تاريخيا ارتبط تقدم السياحة بالتقدم في تقنيات النقل. واعتمد التقدم المبكر لمناطق الطين spas والمنتجعات الشاطئية على تقدم السكك الحديدية. وفي فترة ما بعد الحرب كان لازدياد ملكية السيارة اثره في توسع السياحة المحلية في المجتمعات الغربية. وكان للتحسينات التي ظهرت في تقنية الطائرات اثرها في زيادة الرحلات الدولية. وبالإضافة الى زيادة حجم المرور السياحي فان هذا التقدم في النقل عدل أنماط حركة السياح وبالتالي أنماط التقدم. وقد أصبحت أنماط الرحلة اكثر انتشارا ومرونة بانتشار السيارة بديلا للخطوط الحديدية الخطية والبواخر النهرية. واصبح للسيارة تأثيرها على أنماط الرحلة وظهور واختفاء وشيوع وأنواع المحلات والتسهيلات الخدمية. وظهر التقدم بصفة خاصة في المناطق التي كانت تخدمها وسائل النقل التقليدية. فقد قلت أهمية الفنادق الضخمة في نهايات الطرق بينما زادت أهمية الكباين والموتيلات. وكانت مكاسب شبكة طرق السيارات تفوق المرتحلين بالقنوات بسبب ارتفاع درجة توصيلها. ويظهر نظام الرحلة المعتمد على النقل البري عقدي بطبيعته واصبح المستوى الرفيع للتقنية والرسمال المتطلب يتناسب مع سيادة المجمعات الحضرية في النظام.

وينقسم النقل الى قسمين رئيسيين هما:

النقل البدائي او القديم، ثم النقل الحديث. وقد حدثت تغيرات كبيرة في وسيلة النقل وطرقه وأصبحت القاطرة والسيارة والسفينة والطائرة بأنواعها المختلفة هي الوسائل الرئيسية للنقل. ولم يقض هذا التقدم على الوسائل الأخرى الاقدم التي تستخدم قوي العضلات او القوى الطبيعية. وان كان الحديث منها هو وسيلة الانتقال عبر مسافات طويلة للحركة السياحية وكانت ضرورية لوجودها واستمرارها حيث هي العامل الرئيسي الذي وفر في زمن الرحلة الى المناطق السياحية. وللوسائل الاقدم للنقل جاذبيتها في هذه المناطق حيث تنقل الانسان من السرعة الهائلة الى الحركة البطيئة بما تتضمنه من عودة الى الماضي وما يتضمنه من اغراءات.

وهناك علاقة طردية بين التطورات التي شهدها النقل وسائله وطرقه وبين زيادة الحركة السياحية والامتدادات المكانية للمسافات التي يقطعها السياح. كما ان توفر النقل بأنواعه التي تمايز بين مدى جاذبية المناطق للسياح. فالمناطق السياحية مهما كانت قيمتها التاريخية او الترفيهية او الجمالية فأنها تفقد قيمتها اذا تعذر الوصول اليها. ويعد عدم توفر سبل النقل الميسرة، وعدم وجود روابط للسكك الحديدية او الطرق وغيرها بين الدول المتجاورة عوامل تؤثر في حجم الاقبال السياحي وتقلل من حفز الناس على التحرك.

ويعد توفر طرقه ووسائله احد الموارد السياحية من جانب كما انه عامل اقتصادي من جانب آخر يؤثر في صناعة السياحة. فهو ييسر حركة اعداد كبيرة من البشر من مكان الى آخر، وكلما كان متقدما قلت المشاق التي يتعرض لها الانسان في عملية السفر. ويفسر لنا هذا الوضع الزيادة المطردة في اعداد السائحين بزيادة الاقبال على الترحال والسفر من مكان لآخر. وفي تطورها كانت السكك الحديدية ولا تزال لها دورها، وتلتها السيارات بما تتميز به من مرونة وتدرجت بعد انتشار ملكيتها وأصبحت نوعا خاصا من السياحة. وكذلك النقل الجوي بخاصيته المميزة في السرعة التي يسرت انتقال الانسان عبر المحيطات والقارات في وقت قصير للسياحة والمتعة. وقبلها كانت تستغرق مثل هذه الرحلات آمادا طويلة لذلك لم تكن السياحة طوال معظم فترات التاريخ على نطاق واسع من حيث عدد المرتحلين او آماد السفر الا حيثما توفر النقل.

وبذلك يعد توفر النقل وسهولته عاملا في مدى نصيب المناطق السياحية والدول الأقاليم من اعداد السياح الدوليين. ويفسر لنا هذا الوضع النسبة الكبيرة من السياح التي تختص بها القارة الاوربية وكذلك أمريكا الشمالية من السياح الدوليين. فالنقل بينهما عبر الاطلنطي هو من اكثف شبكات النقل في العالم، كما ينتشر على جانبي الحوض الشمالي من هذا المحيط في كل من القارتين اكثف شبكات النقل للسكك الحديدية والطرق البرية والجوية في العالم. وساعد توفرها على تنشيط الحركة السياحية بينها وداخل كل منهما. وادى كثافة وسهولة حركة النقل الجوي مع هاواي في وسط المحيط الهادي بالإضافة الى عوامل أخرى – أدت الى سيولة كبيرة في الحركة السياحية بها والى توسع المناطق السياحية أيضا.

ولكل نوع من أنواع النقل استخدام خاص في النقل السياحي. ويختلف استخدامها للسفر تبعا للعوامل الآتية:

1- موطن السائح بالنسبة للجهة التي يقصدها بالزيارة والمسافة بينهما. ففي حالة المسافات الطويلة يفضل السائح السفر بالطائرة خاصة اذا كان قادرا على تحمل نفقاتها.

2- في حالة وجود طرق برية جيدة صالحة يفضل المسافر استخدام السيارات او الاتوبيسات السياحية.

3- مدة الاجازة ولها علاقة بزمن الرحلة. بذلك فكلما قلت فترة الرحلة بفضل سرعة الانتقال كلما كان ذلك ادعى الى تفضيل الوسيلة الأسرع.

4- تتدخل المقدرة المالية للسائح في نوع النقل المستخدم. فاستخدام السكة الحديدية في السفر اقل تكلفة من الباخرة والأخيرة اقل تكلفة من السيارة وجميعها اقل تكلفة من الطائرات. ومن هنا تكون المفاضلة على أساس التكلفة في علاقتها بموارد السائح والقوت المتاح.

وبذلك فان الخصائص المميزة لأنواع النقل والمشروعات الخاصة بتنمية وتطوير شبكاته لها أهميتها كموارد تزيد من الحركة السياحية بجذب اعداد متزايدة من السائحين. وتمثل الاستثمارات الخاصة بتعبيد الطرق الى المناطق السياحية وفي داخلها وتنظيم خطوط السيارات اليها وكذلك انشاء الموانئ والمطارات وغيرها من المنشآت الثابتة لطرق النقل كلها عوامل تؤثر بالموجب في الحركة السياحية.

ويساعد انتظام مواعيد السفر وتواصل الحركة على خطوط النقل على تشجيع استخدامها وتنظيم الرحلات السياحية عن طريقها حيث يمكن ضبط مواعيد رحلات السفر والعودة الى المناطق السياحية. وكان هذا من عوامل تنشيط السياحة بين الدول الاوربية واليها وكذلك بينها وبين الولايات المتحدة وبداخل الأخيرة. وكلما توفر عنصر الراحة وكانت الخدمات التي تقدم للمسافرين اثناء الرحلة موافقة كلما كان ذلك من عوامل جذب حركة السياح الى وسيلة دون الأخرى وبالتالي الى المنطقة التي تتجه اليها. وتظهر مثل هذه الخدمات على طول امتداد الطرق السريعة في كل من اوربا وامريكا الشمالية بما شجع استخدام السيارات في الارتحال عبر انحاء الدولة الواحدة وعبر حدودها الى الدول الأخرى المجاورة والقريبة.

ويتدخل عامل اختلاف أجور السفر بين الوسائل المختلفة للنقل في جذبها للسائحين. وتعمل الوكالات الخاصة بالعمل السياحي على منح تخفيضات للرحلات الجماعية لجذب اعداد متزايدة من السائحين. كما ان هيئات النقل بدورها تقدم مثل هذه التيسيرات. من ذلك التعريفات العادية والمخفضة بالسكك الحديدية او البواخر وكذلك أجور الدرجة الأولى والدرجة السياحية بالطائرات.

وتتدخل عوامل كثيرة في تحديد وسيلة النقل السياحي وبخاصة اذا قربت المسافات وتعددت الوسائل المتاحة وتقاربت تكلفة الرحلة بكل منها. وتجد ان وسيلة الانتقال الشائعة الاستخدام في الدول الاوربية هي النقل البري بنوعيه السكك الحديدية والسيارات ولهما اكثر من 70% من حركة السائحين داخل القارة. وتهتم جميع دول اوربا بالسكك الحديدية بها عناية كبيرة من حيث توفير وسائل الراحة بها والحفاظ على استمرار اتصالها وانتظام مواعيدها ووجود طرق لها عبر اكثر من دولة بها. اما السائحين عبر الحدود القارية فان دور النقل الجوي أساسي. وهذا واضح بالنسبة للقارة الاوربية حيث كان توفر طرق النقل الجوي عبر شمال الاطلنطي من عوامل زيادة حركة السياح الأمريكيين الى دولها. كما كان مثلا عدم توفر طرق النقل الأخرى مع الدول المجاورة لمصر من العوامل التي جعلت للنقل الجوي دوره الكبير في حركة السياح الوافدين اليها.

وان كانت السكك الحديدية قد قامت بدورها في تنشيط الحركة السياحية عبر اوربا وبخاصة في الأجزاء الجنوبية منها على وجه الخصوص فانه اصبح للسيارة دورا اكبر بكثير في انحائها وفي غيرها من المناطق. وتخدم الطرق البرية حركة النقل وتربط بين أجزاء البلاء وتسهل عمليات الانتقال وتعود بالنفع أولا وأخيرا على اقتصاديات الدول الا انها تخدم أيضا الأغراض السياحية.

وتعد الطرق حاليا مع نزوع الانسان وبخاصة المرتبط بالحضارة الاوربية الحديثة الى الانطلاق والتحرر من قيود المدينة بمثابة الشريان الرئيسي للسياحة وبدونها لا يمكن الانتقال بسهولة الى المناطق الاثرية والشواطئ والمنتجعات الجبلية وغيرها من المناطق السياحية والتنقل في داخل كل منها⁽¹⁾. وللطرق الرديئة آثار معاكسة حيث تحول دون متعبة الزيارة للاماكن السياحية وتحولها الى نوع من العذاب يفقد السياحة متعتها.

وبذلك نجد ان المناطق التي تمتعت بتيسيرات نقلية للسيارات وعلى الطرق تتميز أيضا بكونها مناطق سياحية رئيسية. ولعل من احسن الأمثلة على ذلك ما سبق ان حدث في الفترات الرومانية والعربية من التاريخ حيث كان

لشبكات الطرق الرومانية آثارها في تنشيط الحركة والانتقال لأفواج الجماعات عبر أراضي البحر المتوسط وما حولها. كما كان لأمن الطريق وما تضمنه من تسهيلات على طول امتداده من الافراد والحكام وما اقاموه من مساجد وتكايا وسبل اثره في تامين المرتحل والحاج على طول امتداداتها ومن ذلك حاليا ما تم إنشاؤه في اوربا من طرق سريعة يمكن السير عليها بسرعات عالية ومن امثلتها الطرق بين ميلانو في شمال إيطاليا ونابولي وباري في جنوبها ويزيد طوله على الف كيلومتر، والطريق من تريست عبر يوغوسلافيا الى ميناء سالونيك اليوناني حيث يتصل بأوتوستراد اليونان الذي ينتهي الى ميناء بيريه. وسهلت هذه الطرق حركة السياحة من وسط اوربا الى اليونان مثلا.

ان السيارة لم تعد ولا ينظر اليها باعتبارها شيئا كماليا. لقد أصبحت السيارة على المستوى العالمي حقيقة تهم جميع القارات بدرجات متفاوتة حيث أصبحت احد مظاهر الحضارة الحديثة. واعطت الطرق الجيدة والسيارات ابعادا جديدة للحياة في أمريكا. ويمكن بهما للرجل العادي ان يعيش حيث يرغب وفي نفس الوقت يعيش براحة بجوار عمله، ويجد سوقا للخدمة الذاتية قريبا منه ومدرسة للأطفال كما يركب السيارة مع الاسرة الى المعبد. وتستخدم السيارات بغرض النزهة في الهواء الطلق لممارسة رياضات الجولف والسياحة والتنس والقنص وصيد السمك وارتياد الشواطئ لركوب الزوارق والتوجه الى المنتجعات الجبلية والحدائق القومية للمعيشة في المخيمات. ويعد تعدد استعمالات السيارات هو مفتاح الحركة التي لا يمكن توفرها بطرق أخرى⁽²⁾.

وكان انتشار السيارات وملكياتها على مستوى العالم من عوامل انتشار استخدامها للأغراض السياحية الترويجية. ويبلغ المعدل العالمي لامتلاك سيارة واحدة لكل 14شخصا. ويقل هذا المعدل عن ذلك في أمريكا الشمالية وأوربا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا والارجنتين وإسرائيل وبعض الدول العربية. ولكنه يزيد عن ذلك في بقية القارات والدول الأخرى. وتمثل المناطق الي يقل فيها معدل الأشخاص لكل سيارة المناطق الرئيسية للسياحة في العالم بما يوحي بوجود نوع من العلاقة بينهما.

وقد اصبح النقل بالسيارات الوسيلة الشائعة المستخدمة في الحركة السياحية للانتقال داخل الدولة ومنها الى ما جاورها. ومع انتشار ملكية السيارات اصبح هناك نوع خاصة للسياحة يرتبط بها هو (سياحة السيارات) وزادت نسبة السياح الذين يستخدمون السيارات الى اكثر من 80% من مجموع السياح بوسائل النقل المختلفة واصبح لهذه الوسيلة الفردية للنقل أهميتها البالغة في العملية السياحية الامر الذي يدفع الى العناية ببناء الطرق في الدول التي تهتم بالسياحة والى مناطقها السياحية وفي داخلها وكذلك بينها وبين جيرانها من الدول.

ان السياحة رحلة تعتمد على السفر باستخدام وسائل وطرق النقل. ويعزى لتقدم الطيران السبب في تقدم السياحة وامتداد نشاطها الى اماد بعيدة من الأرض. وبعدما كان النقل الجوي شريكا للنقل البحري في حجم الحركة السياحية المنقولة يليها النقل البري تقدم نصيب الأول تبعا لميزات السرعة والانتشار داخل المناطق اليابسة ومحدودية فترات العطلات المتاحة للمرتحلين. وهناك علاقة طردية بين تقدم كل من الطيران والسياحة. وبالإضافة للخطوط المنتظمة للنقل الجوي فقد عملت السياحة على انتشار نوعين آخرين منه وهما: الطيران العارض، والتاكسي الطائر.

وظهر الطيران العارض في أوائل الستينات مرتبطا بالتقدم السياحي وتكونت آنذاك شركات خاصة لهذا النوع من الطيران. وهي لا تلتزم في تشغيلها بخطوط ثابتة او بجدول زمني حيث تعمل وفقا للتعاقدات الخاصة بنقل السياح. وتعد فترات الاجازات هي فترات ازدهار الحركة لهذا النوع من النقل. وقد ساعدت على تنمية عديد من المناطق السياحية التي كانت بحكم مواقعها بعيدة عن خطوط الطيران المنتظم ومحطاته.

ويستخدم التاكسي الطائر مجموعات صغيرة من الافراد تقوم باستئجار طائرة لتحقيق غرض خاص. وهي طائرات صغيرة لا تحتاج في حركتها لمطارات كبيرة. وهي تشجع على الحركة لمسافات قصيرة سواء بين المدن المتقاربة بل وحتى داخل المدينة الواحدة. وقد اقبل على استخدامها رجال الاعمال كما هو مشاهد في القارة الاوربية.

وتعد وسائل النقل البري من السيارات والقطارات وسيلة للنقل كما انها هي نفسها تستخدم أيضا باعتبارها من عوامل الجذب السياحي. وكانت السكك الحديدية من العوامل المبكرة للتنمية السياحية للأجزاء المتوسطية من القارة الاوربية. وتحتفظ بعض المناطق بالقاطرات البخارية باعتبارها عامل جذب سياحي.

________________

(1) عادل طاهر , السياحة ماضيها، حاضرها، مستقبلها, مطابع روز اليوسف.

(2) ماريو دل فيسكوفو , التقرير العام عن اعمال مؤتمر الاجتماع الثاني للمائدة المستديرة الاتحاد نوادي السيارات , وارسو 16-18 يونيو 1975 , مجلة الطرق العربية - يوليو/ سبتمبر 1975 - السنة 23 - ص ص23 – 29, مجلة الطرق العربية – السنة 21 – يوليو/ سبتمبر 1973 – ص ص13-14.