي, وجدبها في نواحٍ أخرى، وما تجنح إليه أساليبها ومادتها في الخيال والتشبيه، وخواص آدابها ... وما إلى ذلك.

ص258

وإليك مثلًا لغات الفصيلة السامية؛ ففي كل لغة منها تتمثل حالة البيئة التي سكنها الناطقون بها؛ فالآرامية التي نشأت في الشمال جافة الألفاظ، قليلة المفردات، ثقيلة التراكيب، مضطربة القواعد، لا تكاد تواتي الأساليب الشعرية الراقية، والعربية التي نشأت في الجنوب أعذب اللغات السامية ألفاظًا، وأغناها مفردات، وأدقها قواعد، وأكثرها مرونة واتساعًا لمختلف فنون القول. والعبرية التي نشأت في منطقة متوسطة بين هاتين المنطقتين تمثل في رقيها منزلة بين منزلتي الآرامية والعربية، فقد فاقت الأولى ولكنها قصرت عن أن تدرك شأو الثانية؛ فألفاظها وأساليبها تتسع لكثير من مناحي القول، ولكن العربية تفوقها في مرونة التعبير، والترف اللغوي، وسعة الثروة في المفردات, وقواعدها سهلة مضبوطة, ولكنها لا تبلغ في دقتها وتنوعها مبلغ قواعد اللغة العربية, وتظهر هذه الفروق حتى في ناحية الأصوات؛ فالآرامية حوشية الأصوات، صعبة النطق، تلتقي في كلماتها المقاطع المتنافرة والحروف الساكنة, والعربية عذبة الأصوات، سهلة النطق، خفيفة الوقع على السمع، تقل في كلماتها الحروف غير المتحركة(1)، ولا يكاد يجتمع في مفرداتها ولا في تراكيبها مقاطع متنافرة، ولا يلتقي في ألفاظها ساكنان, والعبرية وسط بين هذه وتلك؛ فهي لم تصل في سهولة اللفظ إلى درجة العربية ولا في صعوبته إلى درجة الآرامية، يتخلل كلماتها حروف المد في نطاق أوسع من الآرامية، وبدرجة تذلل كثيرًا من ظواهر الصعوبة في النطق, ولكن بدون أن تصل في هذه الناحية إلى الشأو الذي وصلت إليه لغة القرآن(2).
ولهذا السبب نفسه اختلفت اللهجات الإغريقية القديمة, فعلى الرغم من أن بلاد الإغريق كانت تشغل منطقة ضيقة، فإن الاختلاف اليسير الذي كان بين أجزاء هذه المنطقة في طبيعتها الجغرافية قد

ص259

أحدث بين لهجاتها سكانها فروقًا ذات بالٍ؛ فاللهجة الدورية مثلًا, خشنة الألفاظ، حوشية المخارج، صعبة النطق، ثقيلة الأصوات، على حين أن اللهجة اليونية رخوة الكلمات، سهلة النطق، عذبة الأصوات، يتخلل كلماتها كثير من حروف المد وأصوات اللين(3).
ومظاهر النشاط الاقتصادي تطبع اللغة كذلك بطابعٍ خاصٍّ في مفرداتها ومعانيها وأساليبها وتراكيبها, ومن ثَمَّ اختلفت مظاهر اللغة في الأمم والمناطق تبعًا لاختلافها في نوع الإنتاج، ونظم الاقتصاد، وشئون الحياة المادية، والمهنة السائدة "الزراعة، الصناعة، والتجارة الصيد، رعي الأغنام..إلخ", وقد تؤثر هذه المظاهر في أصوات اللغة نفسها، فقد يؤدي نوع العمل الذي يزاوله سكان منطقة ما إلى تشكيل أعضاء نطقهم في صورة خاصة تتأثر بها مخارج الحروف ونبرات الألفاظ ومناهج التطور الصوتي.
واللغة مرآة ينعكس فيها كذلك ما يسير عليه الناطقون بها في شئونهم الاجتماعية العامة, فعقائد الأمة, وتقاليدها، وما تخضع له من مبادئ في نواحي السياسة والتشريع والقضاء والأخلاق والتربية وحياة الأسرة، وميلها إلى الحرب, أو جنوحها إلى السلم، وما تعتنقه من نظم بصدد الموسيقى والنحت والرسم والتصوير والعمارة, وسائر أنواع الفنون الجميلة.. كل ذلك وما إليه يصبغ اللغة بصبغة خاصة في جميع مظاهرها؛ في الأصوات والمفردات والدلالة والقواعد والأساليب.. وهلم جرا(4)، وإليك مثلًا درجة القرابة التي تربط الفرد بكل من أسرة أبيه وأسرة أمه, فإن الأمم التي تسير نظمها الاجتماعية على إنزال هاتين الأسرتين منزلة واحدة تقريبًا في درجة قرابتهما للفرد تطلق لغتها

ص260

كلمة واحدة على كل من العم والخال oncle, uncle والعمة والخالة tante, aunt ابن العم أو العمة وابن الخال أوالخالة cousin, ابنة العم أو العمة, وابنة الخال أو الخالة cousine، على حين أن الأمم التي تفرق نظمها الاجتماعية بين هاتين الأسرتين في درجة قرابتهما للفرد تختلف في لغتها الكلمات الدالة على أفراد أسرة الأب عن الكلمات الدالة على أفراد أسرة الأم: العم، الخال، العمة، الخالة، ابن العم، ابن العمة، ابن الخال، ابن الخالة، بنت العم، بنت العمة، بنت الخال, بنت الخالة(5), وإليك مثلًا آخر وهو مبلغ اتجاه الأمة إلى مبادئ المساواة أو انحرافها نحو نظام الطبقات, فإن ما تسير عليه نظمها الاجتماعية بهذا الصدد يؤثر في مختلف نواحي لغتها حتى في ناحية القواعد؛ فمخاطبة المفرد بضمير الجمع تعظيمًا له: "أرجو أن تتفضلوا.." وإجراء الخطاب في صيغة الأخبار عن الغائب "يتفضل سيدي ... "، كل ذلك وما إليه من أساليب التبجيل لا يبدو في اللغة إلّا حيث ينحرف الناس عن مبادئ المساواة, وتكثر الفوارق بين الطبقات, ولذلك يعد تطور هذه الضمائر في أمة ما أصدق سجل لتطور اتجاهاتها في هذه الشئون؛ فالصراع في اللغة الفرنسية بين "tu" "أنت", و"Vous" "أنتم" في مخاطبة المفرد، يمثل أصدق تمثيل مراحل الصراع بين روح المساوة ونظام الطبقات في الشعب الفرنسي؛ فقد كانت الغلبة للضمير الأول في العصور التي سادت فيها مبادئ المساواة, وللضمير الثاني في العصور التي وهنت فيها هذه المبادئ, ومثل هذا يقال في اللغة العربية؛ فقد كان العرب في جاهليتهم أكثر الشعوب ميلًا إلى المساواة بين الأفراد, ولذلك ساد في خطابهم ضمير المفرد، ولم تبد في لغتهم مظاهر المبالغة في التبجيل, ولكنهم لم يلبثوا بعد اتساع ملكهم، احتكاكهم بالأمم الأخرى، وانغماسهم في الترف, ومحاكاتهم لأبهة الفرس وأساليبهم في الحياة، واتجاه خاصتهم وأغنيائهم إلى الترفع عن الدهماء وطبقات المستضعفين، لم يلبثوا بعد هذا أن انحرفوا عن

ص261

مبادئهم الأولى، فانحرفت معهم أساليب لغتهم، وساد فيها خطاب المفرد بضمير الجمع، وإجراء الخطاب في صيغة الإخبار عن الغائب، ونفذت إليها ألفاظ "الحضرة" و"الجناب" وما إلى ذلك. واختلاف الطبقات في بعض الأمم، وما يفصلها من فوارق في مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كل ذلك يؤدي إلى التمييز بينها في المفردات التي تطلق على شئون كل طبقة منها. وإليك مثلًا المفردات التي تطلق على أنواع الدخل والأجور، فإن مبلغ الاختلاف بين هذه المفردات في أمة ما ليسجل مبلغ الاختلاف بين طبقات هذه الأمة في مستوى الحياة، وأن الأصل اللغوي الذي يرجع إليه كل مفرد منها ليشير في صورة ما إلى عمل الطبقة التي يطلق على دخلها، وإلى نشاطها الاقتصادي، ومنزلتها في سلم الطبقات؛ ففي اللغة الفرنسية مثلًا يطلق لفظ خاصٌّ على كل من دخل المسكين، والخادم، وعامل اليومية، والعامل الدائم، والممثل، والصحفي، والقسيس، والجندي، والضابط، والموظف غير الحكومي، والموظف الحكومي، وصاحب المهنة الحرة؛ كالطبيب, والمحامي والمالك الزراعي ومن إليهم، والمساهم في شركة ما، والنائب البرلماني وهلم جرا. وكل مفرد من هذه المفردات يشير أصله اللغوي في صورة ما إلى عمل الطبقة التي يطلق على دخلها، وإلى نشاطها الاقتصادي ومقدرتها بالقياس لما عداها من الطبقات:
Les secours d un indigent les gages dun domestique la paye d un Journalier le salaire d un ouvrier les feux dun actirr les mensualites dun Journaliste le cousuel d un cure le pret d un soldat le sold d un officier les appointements d un employe le traitement d un fonctoonnaire les honorae- res d un menecin ou d un avocat les rentes d un rentier les dividendes d un actionnaire l indemnite d un parlementaire etc

وتتشكل اللغة كذلك بالشكل الذي يتفق مع اتجاهات الأمة العامة ومطامحها ونظرها إلى الحياة, فاتجاه الإنجليز مثلًا إلى الناحية العلمية قد صبغ لغتهم بصبغة مادية في مفرداتها، وتراكيبها، حتى أنه ليقال

ص262

فيها: "دفع زيارة أو تحية أو شكرًا أوانتباهًا، و"كيف أستطيع أن أدفع لك مقابل جميلك"، و"أنفق وقته في كيت وكيت"، و"تربح الساعة أو تخسر".
To pay visit, compliments, attention.., How con l pay you for all your good? He spent hes time in ... ; The watch gains or loses

بدلًا من "أدى زيارة" و"قدم تحية أو شكرًا" و"أبدى اهتمامًا"، و"كيف أستطيع أن أجزيك مقابل جميلك" و"قضى وقته في عمل ما" و"الساعة تقدم أو تؤخر".
وما يكون عليه الأفراد من حشمة وأدب في شئونهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض ينبعث كذلك صداه في لغتهم ألفاظها وتراكيبها. فاللغة اللاتينية لا تستحي أن تعبر عن العورات والأمور المستهجنة, والأعمال الواجب سترها بعبارات مكشوفة، ولا أن تسميها بأسمائها الصريحة. على حين أن اللغة العربية بعد الإسلام تتلمس أحسن الحيل، وأدناها إلى الحشمة والأدب في التعبير عن هذه الشئون، فتلجأ إلى المجاز في اللفظ, وتستبدل الكناية بصريح القول: القبل، الدبر، قارب النساء، لمس امرأته، قضى حاجته..إلخ. ولقد كان لها بهذا الصدد في ألفاظ القرن الكريم وعباراته أسوة حسنة: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ ، ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع﴾ ، ﴿لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ ، ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْض﴾ ، ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ ، ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ ، ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ .. وما إلى ذلك من كريم العبارات ونبيل الألفاظ, وما يبدو في اللغة العربية بهذا الصدد يبدو مثله في اللغات الأوربية الحديثة, وخاصة الشمالية منها. وأكثرها تحرجًا في هذه الناحية اللغة الإنجليزية؛ فالبطن مثلًا لا يعبر عنه في لغة التخاطب الإنجليزية باسمه الصريح، بل يطلق عليه في الغالب the stomach "أي المعدة"(6)، وسراويل الرجل

ص263

تطلق عليها أحيانًا كلمة معناها الأصلي "ما لا يمكن التعبير عنه"(7) lnexpressible، وسراويل المرأة تطلق عليها كلمة معناها الأصلي "الجمع أو التركيب"(8) Combination. وهلم جرا.
وخصائص الأمة العقلية، ومميزاتها في الإدراك والوجدان والنزوع، ومدى ثقافتها، ومستوى تفكيرها ومنهجه، وتفسيرها لظواهر الكون، وفهمها لما وراء الطبيعة.. كل ذلك وما إليه ينبعث كذلك صداه في لغتها(9)؛ ففي الأمم البدائية الضعيفة التفكير, المنحطة المدارك، تغزو الكلمات الدالة على المحسات والأمور الجزئية، وتنعدم أو تقل الألفاظ الدالة على المعاني الكلية، وتخلو دلالة المفردات من الدقة والضبط، فيكثر فيها الخلط واللبس والإبهام، وتعرو القواعد أو تكاد تعرو من ظواهر التصريف والاشتقاق وربط عناصر الجملة والعبارات بعضها ببعض، ويضيق متن اللغة فلا يتسع لأكثر من ضروريات الحياة(10), ومن هذا القبيل الشعوب الصينية: فلغاتها بدائية ساذجة في نواحي الألفاظ والدلالة والقواعد، تكفي للتعبير عن ضروريات الحياة وشئون الصناعة اليدوية، والأدب السهل، والتأمل الضحل، ولكنها لا تتسع لعلم ولا لفلسفة ولا لدين بالمعنى الصحيح لهذه الكلمات، حتى إنه لا يوجد فيها اسم للإله، ويعبر فيها عن مسائل ما وراء الطبيعة بعبارات ملتوية مبهمة مضطربة الدلالة في أذهان أهلها أنفسهم.
ص264

وفي كثير من الأمم البدائية ينعكس في اللغة من مظاهر الاضطراب والإبهام ما تمتاز به عقليات الناطقين بها من سذاجة وقصور، حتى إنها لا تكاد وحدها تبين عن معنًى واضح دقيق، وحتى أن أهلها أنفسهم ليضطرون في أثناء حديثهم إلى الأستعانة بالحركات اليدوية والجسمية لتكملة ما ينقص تعبيرهم, وما يعوزه من دلالة؛ فقد روي عن قبائل البوشيمان Bochimans "عشائر بدائية تسكن جنوب أفريقيا أنهم إذا أرادو المحادثة ليلًا يضطرون إلى إشعال النار ليتمكنوا من رؤية الإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامهم, فتكمل ناقصة وتوضح مدلولاته, ويقرر علماء الأتنوجرافيا الذين عنوا بدراسة السكان الأصليين بأمريكا وأستراليا وأفريقيا, أن عقليات هذه الشعوب لا تكاد تدرك المعاني الكلية في كثير من مظاهرها، وأن هذا القصور العقلي كان له صدى كبير في لغاتهم، فلا نكاد نجد في كثير منها لفظًا يدل على معنًى كليٍّ. ففي لغة الهنود الحمر مثلًا يوجد لفظ للدلالة على شجرة البلوط الحمراء، وآخر للدلالة على شجرة البلوط السوداء.. وهكذا, ولا يوجد أي لفظ للدلالة على شجرة البلوط، ومن باب أولى لا يوجد أي لفظ للدلالة على الشجرة على العموم. وفي لغة الهورونيين Hurons "من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية" يوجد لكل حالة من حالات الفعل المتعدي لفظ خاص بها, ولكن لا يوجد للفعل نفسه لفظ يدل عليه, فيوجد لفظ التعبير عن الأكل في حالة تعلقه بالخبز، ولفظ آخر للتعبير عليه في حالة تعلقه باللحم، وثالث في حالة تعلقه بالزبد، ورابع في حالة تعلقه بالموز ... وهكذا, ولكن لا يوجد فعل ولا مصدر للدلالة على الأكل على العموم, أو الأكل في زمنٍ ما. ولغة السكان الأصليين لجزيرة تسمانيا Tasmanie "بقرب أستراليا" لا يوجد في مفرداتها لفظ يدل على الصفة، فإذا أرادوا وصف شيء لجئوا إلى تشبيهه بآخر مشتمل على الصفة المقصودة، فيقولون مثلًا: "فلان كشجرة كذا" إذا أرادوا وصفه بالطول.
ص265

 

وعلى العكس من ذلك الشعوب الهندية - الأوربية, حيث ينشط التفكير، ويعمق الإدراك، ويدق البحث، وتتجه العقول إلى التأمل الفلسفي، وتميل إلى تفسير ظواهر الكون والمجتمع الإنساني تفسيرًا علميًّا يربطها بأسبابها وقوانينها العامة؛ ففي مثل هذه الشعوب تكثر في اللغات الألفاظ الدالة على المعاني الكلية، والتراكيب المعبرة عن الحقائق العامة, وتغزر أزمنة الأفعال(11)، وتطول الجمل، وتتعدد أجزاؤها، وتتنوع الروابط, وتختلف دلالاتها، فتتسع للتعبير عن دقيق الوجدان، وعميق الإدراك، وحقائق الفلسفة والعلوم.
هذا وإن ما تقدم ذكره في هذه الفقرة وفي معظم الفقرات السابقة من هذا الكتاب ليدلنا أوضح دلالة على ما للمجتمع ونظمه وحضارته واتجاهاته من آثار بليغة في نشأة اللغات, وانتقالها من السلف إلى الخلف, وانشعابها إلى لهجات ولغات4, وصراعها بعضها مع بعض, وتطورها من جميع الوجوه.
وقد بالغ جماعة من العلماء في تقدير هذه الآثار حتى كادوا ينكرون أن لغير الظواهر الاجتماعية أثرًا في شئون اللغة, ومن أشهر أفراد هذه الطائفة العلامة السويسري فرديناند دوسور.Ferdinand De Saussure(12)

ص266

ومذهبهم هذا يجانب جادة القصد من بعض الوجوه:
حقًّا أن اللغة ظاهرة اجتماعية تقتضيها حاجة الإنسان إلى التفاهم مع أبناء جنسه، فلولا الحياة الاجتماعية ما كانت اللغات(13).
وحقًّا أن أهم المؤثرات في مخلف ظواهر اللغة ترجع إلى أمور تتعلق بالحياة الاجتماعية ونظم العمران، كما تدل على ذلك بحوثنا في هذا الفصل وفي الفصول السابقة من هذا الكتاب.
ولكن من الإفراط في تقدير هذه العوامل أن ننسب إليها كل شيء, وننكر ما لغيرها من أثر في هذا السبيل. وإن في دراستنا السابقة نفسها لآيات على خطأ هذا المذهب, فقد رأينا أن قسطًا غير يسير من ظواهر اللغة ترجع أسبابه إلى عوامل جغرافية، وقسمًا كبيرًا منها ترجع أسبابه إلى عوامل جسيمة فيزيولوجية أو نفسية فردية(14), وغنيٌّ عن البيان أن هذه العوامل وما إليها ليست من مظاهر الحياة الاجتماعية في شيء.(15) وسنرى في الفصل الخامس أن أهم المؤثرات في التطور الصوتي خاصة ترجع إلى عوامل من هذا القبيل(16).

ص267

________________

(1) تكثر في الكلمات العربية أصوات المد الطويلة "الألف والياء والواو" والقصيرة "الفتحة والكسرة والضمة" حتى إنه ليقل وجود حرف غير متبوع بواحد منها.
(2) V. Renan, Lُ Origine du Langage, pp. l88-l89.

(3) Renan, op. cit., p. l90
(4) من أحسن البحوث في هذا الموضوع وما يتصل به, ما كتبه العلامة "فانييه" في المجلد الثاني من مجلة "التربية" سنة 1907, صفحات 434-463, تحت عنوان: "روح الأمة وطباعها ممثلة في لغتها".
- V. Vannier: "Lُ Esprit et les Maurs dُ une nation dُ apres sa langue" Revue Pedagogique l907, T. 2, pp. 434-463.

(5) انظر كتابنا "الأسرة والمجتمع" الطبعة السادسة صفحة 28.

(6) تختصر هذه الكلمة عادة في اللغة الدارجة فيقال:  tummy .

(7) يطلق عليها غالبًا في اللغة الدارجة كلمة "Pants" وهي اختصار كلمة "بنطالون".
(8) تطلق هذه الكلمة على لباس" مؤلف من السراويل والقميص، أما السراويل وحدها فيطلق عليها أحيانًا كلمة Bloomer وهو اسم سيدة أمريكية Bloomer اخترعت طرازًا منه فنسب إليها, وكان يحتوي على "جاكتة" وقميص وسراويل, ثم قصر استعمال الكلمة فيما بعد على "السراويل"، وأحيانًا كلمة Knickers وهي اختصار كلمة Knickerboker "وهذه الكلمة كانت في الأصل اسمًا لشخصية روائية ألبسها المؤلف طرازًا خاصًّا من السراويل, ثم شاع استعمالها فيما بعد في سراويل السيدات".
(9)  V. Vannier, op. cit
(10) انظر صفحات 83، 102، 103، 106.

(11) ليس للفعل في معظم اللغات السامية إلا زمنان: فعل انتهى زمنه "ماض"، وفعل لم ينته زمنه "أمر ومضارع للحال أو للاستقبال"، على حين أن له في اللغات الهندية - الأوربية أزمنة كثيرة, لكل منها صيغة خاصة. وقد بلغت هذ الأزمنة في اللغة الفرنسية أحد عشر زمنًا في الجمل الإخبارية وحدها -انظر آخر ص222 وأول ص223.
(12) انظر آخر صفحة 65-68. هذا ويفرق دوسو سور بين اللغة Langage, والكلام Paroleوويعني بالكلام: تطبيق الفرد في تفاهمه مع غيره للنظم اللغوية التي تواضع عليها مجتمعه, فهو عمل في جوهره, ولذلك يخضع أحيانًا لمؤثرات غير اجتماعية (المؤثرات الجسمية والنفسية... وما الى ذلك). أم اللغة فظاهرة اجتماعية تنشأ من طبيعة الاجتماع ويشرف عليها العقل الجمعي. ولذلك لا يكاد يكون لغير الظواهر الاجتماعية اثر ذو بال في شئونها (انظر كتاب دو سوسور.

Cours de linguistique generale.).

(13) انظر آخر ص27, وص28, وآخر30, وأول 31, والفصل الأول من الباب الأول من هذا الكتاب.
(14) انظر مثلًا 133-143, وآخر 175, وأول 176، 250، 251.
(15) لم نعد العوامل الأدبية المقصودة من بين هذه العوامل؛ لأنها - وإن كانت فردية من بعض النواحي -ترجع من بعض وجودها إلى ظواهر اجتماعية "انظر الفقرة التالية, وهي الرابعة من هذا الفصل", هذا وقد حاول بعض المتعصبين لنظرية دوسور أن يرجع العوامل الجغرافية والجسمية والنفسية إلى ظواهر اجتماعية، فلم تخل محاولته هذه من تعسف ظاهر.
(16) انظر كذلك في الرد على نظرية دوسوسور Delacroix, Langage et pensee 47-62  وانظر تفصيل هذا الموضوع كله في كتابي "اللغة والمجتمع".




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحسيني الثاني عشر في جامعة بغداد تعلن مجموعة من التوصيات
السيد الصافي يزور قسم التربية والتعليم ويؤكد على دعم العملية التربوية للارتقاء بها
لمنتسبي العتبة العباسية قسم التطوير ينظم ورشة عن مهارات الاتصال والتواصل الفعال
في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية