المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مميزات لحم السمان
2024-04-28
مميزات بيض السمان
2024-04-28
انواع السمان
2024-04-28
تمييز الجنس في السمان
2024-04-28
الاستخدامات التحليلية للبوليمرات شبكية التداخل
2024-04-28
البوليمرات شبكية التداخل الآنية Simultaneous IPNs (SIN)
2024-04-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


نشأة اللغة عند الطفل (المراحل التي يجتازها الطفل في أصواته وتعبيراته)  
  
1698   11:10 صباحاً   التاريخ: 3-12-2018
المؤلف : د. علي عبد الواحد وافي
الكتاب أو المصدر : علم اللغة
الجزء والصفحة : ص128- 151
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / مدخل إلى علم اللغة /


المراحل التي يجتازها الطفل في أصواته وتعبيراته
يجتاز الطفل في هذه السبيل أربع مراحل, تمتاز كل منها بمميزات خاصة في أصواته وتعبيراته.
المرحلة الأولى: من الولادة إلى الشهر الخامس
وفي هذه المرحلة لا يظهر من أنواع الأصوات الستة السابق ذكرها إلّا الأنواع الثلاثة الأولى: "الأصوات الوجدانية"، و"الأصوات الوجدانية الإرادية"، و"أصوات الإثارة السمعية"(1).
أما تعبيرات الطفل في هذه المرحلة فتنتظم جميع أنواع التعبير السابق ذكرها(2) ما عدا النوعين الخامس والسادس "التعبير عن المعاني عن طريق اللغة، والتعبير عن المعاني عن طريق محاكاة أصوات الحيوان والأشياء".
فيبدو لديه في هذه المرحلة التعبير الطبيعي عن الانفعال في
ص128
مظهرية الصوتي والحركي "البكاء، الصراخ، الضحك، الابتسام، انقباض الأسارير وانبساطها، إحمرار الوجه، إصفراره، ارتعاش الجسم، وقوف شعر الرأس.. وهلم جرا", وتختلف هذه التعبيرات في موعد ظهورها؛ فأول ما يظهر من أنواعها الصوتية الأصوات الدالة على الألم الجسمي وعلى الجوع, وما إلى ذلك، ثم تظهر بعد ذلك -في أواخر الشهر الثاني تقريبا- الأصوات المعبرة عن الألم النفسي؛ كأصوات الحزن والإخفاق وضيق الصدر ... ، أما الأصوات المعبرة عن الحالات السارة جسميها ونفسيها؛ كالفرح والطمأنينة والارتواء والشبع, فلا تبدو إلّا في منتصف هذه المرحلة أو في أواخرها, وتسير التعبيرات الحركية في مواقيت ظهورها على سنن قريب من التعبيرات الصوتية.
وتبدو لدى الطفل كذلك في هذه المرحلة مظاهر "التعبير الوجداني الإرادي"، فكثيرًا ما يتعمد الصبي في شهوره الأولى محكاة تعبيره الطبيعي؛ ليقف المحيطين به على حالة وجدانية متلبس بها، أو ليحملهم على تحقيق رغبة من رغباته "يتعمد مثلًا الصراخ أو البكاء ليقضي له مطلب ما".
ويبدو لديه كذلك في أواخر هذه المرحلة بعض مظاهر من التعبير عن المعاني عن طريق الإشارة؛ فكثيرًا ما يلجأ إلى الإشارات اليدوية والجسمية للتعبير عما يهمه التعبير عنه، كأن يمد يده ويضم أصابع كفه للإشارة إلى شخص بالدنو منه، وكأن يدفع شخصًا بيده للتعبير عن رغبته في أن يبعد عنه ... وهلم جرا.
المرحلة الثانية: من الشهر الخامس إلى أواخر السنة الأولى
وتمتاز هذه المرحلة عن المرحلة السابقة من الناحية الصوتية بظهور نوع جديد من الأصوات, وهي أصوات "التمرينات النطقية", أو "اللعب اللفظي", أو"اللغط" التي تكلمنا فيما سبق عن طبيعتها
ص129
ووظائفها وأسسها(3), ويتألف معظمها في المبدأ من أصوات لينة "حروف مد", ثم تكثر فيها فيما بعد ذلك الأصوات ذات المقاطع "الحروف الساكنة", وقد تظهر لديه في هذه المرحلة بعض أصوات يحاول بها محاكاة ما يسمعه في صورة ما, كما تقدم بيان ذلك(4).
وأما فيما يتعلق بأنواع التعبير، فلا يظهر منها لدى الطفل في هذه المرحلة أيّ نوع جديد, ولكن ترقى لديه الأنواع القديمة التي تكلمنا عليها في المرحلة السابقة، وبخاصة الإرادي منها، فتكثر محاكاته الإرادية لوسائل التعبير الفطري, وتتهذب طرق تعبيره بالإشارة، ويتسع نطاقه، وتضبط دلالاته.
وفي هذه المرحلة، بل من قبل هذه المرحلة، يختزن الطفل في ذاكرته كثيرًا من الكلمات والجمل التي ينطق بها المحيطون به ويفهم مدلولها بدون أن يستطيع محاكاتها, ويساعده على فهمها سياق أعمال المتكلمين وما يصدر عنهم في أثناء النطق بها من حركات يدوية وجسمية وإشارات إلى ما تدل عليه, فإذا كُلِّفَ الطفل في هذه المرحلة أمرًا ما "اقفل الباب، هات الكوب، ضع لعبتك في العربة ... إلخ" أو طلب إليه الإشارة إلى أحد أعضائه، أو أعضاء غيره, أو إلى هنة ما "أين أنفك، أذنك، أبوك، أمك، عمك، سريرك، لعبتك ... " أدى ما كلفه, وأشار إلى ما يطلب إليه تعيينه من أعضاء وأشياء في صورة تدل دلالة قاطعة على فهمه لما سمع.
وقد ذكر الأستاذ بريير Preyer, أن النطق الواضح بالكلام لم يبدأ عنه ابنه إلّا في الشهر الثامن عشر، مع أنه، منذ الشهور الأخيرة من السنة الأولى، كان يفهم معظم ما يقال له وما يسمعه.
ص130
وذكر الأستاذ جويوم أن ابنته "لويز" كانت تفهم معنى كلمة "بابا" منذ الشهر الثالث، مع أنها لم تستطع النطق بها إلّا في الشهر السابع، وأن ابنه بول كان في شهره الرابع يفهم معاني الكلمات الآتية: "بابا"، "بول" "اسمه"، "ثدي"، وفي شهره الخامس كان يفهم كذلك معاني كلمتي "ماما" و"أخي الأكبر"، مع أنه في هذه المرحلة ما كان يستطيع النطق بآية كلمة من هذه الكلمات، وأن نطاق الفهم عند ولديه هذين قد اتسع اتساعًا كبيرًا في الشهور الأولى من مرحلة "التمرينات النطقية"، فكان الولد منها يلوح بيده تلويح الوداع عندما يقال له Adieu "مع السلامة", كما يلوح الكبار بأيديهم عندما يسمعون هذه الصيغة من مودعيهم، ويحاول أن يلبي ما يطلب إليه أداؤه بالقدر الذي تسمح به قواه الجسمية وقدرته على الحركة عندما يطلب إليه أن يرقص أو يجلس أو يقف أو يجيء ... وهلم جرا، ويلبي تلبية صحيحة ما يؤمر به إذا طلب إليه تقبيل أحد أبويه, أو الأخذ بلحية والده, أو شد شعر رأسه، ويشير إلى الشخص أو الهنة التي يطلب إليه الإشارة إليها إذا قيل له: أين أبوك أو ريموند -أخوه, أو الهرة, أو الدجاجة, أو الثدي, أو المدفأة, أو السرير ... وما إلى ذلك، مع أنهما في هذه المرحلة ما كانا ليستطيعا النطق بآية كلمة ولا عبارة من هذه الكلمات والعبارات.
وقد لاحظت على ابنتي عفاف، وهي في أوائل شهرها السادس، أنها كانت تفهم معنى كلمة "بوبول" -اسم كنا نطلقه على هرة بالمنزل، فكانت كلما ذكر أمامها هذا الاسم, صوبت نظرها نحو الأرض وأدراته في نواح كثيرة لتبحث عنها، فإن عثرت عليها حدقت فيها وتابعت حركاتها بنظرها، مع أنها في هذا الدور ما كانت لتستطيع النطق بكلمة ما.
هذا وفهم الطفل للكلمات والجمل يظهر على صورة تدريجية, وأول كلمات يفهم مدلولها هي الكلمات الدالة على أكثر الأشخاص
ص131
ملازمة له وأحبهم إليه "بابا، ماما، ددة ... إلخ" وعلى الأمور الضرورية له "أمبو=الماء، مم=الطعام ... " وعلى الأشياء التي تستأثر بانتباهه لغرابتها مثلًا، فقد كانت كلمة طيارة من الفوج الأول من الكلمات التي لاحظت أن ابني إقدامًا يفهم مدلولها -يظهر فهمه لمدلولها في أوائل شهره العاشر, فقد كنا نجلس به في حديقة المنزل، فتحلق بعض الطائرات فوق رءوسنا محدثة دويًّا مزعجً، فاستأثر هذا بقسط كبير من انتباهه, وتمكن معنى الكلمة في ذهنه، فكنا إذا سألناه في وقت لا طائرة فيه فوق رءوسنا: "فين الطيارة يا ميمي" = "أين يا إقدام" رفع بصره إلى السماء كمن يبحث عنها.
المرحلة الثالثة: مرحلة التقليد اللغوي
تبدأ هذه المرحلة عند العاديين من الأطفال في أواخر السنة الأولى أو أوائل الثانية، وتنتهي في الخامسة أو السادسة أو السابعة, وأما غير العاديين من الناحية اللغوية فقد لا تبدأ لديهم إلّا في أواخر الثانية أو أوائل الثالثة، ويتأخر تبعًا لذلك موعد انتهائها, وعند بعض الشواذ من الأطفال لا تبدأ إلّا في سن متأخرة جدًّا، كما سنذكر لك فيما بعد, وقد تبدأ في حالات نادرة في سن مبكرة جدًّا؛ فقد سجَّل سكوبن Scupin بعض شواهد لها حدثت في الشهر الثاني، ولاحظ مثلها جويوم وشترن في الشهر الثالث، ودارون في الشهر الرابع. ولكن ظهورها في مثل هذه السن نادر جدًّا، والشواهد التي تذكر من هذا القبيل غير موثوق بصحتها كل الوثوق, ويمكن تأويلها على وجه آخر.
وفي هذه المرحلة يظهر النوعان الخامس والسادس من أنواع الأصوات السابق ذكرها "محاكاة أصوات الحيوان ومظاهر الطبيعة بقصد التعبير عن مصادرها أو عن أمور تتصل بها، ومحاكاة الكلمات بقصد التعبير عن مدلولاتها".
ص132
وبظهور هذين النوعين من الأصوات يظهر نوعان جديدان في تعبير الطفل: التعبير عن المعاني عن طريق محاكاة الأصوات الحيوانية وأصوات الأشياء، والتعبير عن المعاني عن طريق محاكاة الأصوات اللغوية, أي: عن طريق اللغة.
وتسير المحاكاة اللغوية في هذه المرحلة على أساليب خاصة بعضها يتعلق بالأصوات وبعضها يتعلق بالدلالة. وسنتكلم عن كل منهما على حدة:
أولًا: الأساليب المتعلقة بالأصوات، ومن أهمها ما يلي:
1- أن الطفل يحاكي في مبدأ الأمر الكلمات التي يسمعها محاكاة خاطئة، ولا يزال يصلح من فاسد نطقه شيئًا فشيئًا، مستعينًا بالتكرار ومعتمدًا على مجهوده الإرادي, ومستفيدًا من تجاربه، حتى تستقيم له اللغة.
ومظاهر أخطائه في هذه الناحية كثيرة, من أهمها ما يلي:
أ- أنه يغيِّر الأصوات فيحل محل الصوت الأصلي صوتًا آخر قريبًا منه في المخرج, أو بعيدًا عنه -ويغلب أن يكون قريبًا منه، فينطق مثلًا الكاف تاء "تتاب=كتاب، الستينة=السكينة ... إلخ"، والشين سينًا "سعر=شعر ... إلخ"، والفاء باء "بيبي=فيفي..إلخ"، والعين أو الخاء همزة "نئناءة=نعناعة، نأم= نعم، أد =خد"، واللام نونًا "نمنة=نملة" ... وهلم جرا. وقد ينال هذا التغيير معظم حروف الكلمة، فلا يكاد يبقى فيها شيء من أصواتها الأصلية "ساساته= شوكولاته"(5).
ويظل هذا النوع من الخطأ ملازمًا الطفل حتى أواخر هذه المرحلة، فقد لازم ابنتي عفاف حتى أواخر سنتها الخامسة، فظلت في أثناء هذه السنة تجد بعض الصعوبة في النطق بالشين, وتميل إلى قلبها
ص133
سينًا -وكان هذا آخر مظهر لديها من مظاهر الخطأ الذي نحن بصدده. وقد بقيت مظاهر كثيرة منه في لغة أولادي إقدام وحزم ونائل ووفاء إلى أواخر السنة السادسة، وبقي بعض مظاهره، وهو قلب الراء لامًا، في لغة ابني إخلاص حتى أواخر السنة العاشرة.
غير أن نوع الحروف التي ينالها التغيير وكميتها ... كل ذلك يختلف باختلاف السن.
ب- أنه يحرِّفُ أصوات الكلمة عن مواضعها، فيجعل اللاحق منها سابقًا والسابق لاحقًا.
ويلازمه هذا النوع من الخطأ مدة طويلة, فلم تتحرر منه ابنتى عفاف إلّا في أواسط السنة الرابعة، ففي الشهر الخامس من سنها الرابعة كانت لا تزال تقول "امسو" بدل اسمو "اسمه"، و"جمزة" بدل جزمة "حذاء"، و"أحبسو" بدل أحسبو "أحسبه" ... وهلم جرا. ولم يتحرر منه ابني إقدام إلّا بعد أن أتَمَّ سنته الرابعة، وكان من مظاهره لديه "امسو" بدل اسمه، "وجمزة" بدل جزمة، و"حمز" بدل حزم "اسم أخته الصغيرة".
جـ- لا ينطق بجميع أصوات الكلمة، بل يكتفي بلفظ بعضها "تت=تحت، دي=منديل ... إلخ".
وترجع هذه الأخطاء الصوتية جميعها إلى ضعف أعضاء النطق عند الطفل في مبدأ هذه المرحلة، وضعف إدراكه السمعي وذاكراته السمعية، وقلة المرانة، وتأثر عناصر الكلمة بعضها ببعض ... وهلم جرا.
وكلما تقدمت به السن, واشتدت أعضاء صوته, ودقت حاسة سمعه, وقويت ذاكرته, حسن نطقه وقلت أخطاؤه, ويعينه في هذا السبيل ما يبذله المحيطون به من جهود لإصلاح نطقه؛ إذ يكررون له الكلمة عدة مرات، أو ينطقونها على مهلٍ متميزة الحروف، أو ينطقونها بصوت مرتفع ... وما إلى ذلك.
ص134
وإلى الأخطاء السابقة, وما إليها يرجع السبب في صعوبة فهم حديثه على غير المحيطين به, وقد خُيِّلَ إلى بعض الباحثين أن الطفل يخترع اختراعًا بعض كلمات في مبدأ هذا الدور, والحق أن الطفل لا يأتي بجديد من عنده، وأن الكلمات التي يظن أنها من اختراعه يرجع جميعها إلى كلمات تقليدية؛ فبعضها محاكاة محرفة كثرت فيها الأخطاء السابق ذكرها, حتى بعدت عن أصلها بعدًا كبيرًا، وبعضها محاكاة صحيحة لكلمات يتعمد بعض الملازمين للطفل أن ينطقوا بها نطقًا محرفًا يتفق مع طريقة نطقه، فهذه الكلمات الأخيرة هي من اختراع الكبار لا من اختراع الطفل.
2- يولع الطفل في مبدأ هذه المرحلة بما كان مولعًا به في المرحلة السابقة من تكرار المقاطع والكلمات عدة مرات "با با با با با =بابا أي: الوالد، ما ما ما ما = ماما, أي: الأم ... وهكذ معظم الكلمات". وهذا راجع إلى أسباب كثيرة؛ منها: أن الطفل يحاول بذلك أن يثبت الكلمة في ذاكرته, ويمكن لها من أعضاء نطقه حتى يسهل عليه حفظها والنطق بها فيما بعد عند الحاجة إليها, ومنها: أن النشاط الحركي يتجه دائمًا إلى الأشكال المتماثلة والأوضاع المتشابهة, ومنها: أن وقف الحركة فجأة بتكراره هذا يميل بفطرته إلى أخف المجهودين "وإلى هذا يرجع السبب في حدوث هذه الظاهرة نفسها عند الكبار أحيانًا، وخاصة حينما يسرعون في كلامهم". ومنها أن الطفل المبتدئ في الكلام عندما يلفظ كلمة ما، يحدث لديه صوتها إحساسًا سمعيًّا يرتاح إليه ويتلذذ بوقعه، فيكرر الصوت ليتكرر إحساسه هذا، كما أن إحساسه صوت طبلة دقه بيده أو صوت هنة رماها يدعوه إلى تكرار الدق والرمي ليتكرر الصوت نفسه فيتكرر إحساسه به، وهذا مظهر من المظاهر التي أطلق عليها العلامة بلدوين "تقليد الطفل نفسه" أو "التفاعل الدائري عند الطفل".
3- وفي مبدأ هذه المرحلة يضع الطفل في معظم الكلمات
ص135
التي يقلدها، الأصوات نفسها التي كان يغلب عليه تكرارها في مرحلة "التمرينات النطقية", فإذا كان في تمريناته النطقية يغلب عليه تكرار مقطع "با" مثلًا، فإنه يضعه في معظم الكلمات التي يحاول محاكاتها في فاتحة تقليده اللغوي. فيقول مثلًا: "باد" "قاصدًا "أحمد"" و"باب" "قاصدًا "كتاب"", و"باية" قاصدًا "طاقية", و"باسي" قاصدًا "كرسي", و"باويت" قاصدًا "بسكويت", ... وهلم جرَّا. وهذا مظهر من مظاهر ما يسميه علماء النفس "مقاومة القديم للجديد, أو "آثار العادات اللغوية"، ويبدو في صورة أشد وضوحًا عند الكبار؛ إذ يتعلمون لغة أجنبية أو يحاكون ألفاظها، فيستبدلون بما تشتمل عليه هذه اللغة من أصوات لا عهد لهم بها أصواتًا شبيهة بما من أصوات لغتهم.
4- وفي مبدأ هذه المرحلة تكثر في لغة الطفل أصوات اللين "حروف المد" وتقل الأصوات ذات المقاطع "الحروف الساكنة"، فيحذف بعض الأصوات الساكنة من الكلمة، ويقحم عليها أصواتًا غريبة عنها "كاب= كلب، باتي= برنيطة أو قبعة ... إلخ".
5- وفي أوائل هذه المرحلة -في أواخر السنة الثانية تقريبًا- يظهر لدى الطفل ما يصح أن أسميه "بالمحاكاة الموسيقية للعبارات": فيحاكي الطفل أحيانًا بعض العبارات التي يسمعها مجرد محاكاة موسيقية، بأن يلفظ أصواتًا مبهمة تمثل في توقيعها الموسيقي أصوات العبارة التي يريد محاكاتها بدون أن تشتمل على كلماتها، كما تحول قطعة شعرية إلى قطعة موسيقية, وقد لاحظت هذا على أولادي عفاف وإقدام وحزم ونائل ووفاء وإخلاص, ولم أعثر على أحد قد لاحظه من قبلي على ما أعلم.
6- وفي مبدأ هذه المرحلة يسير الطفل ببطء كبير في محاكاته، فقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من بضع كلمات، مع أنه يكون فاهمًا لمعظم ما يسمعه وما يقال له -كما سبقت الإشارة إلى
ص136
الإشارة إلى ذلك(6), ثم تنحل عقدة لسانه مرة واحدة، وحينئذ يسير في هذه السبيل بخطًى حثيثة لدرجة يصعب معها على مَنْ يلاحظه أن يحصي ما يدخل في متن لغته كل يوم من كلمات جديدة, فمن مبدأ هذه المرحلة إلى أوائل الشهر الرابع من السنة الثانية, لم تكن ابنتي عفاف لتستطيع النطق إلّا بكلمة واحدة هي "باب"، ثم زاد متن لغتها كلمتين أخريين هما: "بو"= أمبو "أي: طلب الشرب"، "وكاني" =ثاني "تطلب بذلك تكرار الشيء مرة ثانية", وفي أوائل الشهر الخامس من السنة الثانية زاد متن لغتها, كلمة رابعة وهي "ماما". وفي أوائل السادس زاد كلمتين وهما "كاكا" "كانت تطلقها على الدجاجة والحمامة سواء أكانتا حيتين أم مطهوتين" و"نأ"= لا "علامة النفي", وفي أواخر التاسع زاد كلمتين وهما "ننا" "أي: النوم", و"إث"= إرش "أي: قرش". وفي أواخر العاشر زاد ثلاث كلمات وهي "أنناه= الله" "ما أحسن هذا", و"توتو" "أي: الكلب" و"نمنه"=نملة. ومن أواخر الحادي عشر من السنة نفسها -السنة الثانية- انحلت عقدة لسانها وأصبح من الصعب متابعتها وإحصاء ما يَجِدُّ في متن لغتها من كلمات, وفي أواخر الشهر الحادي عشر لم يكن ابني إقدام ليستطيع النطق إلّا بكلمة واحدة, وهي "بو" =أمبو= الماء أو الشرب, ثم زاد متن لغته كلمة ثانية وهو "بابا"، ثم كلمة ثالثة وهي "تاته" بمعنى المشي -كنا نكرر له هذه الكلمة في أثناء تدريبه على المشي"، ثم كلمة رابعة في الشهر الثاني من سنته الثانية وهي "ماما"، ثم كلمتين أخريين في الشهر السادس من سنته الثانية وهما "مم"= الطعام أو الأكل, و"كخ" "الشيء الردئ الذي لا يصح لمسه أو العمل القبيح الذي لا يصح الإتيان به"، وفي أوائل السنة الثالثة كان متن لغته يتألف من نحو خمس عشرة كلمة
ص137
فقط, ثم انحلت عقدة لسانه مرة واحدة, فأخذت لغته تزيد كل يوم كلمات كثيرة.
وكذلك كان شأن ابنتي حزم؛ ففي الشهر الخامس من سنتها الثانية -مارس سنة 1943- كان متن لغتها يتألف من إحدى عشرة كلمة فقط, وقد ظهرت لديها على الترتيب التالي: "تاتا" أي: المشي، "باب" أي: الوالد، "مم" أي: الأكل، "ماما" أي: الوالدة، "نينا" نينة أي: جدتها، "ددا" أي: الحذاء الذي تلبسه وهي تمشي -كانت تسمى المشى نفسه تاتا، "نن" أي: النوم، "أدا" أي: فيفي "وهي أختها عفاف, "دد" أي: تحت -وكانت تقولها عندما تطلب نزولها إلى الدور الأسفل من المنزل أو إلى حديقته، "أما" أي: أحمد الخادم، "أوم" "كانت تلفظها هكذا ome" وتعني بها قم، وتقولها عندما تطلب إلى أحد أن يقوم لغرض ما تريده، ويفهم هذا الغرض من سياق الحال(7), وفي أوائل سنتها الثالثة انحلت عقدة لسانها وأخذت لغتها تزيد كل يوم كلمات كثيرة.
وقد سار ابني نائل وابنتي وفاء وابني إخلاص على الوتيرة نفسها التي سار عليها أخوتهم, مع اختلاف يسير في المفردات التي كان يتألف منها متن لغتهم في كل مرحلة من المراحل.
وفي أواسط هذه المرحلة وأواخرها, تصل قوة التقليد اللغوي عند الطفل، في مهارتها ودقتها ونشاطها وغزارة محصولها, وأهميتها, وسيطرتها على النفس، إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه قوة إنسانية.
ففي هذا الدور لا يدع الطفل أيَّ كلمة أو جملة جديدة يسمعها, أو يطلب إليه محاكاتها بدون أن يحاكيها، وإن عاقه طول جملة عن تكرارها جميعها، حاكى ما يعلق بذهنه من كلماتها, وبخاصة آخر كلمات فيها.
ص138
ولا يقتصر على تقليد الكلمات والجمل التي يريده المحيطون به على محاكاتها، بل يحاكي كذلك من تلقاء نفسه كثيرًا من الكلمات التي ترد في محادثات الكبار على مسمع منه, حتى الكلمات الدقيقة منها؛ فقد كنت أتحدث مرة مع أسرة فرنسية في موضوع علمي على مسمع من طفلة صغيرة لهذه الأسرة, ما كانت تتجاوز إذ ذاك الخامسة من عمرها، فلاحظنا بعد حديثنا هذا أن الطفلة تستخدم في عباراتها بعض كلمات من المصطلحات العلمية التي كنا نستخدمها, والتي يندر استخدامها في الحديث العادي.
ويحرص الطفل كل الحرص على ما يحصل عليه من مفردات وعبارات، وكثيرًا ما يبلغ به هذا الحرص أن يكرر هذه المفردات والعبارات في خلوته, ويؤلف من شتاتها أغاني وجملًا عارية عن الدلالة, ولكنها كبيرة الأثر في تثبيتها في ذهنه.
ولا تظهر مهارة الطفل التقليدية في هذا الدور في محاكاة الكلمات والجمل فحسب، بل تظهر كذلك في محاكاة الأساليب الصوتية التي يلقي بها الكبار الجمل الإخبارية والاستفهامية والطلبية والتعجيبية والزجرية ... وهلم جرا، وفي محاكاة الحركات الجسمية واليدوية التي تصحب حديثهم.
ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في أثناء هذه المرحلة ولشدة ميله إليه، يستطيع أن يتعلم بسرعة وسهولة عن طريق المحاكاة أية لغة أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، بل يستطيع أن يتعلم بهذه الوسيلة أكثر من لغة أجنبية واحدة, فالأطفال المصريون مثلًا الذي يبعثه بهم آباهم إلى المدارس الأجنبية في هذه الدور يأخذون عن طريق المحاكاة عن معلميهم ومعلماتهم اللغة التي يتكلمون بها، ولا يلبثون بعد أمد قصير أن يجيدوا هذه اللغة لدرجة لا يستطيع معها أكبر خبير في اللغات أن يميزهم من أهلها, والطفل إذا ولد من أبوين مختلفي اللغات أخذ عن كل منهما لغته, فيصبح ثنائي اللغة Bilingue, وإذا أتيح للطفل بصفة دائمة في هذا الدور سماع أكثر من لغتين
ص139
أخذها جميعها عن طريق المحاكاة بدون أن يشعر أنه يتعلم، ووصل في إجادة كلٍّ منها إلى الدرجة نفسها التي يبلغها في لغته الأصلية، فينشأ متعدد اللغات Poyglotte, ومن أجل هذا تختار بعض الأسرات الموسرة لأولادها في هذا الدور مربيات مختلفات اللغات, حتى تنتقل إليهم بالمحاكاة جميع لغاتهن.
ومن الطريف أن الطفل الذي تنتقل إليه عدة لغات عن هذا الطريق يتجه من تلقاء نفسه إلى محادثة كل شخص من المختلفين به باللغة التي أخذها عنه, أو التي يعرف أنها لغته, بدون أن يشعر أنه يتكلم عدة لغات. فقد روى الأستاذ جويوم أن طفلًا أبوه ألمانيّ, وأمه فرنسية, قد أخذ الألمانية عن أبيه, والفرنسية عن أمه، وكان إذا طلب إليه أبوه بالألمانية تبليغ أمر لأمه بلغها ذلك بالفرنسية بدون أن يشعر أنه يترجم إلى لغة أخرى الكلام الذي كلفه أبوه تبليغه.
وفي هذا يختلف الكبار عن الصغار اختلافًا كبيرًا, فمهما بذل الكبار في تعلم لغة أجنبية من جهود, ومهما طالت مدة إقامتهم بين أهلها, فلن يصلوا في إجادتها من الناحية الصوتية إلى الدرجة التي يصل إليها الصغار في هذا الدور, والسبب في هذا راجع إلى أن الطفل يلبي في محاكاته داعي غريزته، ويسلك بهذا الصدد طريقًا محببًا إليه، ويسير على أسلوب يتفق مع ألعابه، فيسهل عليه بذل المجهود, ويؤتي مجهوده أكله. على حين أن الكبير يتعلم اللغة الأجنبية لغاية خارجة عنها, فيصعب عليه بذل المجهود في هذا السبيل. هذا إلى أن الكبار قد رسخت لديهم عادات كلامية خاصة, وتشكلت أعضاء نطقهم بالشكل الذي يلائمها، فيصبح من الصعب عليهم مع هذا اكتساب عادات صوتية جديدة مخالفة لعاداتهم الأولى, وليس الأمر كذلك عند الطفل، فأعضاء نطقه في هذا الدور تكون مرنة قابلة للتشكيل بمختلف الأشكال.
وهذا مظهر من مظاهر ما يسميه علماء النفس: "مقاومة القديم
ص140

للجديد", أو "آثار العادات اللغوية" التي سبق أن أشرنا إليها(8)، والتي تظهر آثارها حتى عند الطيور, فقد لاحظ "لودانتك" أن صغار الطيور المغنية إذا نشأت مع فصيلة أخرى غير فصيلتها, قلدتها في غنائها، وأنها إذا بقيت مع هذه الفصيلة حتى كبرت ورسخت عندها هذه العادة الغنائية صعب عليها بعدئذ تقليد صوت فصيلتها نفسه.
ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في هذه المرحلة، تسري إليه في أمد قصير لهجة المقاطعة التي ينتقل إليها أهله؛ فقد ذكر الأستاذ "شافر Schaffer" أنه قضى شهرين من إجازته الصيفية بفرنكونيا، فلاحظ أن ابنه الذي كان يبلغ حينئذ سنتين وثلاثة أشهر، قد سرت إليه لهجة هذه البلدة، ينطق الكلمات الألمانية وفق لهجتهم في نطقها، وأن هذا الأسلوب قد لازمه بضعة أشهر بعد رجوعه إلى بلده, وذكر الأستاذ "جويوم" أنه قضى مرة إجازته بشرقي فرنسا، فلاحظ أن أولاده، الذين كانوا يزيدون في سنهم عن ابن شافر، ينطقون حرف الراء الفرنسي R, كما ينطق به أهل هذه المقاطعة, وكما ينطق بالراء في اللغة العربية "وهذا يخالف طريقة النطق في منطقة باريس ما إليها، فأهل هذه المنطقة يلفظونه بين الراء والغين", وقد قضيت أنا مرة إجازتي مع أسرة باريسية بقرية من قرى فرنسا تسمى: سان كورنتان Saint Corintin, متاخمة لمقاطعة نورمانديا، فأدهشني كثيرًا أن طفلة صغيرة من هذه الأسرة، كانت حينئذ في الخامسة من عمرها، قد سرت إليها، بعد بضعة أسابيع من إقامتنا، لهجة هذه القرية، مع أن اختلاطنا بأهلها كان قليلًا, فأصبح أسلوب حديثها وتركيبها للجمل, ونطقها بالكلمات مطابقًا لأسلوب حديثهم وتركيبهم ونطقهم, وظهر هذا لديها حتى في مخارج الأصوات نفسها, وطريقة النطق ببعض حروف المد, فقد استحال مثلًا صوت المد الفرنسي oi "وا" في لسانها إلى صوت واو ممدودة بالألف الممالة Wai, كما كان شأنه في لسان
ص141
أهل هذه القرية, "فكلمة Poire مثلًا كانت تنطقها Pwair، وكذلك كل الكلمات المشتملة على صوتoi", وعبثًا حاولنا إصلاح ما أصاب نطقها من لحن وتحريف، فإنها لما شعرت بامتعاضنا من طريقتها وسخريتنا بها, كانت تجتهد في أثناء كلامها معنا أن تكون باريسية اللهجة، فإذا خلت إلى أطفال هذه القرية أو كبارهم عادت إلى طريقتها, وبقيت آثار هذه اللهجة في حديثها بضعة أسابيع بعد عودتنا إلى باريس.
8-  ولا يقتصر نشاط الطفل التقليدي في هذه المرحلة على الأصوات اللغوية، بل يمتد كذلك إلى ما عداها من الأصوات؛ كأصوات الحيوان والطيور, ومظاهر الطبيعة, والأصوات الشاذة, وأصوات المصابين بعاهات في النطق, والأصوات التي تحدثها الأفعال؛ كأصوات الضرب والقرع والسقوط, وما إلى ذلك. وهم في هذه الناحية كذلك أمهر كثيرًا من الكبار, فقد لاحظ العلّامة تين Tain, أن الأطفال في هذه المرحلة أدق وأمهر من الكبار في محاكاة أصوات الحيوان في صورتها الطبيعية, وذكر العلامة جوتمان أنه كان يتدرب على "فن التكلم الجوفي Ventrilloquie", "وهو معالجة النطق في صورة تشعر السامع أن الكلام صادر من بطن المتكلم, أو من شخص آخر غيره, وقد مهر فيه كثير من المشعوذين الذين يحاولون إيهام الناس أن الجن تلابسهم وتنطق من جوفهم" فأدهشه أن ابنه الصغير، الذي لم يتجاوز حينئذ الثانية من عمره، قد سبقه كثيرًا في هذا المضمار لمجرد سماعه لمحاولات أبيه.
هذا، ويبدو أن اتجاه الطفل لمحاكاة أصوات الحيوان ومظاهر الطبيعة والأصوات التي تحدثها الأفعال, يظهر قبل اتجاهه إلى محاكاة الكلمات, فقد كان في استطاعة ابنتي عفاف في الشهر الثالث من سنتها الثانية "9/ 4/ 45" أن تحاكي صوت طائفة كبيرة من الحيوان، مع أنها حينئذ لم تكن لتستطيع النطق إلّا بكلمة واحدة وهي "بابا". وقد كان في استطاعة ابني إقدام في الشهر الثاني من سنته الثانية أن
ص142
يحاكي أصوات كثير من الحيوانات والأشياء للإشارة إليها "فو" = الطيارة أو السيارة، "آاْ"= الدجاجة، "أأْ آ"= الضرب ... إلخ", مع أنه في هذه المرحلة ما كان يستطيع النطق إلّا بأربع كلمات.
ويسلك الطفل في تقليده لهذا النوع طريقتين: أحداهما أن يلفظه في صورته الطبيعية, أي: في أصوات مبهمة، وفي هذه الطريقة على الأخص تظهر مهارة الطفل، وثانيتهما أن يمثله في أصوات ذات مقاطع وأصوت مد ""ماء" لثغاء الخروف، "كاك" لصوت الدجاجة "هَوْ هَوْ" لنباح الكلب ... وهم جرا".
ثانيًا: ومن أهم الظواهر المتعلقة بالدلالة في هذه المرحلة الأمور الآتية:
1- على الرغم من أن فهم الطفل لمعاني الكلمات يبدو لديه في المرحلة السابقة لمرحلة التقليد -كما تقدمت الإشارة إلى ذلك(9)، فإن درجة فهمه تظل مدة طويلة ضعيفة وغير دقيقة, ويبدو هذا في مظاهر كثيرة من أهمها ما يلي:
أ- أنه في أوائل هذه المرحلة يستخدم الكلمات القليلة التي يستطيع النطق بها استخدامًا واسعًا, يدل على عدم دقته في فهم مدلولاتها, فيحمل كلًّا منها من المعاني أكثر مما يحتمله، ويعبر بها عن جميع ما يرتبط بمعناها الأصلي برابطة ما, وقد يتجاوز هذا كله فيعبر بها عن أمور لا صلة لها مطلقًا بمعناها الأصلي؛ فيطلق مثلًا "الكاكا" على الدجاجة، والإناء الذي تقدم فيه، والطاهي الذي يعدها، وغرفة الطهو التي تعد فيها، والسكين الذي تذبح به، والقفص الذي تحبس فيه، والبيضة التي تبيضها ... وقد يتجاوز هذا كله فيطلقها على شيء أجنبي عنها؛ كالمكتب مثلًا, لأدنى ملابسة في ذهنه, أو لاضطراب معناها لديه, وقد لاحظت أن ابنتي عفاف في أوائل سنتها الثالثة تطلق كلمة "ننا" على النوم وما يشتق منه، وعلى جميع الأمور التي تشبهه أو تمت إليه بصلة.
ص143
فكانت تطلقها على السرير، وعلى الاختفاء فتقول "الكاكاننا" قاصدة التعبير عن اختفاء الدجاجة عن الأنظار، وعلى البعد والإبعاد فتقول "ماماننا" معبرة عن رغبتها في أن تبعد أمها عن مجلسنا، وعلى حفظ الشيء بعد الفراغ من استخدامه فتقول: "فوطة ننا" أي: أن المشوش "الفوطة" قد انتهت الحاجة إليه وحفظ في المكان المعتاد حفظه فيه, وكانت تطلق لفظ أمة =عمة "أي: عمامة" على الشخص الذي يلبسها.
وهذا التوسع في الاستعمال لا ترجع أسبابه دائمًا إلى ضعف الفهم وعدم الدقة في إدراك المدلولات، بل ترجع أحيانًا إلى ضآلة محصول الطفل في الكلمات في ذلك العهد وحاجته إلى التعبير على أيِّ وجه، وترجع أحيانًا إلى الأمرين مجتمعين.
ب- أنه في أوائل هذه المرحلة يطلق اسم الجنس على غير أفراده لأدنى مشابهة؛ فقد لاحظت أن ابنتي عفاف كانت إلى أواخر السنة الثانية تطلق "كاكا" "ومعناها الأصلي في لغتها الدجاجة" على الدجاج والحمام والأوز والبط ... وما إليها، وكلمة "ماء" "ومعناها الأصلي في لغتها الخروف" على الخروف والحمار.. وما إليها، و"ماما" على جميع السيدات، و"بابا" على جميع الرجال ... وهلم جرا.
وكلما تقدمت سن الطفل وكثر محصوله اللغوي، يدق فهمه وتتحدد معاني الكلمات في ذهنه، فتتخلص من المدلولات الأجنبية التي كانت عالقة بها، وتتميز لديه الأجناس بعضها عن بعض، فيطلق على أفراد كل منها اسمها الخاص بها.
2- وفي أوائل هذه المرحلة تبدو لغة الطفل عارية عن الصرف والاشتقاق، فكل كلمة من كلماته تلازم شكلًا واحدًا، وتدل في شكلها هذا على جميع ما يشتق منها ويتصل بها, ومع تقدم الطفل في هذه المرحلة يدرك العلاقة بين تغير بنية الكلمة وتغير معناها أو زمنها، فتظهر حينئذ عناصر الصرف والاشتقاق في لغته.
ص144
3- وفي مبدأ ظهور هذه العناصر يميل الطفل إلى القياس والسير على وتيرة واحدة حيال جميع الكلمات, فتراه مثلًا يتبع طريقة واحدة في التأنيث، فيقول: خروف وخروفة, وحصان وحصانة, وأحمر وأحمرة وأبيض وأبيضة وأصفر وأصفرة, كما يقول: قط وقطة, وكبير وكبيرة, وقد ظل ابني إخلاص ينطق بالصفات الدالة على اللون على هذه الطريقة حتى أوائل سنته السادسة.
4- يفتتح الطفل هذه المرحلة بالنطق بكلمات مفردة قاصدًا به التعبير عما نعبر عنه بالجمل, فيقول مثلًا: "باب" قاصدًا افتح الباب، و"شباك" قاصدًا اقفل الشباك، و"عصا" قاصدًا اضرب القط بالعصا ... وهلم جرا، ويفهم غرضه من السياق والظروف المحيطة به, والإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامه.
ويختار الطفل عادة للتعبير عن الجملة الكلمة التي يجيد النطق بها أو الكلمة التي تسبق غيرها إلى لسانه، ولو لم تكن ذات أهمية في المعنى الذي يريد تقريره, فمن ذلك أن ابنتي عفاف وسنها ثمانية عشر شهرًا وبضعة أيام "2/ 8/ 35" كانت تسير القهقري، فعثرت في إناء كان يوضع فيه اللبن لهرتها وأولادها الصغار، وكاد يختل توازنها، ولما تبين لما السبب في عثرتها قالت "بو" "بو=أمبو= الشرب"، أي: أن السبب في ذلك هو الإناء الذي تشرب فيه الهرة وصغارها لبنها.
ثم ترتقي لغة الطفل بهذا الصدد, فتصبح ثنائية الكلمات, عفاف في أوائل السنة الثالثة: "ماء مم" أي الخروف يأكل، "ماما ننا" أي: يجب أن تغادر مام هذا المكان ... " وبعد ذلك بقليل تصبح لغته ثلاثية الكلمات, عفاف في الشهر الرابع من السنة الثالثة: "ماما أوه أنا"= ماما ألم هنا، مشيرة إلى رقبة والدتها، أي: أن برقبة أمها ألمًا أو مرضًا
ص145
أما تركيب الجمل تركيبًا كاملًا فلا يصل إليه الطفل إلّا في أواخر هذه المرحلة.
5- وفي مبدأ ظهور الجمل في لغة الطفل تبدو عارية عن الروابط والحروف، ويبدو تركيبها ساذجًا، وتبدو كلماتها بدون تنسيق ولا ترتيب، فيوضع بعضها بجانب بعض كيفما اتفق, ومن نماذج هذا ما قالته ابنتي عفاف في 30/ 7/ 36: "أنا نونو" "صغيرة" دده "هكذا -وقوست ظهرًا لتمثل الحالة التي كانت عليها وهي صغيرة, "ماما دز "بز، ثدي" ساه "شاي"، أي: حينما كنت صغيرة على هذه الصورة كانت والدتي ترضعني الشاي في الثدي الصناعي.
وقد يرتب الطفل أحيانًا كلمات جملته بشكل يتفق مع ما لكل منها من أهمية في نظره، فيبدأ بأكبرها أهمية ويتدرج حتى ينتهي بأقلها شأنًا, فيقول مثلًا: "عصايا بابا ضرب محمد" قاصدًا أن أباه ضرب محمدًا بالعصا. فيقدم "العصا" لأنها أكبر عناصر الجملة أهمية في نظره، فانتباهه قد تعلق بها أكثر من تعلقه بما عداها، ولأن بيان آلة الضرب هو أهم ما يرمي إليه من جملته، ثم يتبعها بالكلمة الدالة على الشخص الذي استصل بها اتصالًا مباشرًا وقام بتحريكها، وهو "بابا"، ثم يأتي بالكلمة الدالة على أثر تحريك أبيه العصا, وهي "ضرب"، ويختم جملته بكلمة "محمد" الذي لم يقم بعمل إيجابي في الحادث الذي يريد الطفل التعبير عنه.
6- وفي قسم كبير من هذه المرحلة يتأثر الطفل في مفردات لغته وتراكيبها وقواعدها بأكثر مخالطة له وأحبهم إليه؛ كأمه ومربيته وأخيه الأكبر وأخته الكبيرة، فتغلب في لغته مظاهر التقليد لهؤلاء، حتى إنها لا تكاد تختلف في معظم هذه المرحلة عن لغتهم, وعن هذا الطريق ينتقل إلى لغة الطفل ويعلق بها بعض أخطاء في المفردات والقواعد والأساليب، حتى الأخطاء التي تكون ناشئة عن خلل في أعضاء النطق للشخص الذي تغلب عليه محاكاته، وتظل هذه الأخطاء ملازمة للطفل أمدًا طويلًا, ومن غريب ما لاحظته بهذا الصدد أن ابنتي
ص146
"حزم" كانت تعبر عن نفسها بصيغة المذكر، فتقول مثلًا: "أنا نازل، أنا طالع، أنا خارج ... إلخ" بدلًا من "أنا نازلة، أنا طالعة، أنا خارجة ... إلخ", وهي في ذلك كانت تحاكي أخاها "إقدامًا" في تعبيره عن نفسه, ومع أننا لم نأل جهدًا في إصلاح طريقتها هذه, وإبداء السخرية بها، فقد ظلت عالقة بلسانها إلى ما بعد الخامسة من عمرها, وقد ظل ابني نائل حتى أوائل السادسة من عمره يعبر عن نفسه في بعض الأحوال بصيغة المؤنث، فيقول مثلًا: أنا عارفة, أنا عايزة، بدلًا من "أنا عارف، أنا عايز -أريد, ولكنه في ذلك، على ما يظهر لي، لا يقلد إحدى أخواته، وإنما يقلد والدته في تعبيرها عن نفسها لشدة ملازمته لها.
7-  وأول كلمات تبدو عند معظم الأطفال هي أسماء الذوات، وتظهر بعدها بعدها الأفعال(10), ثم الصفات(11), ثم الضمائر, ولعدم وجود الضمائر في لغة الطفل في مبدأ هذ المرحلة نراه يعبر عن نفسه
ص147
باسمه العلم, فيقول مثلًا: "فيفي مم" أي: فيفي تريد أن تأكل(12)"، ولا تظهر الحروف وما يشبهها من الظروف وأسماء الشرط إلّا في منتصف هذه المرحلة أو أواخرها(13), ولذلك تظهر جمل الطفل في المبدأ عارية عن الروابط والحروف -كما سبقت الإشارة إلى ذلك(14).
والسبب في هذا راجع إلى أن الطفل يسير في ارتقائه اللغوي وفقًا لارتقاء فهمه، فدرجة نموه الفكري في مبدأ هذه المرحلة لا تتيح له أكثر من فهم الكلمات الدالة على أمور حسية يمكن أن يشار إليها، ولذلك اقتصر متن لغته في هذا الدور على أسماء الذوات, فإذا نما تفكيره أمكنه أن يدرك مدلولات الكلمات المعبرة عن أمور معنوية، وحينئذ تظهر في لغته الأفعال الدالة على الحدث والزمان, والصفات الدالة على معنًى كلي تتلبس به الذوات بشكل عارض, وما إليهما, ولما كانت الحروف والروابط أدق أنواع الكلمات مدلولًا، لم يتح له فهمها إلّا في أواسط هذه المرحلة أو أواخرها, فتأخر ظهورها تبعًا لذلك.
ص148
وقد قسَّم العلامة شترن Stern, هذا الطريق إلى ثلاث مراحل، سمى أولها "مرحلة المادة" Stade de la substance, وهي المرحلة التي تظهر فيها أسماء الذوات، وسمى ثانيتها "مرحلة العمل" Stade de l a ction, وهي المرحلة التي تظهر فيه الأفعال، وسمى الثالثة "مرحلة العلاقات" Stade des relations, وهي المرحلة التي تظهر فيها الحروف والروابط(15).
8- يكثر في لغة الطفل في أوائل هذه المرحلة الكلمات المأخوذة عن أصوات الحيوان والأشياء, والتي يقصد بها التعبير عن مصادرها, أو عن أمور تتصل بها "ماء للخروف، كاكا للدجاجة، أأ للضرب، مم للأكل ... وهلم جرا", وقد ثبت أن بعض هذه الكلمات يصل إليها الطفل بنفسه بدون تلقين الكبار.
9- يعتمد الطفل في معظم هذه المرحلة اعتمادًا كبيرًا على لغة الإشارة، فيمزجها بلغته الصوتية لتحديد مدلولها, وتوضيح مبهمها, وتكملة نقصها, وتمثيل حقائقها(16), وقد يستخدمها وحدها في التعبير عما يود التعبير عنه, ويكثر هذا لديه قبل ظهور اللغة، أي: قبل دخوله مرحلة التقليد، وفي أوائل هذه المرحلة؛ ففي أوائل السنة الثانية كانت ابنتي عفاف تقتصر في التعبير عن كثير من حاجاتها على الإشارة اليدوية والجسمية. فمن ذلك أنها في تعبيرها عن الفيل كانت تقبض أصابعها ما عدا السبابة وتضع كفها بهذا الشكل تحت شفتيها, وتحرك السبابة كما يحركها المصلي في تشهده, ممثلة بذلك خرطوم الفيل وحركته, وكانت تستخدم هذه الحركات كلما طلبت الذهاب إلى حديقة الحيوان، أو سئلت عما رأته بها، أو طلب إليها بيان ما تمثله صورة فيل.. وهلم جرا.
ص149
وقد تبلغ لغة الإشارة عند بعض الأطفال شأوًا كبيرًا، فيستطيعون التعبير بها عن معانٍ دقيقة وقصص طويلة. فقد أردت مرة في أواخر السنة الثانية لابنتي عفاف "22-11-35" أن أشغلها عن اللعب في سريرها لتتفرغ للنوم، فأخذت أقص عليها بالألفاظ التي تفهمها وبالحركات, قصة طويلة تتعلق بأسد كان يأكل قطعة لحم فسقط عليه غراب وضربه بمنقاره, واختطف منه قطعة اللحم, وطار بها حتى نزل على شجرة, وأخذ يأكلها. فاستأثرت هذه القصة بانتباهها, وكانت كلما فرغت من مرحلة من مراحلها تشير إلى إشارة الفاهم المتتبع لحديثي قائلة: "إيه، إيه", وبعد أن فرغت من القصة أخذت أسألها عنها كما يفعل المدرس عقب درس محادثة، فطفقت تمثل بحركات يديها وفهما أعمال الأسد وهو يتناول غذاءه، ثم حركات الغراب إذ ضرب الأسد بمنقاره واختطف منه قطعة اللحم، وإذ طار بها إلى الشجرة ... إلخ، غير مستخدمة في ذلك إلّا بضع ألفاظ، ككلمة "أاْ" التي كانت تعبر بها عن الضرب، وكلمة "مم" التي كانت تعبر عن الأكل.
المرحلة الرابعة: مرحلة الاستقرار اللغوي
وهي المرحلة الأخيرة في هذا السبيل، وتبدأ من سن السادسة أو السابعة أو الثامنة تبعًا لاختلاف الأفراد. وبدخول الطفل في هذه المرحلة تستقر لغته, وتتمكن من لسانه أساليبها الصوتية، وترسخ لديه طائفة كبيرة من العادات الكلامية الملائمة لطبيعتها الخاصة.
ومن أجل ذلك يشعر الطفل في هذه المرحلة بصعوبة كبيرة في تعلم اللغات الأجنبية, وتبدو هذه الصعوبة أوضح ما يكون في النطق بالكلمات المشتملة على أصوات لا نظير لها في أصوات لغته, فالطفل المصري مثلًا يجد في هذه المرحلة صعوبة كبيرة في النطق بالكلمات الإفرنجية المشتملة على مثل هذه الحروف: v p j u eu etc
هذا، ولا ينتهي الأمر بلغة الطفل في هذه المرحلة إلى أن تكون
ص150
مطابقة كل المطابقة للغة الجيل الذي أخذها عنه، بل تستقر لديه في صورة تختلف بعض الاختلاف عن لغة آبائه, ويرجع هذا الاختلاف إلى أسباب كثيرة, سنعرض لها في فصول الثلاثة الأخيرة من هذا الكتاب.
ص151
____________________
(1) انظر صفحات 119-122.
(2) انظر صفحتي 127، 128.
(3) انظر صفحات 123-125, وقد يظهر هذا النوع من الأصوات عند بعض الأطفال قبل الشهر الخامس كما سبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق الأول ص123.
(4) انظر صفحة 125.
(5) كل هذه الكلمات مأخوذة من لغة ابنتي عفاف في هذا الدور، وفيفي هو الاسم الذي كنا نناديها به في المنزل.
(6) انظر صفحات 130-132, وقد ذكر العلامة شترن أن أحد أبنائه، وسمعته خمسة عشر شهرًا، كان عدد الكلمات التي فهمها ثلاثة أضعاف الكلمات التي يستطيع النطق بها، وأنه لما بلغ العشرين شهرًا ما كان يستطيع حصر الكلمات التي يفهمها، على حين أن الكلمات التي كان ينطق بها حينئذ كانت محدودة.
(7) من الغريب أن ظهرت لديها في هذا الدور المبكر هذه الكلمة التي تدل على فعل الأمر، وفي معظم كلماتها السابقة كانت تقلد أخاها إقدامًا في لغته وفي مخارج حروفه.
(8) انظر أول صفحة 136.
(9) انظر صفحتي 130-132.
(10) لاحظت أن أول نوع من الأفعال ظهر في لغة ابنتي عفاف كان فعل الأمر, ففي أوائل السنة الثالثة -ابتداء من 4/ 3/ 36- نطقت بفعل "تاني" =تعال -أمر بالمجئ, و"استنى" -أمر بالانتظار، وكانت تستعمل هذين الفعلين مسندين للمذكر دائمًا, ولو كان المخاطب مؤنثًا، و"أدى"= خدي -أمر بالأخذ, و"آتي"= هاتي -أمر بالإعطاء, وكانت تستعملها مسندين للمؤنث دائمًا, ولو كان المخاطب مذكرًا, ولم يظهر المضارع والماضي في لغتها إلّا في مرحلة لاحقة لهذه المرحلة, ومثل هذا لاحظته على أولادي إقدام وحزم ونائل ووفاء وإخلاص. وقد ظهر فعل من أفعال الأمر وهو "أوم=قم" عند ابنتي حزم في سن مبكرة -في الشهر الخامس من سنتها الثانية, كما سبقت الإشارة إلى ذلك بصفحة 138 وتعليقها.
(11) قد تظهر الصفات عند بعض الأطفال في مرحلة سابقة لمرحلة ظهور الأفعال، بل لاحظ العلامة بريير preyer, أن أول كلمة نطق بها ابنه كانت صفة, والذي لاحظته على ابنتي عفاف أن الصفات والأفعال قد ظهرا لديها في وقت واحد, ولكنهما ظهرا متأخرين عن أسماء الذوات؛ ففي الوقت الذي كانت تنطق فيه بأفعال الأمر التي تقدمت الإشارة إليها في التعليق السابق, كانت تنطق ببعض صفات: فمن ذلك "دح" بمعنى جميل "4/ 3/ 36", و"أحمح" بمعنى آحمر, "وكانت تستعمله في صيغة المذكر دائمًا ولو كان الموصوف مؤنثًا" و"بيده" أي: بيضاء "وكانت تستعلمها في صيغة المؤنث دائمًا ولو كان الموصوف مذكرًا" وقد ظهرا لديها في 11/ 7/ 36, ومثل هذا لاحظته على أولادي إقدام وحزم ونائل ووفاء وإخلاص.
(12) غير أني لاحظت على ابنتي عفاف أن ضمير المتكلم المنفصل "أنا" قد ظهر في لغتها يوم 19/ 1/ 36, أي: قبيل ظهور الصفات والأفعال, ولاحظت كذلك أنها تستخدمه استخدامًا صحيحًا, فلا تعامله معاملة الأعلام كما يفعل بعض الأطفال في هذه المرحلة, بل تستعمله حينما تريد الإشارة إلى نفسها.
(13) لم تظهر الحروف وما إليها في صورة واضحة عند ابنتي عفاف إلّا في أوائل الشهر الرابع من سنتها الثالثة, ففي 11/ 5/ 36 ظهرت "إنا" بكسر الهمزة بمعنى هنا "ماما أوه أنا= ماما تشكو ألما هنا, مشيرة إلى رقبتها". وفي 11/ 7/ 36 ظهر في لغتها "بنيد" بمعنى بعيد, و"إيه ده" أي: ما هذا, و"يا، النداء", "أيه ده يا بابا= ما هذا يا بابا".
أما قبل هذا العهد فما كان يوجد في لغتها من هذه الفصيلة إلّا كلمتان ظهرتا مبكرتين قبل أوانهما؛ أحداهما "نأ" بنون مفتوحو فهمزة ساكنة، بمعنى لا "أداة النفي, وقد ظهرت في الشهر التاسع من سنتها الثانية، وثانيتهما "نام" بنون مفتوحو فهمزة مفتوحة فميم, بمعنى نعم -أداة الإيجاب, وقد ظهرت يوم 20/ 12/ 35 ومن غريب ما لاحظته على ابنتي عفاف بهذا الصدد أن واو العطف مع كثرة تكرارها في الكلام, ومع فهمها لمدلولها قد تأخر ظهورها كثيرًا في لغتها، فقد طلب إليها يوم 26/ 7/ 36 أن تقول للخادمة: "أنت كخ وعبيطة" فقالت لها: "أنت كخ أنت أبيطة" فكررت الضمير بدلًا من واو العطف، ومن الواضح أن تكرارها للضمير دليل على فهمها لمدلول واو العطف.
(14) انظر صفحة 146 رقم 5.
(15)  V Delacroix Langage et Pensee 394 395.
(16) من أوضح النماذج بهذا الصدد ما صدر عن ابنتي عفاف "يوم 13/ 3/ 36"؛ إذ أشرت في كتاب فرنسي إلى صورة غزال يرعى الكلأ, وطلبت إليها أن تذكر ما تمثله هذه الصورة فقالت: "ماء مم" "أي: حيوان يأكل"، وعززت هذا بأن مثلت هيئة حيوان وحركت فكيها وشفتيها كما تحركها في أثناء الأكل. انظر مثالًا آخر بصفحة 146 رقم 5.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



قسم الشؤون الفكرية يناقش سبل تعزيز التعاون المشترك مع المؤسّسات الأكاديمية في نيجيريا
ضمن برنامج عُرفاء المنصّة قسم التطوير يقيم ورشة في (فنّ الٕالقاء) لمنتسبي العتبة العباسية
وفد نيجيري يُشيد بمشروع المجمع العلمي لحفظ القرآن الكريم
الشركة العامة للبريد: للعتبة العباسية حضور فاعل في معرض المؤتمر التشاركي