استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف ظاهرة التسقيط الاجتماعي للشخصية الاعتبارية للاخرين، باعتبارها من الظواهر المجتمعية التي تهدد المنظومة الاخلاقية للمجتمع والتعايش الاجتماعي.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي اليوم الجمعة (4 /1 /2019)، ان المقصود بالشخصية الاعتبارية "هي المكانة والمنزلة الاجتماعية التي تكون للشخص او المكون الاجتماعي الناشئة من مقومات بناءه الديني والثقافي والاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي والسياسي او كونه انسانا مع قطع النظر عن وجود هذه المقومات".
واضاف ان لكل شخص مقومات منها بناء ديني او فكري او اخلاقي او اجتماعي ينشأ لهذا الشخص من هذه المقومات منزلة ومكانة اجتماعية تعرف بالشخصية الاعتبارية، لافتا الى انه في حالات اخرى يكون هنالك انسان لاتوجد لديه هذه المقومات لكنه انسان له منزلة ومكانة اجتماعية.
واوضح ان التسقيط الاجتماعي يمارس تارة مع شخص وتارة مع مكون وهو الاخطر، مبينا انه على مستوى الاسرة تكون لدينا تارة اسرة بسيطة وتارة اخرى تكون بعض الاسر لها مكانة دينية او اجتماعية او مالية او اقتصادية، اما على مستوى المكون فيكون هنالك كيان ديني او كيان مذهبي او كيان اجتماعي او غير ذلك.
ويرى ممثل المرجعية الدينية العليا ان للشخصية الاعتبارية اهمية، موضحا ان الانسان مخلوق اكرمه الله تعالى وشرفه وفضله على بقية المخلوقين وسخر له الكون فله كرامة انسانية ومنزلة اجتماعية سواء أكان عنده دين ام فكر ام غير ذلك.
واشار الى ان الانسان بصورة عامة لديه حاجة فطرية ويحتاج الى هذه المنزلة كضرورة اجتماعية حياتية من حيث انسانيته واحتياجه الحياتي المعيشي المادي والمعنوي، وان الانسان بما هو انسان يحتاج الى حفظ كرامته وانسانيته.
واكد الكربلائي على ان التسقيط الاجتماعي يتنافى مع فطرة الانسان والاخلاق الانسانية ومع ضرورة حفظ كرامته وانسانيته، كما يضاف الى ذلك انه تارة يكون للانسان مقوم فكري واخلاقي وديني، مبينا ان الانسان بحاجة الى ان يكون مقبولا ومحترما ومقدرا عند الاخرين للتعامل معه وقضاء حاجته، لافتا الى انه لا يوجد انسان ليس بحاجة للاخرين او انه لايحتاج الى الاتصال معهم او لايحتاج ان يزوجه الاخرون، فكل واحد بحاجة الى ان يتعاون ويتعاضد معه الاخرون من اجل قضاء حاجاته الحياتية المعنوية والمادية، مستدركا ان ذلك يتوقف على مدى مقبولية واحترام الشخص وتقديره لتحفظ من خلال ذلك شخصيته وتتوفر له مقومات الاحتياج المادي والمعنوي.
وبين ممثل المرجعية الينية العليا ان الشخص اذا هدرت كرامته واسقط اجتماعيا فسيبتعد وينفر الناس عنه وسيعاني من الاضطراب النفسي، ويعاني من عدم تعاون المجتمع معه لقضاء حاجاته المادية والمعنوية.
ولفت الشيخ الكربلائي الى ان التسقيط يؤشر الى وجود خلل ديني او اخلاقي او اجتماعي على مستوى واسع يحتاج الى وضع حلول له، مبينا ان التسقيط يمارس احيانا على مستوى افراد قلائل لان المجتمع ينكره ويتشدد بالانكار على هذه الظاهرة ولايكترث لها كونها تؤدي الى الكثير من المخاطر على مستوى الفرد والمجتمع وتتسبب بنزاعات وصراعات داخل المجتمع اقلها مسألة الاضطراب النفسي والاجتماعي الذي يعيشه الفرد.
واوضح ان اي شخص تم تسقيطه اجتماعيا وادار الناس عنه ظهورهم ونفروا منه وابتعدوا عنه ولم يتعاونوا معه فانه سيعاني من الاضطراب وعدم الاستقرار النفسي ، وكذلك الحال فان اي مكون سواء أكان ديني او اجتماعي او قومي او ثقافي او اقتصادي اذا تم تسقيطه اجتماعيا فسينعكس ذلك على علاقته بالمكونات الاخرى.
ونوه الى ان هذه الظاهرة تشتد اثارها مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي كونها لها قدرة على التأثير العجيب بالاخرين، وتفعل فعلا سلبيا وشنيعا بالاخرين، وتكون اثارها مدمرة للمجتمع.
وبين انه من خلال مراجعة لسان الروايات والتأليف الاسلامي لانجد مصطلح (التسقيط الاجتماعي) كونه من المصطلحات الحديثة التي تستخدم لتقريب المعنى من الذهن، الا انه في لسان الروايات يعبر عنه بـ(هتك حرمة المؤمن او انتهاك كرامته او هدم مروته).
واشار الى ان للاسلام نظرة خاصة للتسقيط الاجتماعي، مستشهدا بالحديث الشريف (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، مبينا ان الذي يقصد بالعرض ليس المقصود العرفي وانما المقصود به المنزلة والمكانة الاجتماعية للانسان الناشئة من المقومات اعلاه، وان تسقيطه اجتماعياً بدون أي نحو من انحاء التسقيط يعد هتكا للعرض.
واستدرك ان الاحاديث تؤكد ان حرمة المؤمن اعظم حرمة عند الله من حرمة الكعبة، لافتا الى عظم الكعبة ومنزلتها وهي بيت الله الحرام الذي يحرص الجميع على عدم هتك حرمته بالكلام او بالقول او بمقالة او بفعل او بتصرف.
ونبه الكربلائي ان من يكتب على صفحات التواصل دون الاهتمام او الاكتراث الى كلامه الذي يسقط انسانا او كيانا او مكوّنا، مبينا ان الامر ليس بهذه البساطة ان نكتب ونصوّر ونشوه ونفتري ونطعن براحتنا وبكل سهولة وبساطة ويُسر وانما يظهر لنا ذلك في يوم القيامة انه من اعظم الحرمات، مستشهدا بما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه توجه الى الكعبة وهو يطوف بها قائلا ً ما اطيبك واطيب ريحكِ، ما اعظمكِ واعظم حرمتكِ! والذي نفسُ محمد بيده، لحُرمَةُ المؤمن اعظم عند الله حُرمَةٌ منكِ، ماله ودمه، وان نظنَّ به الا خيرا.
واضاف انه روي عن الامام الرضا (عليه السلام) فيما أوصي به السيد عبد العظيم بن عبد الله الحسني بقوله : (يا عبد العظيم أبلغ عني اوليائي السلام وقل لهم لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا ومُرْهُم: بالصدق في الحديث، واداء الامانة ومُرْهُم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم وإقبال بعضهم على بعض والمُزاورةِ فان ذلك قربةٌ اليّ ولا يشغلوا انفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً فإني آليتُ على نفسي انه من فعل ذلك وأسخط ولياً من اوليائي دعوتُ الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الاخرة من الخاسرين)، مشددا على ضرورة ان يلتفت الواحد منّا حينما يتكلم او يكتب او يصور بعض الاشياء وتصل مشاهداتها الى عشرات الالاف انه حطم شخصا او كيانا ومزقه شر تمزيق عند مئة الف او مئتي الف او اكثر.
وتساءل الشيخ الكربلائي من يقوم بهكذا فعل هل يستطيع يوم القيامة ان يصحح سمعة هذا الشخص او العائلة او العشيرة او الكيان او المكوّن امام هذا العدد الكبير (سنكتب ما قدموا وآثارهم).