المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مباني الديك الرومي وتجهيزاتها
2024-04-30
مساكن الاوز
2024-04-30
مفهوم أعمال السيادة
2024-04-30
معايير تميز أعمال السيادة
2024-04-30
الحكم القانوني لأعمال السيادة
2024-04-30
التطور التاريخي لنشأة أعمال السيادة
2024-04-30

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


التغير في البنية  
  
1052   01:48 صباحاً   التاريخ: 21-4-2019
المؤلف : د. محمود فهمي حجازي
الكتاب أو المصدر : اسس علم اللغة العربية
الجزء والصفحة : ص304- 314
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / قضايا لغوية أخرى /

 

التغير في البنية:
عندما كتب سيبويه في القرن الثاني الهجري كتابه العمدة في النحو لاحظ اللغوي العظيم أن صوت الضاد من الأصوات الصعبة التي لا يسهل نطقها على غير البدو، وتحدث عن نطق آخر لها أطلق عليه "الضاد الضعيفة"(1). ولسنا نريد هنا أن نفصل القول في كيفية النطق للضاد البدوية، فهذا لا يزال موضع خلاف بين الباحثين، ولكن الضاد الضعيفة على كل حال ثمرة أثر من آثار الأساس اللغوي، فاللغات التي سبقت العربية في الشام والعراق ومصر والمغرب لم تكن تعرف الضاد ... كانت العراق حيث عاش سيبويه ملتقى لأخلاط من القوم يتحدث أكثرهم باللهجات الآرامية التي لا تعرف صوتا اسمه الضاد. ولذا فقد نتج عن محاولتهم الناقصة النطق بالضاد ذلك الصوت الذي يطلق عليه سيبويه اسم الضاد الضعيفة.
وربما يتصور البعض في مصر أو في العراق أن هذه الضاد التي تنطق اليوم هي الضاد التي كان ينطقها امرؤ القيس أو زهير قبل الإسلام، أو كعب بن زهير في صدر الإسلام، أو الخليل بن أحمد في القرن الثاني للهجرة، وهذا غير صحيح، فالنطق العراقي الحالي للضاد يخلطها مع الظاء خلطًا يجعل التلاميذ يخلطون في الكتابة

ص304

 

بين هذه وتلك. وهذه الظاهرة ليست وليدة الساعة بل بزغت مع استقرار العربية في العراق، وهناك عدد كبير من الرسائل أكثرها من العراق والمغرب يحاول مؤلفوها فيها التمييز بين الكلمات ذات الضاد والأخرى ذات الظاء، ولولا الخلط لما كانت هناك صورة لتأليف هذه الرسائل(2).
لقد التقت الضاد والظاء في العراق في نطق واحد هو النطق الذي يسمعه أبناء مصر ظاء، أما في مصر فهناك تطور مواز، فقد التقت الضاد والظاء في نطق واحد، فنحن نقول اليوم كلمة "ظل" في العامية كما لو كانت بالضاد. ولسنا نريد الآن تحديد زمن هذا الخلط، وقصارى محاولتنا هنا أن نبين أن هذا النطق الذي يتصوره بعض أبناء مصر نطقًا قديمًا للضاد ليس كذلك، فهذا النطق الحديث يجعل من الضاد صوتًا مطبقًا مقابلا للدال. ولكن سيبويه جعل المقابل المطبق للدال هو الطاء لا الضاد. وهنا وجه الخلاف بين القديم والحديث، فالإطباق في اصطلاح علماء الأصوات العرب القدامى والمعاصرين اتخاذ طرف اللسان وأقصاه وضعا مرتفعا نحو الحنك الأعلى مع حدوث تقعر في وسط اللسان. ولو طبقنا الفهم العلمي الدقيق لنصوص سيبويه على البحث الصوتي لخرجنا من هذا أن النطق القديم للطاء "ط" هو ما ينطبق تماما على النطق الحالي للضاد في مصر، فالضاد في مصر تنطق مثل الدال، اللهم إلا أن الضاد مطبقة والدال غير مطبقة، وقديمًا قال سيبويه "ولولا الأطباق لصارت الطاء دالا .... ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شيء في موضعها غيرها"(3) لقد حدث.
إذن تطور في عدد من الأصوات، لقد صعبت الضاد فتحولت على نطق جديد وتغير نطق الطاء.

ص305


وهناك قضية يثيرها كثير من الباحثين حول نطق القاف، وقد وصف سيبويه نطق هذا الصوت وصفًا يجعله من الأصوات التي يهتز الوتران الصوتيان اهتزازًا شديدًا عند النطق بها، ويطلق على هذا النوع من الأصوات اسم: "الأصوات المجهورة"، ولكن النطق الحالي لهذا الصوت في قراءتنا للعربية الفصحى لا يجعل الصوت مجهورًا، أي أن الوترين الصوتيين لا يهتزان اهتزازًا يذكر عند النطق بالقاف في نطقها التقليدي على مستوى الفصحى، فكيف نتج الاختلاف؟ هل تطورت القاف من صوت مجهور إلى صوت غير مجهور؟ وكيف كانت القاف القديمة؟ يرى بعض اللغويين أن هذه القاف القديمة هي القاف البدوية أعنى الجاف البدوية، وليعد القارئ الكريم بسمعه إلى البدو يقول "هو جال لي وأنا جلت له"، إن هذه الجاف مجهورة فعلا وقد تكون هي القاف التي عرفها سيبويه. ويرفض بعض الباحثين هذا التفسير قائلين: بأن القاف القديمة تشبه الغين الحالية أي تشبه النطق العامي الحالي للقاف في السودان والكويت والخليج العربي(4).
ويرى بعض الباحثين أن هذا الصوت هو الوريث الحقيقي للقاف القديمة. أن ظواهر التطور الصوتي كثيرة وحسبنا مع ضيق المكان ما ذكرناه.

ص306

 

كلمات جديدة:
أما التطور في الكلمات فأبعد مدى وأكثر وضوحًا، إن وزن فاعل ووزن مفعول والأوزان الأخرى هي هي، لم يكد يطرأ عليها تغير في البنية، ولكن التغير في هذه الأوزان يكمن في بناء كلمات جديدة لم يكن يعرفها المجتمع البدوي القديم. ولننظر نظرة بسيطة إلى مادة جمع في "لسان العرب" مقارنين إياها بنفس

ص306

 

المادة في معجم دوزي(5)، والمعروف أن كل المادة التي في لسان العرب المؤلف في القرن السابع الهجري قد أخذت من معاجم سبق تأليفها في مراحل سابقة، وهذه المعاجم أخذت مادتها بدورها من الرسائل اللغوية التي أثمرت عنها حركة جمع اللغة في البادية في أواخر القرن الأول وعلى امتداد القرن الثاني وأوائل القرن الثالث. والاستثناء الوحيد هنا هو ما أخذه صاحب لسان العرب من معجم تهذيب اللغة للأزهري، فقد سجل الأزهري بنفسه في القرن الرابع الهجري مادة لغوية في البادية. إن مادة اللسان إذن مادة بدوية وجلها يرجع إلى القرن الثاني الهجري، فماذا تفعل الحضارة العربية الإسلامية والعلوم الناشئة والمجتمع الحضري في العراق والشام ومصر والمغرب والأندلس بهذا المعجم البدوي الذي يعرف للجمل أكثر من مائة اسم، وماذا يفعل المفكر الأندلسي بمائة اسم للأسد.
لقد نشأت كلمات جديدة مع الضرورات الحضارية الجديدة، ولولا هذه التجديدات لما عرفنا الحضارة العربية الإسلامية في أبعادها المأثورة. وعندما حاول المستشرقون الأوربيون قراءة التراث العربي الإسلامي لم يسعفهم لسان العرب في الفهم الدقيق للكلمات وطال تفكيرهم، وحاولوا بالمقارنة فهم السياق حتى عرفوا المقصود معرفة تصيب أحيانا وتجافي الصواب أحيانا. وهنا ظهرت الحاجة إلى تأليف معجم مكمل للمعاجم العربية، وقام المستشرق دوزي بعمل هذا المعجم. ومن الطريف هنا أن نقارن مادة من المواد في اللسان كمثل للغة البادية بما جمعه دوزي كنموذج للكلمات التي استخدمت في عصر الحضارة العربية الإسلامية. وكي نكمل الصورة لننظر في المعجم القيم الذي ألفه عالم هندي جليل في القرن الثالث عشر الهجري هو التهانوي، وهذا المعجم هو كشاف اصطلاحات الفنون.
لقد أمدت اللغة البدوية مجتمع الحضارة الإسلامية بالمواد اللغوية المختلفة ونعنى بالمواد

ص307

 

هنا الحروف الأصول، وأمدت أيضًا بعدد من القوالب أو الأوزان ولكنها لم تكن بحاجة إلى استخدام جميع الأوزان من كل كلمة، فمثلا وزن انفعل من المادة جمع أي: انجمع. لم يرد في لسان العرب ولكنه استخدم في الأندلس الإسلامية. يقول المقري: "انجمعت عن كل النفوس".
الأوزان: أفعال وافعوعل أو افعنلل أو افعنلي وغيرها من الأوزان النادرة لم ترد أيضا من المادة "جمع"، ولكن القضية ليست فقط قضية وجود الكلمة، فالكلمة كرمز صوتي لا قيمة لها دون استخدام، والمعنى هو العنصر الثاني بعد وجود الرمز، فالرمز اللغوي لا يكون رمزًا إلا إذا كان له معنى، وسنحاول فيما يأتي تتبع تطور بعض الألفاظ التي تدخل في مادة "جمع".
لقد عرف لسان العرب كلمة "جمع" أنها نتيجة ضم شيء إلى شيء، أو أنها مرادف لكلمة جماعة من الناس، والجمع أيضًا هم القوم المجتمعون، والجمع فوق هذا وذاك: الأشتات من التمر. ولكن العلوم العربية الإسلامية استخدمت كلمة الجمع كاصطلاح، وكل علم عرف لهذا الاصطلاح معناه، يوضح هذا لنا كتاب التهانوي كشاف اصطلاحات الفنون(6)، فالجمع عند المحاسبين هو زيادة عدد على عدد آخر، أي أننا إذا أضفنا 5+ 6 = 11 لكان هذا جمعًا. ولو أضفنا 5+ 5 = 10 لكان عنده تضعيفًا. ويذكر التهانوي أيضًا الجمع عند علماء أصول الفقه: وهؤلاء هم المهتمون بالقضايا المنهجية للفقه الإسلامي، فالجمع عندهم: أن يجمع بين الأصل والفرع لعلة مشتركة بينهما ليصح القياس". وأما الجمع عند النحويين فله معانيه وصوره المختلفة، ونفس المصطلح تجده أيضًا عند البديعيين والصوفيين والمنطقيين وغيرهم من أصحاب العلوم. وهكذا استخدمت الكلمة القديمة "جمع" استخداما اصطلاحيا متنوعًا.

ص308

 

ولنقف قليلا عند كلمة "الجامعة". فهذه الكلمة استخدمت كما يخبر لسان العرب- صفة للمؤنث واسما، فالصفة مثل قولهم "سورة جامعة" أي جمعت فيها أشياء كثيرة، و "الجامعة" اسما بمعنى الغل أو القيد، وشتان بين هذا الاستخدام والاستخدام الحديث، نحن نعرف الجامعة اليوم تيارًا سياسيًّا هو الجامعة الإسلامية، ومنظمة دولية هي: الجامعة العربية ومعهدًا أكاديميًّا مثل جامعة القاهرة ومعهدًا علميًّا غير أكاديمي مثل الجامعة الشعبية.
أما كلمة "جماعة" فيبدو أن استخدامها كثر وشاع بمعنى محدد جديد في عصر الحضارة الإسلامية إن لسان العرب يعرف الكلمة، فالجماعة عنده الجمع من الناس أو الشجر أو النبات، ولكن إذا نظرنا في معجم دوزي لاحظنا أن معظم أمثلته حول كلمة جماعة مأخوذة من مؤلفات الأندلسيين والمغاربة. ذكر دوزي في استخدام الكلمة: "مذهب السنة والجماعة"، "أهل السنة والجماعة" "جماعة المسلمين" "أمر الجماعة" "افترق أمر الجماعة" "المستمسكون بالجماعة" ... إلخ. وواضح أن كلمة الجماعة تعني هنا الصف الإسلامي "الموحد" وكل هذا نقله دوزي عن المقري وابن خلدون وأبي حيان وغيرهم من المغاربة. ولنفكر قليلا في استخدامنا العامي لكلمة جماعة كناية عن الزوجة. ... لنلاحظ تغيرًا في دلالة الكلمة.
وهناك عدد من الألفاظ لم تعرفها اللغة العربية حتى القرن الثاني إذا سلمنا أن لسان العرب قد قدم لنا صورة أمينة لها، فكلمة "جمعية" لم يعرفها اللسان ونجدها لأول مرة في معجم دوزي، وهو يذكر تحتها "جمعية أهل البلد" ولكنا نستخدم الكلمة اليوم استخدامًا اصطلاحيًّا شائعًا فنتحدث عن الجمعية العمومية لإحدى الشركات المساهمة وعن الجمعية العامة للأمم المتحدة كمجموع الأعضاء المساهمين أو المشتركين، وعن جمعية الإسعاف كمنظمة خيرية، وعن الجمعية التشريعية كمجلس نيابي، وعن الجمعية التعاونية، وكذلك عن الجمعية الاستهلاكية. وهكذا ظهرت الكلمة واستخدمت وشاعت.

ص309

 

وشبيه بهذا القول في كلمة "اجتماع" فهذه الكلمة لم يعرفها اللسان وذكرها دوزي عن أبي الفداء بمعنى اللقاء، ثم أفرد لها التهانوي في "كشاف اصطلاحات الفنون" عرضها مسهبا، وتحدث عن مفهوم "الاجتماع" عند المنجمين وعند علماء الكلام وكذلك عند النحاة، فلكل علم مصطلحه ... وإذا قلنا اليوم كلمة "الاجتماع" تبادر إلى الذهن اجتماع مجموعة من الناس في مكان ما أو اجتماعهم على شيء، وربما تذكر البعض "علم الاجتماع" هذا العلم الجديد الذي استعان بالكلمة القديمة ليسمى نفسه في العربية، وربما خطر في ذهن أحد القراء وزارة الشئون الاجتماعية... فكلمة اجتماعية من اجتماعي، والأخيرة من اجتماع، وربما تذكرنا المساواة الاجتماعية أو العلاوة الاجتماعية، كل هذا من الكلمة التي لم تكن تعرفها لغة البدو حتى القرن الثاني، وهل كان لمجتمع البداوة أن يعرف العلاوة الاجتماعية أو علم الاجتماع أو اجتماع الساكنين عند النحاة!
ولعل من غير المتصور أن يتحدث اليوم مثقف عربي دون أن يستخدم كلمة "مجتمع"، ولكن هذه الكلمة لم يعرفها اللسان، وأقدم استخدام نعرفه لها هو ما سجله دوزي نقلًا عن الجغرافي الصقلي المشهور الإدريسي، وربما كان الإدريسي أول من عرف هذه الكلمة التي أصبحت في العصر الحديث مصطلحًا مهما. وشبيه بهذه كلمة "مجتمع"، نتحدث اليوم عن المجمع العلمي والمجمع اللغوي، فهل عرفت لغة البادية هذه الكلمة؟ نعم لقد عرفتها ولكن بمعنى الجمع من الناس ونقطة الالتقاء وموضع الاجتماع، وهذه المعاني القديمة أصل للاستخدام الحديث.
وفوق هذا وذاك فنحن نعرف اليوم كلمة "المجموع" كاسم قائم برأسه وكذلك كلمة "المجموعة" كاسم آخر، ولكن الكلمة عرفت قديمًا، فالمجموع في اللسان ما جمع من هنا وهناك وإن لم يجعل كالشيء الواحد، ولكن كلمة المجموعة لم

ص310

 

تعرف قديمًا كاسم قائم بذاته بل كصفة، ولنقرأ أمثلة دوزي: "قرية مجموعة عامرة" بليدة مجموعة أي زاخرة بالسكان، ولكن الكلمة.
تحولت اليوم في الاستخدام الحديث إلى اسم قائم بذاته.
وأخيرًا نذكر كلمة "تجمع" هذه الكلمة الشائعة في الاستخدام المعاصر والتي لم تعرفها المعاجم القديمة ولا محاولات استكمالها، وكأن هذه الكلمة صياغة جديدة لمادة قديمة في شكل قديم. فإذا كانت المادة قديمة في العربية والأوزان المختلفة قديمة أيضًا، فإن الاستخدام اللغوي القديم لم يكن بحاجة إلى صياغة كل الأوزان والمشتقات من هذه المادة فالتطور الذي حدث يكمن في صياغة كلمة جديدة من وزن معروف ومادة معروفة، وهكذا تظهر من العنصرين كلمة جديدة، ويظهر التطور أيضًا في استخدام الكلمة القديمة لتؤدي دلالة جديدة أرادت العلوم أو الحضارة التعبير عنها، فوجدت في الكلمة القديمة إمكانية طيعة طورتها بالاستعمال في المعنى الجديد فاكتسبته. وأصبحنا لا نعرفها إلا في الاستخدام الجديد.

 

تراكيب نحوية جديدة:
وفوق هذا وذاك فهناك ظواهر كثيرة نلاحظها في بناء الجملة العربية الحديثة، ولا تكاد تبدو شائعة في الضوابط التي استخرجها النحاة من لغة القرون الأولى فالجملة العربية الحديثة كما نعرفها في الكتابات والمؤلفات والصحافة تعرف تراكم المصادر على نحو لم يعرف قديمًا بنفس القدر من الانتشار. نقرأ اليوم عن احتمال قيام حرب في منطقة ما، والكلمات: احتمال، وقيام، وحرب، كلها مصادر أضيف سابقها إلى لاحقها ونسمع من الإذاعة على لسان أحد رجال الأمم المتحدة: استحالة منع نشوب حرب بين مصر وإسرائيل والكلمات: استحالة، ومنع، ونشوب، وحرب، كلها مصادر أضيف سابقها إلى لاحقها على نحو لم تكن تعرفه اللغة القديمة على هذا النحو التراكمي. هذا وينبغي أن نذكر في هذا

ص311

 

الصدد أن دراسات النحاة العرب للغة إنما قامت على أساس لهجات بعض القبائل ولغة الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة، ولم تضع هذه الدراسات نصوص النثر العربي الذي ازدهر بعد هذا في بؤرة التحليل اللغوي، ولذا فمن الصعب الاعتماد على كتب النحاة القدماء لنتعرف على طبيعة الأساليب التي عرفها النثر العربي الإسلامي، ونحن الآن نلاحظ بعض الظواهر الموجودة في النثر فنلاحظ الشائع الجديد في النثر ولا نراه في تلك المؤلفات التي قامت أساسًا على دراسة لغة الشعر، فأحكامنا هذه تظل نسبية إلى أن يوضح البحث نسبة شيوع هذه الظواهر في الشعر والنثر على نحو تاريخي، وهذا هو ما يصبو إليه النحو التاريخي للغة العربية.
يعرف النثر العربي الحديث اتجاهًا إلى فك حالة الإضافة باستخدام حرف جر، وهذه الظاهرة شائعة نمارسها ونفهمها ليل نهار، فنحن نتحدث عن صورة من الصور ونقول: هذا منظر عام للواجهة الأمامية لجامعة القاهرة، تفصيلا للعبارة الموجزة: منظر واجهة جامعة القاهرة، ولنقارن الجملتين: ففي الثاني كلمة منظر مضافة إلى واجهة، وكلمة واجهة مضافة إلى جامعة ولكن الجملة الأولى عرفت فك حالة الإضافة مستخدمة بين المضاف والمضاف إليه حرف جر هو اللام، فبدلا من "منظر واجهة" نقول "منظر لواجهة"، وبدلا من "واجهة الجامعة" نقول "الواجهة .... لجامعة" ... ولكن ينبغي أن نلاحظ هنا أيضًا أن المضاف السابق في كل هذه الحالات قد وصف ثم جاءت اللام ثم المضاف إليه السابق بعد ذلك. وعلى هذا فنحن نتحدث عن منظر عام –للواجهة الأمامية– لجامعة القاهرة. وكذلك عن "المدير العام، لإدارة البعثات، وعن المفوض العام، لشركة السيارات، أو عن: المراسل الخاص، للأهرام أو: الأمين العام، لجامعة الدول العربية وفي كل هذه الحالات وصف المضاف السابق، وفكت حالة الإضافة باللام.

ص312

 

وإذا نظرنا على مزيد من الأمثلة الخاصة بفك حالة الإضافة باللام وجدنا أن المضاف السابق يكون في كثير من الأحيان في حالة إضافة جديدة. نقول: "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة"، فالتعبير البسيط "منظمة التربية و ..." قد فك بدخول اللام على المضاف إليه "التربية" وبدخول مضاف إليه جديد مضاف إلى المضاف الأول، فتحدثنا عن منظمة الأمم .... لـ .....، وعن وزير الدولة لـ....، وعن سوء استعمال الحمقى لـ ....، وعن أول اجتماع لـ.. ، وعن استلام الدولة لـ .... وهكذا نلاحظ أن ظاهرة فك حالة الإضافة باستخدام اللام بين المضاف القديم والمضاف إليه القديم ارتبطت بتخصيص المضاف القديم إما بالصفة أو بمضاف إليه جديد.
وإلى جانب هذا نلاحظ فك حالة الإضافة باستخدام حرف الجر: الباء، فنحن نقرأ عن قرار بتأميم الشركة، أو تفويض بعقد الاتفاقية، أو أمر بإنساء ....، أو مشروع بتخويل رئيس الدولة .... وهذه الظاهرة شائعة في النثر العربي الحديث. ولا يكاد يعرفها الاستخدام القديم، وعلى كل حال فظاهرة فك حالة الإضافة في النثر العربي الحديث موازية لفك حالة الإضافة في العبرية الحديثة وفي اللهجات العربية الحديثة، ففي العبرية القديمة يكون المضاف والمضاف إليه تركيبًا واضح المعالم مثل "سيفر يوسيف" أي سفر يوسف، ولكن التعبير الحديث "هسيفر شل يوسيف" أي الكتاب الذي ليوسف، ولو كنا أكثر دقة لترجمنا العبارة إلى العامية المصرية قائلين: الكتاب بتاع يوسف، فحالة الإضافة فكانت هنا وهناك في العبرية باستخدام "شل" كأداة للربط بين المضاف والمضاف إليه السابقين، وفي اللهجات العربية الحديثة باستخدام كلمة "بتاع" أو "متاع"، أو "حق"(7)، فظاهرة فك حالة الإضافة موجودة إذن في مستويات

ص313

 

لغوية حديثة مختلفة، وكل مستوى يستخدم للفك أداته الخاصة به، ولم تعد الظاهرة أمرا نادرًا أو خاصًّا بضرورة الشعر كما سجل النحاة القدماء.
وفوق هذا وذاك فقد طورت العربية الفصحى في استخدامها الحديث عدة وسائل للتعبير عما يعبر عنه في علم اللغة بالتنكير. ومعروف أن العربية تعرف عدة أنواع من المعارف، وكان التنوين ولا يزال يؤدي فيها وظيفة علامة التنكير. ولكن الاستخدام الحديث يعرف أيضًا استخدام كلمة "أحد" والمؤنث "إحدى" مضافة إلى ما بعدها للتعبير عن التنكير. نجد هذا في العبارات الآتية:
أحد الأمريكيين، أحد البيوت، أحد رجال الشرطة، أحد كبار الضباط، إحدى السفن الحربية، إحدى المدارس، إحدى الصحف، إحدى المقومات الأساسية، فكلمة أحد أو إحدى أضيفت إلى صيغة الجمع التالية، والتركيب كله معناه معنى المفرد النكرة. وشبيهة بهذا أيضًا استخدام كلمة "ما" بعد المفرد للتعبير عن كونه نكرة، وهذا التعبير له جذوره في القرآن الكريم: {مَثَلًّا مَا}(8)، ونجده شائعًا في النثر العربي الحديث مثل: شيء ما، وقت ما، يوم ما، اصطلاح ما، تأليف ما، .....إلخ، وهكذا عرفت اللغة العربية في العصر الحديث للتنكير تعبيرات مختلفة بأدوات طورتها لذلك وأخذتها لهذا من اللغة المتوارثة.(9)

ص314
_________________

(1) الكتاب "ط بولاق 1317" 2/ 404.
(2) رمضان عبد التواب: مشكلة الضاد وتراث الضاء والظاء، في: مجلة المجتمع العلمي العراقي "1971" وبه قائمة بهذه المؤلفات في الفرق بين الضاد والظاء.
(3) الكتاب 2/ 406.
(4) حول الجانب الصوتي في لهجة الكويت، انظر: عبد العزيز مطر: خصائص اللهجة الكويتية، الكويت فبراير 1969، وقد ناقش الباحث هذه القضية ص34-35.

(5) Dozy: Supplement aux Dictionaires arabe, I. II. Leiden/ Paris 1881.

(6) انظر مادة "جمع" في كشاف اصطلاحات الفنون "ط القاهرة 19630" 1/ 33-343.
(7) في بعض اللهجات البدوية المعاصر يقال: البيت حج "جيم مصرية" ابراهيم، بمعنى: بيت ابراهيم.

(8) البقرة: 25.
(9) الفهرست (ط فلوجل).




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



بالصور: ويستمر الانجاز.. كوادر العتبة الحسينية تواصل اعمالها في مشروع سرداب القبلة الكبير
بحضور ممثل المرجعية العليا.. قسم تطوير الموارد البشرية يستعرض مسودة برنامجه التدريبي الأضخم في العتبة الحسينية
على مساحة (150) دونما ويضم مسجدا ومركزا صحيا ومدارسا لكلا الجنسين.. العتبة الحسينية تكشف عن نسب الإنجاز بمشروع مجمع إسكان الفقراء في كربلاء
للمشاركة الفاعلة في مهرجان كوثر العصمة الثاني وربيع الشهادة الـ(16).. العتبة الحسينية تمنح نظيرتها الكاظمية (درع المهرجان)