المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
التفريخ في السمان
2024-04-25
منخبر رع سنب يتسلَّم جزية بلاد النوبة.
2024-04-25
منخبر رع سنب الكاهن الأكبر للإله آمون.
2024-04-25
أمنمحاب يخرج للصيد وزيارة حديقته.
2024-04-25
الوظائف العليا والكهنة.
2024-04-25
نظم تربية السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الفئات المحرومة  
  
22458   08:22 صباحاً   التاريخ: 23-12-2017
المؤلف : عباس ذهيبات
الكتاب أو المصدر : التكافل الاجتماعي في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)
الجزء والصفحة : ص51-63
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / آداب عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-6-2016 13997
التاريخ: 2024-04-06 143
التاريخ: 24-7-2022 1259
التاريخ: 27-6-2016 66229

هناك مجموعة من الفئات المحرومة هي بأمس الحاجة إلى التكافل الاجتماعي بعد أن قرضهم الفقر بمنشاره ، وأسكنتهم الحاجة والفاقة ، وهم على النحو التالي :

1ـ الأيتام :

الإسلام كدين اجتماعي تتمثّل فيه مبادئ الرحمة والعطف ، لا يريد ان يترك هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع فريسة الفقر والحاجة ، لذلك كانت هذه الفئة بمثابة القطب من الرحى في توجهاته التكافلية ، فهناك الآيات القرآنية الكثيرة التي تحث على الاهتمام بالأيتام ، وتدعو إلى تأمين مستلزمات العيش الشريف لهم ، منها قوله تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}[البقرة:220] ، وقوله تعالى :{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] ، وقوله : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون: 1، 2]. وقوله : {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ }[الفجر: 17]. فهنا نجد دعوة صريحة للتكافل الأدبي معهم ، ولوماً وتقريعاً لكل من يقصّر في ذلك.

وهناك طائفة من الآيات تدعو إلى التكافل المادي الصريح مع الأيتام ، منها : قوله تعالى : {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}[البقرة: 177] ، وقوله : {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}[البقرة: 83] ، وقوله : {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[النساء: 8] ، وقوله : {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}[الأنعام: 152].

وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يوقظ في نفوس الناس العاطفة الدينية تجاه الأيتام ، ويُكثر من التوصية بهم ، ويدعو إلى كفالتهم ، قال (صلى الله عليه وآله) : (أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين) (1). وعنه (صلى الله عليه وآله) : (من عال يتيما حتى يستغني عنه ، أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنّة ، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار) (2).

ولم تقتصر تعاليم الرَّسول الاجتماعية على تأمين التكافل المادي للأيتام فحسب ، بل كان يولي التكافل الأدبي المزيد من العناية والأهمية ، قال (صلى الله عليه وآله) موصياً: (كن لليتيم كالأب الرَّحيم ، واعلم أنّك [ كما ] تزرع كذلك تحصد) (3).

وروي أن رجلاً شكا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قساوة قلبه ، فقال : (إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم) (4) وفي رواية اُخرى أنه قال له : « فادن منك اليتيم وامسح رأسه وأجلسه على خوانك ، يلين قلبك وتقدر على حاجتك) (5).

وقال (صلى الله عليه وآله) : (اشبع اليتيم والأرملة ، وكن لليتيم كالأب الرحيم ، وكن للأرملة كالزوج العطوف ، تعط كل نفس تنفست في الدنيا قصراً في الجنة ، كل قصر خير من الدنيا وما فيها) (6).

هذه التوجهات الحضارية أشاعت أجواء الطمأنينة في نفوس الأيتام وخلقت الاستقرار الاجتماعي على الرغم من الاضطراب السياسي الذي خيم على المجتمع الإسلامي آنذاك.

وإذا ما أضفنا إلى كل هذا مساعي مدرسة أهل البيت : الخيرة التي أسهمت بنصيب وافر في

تشجيع أعمال الخير ، فكانت كالواحة الوارفة الظلال في مجال التكافل وخاصة مع الأيتام في المقام الأول. فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي بهم حتى قبل موته بقليل ، فقد تضمنت وصيته الأخيرة قوله (عليه السلام) : (الله اللّه في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم (7) ، ولا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنة) (8) ، وعنه (عليه السلام) : (ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحّماً له إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة مرّت يده عليها حسنة) (9).

وعن أبي الطفيل ، أنّه قال : (رأيت علياً (عليه السلام) يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه : لوددت أني كنت يتيماً) (10).

أما الإمامان الحسن والحسين (عليهما ‌السلام) وكلاهما يضيء من مشكاة واحدة ، فيحثان على تكفل أيتام آل محمّد (صلى الله عليه وآله) بعد أن اتبع معهم الطغاة سياسة (السيف والنطع) فقتلوهم تحت كل حجر ومدر ، فمن الطبيعي والحال هذه أن يكثر أيتامهم ، ويكونوا ضحايا نظام اجتماعي جائر لا يكترث بهم ، فيفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء. فأراد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) : أن يرتقوا بشيعتهم إلى مستوى التحدي الاجتماعي ، لاسيما وأنهم يرزحون تحت وطأة ظلم صارخ عبر التاريخ. ومن الشواهد على تأجيج الأئمة : للعواطف النبيلة لكفالة أيتام آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ما قاله الإمام الحسن (عليه السلام) : (فضل كافل يتيم آل محمّد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل ـ يخرجه من جهله ، ويوضح له ما اشتبه عليه ـ على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه ، كفضل الشمس على السهى) (11).

أما الإمام الحسين (عليه السلام) فيقول في هذا الصدد: (من كفل لنا يتيما قطعته عنّا محبّتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّى أرشده وهداه ، قال الله عزّ وجلّ : أيّها العبد الكريم المواسي أنا أولى بالكرم منك...) (12).

فمثل هذه النصائح والتوجهات تفسح المجال واسعاً أمام الاهتمام بالأيتام ، وتهيّء الأجواء لبناء وتدعيم علاقات تكافلية معهم ، وإلاّ تحولت حياتهم إلى صحراء مجدبة. ففي غياب منهج التكافل تتشكل ظاهرة التسوّل والتشرّد وبالتالي تنمو جذور الجريمة فيما بينهم ويقعون في هاوية الفساد.

2ـ الفقراء والمساكين :

ويأتون في المرتبة الثانية من الاهتمام بعد فئة الأيتام، والقرآن يحث على الإنفاق على هذه الفئة، قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة: 272، 273]. فالفقراء والمساكين يستحقّون التكفّل والنفقة بنصّ القرآن ، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[التوبة:60] وفي معرض تفسيره لهذه الآية يفرّق الإمام الصادق (عليه السلام) بين الفقير والمسكين والبائس بقوله: (الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم) (13).

والإسلام يريد أن تكون العلاقة بين الغني والفقير علاقة تكافل وتعاون، لذلك فرض على الأغنياء كفالة الفقراء ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّ الله فَرَضَ في أموالِ الأغنياء أقواتَ الفُقراء ، فما جاع فقيرٌ إلاَّ بما متع به غني ، واللهُ تعالى سائلهم عن ذلك) (14).

والإمام الصادق (عليه السلام) يؤكد هذه الحقيقة المهمة بقوله: (إن الله (عزّ وجلّ) فرض للفقراء في أموال الأغنياء ممّا يكتفون به ، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لم يكفهم لزادهم ، فإنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم ، لا من الفريضة) (15).

وقال (عليه السلام): (إنّ الله تعالى خلق الخلق كلهم صغيرهم وكبيرهم ، فعلم صغيرهم وكبيرهم، وعلم غنيهم وفقيرهم ، فجعل من كل ألف إنسان خمسة وعشرين مسكيناً ، فلو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ، لأنه خالقهم وهو أعلم بهم) (16).

وعلى ضوء ما تقدم نجد أن النظام الاقتصادي الإسلامي قد حلّ مشكلة الفقر من خلال مبدأ التكافل ، وتوسيع المشاركة الاجتماعية بحيث يكفل الغني الفقير. فشيوع ظاهرة الفقر في المجتمعات الإسلامية لا يمكن إرجاعها لضعف أو قصور في النظام الاقتصادي الإسلامي ، بل لتقصير الأغنياء في كفالة الفقراء وتبديلهم نعمة الله كفراً. كما أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : (اضربْ بطرفك حيث شئت من النَّاس ، فهل تبصر إلا فقيراً يكابدُ فقراً ، أو غنياً بدّلَ نعمة الله كفراً...) (17). فالتقصير ينصب بالدرجة الأساس على الأغنياء ، لذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحمّلهم ـ بصورة أساسية ـ مسؤولية تفشي الفقر في المجتمع بقوله: (ولا يعُولُ غَنيهم فقيرهم) (18).

وكانت الشريعة توقظ في نفوس المسلمين العاطفة الدينية تجاه الفقراء والمساكين ، وتدعم توجهاتها الاجتماعية هذه بمبدأ (الثواب الاُخروي) لتحقيق هذه الغاية النبيلة ، جاء في وصية أمير المؤمنين لأبنه الحسن (عليهما ‌السلام): (وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده...) (19).

وقد بذل أئمة أهل البيت (عليه السلام) أقصى ما يستطيعون من جهد في سبيل إعانة الفقراء والمساكين بعد أن وجدوا أن السلطات الحاكمة كانت تستأثر بالأموال وتقصّر في أداء الحقوق المفروضة للفقراء وتتركهم فريسة العوز والفاقة ، وعلى سبيل الاستشهاد كان إمامنا السجاد (عليه السلام) يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي الفقراء باباً باباً ، فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه ، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلما توفي (عليه السلام) فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان علي بن الحسين (20).

وكان هذا الإمام العظيم يتبع شتى الأساليب لترغيب الناس على التصدق على المساكين ويبرز المردودات الإيجابية التي تلحق المنفق ، ومنها دعاء المسكين له واستجابة الله عزّ وجل لدعائه، قال (عليه السلام): (ما من رجل تصدق على مسكين مستضعف ، فدعا له المسكين بشيء تلك الساعة إلاّ استجيب له) (21).

وكان ائمتنا: يفتحون نافذة الوعي عند الناس لإدراك أهمية التكافل مع الفقير ، وكانوا يحرصون على عدم إراقة ماء وجه الفقراء لذلك اتبعوا أسلوب التخفي في العطاء ، وكانوا يحثون على صيانة كرامة الفقير وعدم الاستخفاف به اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يقول: (ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ، والله يستخفّ به يوم القيامة ، إلاّ أن يتوب)(22).

وهكذا نجد أن تكفّل الفقير والمسكين كان بمثابة حجر الزاوية في توجهات مدرسة أهل البيت : الاجتماعية.

3ـ السائلون والمحرومون :

وهنا نجد دعوة قرآنية للتكافل المادي مع هاتين الفئتين المعوزتين ، ففي قوله تعالى :{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:24،25] ،نلاحظ موقف التمجيد بالتكافل المادي معهم ، وفي قوله تعالى : {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[الضحى: 10] نجد دعوة للتكافل

الأدبي مع السائل خاصة ، ويستلزم ذلك الدعوة لاحترامه وصون كرامته.

وجاء في تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24، 25] ، (المحروم : المحارف الذي قد حرم كدّ يده في الشراء والبيع). وعن الصادقين (عليهما‌ السلام) : (المحروم الرّجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق ، وهو محارف) (23).

وعلى كل حال فإن مبدأ التكافل يستدعي التضامن مع هؤلاء ، وخاصة السائل الذي يكشف لك عن أمارات وعلائم عوزه من خلال سؤاله ، والتعاليم السماوية عموماً تحث على إكرام السائل، ففيما اُوحي إلى موسى (عليه السلام) : (اكرم السائل إذا أتاك بردّ جميل أو إعطاء يسير) (24).

وعن زين العابدين (عليه السلام) : (حقّ السائل إعطاؤه على قدر حاجته) (25).

وترتقي مدرسة أهل البيت : في مجال التكافل إلى مستوى إنساني رفيع ، بكفالتها للسائلين من أهل الأديان الأخرى.

فقد مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (ما هذا ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين نصرانيّ ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه ؟! أنفقوا عليه من بيت المال) (26).

فالإسلام لا يأمر بقطع خيوط التواصل مع أهل الأديان ، ويأمر بالتكافل معهم في الظروف الصعبة ، إذ يتسامى فوق الفوارق والخلافات الدينية ، ويرفع قوس بصره إلى مستوى الإنسانية.

عن مصادف ، قال : كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) بين مكّة والمدينة ، فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد ألقى بنفسه ، فقال (عليه السلام) : (مل بنا إلى هذا الرَّجل ، فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه عطش ، فملنا فإذا رجل نصراني من القراسين طويل الشعر ، فسأله : أعطشان أنت ؟ فقال : نعم ، فقال لي : انزل يا مصادف فاسقه ، فنزلت وسقيته ، ثمّ ركبت وسرنا ، فقلت: هذا نصرانيّ ، فتتصدّق على نصرانيّ ؟! فقال: نعم إذا كانوا في مثل هذه الحال) (27). فهذا الرجل ـ أي مصادف ـ يستغرب من إقدام الأئمة : على التكافل مع أهل الكتاب. وفاته أن الأئمة ينطلقون من رؤى إنسانية واسعة الأفق تلتقي مع مبادئ الإسلام الداعية إلى التراحم والتعاطف مع كل الناس ، بل وتتّسع لتشمل العطف على الحيوان وعلى كلّ ذي روح.

عن نجيح ، قال : رأيت الحسن بن علي (عليهما ‌السلام) يأكل وبين يديه كلب ، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها ! فقلت له : يا بن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك ؟ قال : (دعه ، إنّي لأستحيي من الله تعالى أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وانا آكل ثمّ لا أطعمه) (28).

وضمن هذا الباب تؤكد تعاليم مدرسة أهل البيت: على استحباب قناعة السائل ودعائه لمن أعطاه، وزيادة إكرام السائل القانع الشاكر ، فبإسناد ينتهي إلى مسمع بن عبد الملك قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى وبين يدينا عنب نأكله ، فجاء سائل فسأله ، فأمر له بعنقود فأعطاه ، فقال السائل : لا حاجة لي في هذا ، إن كان درهم ، فقال (عليه السلام) : (يسع الله لك ولم يعطه شيئاً.

فذهب ثمّ رجع فقال : ردّوا العنقود ، فقال (عليه السلام) : يسع الله لك ولم يعطه شيئاً ، ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبدالله (عليه السلام) ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه ، فأخذ السائل من يده ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين الذي رزقني. فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : مكانك فحثا ملء كفّيه عنباً فناولها إيّاه ، فأخذها السّائل من يده ثمَّ قال : الحمد لله ربّ العالمين ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : مكانك يا غلام ، أي شيء معك من الدّراهم ؟ فإذا معه نحو من عشرين درهماً فيما حزرناه أو نحوها ، فناولها إيّاه فأخذها ثم قال : الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك.

فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : مكانك ، فخلع قميصاً كان عليه ، فقال : إلبس هذا ، فلبس ثمّ قال : الحمد لله الذي كساني وسترني يا أبا عبدالله ، أو قال : جزاك الله خيراً ، لم يدع لأبي عبدالله (عليه السلام) إلا بذا ، ثمّ انصرف فذهب ، قال : فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد الله على ما ] أعطاه) (29).

هكذا كان نهج آل البيت : مع السائل ضمن دائرة التكافل ، وهكذا كان أدبهم الرَّفيع في العطاء معهم. فهو يريد من السائل أن لا يغفل عن الله تعالى الذي هو مصدر الرّزق والعطاء ، وأن يدرك بأن الإنسان المنفق ، وأن سمت مكانته وعلا شأنه ليس إلاّ مجرّد وسيلة للفيوضات الإلٰهية.

4ـ الأسرى والمكروبون :

يتّسع مبدأ التكافل لفئات محرومة أخرى كالأسرى والمكروبين ، فقد أوجب الإسلام للأسير حقوقاً تكافلية كالإطعام والإحسان إليه ، وإن كان يراد في الغد الإقتصاص منه. عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قوله الله عزّ وجل :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان: 8] قال: (هو الأسير وقال: الأسير يطعم وان كان يقدم للقتل وإن عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين)(30).

وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلب المفسّرين ذكروا أنَّ الآية الكريمة : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان: 8] قد نزلت في أهل البيت : علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما ‌السلام) حينما تصدّقوا على المسكين واليتيم والأسير (31).

والأحاديث الواردة عن الرسول وأهل بيته : تفجّر في نفوس المسلمين ينابيع الخير والعطاء للمكروبين والمعسرين ، لكونها مفعمة بشحنة عاطفية كبيرة تجاههم ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (من كفارات الذنوب العِظام إغاثة الملهوف ، والتنفيس عن المكروب) (32).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : (أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر ، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة) (33) ، وكان لهذه الأحاديث أبعادها العميقة في أغوار الفكر ، وقد تجسدت في سلوك تكافلي على صعيد الواقع. حيث سادت في الإسلام ثقافة التكافل ، ومن المعروف أنّ الإنسان ابن ثقافته ويعكس هذه الثقافة في كافة تصرفاته ، لذا لم تكن في العصور الإسلامية الأولى ظاهرة التسول والتشرد منتشرة بشكل ملحوظ ، وقد أشرنا إلى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته الرشيدة استغرب وتعجب عندما وقعت عيناه على رجل نصراني يستعطي الناس !

وهناك فئات أخرى يكفل لها الإسلام حاجتها عند الضرورة ، منها : الغارم وهو من كان عليه دين وعجز عن أدائه ، فيجوز أداء دينه من الزكاة ، وإن كان متمكناً من إعالة نفسه وعائلته سنة كاملة بالفعل أو القوة (34) ، وكذلك ابن السبيل : وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته ، ولا يتمكن من الرجوع إلى بلده ، وإن كان غنياً فيه (35).

____________

1- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 292.

2- الكافي 7 : 51 / 7 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة : ووصاياهم من كتاب الوصايا.

3- كنز الفوائد / الكراجكي : 194 ، مكتبة المصطفوي ـ قم ، ط 2.

4- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 293.

5- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 293.

6- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 293.

7- أغبّ القوم : جاءهم يوماً وترك يوماً ، وقوله : « لا تغبّوا أفواههم » أي صلوا أفواههم بالإطعام ولا تقطعوه عنها. انظر : نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 77 ، هامش 1.

8- الكافي 7 : 51 / 7 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة : ووصاياهم من كتاب الوصايا.

9- ثواب الأعمال / الشيخ الصدوق : 199.

10- مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب 1 : 348 ، المطبعة الحيدرية ـ النجف ـ 1376 ه‍.

11- الاحتجاج / الطبرسي 1 : 7 ، دار النعمان.

12- بحار الأنوار 2 : 4 / 5.

13- تفسير نور الثقلين 3 : 491 ، تفسير الآية (90) من سورة التوبة.

14- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 628.

15- علل الشرائع / الشيخ الصدوق 2 : 369 / 2 ، باب 90 ، علة الزكاة ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، 1386 ه‍.

16- علل الشرائع 2 : 369 ، باب 91 ، العلة التي من أجلها صارت الزكاة من كل ألف درهم خمسة وعشرين درهماً.

17- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 627.

18- المصدر السابق : 627.

19- نهج البلاغة / ضبط صبحي الصالح ، الكتاب (31).

20- الخصال / الشيخ الصدوق : 517.

21- ثواب الأعمال : 145.

22- من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق 4 : 13 ، جماعة المدرسين ، ط 2 ـ 1404 ه‍.

23- الكافي 3 : 500 / 12 باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، من كتاب الزكاة.

24- تحف العقول : 492.

25- الخصال / الشيخ الصدوق : 570.

26- وسائل الشيعة 15 : 66 / 19996 باب أنّ نفقة النصراني إذا كبر وعجز عن الكسب من بيت المال ، من كتاب الجهاد.

27- الكافي 4 : 57 / 4.

28- مستدرك الوسائل 7 : 192 / 8005.

29- الكافي 4 : 49 / 12 باب النوادر من كتاب الزكاة.

30- علل الشرائع 2 : 537 باب 325.

31- راجع : الكشّاف / الزمخشري 4 : 670 ، وتفسير الرازي 30 : 243 عند تفسير الآية المذكورة.

32- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 626.

33- اُصول الكافي 2 : 200 / 5 ، باب تفريج كرب المؤمن.

34- المسائل المنتخبة / السيد السيستاني : 230.

35- المصدر السابق : 231.

 

 

 

 

 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع