جواري وقهرمانات الخليفة أبـو جعفر الواثق بالله (227-232هـ/841-846م) (1) :

هو الخليفة التاسع في قائمة السيوطي من خلفاء بني العباس، كان الخليفة الواثق قد تبنى النهج الذي سار عليه والده المعتصم في إدخال الجواري التركيات إلى البلاط العباسي (2) ، وبارتقاء شخصية الواثق الضعيفة مقارنة بسلطة المعتصم نرى ظهور سيطرة واضحة للجواري على أغلبية أمور هذا الخليفة ودار الخلافة ، متمثلة بالجارية فريدة الصغرى والجارية شارية وأم الخليفة الجارية قراطيس ، ونبدأ بأشهرهن وهي :

1-الجارية فريدة الصغرى  (3) :

تركية الأصل ، إنظمت إلى قصر الواثق عن طريق الإهداء أهداها له شخص باسم " عمرو بن بأنه " المغني (4) ، ويقال بأنها كانت حسنة الوجه ، وحادة الفطنة والفهم وربما بسبب جمالها ، وصنعتها في الأدب ، والغناء أصبحت حظية لدى الخليفة الواثق (5) وبلا ريب ان تسميتها بالصغرى هو تميزها عن واحدة تعرف بفريدة الكبرى في عهد الخليفة الأمين ( 193-198هـ/ 808-813م ) ، وكان الواثق قـد أوكل إلى الجاريـة شارية تعليم فريدة الصغرى فنون الغناء والموسيقى (6) الا ان شاربة تجاوزت ذلك إلى تعليمها فنونا أخرى مكملة لعمل الجارية وبمرور الوقت أصبحت شارية من أصحاب النفوذ بين حاشية الواثق (7) حتى يقال أنها شفعت لأسحق الموصلي عند سيدها للعفو عن زلته التي ارتكبها بشأن المعتصم بمناسبة تدشين قصره بالميدان والسماح بحضور مجلسه حتى رضى عنه (8) ، لأجل عيون الجارية فريدة الصغرى وتكررت الرواية بين الأخوين الواثق والمتوكل حول الجارية فريدة الصغرى (9) مثلما حدث بين موسى الهادي وهارون الرشيد حول الجارية غادر والتي أمست في النهاية زوجة الخليفة المتوكل (10) .

2-الجارية شارية :

تركية المنشأ (11) كانت في باديء الأمر بقصر المعتصم في سر من رأى أنتقلت بعد وفاة المعتصم إلى الخليفة الواثق (12) ، وكما قلنا أنها كانت تعلم بقية الجواري فنون الغناء والموسيقى ، ولم تذكر المصادر مصيرها .

3-الجارية قراطيس :

هي على خلاف الجواري اللاتي ورد أسمهن في أعلاه ، رومية الأصل وصلت إلى قصر الخلافة عن طريق الحرب مع الروم أيام المعتصم (13) ، كانت قراطيس عندما ضمت السبايا والغنائم العائدة للخليفة فضمها المعتصم لحاشيته (14) ولا نعرف شيئاً سوى أنها ماتت سنة 230هـ/844م (15) .

4-الجارية قلم الصالحية :

هي تركية النسب (16) سميت بقلم الصالحية نسبة لمالكها الأول صالح بن عبد الوهاب (17)، أخذت صفة الموسيقى والغناء عن إبراهيم الموصلي، وأبنه إسحق (18)، ثم اشتهرت حتى صار مشاهير المغنين يغنون الحانها (19)، ويذكر بأن شهرتها لفتت أنظار الخليفة الواثق، فاشتراها بمبلغ غير معلوم واستخلصها لنفسه وماتت في حياة الخليفة الواثق سنة 230هـ/ 844م (20).

أي من الجواري كانت تعمل قهرمانة داخل قصر الخليفة الواثق لا نعرف عن ذلك شيء يذكر، علماً ان الواثق خلف وريثاً له في الخلافة هو المهتدي بالله.

________________

(1)  الواثق : هو هارون بن المعتصم ، ولد سنة 196هـ. ولي الخلافة بعهد من أبيه ، بويع سنة 227هـ/ 841م ، استخلف في سنة 228هـ/ 842م أشناس التركي وألبسه وشاحين مجهرين وتاجاً مجوهراً ، يعد أول خليفة عباسي استخلف سلطاناً تركياً ، وكان الواثق وافر الأيدي ، توفي بمرض الاستسقاء سنة 232هـ. ينظر : السيوطي :تاريخ الخلفاء ، ص ص 342-343 .

(2) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، ج6 ، ص181 ؛ ابن كثير : البداية والنهاية ، ج10 ، ص142 .

(3) فريدة: أول ما نقرأ في تاريخ العرب أسم فريدة ندرك انها جارية من الجواري لا حرة لأنه من اسماء الجواري المملوكات عند العرب حتى الآن البيوتات العربية لا تزال تسمي الجواري الحبشيات فريدة، إذا تعني الدرة الكبيرة البيضاء ، فإذا سمت بها السوداء فذلك من تسمية الشيء بضده . ينظر : لويس معلوف : المنجد في اللغة  ص650 .

(4)  الطبري: تاريخ الرسل والملوك، م4 ، ج3 ، ص177 ؛ نابيا ابوت : ملكتان في بغداد ، ص74 .

(5)  ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج6 ، ص164 ؛ ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة  ج4 ، ص147 .

(6)  المسعودي: مروج الذهب، ج4، ص120؛ ابن العماد: شذرات الذهب، ج2   ص80.

(7) الصابي : الوزراء ، ص165 ؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص32 ؛ السيوطي : المستظرف ، ص24 .

(8)  الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، م4 ، ج3 ، ص1179 ؛ ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج6 ، ص83 .

(9)  مسكويه : تجارب الأمم ، ج2 ، ص72 ؛ فيليب حتي : تاريخ الرب المطول ، ج1  ص332 .

(10)  الصابي : الوزراء والكتاب ، ص166 ؛ المسعودي : مروج الذهب ، ج4 ، ص124  السيوطي : تاريخ المستظرف ، ص25 .

(11)  الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، م 4 ، ج3 ، ص1180 ؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص345 .

(12)  ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج6 ، ص84 ؛ مسكويه : تجارب الأمم ، ج1 ، ص73؛ مصطفى جواد : سيدلت البلاط العباسي ، ص72 .

(13)  ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص35 ؛ النويري : نهاية الأرب ، ج5 ، ص195 ؛ أحمد شلبي : في قصور الخلفاء ، ص80 .

(14)  ابن الكازروني : مختصر التاريخ ، ص246 ؛ الثعالبي : ثمار القلوب ، ص123 .

(15)  الأصفهاني : الأغاني ، ج16 ، ص137 ؛ أبن كثير : البداية والنهاية ، ج10 ، ص130  اين شاكر الكتبي : فوات الوفيات ، ج3 ، ص171 .

(16)  الأبشيهي : المستطرف ، ص152 ؛ الوشاء : الموشي ، ص32 ؛ مصطفى جواد : سيدات البلاط العباسي ، ص162 .

(17)  لم نعثر له على ترجمة في كتب تراجم الرجال والاعلام .

(18)  الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، م4 ، ج3 ، ص1182 ؛ محمد جميل بيهم : المرأة في حضارة العرب ، ص170 .

(19)  الأبشيهي : المستطرف ، ص163 ؛ السيوطي : المستظرف ، ص34 ؛ المنجد بين الخلفاء والخلعاء ، ص40 .

(20)  ابن خلكان : وفيات الأعيان ، ج3 ، ص151 ؛ ابن شاكر الكتبي : فوات الوفيات ، ج3 ، ص163 .