المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16311 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الدفن وما يتعلق به من أحكام القبور
2024-04-20
المفروض من الأكفان
2024-04-20
بطانة الرجل وولیجته
2024-04-19
معنى الصِر
2024-04-19
تحتمس الرابع وتاريخ هذه المسلة.
2024-04-19
تحتمس الثالث يقيم مسلتين في معبد عين شمس وتنقلان إلى الإسكندرية.
2024-04-19

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (10-13) من سورة ال عمران  
  
4063   07:01 مساءً   التاريخ: 10-2-2021
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة آل عمران /

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران : 10 - 13] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

بين تعالى حال الذين في قلوبهم زيغ ، فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بآيات الله ورسله {لَنْ تُغْنِيَ} أي : لن تدفع {عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} قال أبو عبيدة : من هنا بمعنى عند . وقال المبرد : وهي على أصلها لابتداء الغاية وتقديره : لن تغني عنهم غنا ابتداء وانتهاء . وقيل : معناه من عذاب الله شيئا {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} أي : حطب النار تتقد النار بأجسامهم ، كما قال في موضع آخر : {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء : 98] .

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

عادة هؤلاء الكفار في التكذيب بك ، وبما أنزل إليك {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي : كعادة آل فرعون في التكذيب برسولهم ، وما أنزل إليه ، عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك والسدي . وقيل : معناه اجتهاد هؤلاء الكفار في قهرك ، وإبطال أمرك ، كاجتهاد آل فرعون في قهر موسى ، عن الأصم والزجاج .

وقيل : كعادة الله في آل فرعون في إنزال العذاب بهم ، بما سلف من إجرامهم .

وقيل : كسنة آل فرعون ، عن الربيع والكسائي وأبي عبيدة . وقيل : كأمر آل فرعون وشأنهم ، عن الأخفش . وقيل : كحال آل فرعون ، عن قطرب {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني كفار الأمم الماضية {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} أي : عاقبهم الله بذنوبهم . وسمى المعاقبة مؤاخذة ، لأنها أخذ بالذنب . فالأخذ بالذنب عقوبة {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} لمن يعاقبه .

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} .

لما وعد سبحانه الظفر لأهل الإيمان ، بين ما فعله يوم بدر بأهل الكفر والطغيان ، فقال : {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} قيل : الخطاب لليهود الذين نقضوا العهد أي : كان لكم أيها اليهود دلالة ظاهرة . وقيل : الخطاب للناس جميعا ممن حضر الوقعة . وقيل : للمشركين واليهود . آية أي : حجة وعلامة ومعجزة دالة على صدق الخطاب . ومن اختار الياء : فللتصرف - في الكلام ، والانتقال من خطاب المواجهة إلى الخبر بلفظ الغائب ، ويؤيده قوله : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال : 38] ، {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} [الجاثية : 14] وقيل : إن الخطاب لليهود ، والضمير في {سَتُغْلَبُونَ} للمشركين ، لأن اليهود أظهروا السرور بما كان من المشركين يوم أحد فعلى هذا لا يكون إلا بالياء ، لأن المشركين غيب .

لما تقدم ذكر ما أصاب القرون الخالية بالتكذيب للرسل من العذاب ، حذر هؤلاء من أن يحل بهم ما حل بأولئك ، فقال تعالى : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} إما مشركي مكة ، أو اليهود على ما تقدم ذكره {سَتُغْلَبُونَ} أي : ستهزمون وتصيرون مغلوبين في الدنيا {وَتُحْشَرُونَ} أي : تجمعون {إِلَى جَهَنَّمَ} في الآخرة . وقد فعل الله ذلك ، فاليهود غلبوا بوضع الجزية عليهم ، والمشركون غلبوا بالسيف . وإذا قرئ {سَتُغْلَبُونَ} بالياء فقد يمكن أن يكون المغلوبون المحشورون من غير المخاطبين ، وأنهم قوم آخرون ، ويمكن أن يكونوا إياهم . قال الفراء : يقال قل لعبد الله إنه قائم ، وإنك قائم . وإذا قرئ بالتاء فلا يجوز أن يظن هذا ، فلا يكونون غير المخاطبين {وَبِئْسَ الْمِهَادُ} أي : بئس ما مهد لكم ، وبئس ما مهدتم لأنفسكم ، عن ابن عباس . وقيل : معناه بئس القرار ، عن الحسن . وقيل : بئس الفراش الممهد لهم .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص 244 - 249 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ} :

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} . من يتتبع آي الذكر الحكيم ، وحديثه عن الأثرياء وأرباب المال يرى انه قد وصفهم بأقبح الأوصاف والرذائل ، منها الطغيان ، كما جاء في الآية 6 من سورة العلق : { إِنَّ الإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى } ومنها الغرور والجحود : {ودَخَلَ جَنَّتَهُ وهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً} [الكهف - 36] . ومنها الطمع وطلب المزيد : { وجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً - إلى قوله - ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} [المدثر - 15] .

ومنها التوهم الباطل بأن الأموال تصونهم من عذاب اللَّه وعقابه : { وقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وأَوْلاداً وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ - 35] .

ودفع اللَّه سبحانه هذا التوهم بأن الأموال والأولاد لا يغنيان صاحبهما شيئا ، بل ان الأموال تجعل صاحبها غدا وقودا للنار ، تماما كالحطب والخشب ، وقد يظن أهل الباطل ان لهم من أموالهم وأولادهم حماية ووقاية في هذه الحياة ، حتى إذا وقفوا مع أهل الحق وجها لوجه في ساحة القتال والجهاد استبان لهم عجزهم وضعفهم ، لأن اللَّه يؤيد الصادقين بنصره ، ويذل من هو مسرف كذاب .

 

أرباب المال :

ما عرف التاريخ أسوأ وأفدح وأعظم من أسوأ أرباب المال والثروات المكدسة في هذا العصر . . انهم يثيرون الفتن والحروب ويدبرون المكائد والمصائد ضد كل حركة تحررية في أي طرف من أطراف العالم . . فيبثون كتائب العملاء ، ووحدات الأساطيل ، وجواسيس المخابرات في كل بقعة من بقاع الأرض ، ليحوّلوا العالم بكامله إلى شركة مساهمة يملكها أصحاب الملايين . . انهم لا يؤمنون باللَّه ، ولا بالانسانية ، ولا بشيء إلا بالأسهم ، تدفع الشعوب أرباحها من خبزها ودمائها ومستقبلها ، ويستغلون دولهم لإشاعة الرعب والتخويف والضغط الاقتصادي والسياسي على الضعفاء ، ويعملون بكل سبيل لتجزئة البلد الواحد ، وتفتيت الوحدة الوطنية ، ليخضع الجميع لاستثماراتهم واحتكاراتهم . . ومن أجل هذا حرّم الإسلام الاحتكار ، والثراء غير المشروع ، واستخدام القوة والضغط على الضعفاء ، وهدد الذين يكنزون الأموال ولا ينفقونها في سبيل اللَّه ، ووصفهم بالطغاة العتاة .

{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ واللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ } . أي ان كثرة المال والولد ليست سببا للفوز والنجاة ، فكثيرا ما تغلَّب الفقراء على الأغنياء ، والقلة على الكثرة ، والتاريخ مملوء بالشواهد على هذه الحقيقة . . فلقد كان لفرعون وقومه الجاه والسلطان ، والمال والعدة والعدد ، ومع ذلك خذلهم اللَّه ، ونصر موسى وقومه ، ولا مال لهم ولا عدة ولا عدد ، كما نصر من قبل نوحا على قومه ، وإبراهيم على النمرود ، وهودا على عاد ، وصالحا على ثمود . . فالكثرة والثروة - إذن - ليستا بضمان ولا أمان ، وعليه فالذين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله ) معرّضون لنفس المصير .

{ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وبِئْسَ الْمِهادُ } . جاء في مجمع البيان ان اللَّه سبحانه لما نصر نبيّه ببدر قدم المدينة ، وجمع اليهود ، وقال لهم : احذروا من اللَّه أن يصيبكم ما أصاب قريشا ببدر ، وأسلموا . .

فقالوا : لا يغرنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، ولو قاتلناك لعرفت أنّا نحن الناس ، فأنزل اللَّه سبحانه هذه الآية . وقد صدق اللَّه وعده ، فقتل المسلمون بني قريظة الخائنين ، وأجلوا بني النضير المنافقين ، وفتحوا خيبر ، وضربوا الجزية على من عداهم من اليهود .

{ قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ واللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصارِ } . وعظ اللَّه بهذه الآية اليهود والنصارى والمسلمين وأولي الأبصار أجمعين ، وعظهم بوقعة بدر ، حيث التقى حزب الرحمن ، وهم محمد وأصحابه ، مع حزب الشيطان ، وهم أبو سفيان وأذنابه ، ومكان العظة في هذه الواقعة ان حزب الشيطان كانوا أكثر من ألف مدججين بالسلاح الكافي الوافي ، وكان حزب الرحمن بمقدار ثلثهم عددا ، لا يملكون من العدة إلا فرسين ، وسبعة أدرع ، وثمانية سيوف ، ومع ذلك كتب اللَّه النصر للفئة القليلة على الفئة الكثيرة ، وأرى اللَّه المشركين ان المسلمين مثليهم مع قلة عددهم ، وهذه الآية نظير الآية 44 من سورة الأنفال : { وإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ويُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ } . وأمر اللَّه سبحانه هو أن يتخاذل المشركون ، ويهابوا المسلمين ، وينصرهم اللَّه على أعدائه .

وبهذه المناسبة نذكر نصيحة الإمام علي ( عليه السلام ) للخليفة الثاني حين استشاره في غزو الروم بنفسه ، قال الإمام :

« الذي نصر المسلمين ، وهم قليل لا ينتصرون ، ومنعهم ، وهم قليل لا يمتنعون حي لا يموت ، انك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك ، فتلقهم بشخصك فتنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه ، فابعث إليهم رجلا مجربا ، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة ، فان أظهر اللَّه فذاك ما تحب ، وان تكن الأخرى كنت ردءا للناس ، ومثابة للمسلمين » .

_____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص15-19 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قد تقدم : أن المسلمين عند نزول السورة كانوا مبتلين في داخل جماعتهم بالمنافقين وآخرين سماعين لهم ولما يلقيه إليهم أعداء الإسلام من النزاعات والوساوس لتقليب الأمور عليهم وإفساد دعوتهم ، ومبتلين في خارج جمعهم بثوران الدنيا عليهم وانتهاض المشركين واليهود والنصارى لإبطال دعوتهم وإخماد نارهم وإطفاء نورهم بأي وسيلة أمكنت من لسان أو يد .

وأن غرض السورة دعوتهم إلى توحيد الكلمة وإلى الصبر والثبات ليصلح بذلك أمرهم وينقطع ما نشأ من الفساد في داخل جوهم ، وما يطرأ ويهجم عليهم منه من خارجه .

وقد كانت الآيات السابقة أعني قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} إلى قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} تعريضا للمنافقين والزائقين قلبا ودعوة للمسلمين إلى التثبت فيما فهموه من معارف الدين ، والتسليم والإيمان فيما اشتبه لهم ولم يفتهموه من كنهه وحقيقته بالتنبيه على أن شر ما يفسد أمر الدين ويجر المسلمين إلى الفتنة واختلال نظام السعادة هو اتباع المتشابهات وابتغاء التأويل فيتحول بذلك الهداية الدينية إلى الغي والضلال ويتبدل به الاجتماع افتراقا ، والشمل شتاتا .

ثم وقع التعرض في هذه الآيات لحال الكفار والمشركين وأنهم سيغلبون وليسوا بمعجزين لله سبحانه ولا ناجحين في عتوهم بالتنبيه على أن الذي أوجب ضلالهم والالتباس عليهم هو ما زين لهم من مشتهيات الدنيا فزعموا بما رزقوا من مالها وولدها أن ذلك مغن لهم من الله سبحانه شيئا وقد أخطئوا في زعمهم فالله سبحانه هو الغالب في أمره ، ولو كان المال والأولاد وما أشبهها مغنية من الله شيئا لأغنت آل فرعون ومن قبلهم من الأمم الظالمة أولي الشوكة والقدرة لكنها لم تغن عنهم شيئا وأخذهم الله بذنوبهم فكذلك هؤلاء سيغلبون ويؤخذون فمن الواجب على المؤمنين أن يتقوا الله في هذه المشتهيات حتى ينالوا بذلك سعادة الدنيا وثواب الآخرة ورضوان ربهم سبحانه .

فالآيات كما تعطيه مضامينها متعرضة لحال الكفار كما أن الآيات التالية لهذه الآيات متعرضة لحال أهل الكتاب من اليهود والنصارى على ما سيأتي .

قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} ، أغنى عنه ماله من فلان أي أعطاه الغنى ورفع حاجته فلا حاجة به إليه ، والإنسان في بادي تكونه وشعوره يرى نفسه محتاجة إلى الخارج منه ، وهذا أول علمه الفطري إلى احتياجه إلى الصانع المدبر ثم إنه لما توسط في الأسباب وأحس بحوائجه بدأ بإحساس الحاجة إلى كماله البدني النباتي وهو الغذاء والولد ، ثم عرفت له نفسه سائر الكمالات الحيوانية ، وهي التي يزينوا له الخيال من زخارف الدنيا من زينة الملبس والمسكن والمنكح وغير ذلك ، وعندئذ يتبدل طلب الغذاء إلى طلب المال الذي يظنه مفتاحا لحل جميع مشكلات الحيوة لأن العادة الغالبة تجري على ذلك فيظن أن سعادة حيوته في المال والولد بعد ما كان يظن أن ضامن سعادته هو الغذاء والولد ، ثم انكباب نفسه على مشتهياته ، وقصر همه على الأسباب يوجب أن يقف قلبه عند الأسباب ، ويعطي لها الاستقلال ، وحينئذ ينسى ربه ، ويتشبث بذيل المال والولد ، وفي هذا الجهل هلاكه فإنه يستر به آيات ربه ويكفر بها ، وقد التبس عليه الأمر فإن ربه هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا يستغني عنه شيء بحال ولا يغني عنه شيء بحال .

و بهذا البيان يظهر وجه تقديم الأموال على الأولاد في الآية فإن الركون إلى المال - وقد عرفت أن الأصل فيه الغذاء - أقدم عند الإنسان من الركون إلى الأولاد وأعرف منه وإن كان حب الولد ربما غلب عند الإنسان على حب المال .

و في الآية إيجاز شبيه دفع الدخل ، والتقدير : إن الذين كفروا كذبوا بآياتنا وزعموا أن أموالهم وأولادهم تغنيهم من الله ، وقد أخطئوا فلا غنى من الله سبحانه في وقت ولا في شيء ، على ما تدل عليه الآية التالية .

قوله تعالى : {وأولئك هم وقود النار} ، الوقود بفتح الواو ما توقد به النار وتشتعل ، والآية جارية مجرى قوله تعالى : {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة : 24] ، وقوله تعالى : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء : 98] ، وقد مر بعض الكلام في معنى ذلك في سورة البقرة .

والإتيان بالجملة الاسمية ، والابتداء باسم الإشارة ، وكونه دالا على البعد وتوسيط ضمير الفصل ، وإضافة الوقود إلى النار دون أن يقال وقود ، كل ذلك يؤكد ظهور الكلام في الحصر ، ولازمه كون المكذبين من الكفار هم الأصل في عذاب النار وإيقاد جهنم ، وأن غيرهم إنما يحترقون بنارهم ، ويتأيد بذلك ما سيأتي بيانه في قوله تعالى : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} [الأنفال : 37] .

قوله تعالى : {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم} إلى آخر الآية : الدأب على ما ذكروه هو السير المستمر قال تعالى : {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم : 33] ومنه تسمية العادة دأبا لأنه سير مستمر ، وهذا المعنى هو المراد في الآية .

وقوله : {كدأب} ، متعلق بمقدر يدل عليه قوله في الآية السابقة : {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ} ، ويفسر الدأب قوله : {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} وهو في موضع الحال ، وتقدير الكلام كما مرت إليه الإشارة : إن الذين كفروا كذبوا بآياتنا واستمروا عليها دائبين فزعموا أن في أموالهم وأولادهم غنى لهم من الله كدأب آل فرعون ومن قبلهم وقد كذبوا بآياتنا .

وقوله : {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} ، ظاهر الباء أنها تفيد السببية ، يقال : أخذته بذنبه أي بسبب ذنبه لكن مقتضى المحاذاة التي بين الآيتين ، وقياسه حال هؤلاء الذين كفروا في دأبهم على آل فرعون والذين من قبلهم في دأبهم أن يكون البناء للآلة ، فإنه ذكر في الذين كفروا أنهم وقود النار تشتعل عليهم أنفسهم ويعذبون بها فكذلك آل فرعون ومن قبلهم إنما أخذوا بذنوبهم وكان العذاب الذي حل بساحتهم هو عين الذنوب التي أذنبوها ، وكان مكرهم هو الحائق بهم ، وظلمهم عائدا إليهم ، قال تعالى : {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر : 43] ، وقال تعالى : {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة : 57] .

ومن هنا يتبين معنى كونه شديد العقاب ، فإن عقابه تعالى لا يقصد الإنسان ولا يتوجه إليه من جهة دون جهة ، وفي محل دون محل ، وعلى شرط دون شرط كما أن عقاب غيره كذلك فإن الشر الذي يوجهه إلى الإنسان مثله مثلا إنما يتوجه إليه من بعض الجهات دون بعض كفوق وتحت ، وفي بعض الأماكن دون بعض فيدفع بالفرار والتوقي والالتجاء مثلا وهذا بخلاف عقابه تعالى فإنه يأخذ الإنسان بعمله وذنبه وهو مع الإنسان في باطنه وظاهره من غير أن ينفك عنه ، ويجعل الإنسان وقودا لنار أحاط به سرداقها ، ولا ينفعه فرار ولا قرار ، ولا يوجد منه مناص ولا خلاص ، فهو شديد العقاب .

و في قوله تعالى : { كذبوا بآياتنا فأخذهم الله} ، التفات من الغيبة إلى الحضور أولا ثم من الحضور إلى الغيبة ثانيا ، أما قوله : كذبوا بآياتنا ففيه تنشيط لذهن السامع وتقريب للخبر إلى الصدق فإنه بمنزلة أن يقول القائل : إن فلانا بذي فحاش سيىء المحاضرة وقد ابتليت به فيجب الاجتناب عن معاشرته ، فجملة وقد ابتليت به تصحيح للخبر وإثبات لصدقه بإرجاعه إلى الدراية ونحو من الشهادة .

فالمعنى - والله أعلم - أن آل فرعون كانوا دائبين على دأب هؤلاء الذين كفروا في الكفر وتكذيب الآيات ، ولا ريب في هذا الخبر فإنا كنا حاضرين شاهدين وقد كذبوا بآياتنا نحن فأخذناهم .

وأما قوله : {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} ، فهو رجوع بعد استيفاء المقصود إلى الأصل في الكلام وهو أسلوب الغيبة ، وفيه مع ذلك إرجاع الحكم إلى مقام الألوهية القائمة بجميع شئون العالم والمهيمنة على كل ما دق وجل ، ولذلك كرر لفظ الجلالة ثانيا في قوله والله شديد العقاب ، ولم يقل وهو شديد العقاب للدلالة على أن كفرهم وتكذيبهم هذا منازعة ومحاربة مع من له جلال الألوهية ويهون عليه أخذ المذنب بذنبه ، وهو شديد العقاب لأنه الله جل اسمه .

قوله تعالى : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} إلى آخر الآية ، الحشر هو إخراج الجماعة عن مقرهم بالإزعاج ، ولا يستعمل في الواحد ، قال تعالى : {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف : 47] ، والمهاد هو الفراش ، وظاهر السياق أن المراد بالذين كفروا هم المشركون كما أنه ظاهر الآية السابقة : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ}"الخ" دون اليهود ، وهذا هو الأنسب لاتصال الآيتين حيث تذكر هذه الآية الغلبة عليهم وحشرهم إلى جهنم وقد أشارت الآية السابقة إلى تقويهم وتعززهم بالأموال والأولاد .

قوله تعالى : {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} ، ظاهر السياق أن يكون الخطاب للذين كفروا ، والكلام من تتمة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ستغلبون وتحشرون "الخ" ومن الممكن أن يكون خطابا للمؤمنين بدعوتهم إلى الاعتبار والتفكر بما من الله عليهم يوم بدر حيث أيدهم بنصره تأييدا عجيبا بالتصرف في أبصار العيون ، وعلى هذا يكون الكلام مشتملا على نوع من الالتفات بتوسعة خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله : {قُلْ لِلَّذِينَ} بتوجيهه إليه وإلى من معه من المؤمنين ، لكن السياق ، كما عرفت ، للأول أنسب .

والآية - بما تشتمل عليه من قصة التقاء الفئتين ونصرة تعالى للفئة المقاتلة في سبيل الله - وإن لم تتعرض بتشخيص القصة وتسمية الوقعة غير أنها قابلة الانطباق على وقعة بدر ، والسورة نازلة بعدها بل وبعد أحد .

على أن الآية ظاهرة في أن هذه القصة كانت معهودة عند المخاطبين بهذه الخصوصية وهم على ذكر منها حيث يقول : قد كان لكم آية "الخ" ولم يقص تعالى قصة يذكر فيها التصرف في أبصار المقاتلين غير قصة بدر ، والذي ذكره في قصة بدر في سورة الأنفال من قوله تعالى : {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الأنفال : 44] ، وإن كان هو التقليل دون التكثير لكن لا يبعد أن يكون قد قلل فيها المؤمنين في أعين المشركين ليجترئوا عليهم ولا يتولوا عن المقارعة ثم كثرهم في أعينهم بعد التلاقي والاختلاط لينهزموا بذلك .

و كيف كان فالمعتمد ما كان في ذكرهم من التكثير في العيون فعلى تقدير أن يكون الخطاب في الآية متوجها إلى المشركين لا تنطبق الآية على غير وقعة بدر ، على أن قراءة ترونهم بالتاء أيضا تؤيد ما ذكرناه .

فمحصل معنى الآية : أنكم أيها المشركون لو كنتم من أولي الأبصار والبصائر لكفاكم في الاعتبار والدلالة على أن الغلبة للحق وأن الله يؤيد بنصره من يشاء ولا يغلب بمال ولا ولد ما رأيتموه يوم بدر فقد كان المؤمنون مقاتلين في سبيل الله سبحانه ، وقد كانوا فئة قليلة مستذلين لا يبلغون ثلث الفئة الكافرة ، ولا يقاسون بهم قوة ، كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ليس لهم إلا ستة أدرع وثمانية سيوف وفرسان ، وكان جيش المشركين قريبا من ألف مقاتل لهم من العدة والقوة والخيل والجمال والهيئة ما لا يقدر بقدر ، فنصر الله المؤمنين على قلتهم وذلتهم على أعدائه وكثرهم في أعينهم فكانوا يرونهم مثليهم رأي العين ، وأيدهم الملائكة فلم ينفع المشركين ما كانوا يتعززون به من أموال وأولاد ولم يغنهم جمعهم ولا كثرتهم وقوتهم من الله شيئا .

و قد ذكر الله سبحانه دأب آل فرعون والذين من قبلهم في تكذيب آيات الله وأخذهم بذنوبهم في سورة الأنفال عند ذكر القصة مرتين ما ذكره هاهنا بعينه .

و في موعظتهم بتذكير وقعة بدر إيماء إلى أن المراد بالغلبة في الآيات السابقة الغلبة بالقتل والإبادة ففي آياته تهديد بالقتال .

قوله تعالى : {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} ، لم يقل وأخرى في سبيل الشيطان أو في سبيل الطاغوت ونحو ذلك لأن الكلام غير مسوق للمقايسة بين السبيلين بل لبيان أن لا غنى من الله تعالى وأن الغلبة له فالمقابلة بالحقيقة بين الإيمان بالله والجهاد في سبيله وبين الكفر به تعالى .

والظاهر من السياق أن الضميرين في قوله يرونهم مثليهم راجعان إلى قوله : فئة تقاتل ، أي الفئة الكافرة يرون المؤمنين مثلي المؤمنين فهم يرونهم ستمائة وستة وعشرين ولقد كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وأما احتمال اختلاف الضميرين مرجعا بأن يكون المعنى : يرون المؤمنين مثلي عدد الكافرين فبعيد عن اللفظ ، وهو ظاهر .

وربما احتمل أن يكون الضميران راجعين إلى الفئة الكافرة ، ويكون المعنى : يرى الكافرون أنفسهم مضاعفة مثلي عددهم يرون الألف ألفين ولازمه تقليلهم المؤمنين في النسبة فكانوا يرونهم سدس أنفسهم عددا مع كونهم ثلثا لهم في النسبة وذلك ليطابق ما ذكره في هذه الآية قوله تعالى في قصة بدر : {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال : 44] ، فإن الآية تنافي الآية .

و أجيب بأن ذلك يؤدي إلى اللبس غير اللائق بأبلغ الكلام بل كان من اللازم على هذا أن يقال : يرون أنفسهم مثليهم أو ما يؤدي ذلك .

و أما التنافي بين الآيتين فإنما يتحقق مع اتحاد الموقف والمقام ، ولا دليل على ذلك لإمكان أن يقلل الله سبحانه كلا من الطائفتين في عين صاحبتها في بدء التلاقي لتشد بذلك قلوبهم وتزيد جرأتهم حتى إذا نشبت المقارعة وحمي الوطيس رأى الكافرون المؤمنين مثلي عددهم فانهزموا بذلك وولوا الأدبار ، وهذا نظير قوله تعالى في وصف يوم القيامة : {لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن : 39] ، مع قوله : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات : 24] ، وليس إلا أن الموقف غير الموقف .

و في شأن الضميرين أعني في قوله : يرونهم مثليهم ، احتمالات أخر ذكروها غير أن الجميع تشترك في كونها خلاف ظاهر اللفظ ، ولذلك تركنا ذكرها ، والله العالم .

قوله تعالى : {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ، التأييد من الأيد وهو القوة ، والمراد بالأبصار قيل : هو العيون الظاهرية لكون الآية مشتملة على التصرف في رؤية العيون ، وقيل : هو البصائر لأن العبرة إنما تكون بالبصيرة القلبية دون البصر الظاهري ، والأمر هين ، فإن الله سبحانه في كلامه يعد من لا يعتبر بالعبر والمثلات أعمى ، ويذكر أن العين يجب أن تبصر وتميز الحق من الباطل وفي ذلك دعوى أن الحق الذي يدعو إليه ظاهر متجسد محسوس يجب أن يبصره البصر الظاهر ، وأن البصيرة والبصر في مورد المعارف الإلهية واحد بنوع من الاستعارة لنهاية ظهورها ووضوحها ، والآيات في ذلك كثيرة جدا ، ومن أحسنها دلالة على ما ذكرنا قوله تعالى : {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج : 46] ، أي إن الأبصار إنما هي في القلوب دون الرءوس ، وقوله تعالى : {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف : 179] ، والآية في مقام التعجيب ، وقوله تعالى : {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية : 23] ، إلى غير ذلك من الآيات ، فالمراد بالأبصار فيما نحن فيه هو العيون الظاهرية بدعوى أنها هي التي تعتبر وتفهم فهو من الاستعارة بالكناية ، والنكتة فيه ظهور المعنى كأنه بالغ حد الحس ، ويزيد في لطفه أن المورد يتضمن التصرف في رؤية العين الظاهرة .

و ظاهر قوله : {إِنَّ فِي ذَلِكَ} "الخ" أنه تتمة لكلامه تعالى الذي يخاطب به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس تتمة لقول النبي المدلول عليه بقوله : {قُلْ لِلَّذِينَ كفروا} الخ" ، والدليل عليه الكاف في قوله : ذلك ، فإنه خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي هذا العدول إلى الخطاب الخاص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إيماء إلى قلة فهمهم وعمى قلوبهم أن يعتبروا بأمثال هذه العبر .

قوله تعالى : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} "الخ" ، الآية وما يتلوها بمنزلة البيان وشرح حقيقة الحال لما تقدم من قوله تعالى آنفا : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} "الخ" إذ يظهر منه أنهم يعتقدون الاستغناء بالأموال والأولاد من الله سبحانه فالآية تبين أن سبب ذلك أنهم انكبوا على حب هذه المشتهيات وانقطعوا إليها عن ما يهمهم من أمر الآخرة ، وقد اشتبه عليهم الأمر فإن ذلك متاع الحيوة الدنيا ، ليس لها إلا أنها مقدمة لنيل ما عند الله من حسن المآب مع أنهم غير مبدعين في هذا الحب والاشتهاء ولا مبتكرون بل مسخرون بالتسخير الإلهي بتغريز أصل هذا الحب فيهم ليتم لهم الحيوة الأرضية فلو لا ذلك لم يستقم أمر النوع الإنساني في حيوته وبقائه بحسب ما قدره الله سبحانه من أمرهم حيث قال : {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة : 36] .

وإنما قدر لهم ذلك ليتخذوها وسيلة إلى الدار الآخرة ويأخذوا من متاع هذه ما يتمتعون به في تلك لا لينظروا إلى ما في الدنيا من زخرفها وزينتها بعين الاستقلال وينسوا بها ما وراءها ، ويأخذوا الطريق مكان المقصد في عين أنهم سائرون إلى ربهم ، قال تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف : 7 ، 8] .

إلا أن هؤلاء المغفلين أخذوا هذه الوسائل الظاهرة الإلهية التي هي مقدمات وذرائع إلى رضوان الله سبحانه أمورا مستقلة في نفسها محبوبة لذاتها وزعموا أنها تغني عنهم من الله شيئا فصارت نقمة عليهم بعد ما كانت نعمة ووبالا بعد ما كانت مثوبة مقربة .

قال تعالى : {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس : 24] إلى أن قال : {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} إلى أن قال : {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس : 30] تشير الآيات إلى أمر الحيوة وزينتها بيده تعالى لا ولي لها دونه لكن الإنسان باغتراره بظاهرها يظن أن أمرها إليه ، وأنه قادر على تدبيرها وتنظيمها فيتخذ لنفسه فيها شركاء - كالأصنام وما بمعناها من المال والولد وغيرهما ، إن الله سيوقفه على زلته فيذهب هذه الزينة ، ويزيل الروابط التي بينه وبين شركائه ، وعند ذلك يضل عن الإنسان ما افتراه على الله من شريك في التأثير ويظهر له معنى ما علمه في الدنيا وحقيقته ، ورد إلى الله مولاه الحق .

وهذا التزين أعني : ظهور الدنيا للإنسان بزينة الاستقلال وجمال الغاية والمقصد لا يستند إلى الله سبحانه فإن الرب العليم الحكيم أمنع ساحة من أن يدبر خلقه بتدبير لا يبلغ به غايته الصالحة ، وقد قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق : 3] ، وقال تعالى : {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف : 21] ، بل إن استند فإنما يستند إلى الشيطان قال تعالى : {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 43] ، وقال تعالى : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [الأنفال : 48] .

نعم لله سبحانه الإذن في ذلك ليتم أمر الفتنة ، وتستقيم التربية كما قال تعالى : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت : 2 - 4] ، وعلى هذا الإذن يمكن أن يحمل قوله تعالى : {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام : 108] ، وإن أمكن أيضا أن يحمل على ما مر من معنى التزيين المنسوب إليه تعالى في قوله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف : 7] .

و بالجملة التزيين تزيينان : تزيين للتوسل بالدنيا إلى الآخرة وابتغاء مرضاته في مواقف الحياة المتنوعة بالأعمال المختلفة المتعلقة بالمال والجاه والأولاد والنفوس ، وهو سلوك إلهي حسن ، نسبه الله تعالى إلى نفسه كما مر من قوله : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها الآيات ، وكقوله تعالى : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ} [الأعراف : 32] .

وتزيين لجلب القلوب وإيقافها على الزينة وإلهائها عن ذكر الله وهو تصرف شيطاني مذموم ، نسبه الله سبحانه إلى الشيطان ، وحذر عباده عنه كما مر من قوله تعالى : {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 43] الآية ، وقوله تعالى فيما يحكيه من قول الشيطان : {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر : 39] ، وقوله تعالى : {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة : 37] ، إلى غير ذلك من الآيات .

وهذا القسم ربما نسب إليه تعالى من حيث إن الشيطان وكل سبب من أسباب الخير أو الشر إنما يعمل ما يعمل ويتصرف في ملكه ما يتصرف بإذنه لينفذ ما أراده وشاءه ، وينتظم بذلك أمر الصنع والإيجاد ، ويفوز الفائزون بحسن إرادتهم واختيارهم ، ويمتاز المجرمون .

وبما مر من البيان يظهر أن المراد من فاعل التزيين المبهم في قوله : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} "الخ" ليس هو الله سبحانه فإن التزيين المذكور وإن كان له نسبة إليه تعالى سواء كان تزيينا صالحا لأن يدعو إلى عبادته تعالى وهو المنسوب إليه بالاستقامة أو تزيينا ملهيا عن ذكره تعالى وهو المنسوب إليه بالإذن ، لكن لاشتمال الآية على ما لا ينسب إليه مستقيما كما يجيء بيانه كان الأليق بأدب القرآن أن ينسب إلى غيره تعالى كالشيطان أو النفس .

ومن هنا يظهر صحة ما ذكره بعض المفسرين : أن فاعل زين هو الشيطان لأن حب الشهوات أمر مذموم ، وكذا حب كثرة المال مذموم ، وقد خص تعالى بنفسه ما ذكره في آخر الآية وفي ما يتلوها .

و يظهر به فساد ما ذكره بعضهم : أن الكلام في طبيعة البشر والحب الناشىء فيها ومثله لا يسند إلى الشيطان بحال وإنما يسند إليه ما هو قبيل الوسوسة التي تزين للإنسان عملا قبيحا .

قال : ولذلك لم يسند إليه القرآن إلا تزيين الأعمال ، قال تعالى : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} ، وقال {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وأما الحقائق وطبائع الأشياء فلا تسند إلا إلى الخالق الحكيم الذي لا شريك له ، قال عز وجل : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وقال : {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} فالكلام في الأمم كلام في طبائع الاجتماع ، انتهى .

وجه الفساد : أنه وإن أصاب في قوله : إن الحقائق وطبائع الأشياء لا تسند إلا إلى الخالق الحكيم الذي لا شريك له لكنه أخطأ في قوله : إن الكلام في طبيعة البشر وما ينشأ منها بحسب الطبع ، وذلك أن السورة كما علمت في مقام بيان أن الله سبحانه هو القيوم على خلقه في جميع ما هم عليه من الخلق والتدبير والإيمان والكفر والإطاعة والعصيان ، خلق الخلق وهداهم إلى سعادتهم ، وأن الذين نافقوا في دينه من المنافقين أو كفروا بآياته من الكافرين أو بغوا بالاختلاف في كتابه من أهل الكتاب ، وبالجملة الذين أطاعوا الشيطان واتبعوا الهوى ليسوا بمعجزين لله غالبين عليه مفسدين لقيمومته بل الجميع راجع إلى قدره وتدبيره أمر خلقه في تحكيم ناموس الأسباب لتقوم بذلك سنة الامتحان فهو الخالق للطبائع وقواها وميولها وأفعالها لتسلك بها إلى جوار ربها جوار القرب والكرامة ، وهو الذي أذن لإبليس ولم يمنعه من الوسوسة والنزعة ولم يمنع الإنسان من اتباعه باتباع الهوى ليتم أمر الامتحان وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منهم شهداء ، وإنما بين ذلك في هذه السورة ليتسلي بذلك نفوس المؤمنين ، ويطيب بذلك قلوبهم بما هم عليه عند نزول السورة من العسرة والشدة والابتلاء من الداخل بنفاق المنافقين وجهالة الذين في قلوبهم مرض بإفساد الأمور وتقليبها عليهم ، والتقصير في طاعة الله ورسوله ، ومن الخارج بالدعوة الشاقة الدينية ، ووثوب الكفار من العرب عليهم من جانب ، وأهل الكتاب واليهود منهم خاصة من جانب آخر ، وتهديد الكفار كالروم والعجم بالقوة والعدة من جانب آخر ، وهؤلاء الكافرون ومن يحذو حذوهم اشتبه عليهم الأمر في الركون إلى الدنيا وزخارفها حيث أخذوها غاية وهي مقدمة والغاية أمامها .

فالسورة كما ترى تبحث عن طبائع الأمم لكن بنحو وسيع يشمل جهات خلقهم وتكوينهم وجميع ما يتعقب ذلك في مسير حيوتهم من الخصائل وأعمال السعادة والشقاوة والطاعة والمعصية فتبين أن ذلك كله تحت قيمومته تعالى لا يقهر في قدرته ، ولا يغلب في أمره لا في الدنيا ولا في الآخرة أما في الدنيا فإنما هو إذن وامتحان ، وأما في الآخرة فإنما هو الجزاء إن خيرا فخير وإن شرا فشر .

وكذلك الآيات أعني قوله : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ} إلى تمام تسع آيات في مقام بيان أن الكفار وإن كذبوا آيات ربهم وبدلوا نعم الله التي أنعمها عليهم ليتوسلوا بها إلى رضوانه وجنته فركنوا واعتمدوا عليها واستغنوا بها عن ربهم ، ونسوا مقامه ليسوا بمعجزين ولا غالبين فسيأخذهم الله بنفس أعمالهم ، ويؤيد عباده المؤمنين عليهم وسيحشرهم إلى جهنم وبئس المهاد ، وهم مع ذلك غالطون في الركون إلى ما ليس إلا متاعا في الحياة الدنيا وعند الله حسن المآب ، فالآيات أيضا تبحث عن طبيعة الكفار لكن بنحو وسيع يشمل الصالح والطالح من أعمالهم .

على أن الآية التي ذكرها هذا القائل مستشهدا بها على أن الحقائق لا تسند إلا إلى الله وإنما يسند إلى الشيطان الأعمال أعني قوله تعالى : "كذلك زينا لكل أمة عملهم" يدل بما حف عليه من القرائن على خلاف ذلك ويؤيد ما ذكرناه وهو قوله تعالى : {تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 108] ، وهو ظاهر .

وكذا يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن التزيين على قسمين محمود ومذموم والأعمال نوعان حسنة وسيئة ، وإنما يسند إلى الله سبحانه ما هو منها محمود ممدوح حسن ، والباقي للشيطان وهو وإن كان حقا من وجه ولكنه إنما يصح في النسبة المستقيمة التي يعبر عنه بالفعل ونحوه فالله سبحانه لا يفعل إلا الجميل ، ولا يأمر بالسوء والفحشاء ، وأما النسبة غير المستقيمة وبالواسطة التي يعبر عنه بالإذن ونحوه فلا مانع عنها ، ولو لا ذلك لم يستقم ربوبيته لكل شيء ، وخلقه لكل شيء ، وملكه لكل شيء ، وانتفاء الشريك عنه على الإطلاق ، والقرآن مشحون من هذه النسبة كقوله تعالى : {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} [الرعد : 27] ، وقوله : {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف : 5] ، وقوله : {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة : 15] ، وقوله : {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا} [الإسراء : 16] ، إلى غير ذلك من الآيات ، ولم ينشأ خطؤهم هذا إلا من جهة ما قصروا في البحث عن روابط الأشياء وآثارها وأفعالها فحسبوا كل واحد من هذه الأمور الموجودة أمرا مستقل الوجود منقطع الذات عما يحتف به من مجموعة الأشياء وقبيل المصنوعات وما يتقدم عليها وما يتأخر عنها .

و لزم ذلك أن يضعوا الحوادث التي هي نتائج تفاعل الأسباب والعلل على ما فطرها الله عليه في مسير السببية متقطعة متفرقة غير متصلة ولا مرتبطة فكانت كل حادثة حدثت عن أسبابها وكل فعل فعله فاعله منقطع الوجود عن غيره مملوكا لصاحبه ليس لغير سببه المتصل به فيه نصيب ولا في حدوثه حظ ، فأجرام تدور ، وبحر تسري وفلك تجري ، وأرض تقل ، ونبات ينبت ، وحيوان يدب ، وإنسان يعيش ويكدح لا التيام روحي معنوي يجمعها ولا وحدة جسمية من المادة وقوتها : توحدها .

ثم تعقب ذلك أن يظنوا نظير هذا الانفصال والتلاشي بين عناوين الأعمال وصور الأفعال من خير وشر ، وسعادة وشقاوة ، وهدى وضلال ، وطاعة ومعصية وإحسان وإساءة ، وعدل وظلم ، وغير ذلك فكانت غير مرتبطة الوجود ولا متشابكة التحقق .

وقد ذهلوا عن أن هذا العالم بما يشتمل عليه من أعيان الموجودات وأنواع المخلوقات مرتبط الأجزاء متلائم الأبعاض ، يتبدل جزء منه إلى جزء ، ويتحول بعضه إلى بعض ، فيوما إنسان ، ويوما نبات ، ويوما جماد ، ويوما جمع ، ويوما فرق ، وحيوة البعض بعينها ممات الآخر ، وكون الجديد منه فساد للقديم بعينه .

و كذلك الحوادث الجارية مرتبطة ارتباط حلقات السلسلة أي وضع فرض لواحدة منها مؤثر في أوضاع ما يقارنها وما يتقدمها إلى أقدم العهود المفروضة للعالم الطبيعي كالسلسلة التي تنجر بجر الحلقة منها جميع الحلقات وهو السلسلة فأدنى تغير مفروض في ذرة من ذرات هذا العالم يوجب تغير الحال في الجميع ، وإن عزب عن علمنا وإدراكنا أو خفي عن إحساسنا فعدم العلم لا يستلزم عدم الوجود ، فهذا مما بينت في الأبحاث العلمية منذ القديم ، وأوضحته الأبحاث الطبيعية والرياضية اليوم أتم إيضاح ، ولقد كان القرآن ينبئنا بذلك أحسن الإنباء قبل أن نأخذ في هذه الأبحاث من فلسفيها وطبيعيها ورياضيها بالنقل عن كتب الآخرين ثم بالاستقلال في البحث ، وذلك بما يذكر من اتصال التدبير في الآيات السماوية والأرضية ، وارتباط ما بينها ، ونفع بعضها في بعض ، واشتراك الجميع في إقامة غرض الخلقة ، ونفوذ القدر في جميعها والسلوك إلى المعاد ، وأن إلى ربك المنتهى .

وكذلك أوصاف الأفعال وعناوين الأعمال مرتبطة الأطراف كارتباط الأمور المتقابلة المتعاندة فلو لا أحد المتعاندين لم يستقم أمر الآخر كما نشاهده من أمر الصنع والإيجاد أن تكون شيء ما يحتاج إلى فساد آخر ، وسبق أمر يتوقف على لحوق آخر .

ولو لم يتحقق أحد الطرفين من أوصاف الأعمال لم يستقم أمر الآخر في آثاره المطلوبة منه في الاجتماع الإنساني الطبيعي ، ولا في الاجتماع الإلهي الذي هو الدين الحق ، فإن الإطاعة مثلا حسنة لأن المعصية سيئة ، والحسنة موجبة للثواب ، لأن السيئة موجبة للعقاب ، والثواب لذيذ للعامل لأن العقاب مولم له ، واللذة سعادة مرغوب فيها لأن الألم شقاوة مهروب عنها ، والسعادة هي التي يتوجه وجوده بحسب الخلقة إليها والشقاوة هي التي يتوجه عنها ، ولو لا هذه الحركة الوجودية لبطل الوجود .

فالإطاعة ثم الحسنة ثم الثواب ثم اللذة ثم السعادة هي بحيال المعصية فالعقاب فالألم فالشقاء وإنما يظهر كل منها بخفاء ما يقابله ويحيى بموته ، وكيف يمكن أن تقع دعوة إلى شيء من غير تحذير عما يخالفه؟ وكيف يمكن أن يكون خلافه ممكنا دون أن يكون واقعا بما يدعو إليه من الأغراض والميول ؟ .

فقد تبين من ما ذكرناه : أن الواجب في الحكمة أن يشتمل هذا العالم على الفساد كما يشتمل على الصلاح وعلى المعصية كما يشتمل على الطاعة على ما قدره الله في نظام صنعه وخلقه غير أن الكون والفساد في غير الأعمال وأوصافها ينسبان إلى الله سبحانه لأن الخلق والأمر له .

لا شريك له وقبيل السعادة من الأعمال تنسب إليه بالهداية نسبة مستقيمة وقبيل الشقاوة منها كوسوسة الشيطان وتسليط الهوى على الإنسان وتأمير الظالمين على الناس ونحو ذلك ينسب إليه تعالى بالإضلال والإخزاء والخذلان ونحوها نسبة غير مستقيمة ، وهي التي يعبر عنها بالإذن فيقال : إنه تعالى أذن للشيطان أن ينزع بالوسوسة والتسويل ، ولم يمنع الإنسان أن يتبع الهوى ، ولم يضرب بين الظالم وما يريده من الظلم بحجاب لأن السعادة والشقاوة مبنيتان على الاختيار ، فمن سعد فباختياره ، ومن شقي فباختياره ، ولو لا ذلك لم تتم الحجة ، ولم تجر سنة الاختيار والامتحان .

ولم يمنع هؤلاء الباحثين عن الاسترسال في هذه المباحث إلا استيحاشهم من وخيم نتائجها بزعمهم ، فأما المجبرة منهم فزعموا أن لو قالوا بارتباط الأشياء وضرورة تأثير الأسباب واعترفوا بذلك لزمهم الإيجاب في جانب الصانع تعالى وسلب قدرته المطلقة على التصرف في مصنوعاته .

وأما غيرهم فزعموا أن لو أذعنوا بذلك في مرحلة الأعمال وأسندوها إلى إرادته وقدره تعالى لزمهم القول بالإيجاب والإجبار في جانب المصنوع وهو الإنسان ، وببطلان الاختيار يبطل الثواب والعقاب ، والتكليف والتشريع .

مع أنهم كان يسعهم أن يستأنسوا من غير استيحاش بكلامه تعالى حيث يقول : {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف : 21] ويقول : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف : 54] ويقول : {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس : 55] ، على أنها وما يماثلها آيات تعطي البرهان في ذلك ، وقد تقدمت نبذة من هذا البحث في الكلام على قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة : 26] .

____________________

1 . تفسير الميزان ، ج3 ، ص 77-90 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

بعد بيان مواقف الكفّار والمنافقين والمؤمنين من الآيات «المحكمات» و«المتشابهات» في الآيات السابقة ، تقول هذه الآية : إذا كان الكفّار المعاندون يحسبون أنّهم بثرواتهم وأبنائهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم في الآخرة فهم على خطأ كبير ، فهذه الوسائل قد يكون لها تأثيرها المؤقت في هذه الدنيا ، ولكنّها عند الله لن يكون لها أيّ تأثير ، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة . لذلك ينبغي ألاّ يغترّ الإنسان بهذه الأُمور فتحمله على إرتكاب الإثم ، وإلاَّ فإنّه يصلى ناراً سيكون هو حطبها .

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران : 10] (2) .

يفيد هذا التعبير أنّ نار الجحيم مستعرة بوجود المذنبين ، وهؤلاء المذنبون هم الذين يديمون أوارها ولهيبها . نعم ثمّة آيات تقول إنّ الحجارة أيضاً تكون وقود نار جهنم بالإضافة إلى المذنبين . ولكن ـ كما قلنا في تفسير الآية 24 من سورة البقرة في الجزء الأول ـ يمكن أن تكون هذه الحجارة هي الأصنام التي كانوا ينحتونها من الحجر . وعليه فإنّ نار جهنّم تستعر بأعمال المذنبين وبمعبوداتهم الباطلة .

ثمّ تشير الآية إلى نموذج من الاُمم السالفة التي كانت قد اُوتيت الثروة الإنسانية والمادية الكثيرة ، ولم تستطيع هذه الثروة أن تكون مانع من هلاكهم .

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

«الدأب» إدامة السير ، والعادة المستمرّة دائماً على حالة واحدة . فهذه الآية تشبّه حال الكفّار المعاصرين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما كان آل فرعون قد اعتادوا عليه ـ وكذلك الأقوام السابقة ـ من تكذيب آيات الله ، فأخذهم الله بذنبهم وأنزل بهم عقابه الصارم في هذه الدنيا .

هذا في الواقع إنذار للكافرين المعاندين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكي يعتبروا بمصير الفراعنة والأقوام السالفة ، ويصحّحوا أعمالهم .

صحيح أنّ الله «أرحم الراحمين» ولكنه في المواضع ومن أجل تربية عبيده «شديد العقاب» أيضاً ، ولا ينبغي أن يغترّ العبيد برحمة مولاهم الواسعة أبداً .

يستفاد أيضاً من «الدأب» أنّ هذه الإتّجاه الخطأ ـ أي العناد إزاء الحقيقة وتكذيب آيات الله ـ أصبح عادة ثابتة فيهم ، ولهذا يهدّدهم بعذاب شديد ، وذلك لأنّه ما دام الإثم لم يصبح عادةً ونهجاً في الحياة فإنّ الرجوع عنه ميسور وعقابه خفيف ، ولكنّه إذا نفذ إلى داخل أعماق الإنسان فالرجوع عنه متعذّر ، والعقاب عليه شديد . فخير للكافرين أن ينتهزوا الفرصة قبل فوات الأوان ويرجعوا عن طريق الضلال .

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}

مع ما تقدّم في سبب النزول يتضح أن الكفّار المغرورين بأموالهم وأولادهم ، وعددهم وعدّتهم يتوقعون هزيمة الإسلام ، ولكن القرآن الكريم يصرح في هذه الآية بأنهم سيُغلبون ، ويخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يخبرهم بذلك وأن عاقبتهم في الدنيا والآخرة ليست سوى الهزيمة والذلّ والعذاب الأليم : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران : 12] (3) .

 

تنّبؤ صريح :

هناك أخبار غيبية كثيرة في القرآن الكريم تعتبر من أدلة عظيمته وإعجازه . والآية أعلاه واحدة من هذه الأخبار الغيبية .

وفي هذه الآية يبشّر الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالانتصار على جميع الأعداء ، وينذر الكافرين بأنّهم فضلاً عن اندحارهم في هذه الدنيا ، فإنّ لهم في الآخرة شرّ مصير .

إذا لاحظنا سبب نزول الآية ، وكونها نزلت بعد فشل المسلمين في أُحد ، وظهور ضعفهم الظاهري ، وازدياد قوّة الأعداء باتّحادهم وتكاتفهم فإنّ هذا التنبّؤ الصريح وعلى الأخصّ عن المستقبل القريب : {ستُغلَبون} يكون أمراً مثيراً للإنتباه . ومن هنا يمكن اعتبار هذه الآية من آيات إعجاز القرآن ، لوجود هذا التنبّؤ عن المستقبل فيه ، في الوقت الذي لا تشير فيه الظواهر إلى احتمال انتصار المسلمين على الكفّار واليهود .

ولم تمض فترة طويلة حتّى تحقّقت نبوءة الآية وهُزم يهود المدينة «بنو قريضة ، وبنو النضير» ، وفي خيبر ـ أهم معقل من معاقلهم ـ اندحروا وتلاشت قواهم . كما هُزم المشركون في فتح مكّة هزيمة نكراء .

 

{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}

 

معركة بدر والتأييد الإلهي :

تعقيباً على الآيات السابقة التي حذّر القرآن فيها الكافرين من الاغترار بالمال والأبناء والأتباع ، جاءت هذه الآية شاهداً حيّاً على هذا الأمر ، فتدعوهم إلى الاعتبار بما جرى في معركة بدر التاريخية .

{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} .

كيف لا تكون لهم عبرة ، وهم يرون أنّ جيشاً صغيراً لا يملك شيئاً من العدّة ، سوى الإيمان الراسخ ، ينتصر على جيش يفوقه أضعافاً في العدد والعدّة . فلو كان المال والعدد ـ بغير إيمان ـ قادرين على شيء لظهر مفعولهما في معركة بدر ، ولكن النتيجة كانت معكوسة .

{يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} .

تقول الآية : إنّ الكفّار كانوا يرون جند المسلمين ضعف عددهم . أي أنّهم إذا كانوا 313 شخصاً كان الكفّار يرونهم أكثر من 600 شخص (4) . ليزيد من خوفهم ، وكان هذا أحد أسباب هزيمة الكفّار .

وهذا ـ فضلاً عن كونه إمداداً غيبياً من الله انتصر به المسلمون ، لأنّ الله يمدّ عباده المجاهدين المؤمنين بمختلف السبل ـ كان أمراً طبيعياً من حيث جانبه الظاهري ، وذلك لأنّ الضربات الشديدة التي أنزلها المسلمون ـ بقوة إيمانهم وتربيتهم الإسلامية ـ على الأعداء ، أثارت فيهم الرعب والهلع فظنّوا أنّ هناك قوّة وسنشرح معركة بدر شرحاً وافياً عند تفسير الآيات 41 ـ 45 من سورة الانفال .

أُخرى التحقت بالمسلمين ، ولذلك ظنّوا أنّ المسلمين يحاربون بضعف قوّتهم الأُولى ويسيطرون على ميدان الحرب سيطرة تامّة ، مع أنهم قبل الدخول لم يكن يخطر لهم ذلك أبداً ، بل كانوا يرون المسلمين أقلّ ممّا كانوا عليه . في الآية 44 من سورة الأنفال إشارة إلى ذلك أيضاً {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} .

تذكّروا يوم لقائكم بهم في ميدان الحرب ، فقد أظهرناكم في أعينهم قلّة لكي لا يتجنّبوا حرباً ستؤدّي إلى هزيمتهم ـ كما أظهرناهم في أعينكم قلّة لكي لا تضعف معنوياتكم في حرب مصيرية ـ . وما أن بدأ الحرب حتّى تبدّلت المشاهد ، وظهر المسلمون في أعين الأعداء بأعداد مضاعفة ، فكان هذا واحداً من أسباب هزيمتهم .

وجاء في بعض الروايات أن أحد المسلمين قال : قبل نشوب القتال في بدر قلت لرفيق لي : ألاّ تظن أن عدد الكفّار سبعون نفراً ؟ فقال : إني احسبهم مائة نفر ، ولكن عندما انتصرنا في الحرب وأسرنا منهم عدداً غفيراً سمعنا أن عددهم ألف نفر (5) .

{وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} .

تشير الآية إلى حقيقة أنّ الله ينصر من يشاء . لقد سبق أن قلنا إنّ مشيئة الله وإرادته لا تكون بغير حساب ، بل هي تكون بموجب حكمته وفي حدود لياقة الأفراد ، أي أنّ الله يؤيّد الذين يستحقّون ذلك .

جدير بالذكر أنّ النصر الإلهي للمسلمين في الحادثة التاريخية كان ذا جانبين ، فقد كان «نصراً عسكرياً» و«نصراً منطقياً» . فمن الناحية العسكرية :

انتصر جيش صغير مفتقر إلى المعدّات الحربية على جيش يبلغ أضعافه عدداً وإمكانات . ومن الناحية المنطقية : فإنّ الله كان قد أخبر المسلمين صراحة بهذا النصر قبل بدء الحرب .

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} .

في ختام الآية يؤكّد سبحانه أنّ الذين وهبوا البصيرة بحيث يرون الحقائق كما هي ، يعتبرون بهذا الانتصار الذي أحرزه أُناس مؤمنون ، ويدركون أنّ أساس هذا الانتصار هو الإيمان . . . الإيمان وحده (6) .

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص208-214 .

2 ـ سبق أن قلنا إنّ «الوقود» هو ما تشتعل به النار كالحطب ، لا ما تشتعل به النار كالكبريت .

3 ـ «مهاد» بمعنى المكان المهيأ ، كما يقول الراغب ، وهي في الأصل من مادة (مَهْد) وهو محل استراحة الطفل .

4 ـ هذا التفسير يعتمد على إرجاع الضمير في «يرون» إلى الكفّار ، والضمير «هم» إلى المسلمين . وهذا اوضح التفاسير العديدة للآية .

5 ـ تفسير القرطبي : ج 2 ص 1268 .

6 ـ «عبرة» في الأصل من مادة «عبور» بمعنى الانتقال من مرحلة إلى اُخرى أو من مكان إلى آخر ويقال لدمع العين «عَبرة» على وزن «حسرة» لأنه يعبر من العين ، ويقال للكلمات التي تمر من خلال اللسان والاُذن «عبارات» أيضاً وكذلك يقال للحوادث «عِبرة» لأجل أن الإنسان عندما يراها يعلم بمخلفاتها من الحقائق .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء