المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
بطانة الرجل وولیجته
2024-04-19
معنى الصِر
2024-04-19
تحتمس الرابع وتاريخ هذه المسلة.
2024-04-19
تحتمس الثالث يقيم مسلتين في معبد عين شمس وتنقلان إلى الإسكندرية.
2024-04-19
مسلة القسطنطينية.
2024-04-19
مسلة القسطنطينية.
2024-04-19

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


من يحتاج إلى التكافل  
  
3035   12:41 مساءً   التاريخ: 14-6-2017
المؤلف : عباس ذهيبات
الكتاب أو المصدر : التكافل الاجتماعي في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)
الجزء والصفحة : ص37-63
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /

يسعى الإسلام إلى توسيع دائرة التكافل لكي تشمل أوسع قطاع من الفئات الاجتماعية التي تحتاج إلى الرعاية والدعم ، وهو يتحرك في دائرة اجتماعية تبتدأ بالأقرب ثم الأقرب من الفئات الاجتماعية المراد تكفّلها وسدّ عوزها.

فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (ابدأ بمن تعول : أُمّك وأباك واُختك وأخاك ثمّ أدناك فأدناك) (1) ويمكننا تقسيم الفئات التي تحتاج إلى التكافل ، إلى قسمين :أوّلاً ـ الأقربون بالنسب أو الجوار ، وهم :

1 ـ الأهل والعيال :

وهم من أقرب المقربين للإنسان وأكثرهم حقا عليه ، ويحتلّون موضع الصدارة في توجهات الإسلام الاجتماعية ؛ بحيث نجد الإسلام يدعو إلى بناء وتدعيم علاقات طيبة وحميمة بين الأهل والعيال قائمة على أساس التعاطف والتكاتف. وفي هذا الصدد يعتبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله) (2).

وغني عن البيان أن العيال يتكونون ـ عادةً ـ من الزوجة والأطفال القصّر الذين لا يستطيعون تحمل أعباء المعيشة لضعفهم أو لصغر سنهم ، لذلك أوجب الإسلام على الزوج إعالة زوجته وأطفاله ، وحذّر أشد التحذير من التفريط في ذلك أو التقصير فيه ، قال الرسول (صلى الله عليه وآله) محذراً : (ملعون ملعون من ضيع من يعول) (3). وقال (صلى الله عليه وآله): (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول) (4).

فأهل البيت أو العيال هم حجر الزاوية في توجهات الإسلام الاجتماعية ، والتقصير في كفالتهم يجر إلى الإثم والخطيئة ، وبالمقابل يؤدي البّر بهم وكفالتهم إلى معطيات إيجابية تنعكس على الكفيل ، وأهمّها رضا الله تعالى ورحمته ، التي تكون سبباً لنزول بركاته ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): ( من حسن برّه بأهل بيته زيد في رزقه) (5) ، وعنه (عليه السلام) في حديث آخر ، قال : (من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره) (6).

فالإسلام يريد من الإنسان أن ينظر بعين العطف إلى عياله وأهل بيته وأن يسد حاجاتهم الأساسية من الغذاء والكساء وما إلى ذلك ، وأن يعكف على خدمتهم. وكلما سما في هذه الخدمة كلما اختصر المسافة في مسيرة التسامي إلى الله تعالى. من هنا قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : (لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة)(7).

ولأهمية كفالة الإنسان لعياله وأهل بيته استتبع التقصير في أمر إعالتهم المسؤولية الجزائية ، فالحاكم الشرعي يلزم كلّ من أخلّ بواجب الإعالة أن يتقيد بالضوابط الشرعية والقانونية ، وإلا فعليه تحمّل المسؤولية وما تستلزمه من جزاء مناسب. فقد ألزم الإسلام رب الأسرة بالإنفاق على هؤلاء الضعفاء حتى إذا كان فقيرا ، فهو مسؤول عن السعي لتوفير هذه النفقة للأسرة.

وفي ذلك يقول (صلى الله عليه وآله) : (حقّ المرأة على زوجها: أن يسدّ جوعها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجها)(8) فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الأمور المادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يُقرن ذلك بحق معنوي ، هو أن لا يقبّح لها وجها ، بتعبير آخر أن يحسن معاشرتها ، لا سيما وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في البيت. والإمام زين العابدين (عليه السلام) يؤكد على حق المرأة في التكافل المادي والمعنوي معاً بالقول: (... فإن لها عليك أن ترحمها، لأنها أسيرتك ، وتطعمها وتسقيها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها(9).

وتظهر أهمية التشريع الإسلامي للنفقة في الرعاية الاجتماعية في الظروف التي تطغى فيها الأحقاد على عاطفة الرفق والشفقة. أي في الظروف التي تضطرب فيها الطمأنينة النفسية بدخول عوامل الهدم إلى كيان الأسرة كحالات الشقاق والنزاع. فهو يدعم الطمأنينة النفسية إذا تخلّف أحد أفراد الأسرة عما أمر الله به أن يوصل من الرَّحم والتعاطف بين أفراد الأسرة.

وعليه فمن الناحية الفقهية: (يجب على المكلف التكسب لتحصيل نفقة من تجب نفقته عليه كالزوجة والأولاد إذا لم يكن واجدا لها ، ويستحب ذلك للأمور المستحبة ، كالتوسع على العيال، وإعانة الفقراء)(10).

2 ـ الأرحام :

في مدرسة أهل البيت : التي هي مدرسة الإسلام الصافية ـ عناية فائقة بالأرحام ، وهناك عشرات بل مئات الروايات التي تدعو إلى صلة الرَّحم ، وهي تنطلق بذلك من حرصها الدائم على عدم قطع عروق العلائق بين القرابة ، الذين يشكّلون الدائرة الأقرب للفرد المسلم ، عن الإمام الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1] ، قال: (هي أرحام الناس ، إنّ الله عزّ وجلّ أمر بصلتها وعظّمها ، ألا ترى أنّه جعلها منه ؟) (11).

وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يوقظ خير ما في أفراد أمته من أحاسيس تجاه أرحامهم ، ويُكثر من توصيته لهم بصلة الأرحام ولو بعدت الشقة وطالت المسافة ، ويعتبر ذلك من جوهر الدين ، لكون الإسلام دين اجتماعي تشكّل التعاليم الاجتماعية وخاصة التكافلية منها أكثر من نصف تعليماته.

فعنه (صلى الله عليه وآله): (أوصي الشاهد من اُمّتي والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرّجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة ، أن يصل الرّحم ، وإن كان على مسير سنةٍ ، فإن ذلك من الدين)(12). وكان (صلى الله عليه وآله) يحذّر أشد التحذير من التقصير في حقهم ، ويؤكد على ضرورة تحمل الضرر الصادر عنهم ، عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( إنّ رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله ، إنّ لي أهلاً قد كنت أصلهم وهم يؤذونني ، وقد أردت رفضهم ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إذن يرفضكم الله جميعاً. قال : وكيف أصنع ؟ قال : تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك وتعفو عمّن ظلمك ، فإذا فعلت ذلك ، كان الله عزّ وجلّ لك عليهم ظهيراً) (13).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها خصاصة أن يسدَّها بالذّي لا يزيدُه إنْ أمسكهُ ، ولا ينقصُهُ إن أهلكه) (14).

كانت تعاليم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته : هذه قد أينعت ثمارها من خلال تمتين عوامل اللحمة بين المسلمين ، فأخذت تصنع في النفوس الطيبة صنيع الغيث في التربة الكريمة.

وكان المسلمون يصلون أرحامهم استجابة للرسول (صلى الله عليه وآله) وطلباً للثواب العاجل بعدما تناهى إلى أسماعهم قوله (صلى الله عليه وآله): (إنّ أعجل الخير ثوابا صلة الرَّحم)(15).

كما كان للمعطيات الإيجابية المتعلقة بصلة الرَّحم أثر هام في تشويق وتشجيع آحاد المسلمين على صلة أرحامهم والتكافل معهم ، ومن أبرز هذه المعطيات طول العمر وزيادة الرزق ، يتضح ذلك من مجموعة من الأحاديث منها قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : (صلة الرَّحم تزيد في العمر) (16).

وعنه (صلى الله عليه وآله): (إنّ القوم ليكونون فجرة ، ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم ، وتطول أعمارهم ، فكيف إذا كانوا أبراراً بررة ؟) (17).

ويظهر من هذا الخبر أن صلة الرحم لها آثارها الدنيوية الحسنة حتى على الفجرة فضلاً عن الصالحين ، فتحصل تنمية الأموال ؛ لأنّ الله تعالى يجعل فيها البركة ، فضلاً عن أنّ روح التعاون والتكاتف التي تنمو في نفوسهم تدفعهم للقيام بمشاريع ونشاطات اقتصادية نافعة تدرّ عليهم بالخير الوفير.

أما طول الأعمار فلأنّ الله تعالى ينسأ في أجل الذين يصلون أرحامهم ويمدهم بعمر مديد ، يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (من سرّه أن ينسأ في أجله، ويزداد في أجله فليصل رحمه)(18).

وجاء عن الإمام الهادي (عليه السلام) أنه قال : (فيما كلّم الله تعالى به موسى (عليه السلام) ، قال موسى : إلهي ، فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال : يا موسى أنسأ له أجله ، وأهوّن عليه سكرات الموت) (19).

ومن الناحية العمليّة فإنّ الحالة النفسيّة السويّة التي يخلقها التعاطف والتكاتف فيما بين ذوي الرحم ، تجعلهم يبتعدون عن المشاحنات والمشاجرات والجرائم ، فتطول أعمارهم حتى تبلغ آجالها المقدّرة.

وهناك معطيات حسنة أخرى لمن وصل رحمه ، هي أن يعصمه الله تعالى من الذنوب ويهوِّن عليه الحساب ، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ صلة الرّحم والبرّ ليهوِّنان الحساب ويعصمان من الذنوب ، فصلوا أرحامكم وبرّوا بإخوانكم ، ولو بحسن السلام وردّ الجواب) (20) ، ففي هذه الرواية نجد التأكيد على التكافل مع الأرحام بشقيه المادي والأدبي ، فإن لم يتحصل الأول لضيق ذات اليد ، فعلى الأقل تحصيل الثاني الذي نجد مصداقه بحسن السلام وردّ الجواب.

وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) ينوّه بالشق الأدبي من التكافل فهو أضعف الإيمان ، قال (صلى الله عليه وآله): (صلوا أرحامكم ولو بالسلام) (21). وقد أكد الإمام الصادق (عليه السلام) على شقي التكافل ولو بحدودهما الدُّنيا قال: (صل رحمك ولو بشربةٍ من ماء ، وأفضل ما يوصل به الرّحم كفّ الأذى عنهما) (22).

ويبدو من هذا الخبر أن للتكافل الأدبي في بعض الأحيان أفضلية على التكافل المادي. حيث أراد إمامنا الصادق (عليه السلام) أن يفتح نافذة الوعي لتقدير أهمية التكافل الأدبي ، إنطلاقاً من أن دفع المفسدة والضرر أولى من جلب المصلحة. وعليه فمن لا يستطيع صلة أرحامه وإسداء النفع لهم ، فعليه أن يكفّ عن إلحاق الضرر بهم من حيث المبدأ.

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) قدوةً في مدِّ يد العون إلى الآخرين ، فعن الفضل بن قرّة ، قال : كان أبو عبدالله (عليه السلام) يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير ، فيقول للرّسول: (إذهب بها إلى فلان وفلان من أهل بيته ، وقل لهم: هذه بعث إليكم بها من العراق ، ـ كناية عن وصول تلك الأموال إلى الإمام من العراق ـ قال : فيذهب بها الرّسول إليهم فيقول ما قال ، فيقولون : أما أنت فجزاك الله خيراً بصلتك قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأما جعفر فحكم الله بيننا وبينه ، قال : فيخرّ أبو عبدالله ساجداً ويقول : اللهم أذلَّ رقبتي لولد أبي) (23).

يضاف إلى ما سبق أن قطيعة الأرحام تترك آثاراً سلبية مدمّرة على مجمل النسيج الاجتماعي ،

فتقطع خيوط التواصل بين الأهل والأقارب ، فتنتج القطيعة والشقاق والتناحر ، فيستلزم كلّ ذلك حلول النقم ، وفناء الجماعات ، وهي أمور قد حذر منها أئمتنا الأطهار: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (حلول النقم في قطيعة الرّحم) (24). وقال زين العابدين (عليه السلام): (.. الذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرّحم ...) (25).

ويلفت نظرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى حقيقة تحتاج إلى أن يكشف المتخصصون عن أبعادها ومراميها ، وهي أن إعانة الأرحام والتكافل معهم يمنع من تدفق الأموال إلى أيدي الأشرار ، ويحول الشق المادي من التكافل دون حصول مجتمع رأسمالي استغلالي ، فمما لا شكّ فيه أنّ من يمتنع عن تقديم الحقوق المترتبة عليه تجاه أرحامه فسوف تتكدس الأموال بيده فيغدو ـ في الأعم الأغلب ـ رأسمالياً جشعاً ، أو تستغل قوى الشر أمواله المكدسة لمآربها الشريرة ، وبالاستناد لما تقدم ينكشف لنا أبعاد تأكيد أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إذا قطعوا الأرحام جُعلت الأموال في أيدي الأشرار) (26).

صفوة القول : إنّ تأكيد الإسلام المتواصل على صلة الأرحام يعدّ من الأسس الاجتماعية التي يعتمد عليها مبدأ التكافل.

3 ـ الجار :

يعتبر الجار من ضمن الدائرة المكانية القريبة المشمولة بالرعاية الاجتماعية ، فالاهتمام بالجار بمثابة حجر آخر في بناء قاعدة صلبة للتكافل الاجتماعي ، من هنا يدرج القرآن الجار ضمن قائمة الفئات القريبة المطلوب أن يُحسن إليها ، قال تعالى : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36]. ويلاحظ هنا أن القرآن قد أشار إلى صنفين من أصناف الجار ، وهما: الجار ذو القربى والجار الجُنُب ، ومعناهما : الجار القريب في النسب ، والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة (27).

وهنا تجد أن القرآن يأمر بالإحسان للوالدين ثم للأقارب والأرحام ، ثم اليتامى والمساكين ، ولو أنهم أبعد مكاناً من الجار ، لأن اليتيم فقد الناصر والمعين ، ولأن المسكين وهو ـ هنا ـ الضعيف العاجز عن الكسب لا ينتظم حال المجتمع إلاّ بالعناية به. ثم تصل النوبة إلى الجار سواءً القريب منه (الجار ذو القُربى) أو البعيد (الجار الجُنُب) ولكن تنطبق عليه صفة الجار من الناحية المكانية. ولا ينحصر الإحسان بإعطاء المال ، بل يشمل الرّفق به والتواضع معه ، والسعي في قضاء حوائجه ، وتقديم النصح والمشورة له ، وكتمان سره ، وغض الطرف عن عثراته وعوراته ، وعدم إشاعة السيئات عنه ، وإعارته أدوات المنزل وما إلى ذلك ، وعلى أية حال ، فإن الأمر بالإحسان إلى هؤلاء ندب لا فرض.

وتتبدى أهمية الجوار في دعوات الرسول (صلى الله عليه وآله) الملحّة والمتكررة الداعية إلى التعاطف والتكافل مع الجيران وإسداء العون والمساعدة لهم واعتباره ذلك من ضمن لوازم الإيمان ، قال (صلى الله عليه وآله) : (ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره المسلم جائع ، وقال : وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة) (28) وورد الخبر من طريق آخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتفصيل أكثر ، وفيه : (ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع ، فقلنا : هلكنا يا رسول الله ، فقال (صلى الله عليه وآله) : من فضل طعامكم ، ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم وخرقكم ، تطفئون بها غضب الربّ) (29).

وروى عن علي بن الحسين (عليهما ‌السلام) ، قال : (من بات شبعان وبحضرته مؤمن طاوٍ ، قال الله عز وجل : ملائكتي ، أشهدكم على هذا العبد ، أنني أمرته فعصاني ، وأطاع غيري ، وكلته إلى عامله ، وعزتي وجلالي لا غفرت له أبدا)(30).

فهذه الروايات بطرقها المتعددة وألفاظها المختلفة تصرح بصورة واضحة بضرورة التكافل مع الجيران وخاصة الشق المادي منه ، أما التكافل المعنوي معهم فقد أشار الرسول (صلى الله عليه وآله) إليه في معرض كلامه عن الحقوق المترتّبة للجار ، قال (صلى الله عليه وآله): (إن استغاثك أغثته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت إليه ، وإن أصابته مصيبة عزّيته ، وإن أصابه خير هنّأته ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته... ولا تؤذه بريح قدرك إلاّ أن تغرف له منها)(31).

ضمن هذا السياق حذّر الرسول (صلى الله عليه وآله) أشدّ التحذير من التقصير في حق الجار، وكشف عن العواقب السلبية لمن أساء لجيرانه أو قصّر في التكافل معهم ، قال (صلى الله عليه وآله) : (من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكله إلى نفسه ، ومن وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله)(32).

وكان أهل البيت : يسيرون على نهج الرسول (صلى الله عليه وآله) ويقتدون به ، فكانوا يحثون أتباعهم على البّر بالجار ، ويعملون على إشاعة روح التعاون مع الجيران ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (من حُسن الجوار تفقُّد الجار) (33).

تمعّن في هذا الدّعاء من أدعية الصحيفة السجادية ، الذي يقدم لنا رؤية تكافلية كاملة (أدبية ومادية): (اللّهُمَّ تولّني في جيراني بإقامة سُنتَّك ، والأخذ بمحاسن أدبك في إرفاق ضعيفهم ، وسدَّ خَلتَّهم ، وتعهد قادمهم ، وعيادة مريضهم ، وهداية مسترشدهم ، وكتمان أسرارهم ، وستر عوراتهم ، ونصرة مظلومهم ، وحُسن مواساتهم بالماعون ، والعود عليهم بالجدَة والإفضال ، وإعطاء ما يجبُ لهم قبل السؤال والجود بالنوال يا أرحم الراحمين)(34).

4 ـ العشيرة :

لقد احتفظت العشيرة في مقام الصدارة في توجهات الإسلام الاجتماعية.

فالإسلام ينسجم مع الخلقة حيث خلق الله الناس شعوباً وقبائل، كما يحافظ على الأنساق الاجتماعية في البيئة العربية التي تمنح العشيرة دورا أساسياً في التركيبة السكانية ، وعليه فالتكافل مع العشيرة ـ وهم في دائرة القرابة القريبة ـ يغدو كضرورة اجتماعية تتطلبها الظروف التي تحيط بالفرد وحاجته الماسة للرعاية والحماية ، وخاصة في أوقات الأزمات وغياب الأمن وعدم وجود مؤسسات رعوية رسمية. فالتكافل مع العشيرة ـ والحال هذه ـ أمر لا يقبل الجدل.

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي أولاده وأصحابه بإكرام العشيرة ، لما لها من دور واسع المدى وعميق الأثر في الحياة الاجتماعية ، فمن وصاياه لابنه الحسن (عليهما‌ السلام) : (... وأكرمْ عشيرتك ، فإنَّهم جناحُك الذي به تطير ، وأصلُك الذي إليه تصيرُ ، ويدُك الّتي بها تصُول)(35). وفي نص آخر يصرّح بأهمية التكافل مع القرابة والعشيرة ويعلل ذلك تعليلاً عميقاً يتناسب مع البيئة الاجتماعية التي عاصرها ، يقول (عليه السلام): (أيّها الناس ، إنّه لا يستغني الرّجل ـ وإن كان ذا مال ـ عن عترته ، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم ، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمّهم لشعثه ، وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به... ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه ، ولا ينقصه إن أهلكه ،

ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة ، وتقبض منهم عنه أيدٍ

كثيرة...)(36).

ولابد من إلفات النظر إلى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينطلق من نظرة عنصرية ضيقة ، تضع التعصب للعشيرة فوق قواعد الحق واعتبارات الدين ، بل هو في الوقت الذي يدعو إلى التكافل مع العشيرة يحث على أن لا يكون ذلك على حساب الدين ، وان لا يؤدي ذلك إلى القطيعة معه ، وخير شاهد تاريخي على ذلك تعنيفه للمنذر بن الجارود العبدي ، وقد خان في بعض ما ولاّه من أعماله ، قال له موبخاً : (... لا تَدَعْ لهواك انقياداً ، ولا تُبقي لآخرتِكَ عتاداً، تعمُرُ دُنياك بخرابِ آخرتِك ، وتصلُ عشيرتك بقطيعة دينك) (37).

فالإمام (عليه السلام) يقيم مذهبه الاجتماعي على أساس قواعد الدين ، فكل تجاوز لهذه القواعد يقذف بفكرة التكافل بعيداً في أغوار مسالك الشر.

ثانياً : الفئات المحرومة :

هناك مجموعة من الفئات المحرومة هي بأمس الحاجة إلى التكافل الاجتماعي بعد أن قرضهم الفقر بمنشاره ، وأسكنتهم الحاجة والفاقة ، وهم على النحو التالي :

1 ـ الأيتام :

الإسلام كدين اجتماعي تتمثّل فيه مبادئ الرحمة والعطف ، لا يريد ان يترك هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع فريسة الفقر والحاجة ، لذلك كانت هذه الفئة بمثابة القطب من الرحى في توجهاته التكافلية ، فهناك الآيات القرآنية الكثيرة التي تحث على الاهتمام بالأيتام ، وتدعو إلى تأمين مستلزمات العيش الشريف لهم ، منها قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}[البقرة: 220] ، وقوله تعالى :{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] ، وقوله : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون: 1، 2]. وقوله : {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ }[الفجر: 17]. فهنا نجد دعوة صريحة للتكافل الأدبي معهم، ولوماً وتقريعاً لكل من يقصّر في ذلك.

وهناك طائفة من الآيات تدعو إلى التكافل المادي الصريح مع الأيتام ، منها: قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}[البقرة: 177] ، وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [البقرة: 83]، وقوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 8] ، وقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152].

وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يوقظ في نفوس الناس العاطفة الدينية تجاه الأيتام ، ويُكثر من التوصية بهم ، ويدعو إلى كفالتهم ، قال (صلى الله عليه وآله) : (أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين)(38). وعنه (صلى الله عليه وآله): (من عال يتيما حتى يستغني عنه ، أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنّة ، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار)(39).

ولم تقتصر تعاليم الرَّسول الاجتماعية على تأمين التكافل المادي للأيتام فحسب ، بل كان يولي التكافل الأدبي المزيد من العناية والأهمية ، قال (صلى الله عليه وآله) موصياً : (كن لليتيم كالأب الرَّحيم ، واعلم أنّك [كما] تزرع كذلك تحصد)(40).

وروي أن رجلاً شكا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قساوة قلبه ، فقال : (إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم) (41) وفي رواية اُخرى أنه قال له : (فادن منك اليتيم وامسح رأسه وأجلسه على خوانك ، يلين قلبك وتقدر على حاجتك)(42).

وقال (صلى الله عليه وآله): (اشبع اليتيم والأرملة ، وكن لليتيم كالأب الرحيم ، وكن للأرملة كالزوج العطوف ، تعط كل نفس تنفست في الدنيا قصراً في الجنة ، كل قصر خير من الدنيا وما فيها) (43).

هذه التوجهات الحضارية أشاعت أجواء الطمأنينة في نفوس الأيتام وخلقت الاستقرار الاجتماعي على الرغم من الاضطراب السياسي الذي خيم على المجتمع الإسلامي آنذاك.

وإذا ما أضفنا إلى كل هذا مساعي مدرسة أهل البيت : الخيرة التي أسهمت بنصيب وافر في تشجيع أعمال الخير ، فكانت كالواحة الوارفة الظلال في مجال التكافل وخاصة مع الأيتام في المقام الأول. فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي بهم حتى قبل موته بقليل ، فقد تضمنت وصيته الأخيرة قوله (عليه السلام): (الله اللّه في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواهم (44) ، ولا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنة)(45) ، وعنه (عليه السلام): (ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحّماً له إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة مرّت يده عليها حسنة) (46).

وعن أبي الطفيل ، أنّه قال : (رأيت علياً (عليه السلام) يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه : لوددت أني كنت يتيماً ) (47).

أما الإمامان الحسن والحسين (عليهما ‌السلام) وكلاهما يضيء من مشكاة واحدة ، فيحثان على تكفل أيتام آل محمّد (صلى الله عليه وآله) بعد أن اتبع معهم الطغاة سياسة (السيف والنطع) فقتلوهم تحت كل حجر ومدر، فمن الطبيعي والحال هذه أن يكثر أيتامهم ، ويكونوا ضحايا نظام اجتماعي جائر لا يكترث بهم ، فيفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء. فأراد أئمة أهل البيت : أن يرتقوا بشيعتهم إلى مستوى التحدي الاجتماعي ، لاسيما وأنهم يرزحون تحت وطأة ظلم صارخ عبر التاريخ. ومن الشواهد على تأجيج الأئمة : للعواطف النبيلة لكفالة أيتام آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ما قاله الإمام الحسن (عليه السلام): (فضل كافل يتيم آل محمّد المنقطع عن مواليه الناشب في رتبة الجهل ـ يخرجه من جهله ، ويوضح له ما اشتبه عليه ـ على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه ، كفضل الشمس على السهى)(48).

أما الإمام الحسين (عليه السلام) فيقول في هذا الصدد : (من كفل لنا يتيما قطعته عنّا محبّتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّى أرشده وهداه ، قال الله عزّ وجلّ : أيّها العبد الكريم المواسي أنا أولى بالكرم منك...)(49).

فمثل هذه النصائح والتوجهات تفسح المجال واسعاً أمام الاهتمام بالأيتام ، وتهيّء الأجواء لبناء وتدعيم علاقات تكافلية معهم ، وإلاّ تحولت حياتهم إلى صحراء مجدبة. ففي غياب منهج التكافل تتشكل ظاهرة التسوّل والتشرّد وبالتالي تنمو جذور الجريمة فيما بينهم ويقعون في هاوية الفساد.

2 ـ الفقراء والمساكين :

ويأتون في المرتبة الثانية من الاهتمام بعد فئة الأيتام، والقرآن يحث على الإنفاق على هذه الفئة، قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة: 272، 273]. فالفقراء والمساكين يستحقّون التكفّل والنفقة بنصّ القرآن ، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] وفي معرض تفسيره لهذه الآية يفرّق الإمام الصادق (عليه السلام) بين الفقير والمسكين والبائس بقوله: (الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم) (50).

والإسلام يريد أن تكون العلاقة بين الغني والفقير علاقة تكافل وتعاون ، لذلك فرض على الأغنياء كفالة الفقراء ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّ الله فَرَضَ في أموالِ الأغنياء أقواتَ الفُقراء ، فما جاع فقيرٌ إلاَّ بما متع به غني ، واللهُ تعالى سائلهم عن ذلك) (51).

والإمام الصادق (عليه السلام) يؤكد هذه الحقيقة المهمة بقوله: (إن الله (عزّ وجلّ) فرض للفقراء في أموال الأغنياء ممّا يكتفون به ، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لم يكفهم لزادهم ، فإنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم ، لا من الفريضة) (52).

وقال (عليه السلام): (إنّ الله تعالى خلق الخلق كلهم صغيرهم وكبيرهم، فعلم صغيرهم وكبيرهم، وعلم غنيهم وفقيرهم ، فجعل من كل ألف إنسان خمسة وعشرين مسكيناً ، فلو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ، لأنه خالقهم وهو أعلم بهم)(53).

وعلى ضوء ما تقدم نجد أن النظام الاقتصادي الإسلامي قد حلّ مشكلة الفقر من خلال مبدأ التكافل، وتوسيع المشاركة الاجتماعية بحيث يكفل الغني الفقير. فشيوع ظاهرة الفقر في المجتمعات الإسلامية لا يمكن إرجاعها لضعف أو قصور في النظام الاقتصادي الإسلامي ، بل لتقصير الأغنياء في كفالة الفقراء وتبديلهم نعمة الله كفراً. كما أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : (اضربْ بطرفك حيث شئت من النَّاس ، فهل تبصر إلا فقيراً يكابدُ فقراً ، أو غنياً بدّلَ نعمة الله كفراً...)(54). فالتقصير ينصب بالدرجة الأساس على الأغنياء ، لذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحمّلهم ـ بصورة أساسية ـ مسؤولية تفشي الفقر في المجتمع بقوله : (ولا يعُولُ غَنيهم فقيرهم)(55).

وكانت الشريعة توقظ في نفوس المسلمين العاطفة الدينية تجاه الفقراء والمساكين، وتدعم توجهاتها الاجتماعية هذه بمبدأ (الثواب الاُخروي) لتحقيق هذه الغاية النبيلة ، جاء في وصية أمير المؤمنين لأبنه الحسن (عليهما ‌السلام): وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غداً حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إيّاه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده...)(56).

وقد بذل أئمة أهل البيت (عليه السلام) أقصى ما يستطيعون من جهد في سبيل إعانة الفقراء والمساكين بعد أن وجدوا أن السلطات الحاكمة كانت تستأثر بالأموال وتقصّر في أداء الحقوق المفروضة للفقراء وتتركهم فريسة العوز والفاقة ، وعلى سبيل الاستشهاد كان إمامنا السجاد (عليه السلام) يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي الفقراء باباً باباً ، فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه ، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلما توفي (عليه السلام) فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان علي بن الحسين (57).

وكان هذا الإمام العظيم يتبع شتى الأساليب لترغيب الناس على التصدق على المساكين ويبرز المردودات الإيجابية التي تلحق المنفق ، ومنها دعاء المسكين له واستجابة الله عزّ وجل لدعائه، قال (عليه السلام) : (ما من رجل تصدق على مسكين مستضعف ، فدعا له المسكين بشيء تلك الساعة إلاّ استجيب له) (58).

وكان ائمتنا (عليهم السلام): يفتحون نافذة الوعي عند الناس لإدراك أهمية التكافل مع الفقير، وكانوا يحرصون على عدم إراقة ماء وجه الفقراء لذلك اتبعوا أسلوب التخفي في العطاء، وكانوا يحثون على صيانة كرامة الفقير وعدم الاستخفاف به اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يقول: (ألا ومن استخفّ بفقير مسلم فقد استخفّ بحقّ الله ، والله يستخفّ به يوم القيامة ، إلاّ أن يتوب)(59).

وهكذا نجد أن تكفّل الفقير والمسكين كان بمثابة حجر الزاوية في توجهات مدرسة أهل البيت : الاجتماعية.

3 ـ السائلون والمحرومون :

وهنا نجد دعوة قرآنية للتكافل المادي مع هاتين الفئتين المعوزتين ، ففي قوله تعالى : {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24،25] ،نلاحظ موقف التمجيد بالتكافل المادي معهم ، وفي قوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}[الضحى:10] نجد دعوة للتكافل الأدبي مع السائل خاصة ، ويستلزم ذلك الدعوة لاحترامه وصون كرامته.

وجاء في تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25] ، (المحروم: المحارف الذي قد حرم كدّ يده في الشراء والبيع). وعن الصادقَين (عليهما‌ السلام) : (المحروم الرّجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق ، وهو محارف)(60).

وعلى كل حال فإن مبدأ التكافل يستدعي التضامن مع هؤلاء ، وخاصة السائل الذي يكشف لك عن أمارات وعلائم عوزه من خلال سؤاله ، والتعاليم السماوية عموماً تحث على إكرام السائل، ففيما اُوحي إلى موسى (عليه السلام): (اكرم السائل إذا أتاك بردّ جميل أو إعطاء يسير)(61).

وعن زين العابدين (عليه السلام) : (حقّ السائل إعطاؤه على قدر حاجته)(62).

وترتقي مدرسة أهل البيت : في مجال التكافل إلى مستوى إنساني رفيع ، بكفالتها للسائلين من أهل الأديان الأخرى.

فقد مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما هذا ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين نصرانيّ ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه ؟! أنفقوا عليه من بيت المال)(63).

فالإسلام لا يأمر بقطع خيوط التواصل مع أهل الأديان، ويأمر بالتكافل معهم في الظروف الصعبة، إذ يتسامى فوق الفوارق والخلافات الدينية ، ويرفع قوس بصره إلى مستوى الإنسانية.

عن مصادف ، قال : كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) بين مكّة والمدينة ، فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد ألقى بنفسه ، فقال (عليه السلام) : (مل بنا إلى هذا الرَّجل ، فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه عطش ، فملنا فإذا رجل نصراني من القراسين طويل الشعر ، فسأله: أعطشان أنت ؟ فقال: نعم ، فقال لي: انزل يا مصادف فاسقه ، فنزلت وسقيته ، ثمّ ركبت وسرنا ، فقلت: هذا نصرانيّ ، فتتصدّق على نصرانيّ ؟! فقال : نعم إذا كانوا في مثل هذه الحال)(64).

فهذا الرجل ـ أي مصادف ـ يستغرب من إقدام الأئمة : على التكافل مع أهل الكتاب. وفاته أن الأئمة ينطلقون من رؤى إنسانية واسعة الأفق تلتقي مع مبادئ الإسلام الداعية إلى التراحم والتعاطف مع كل الناس ، بل وتتّسع لتشمل العطف على الحيوان وعلى كلّ ذي روح.

عن نجيح ، قال : رأيت الحسن بن علي (عليهما ‌السلام) يأكل وبين يديه كلب ، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها ! فقلت له : يا بن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك ؟ قال : (دعه ، إنّي لأستحيي من الله تعالى أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وانا آكل ثمّ لا أطعمه)(65).

وضمن هذا الباب تؤكد تعاليم مدرسة أهل البيت : على استحباب قناعة السائل ودعائه لمن أعطاه ، وزيادة إكرام السائل القانع الشاكر ، فبإسناد ينتهي إلى مسمع بن عبدالملك قال : كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى وبين يدينا عنب نأكله ، فجاء سائل فسأله ، فأمر له بعنقود فأعطاه ، فقال السائل: لا حاجة لي في هذا ، إن كان درهم ، فقال (عليه السلام) : (يسع الله لك

ولم يعطه شيئاً.

فذهب ثمّ رجع فقال: ردّوا العنقود ، فقال (عليه السلام) : يسع الله لك ولم يعطه شيئاً ، ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبدالله (عليه السلام) ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه ، فأخذ السائل من يده ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين الذي رزقني. فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : مكانك فحثا ملء كفّيه عنباً فناولها إيّاه ، فأخذها السّائل من يده ثمَّ قال : الحمد لله ربّ العالمين ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مكانك يا غلام ، أي شيء معك من الدّراهم ؟ فإذا معه نحو من عشرين درهماً فيما حزرناه أو نحوها ، فناولها إيّاه فأخذها ثم قال : الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك.

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مكانك ، فخلع قميصاً كان عليه ، فقال : إلبس هذا ، فلبس ثمّ قال: الحمد لله الذي كساني وسترني يا أبا عبدالله ، أو قال: جزاك الله خيراً ، لم يدع لأبي عبدالله (عليه السلام) إلا بذا ، ثمّ انصرف فذهب ، قال : فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد الله [على ما] أعطاه)(66).

هكذا كان نهج آل البيت (عليهم السلام): مع السائل ضمن دائرة التكافل ، وهكذا كان أدبهم الرَّفيع في العطاء معهم. فهو يريد من السائل أن لا يغفل عن الله تعالى الذي هو مصدر الرّزق والعطاء ، وأن يدرك بأن الإنسان المنفق ، وأن سمت مكانته وعلا شأنه ليس إلاّ مجرّد وسيلة للفيوضات الإلٰهية.

4 ـ الأسرى والمكروبون :

يتّسع مبدأ التكافل لفئات محرومة أخرى كالأسرى والمكروبين ، فقد أوجب الإسلام للأسير حقوقاً تكافلية كالإطعام والإحسان إليه ، وإن كان يراد في الغد الإقتصاص منه. عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قوله الله عزّ وجل :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8] قال: (هو الأسير وقال: الأسير يطعم وان كان يقدم للقتل وإن عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين)(67).

وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلب المفسّرين ذكروا أنَّ الآية الكريمة: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان: 8] قد نزلت في أهل البيت : علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما ‌السلام)حينما تصدّقوا على المسكين واليتيم والأسير (68).

والأحاديث الواردة عن الرسول وأهل بيته : تفجّر في نفوس المسلمين ينابيع الخير والعطاء للمكروبين والمعسرين ، لكونها مفعمة بشحنة عاطفية كبيرة تجاههم ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (من كفارات الذنوب العِظام إغاثة الملهوف ، والتنفيس عن المكروب)(69).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : (أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر ، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة)(70) ، وكان لهذه الأحاديث أبعادها العميقة في أغوار الفكر ، وقد تجسدت في سلوك تكافلي على صعيد الواقع. حيث سادت في الإسلام ثقافة التكافل ، ومن المعروف أنّ الإنسان ابن ثقافته ويعكس هذه الثقافة في كافة تصرفاته ، لذا لم تكن في العصور الإسلامية الأولى ظاهرة التسول والتشرد منتشرة بشكل ملحوظ ، وقد أشرنا إلى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته الرشيدة استغرب وتعجب عندما وقعت عيناه على رجل نصراني يستعطي الناس !

وهناك فئات أخرى يكفل لها الإسلام حاجتها عند الضرورة ، منها : الغارم وهو من كان عليه دين وعجز عن أدائه ، فيجوز أداء دينه من الزكاة ، وإن كان متمكناً من إعالة نفسه وعائلته سنة كاملة بالفعل أو القوة (71) ، وكذلك ابن السبيل : وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته ، ولا يتمكن من الرجوع إلى بلده ، وإن كان غنياً فيه (72).

____________

1ـ الاختصاص : 219.

2- عدة الداعي / ابن فهد الحلي : 72 ، مكتبة الوجداني ، قم.

3- عوالي اللآلي / ابن أبي جمهور الإحسائي 3 : 193 ، مطبعة سيد الشهداء ـ قم ،

ط 1. 1403 ه‍.

4- عدة الداعي / ابن فهد الحلي : 72.

5- الدعوات / قطب الدين الراوندي : 127 ، مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، ط 1 ـ

1407 ه‍.

6- الخصال : 88 / 21.

7- جامع الأخبار / السبزواري : 276 ـ مؤسسة آل البيت : ـ 1414 ه‍.

8- عدة الداعي / ابن فهد الحلي : 81.

9- مكارم الأخلاق / الطبرسي : 421.

10- المسائل المنتخبة / السيد السيستاني : 255 ، المسألة (622) ، ط 3 ـ مطبعة مهر ، قم.

11- عدة الداعي / ابن فهد الحلي : 81.

12- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 287.

13- كتاب الزهد / الحسين بن سعيد الكوفي : 36 ، المطبعة العلمية ، قم 1399 ه‍.

14- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 664.

15- أصول الكافي 2 : 152 / 15 ، باب صلة الرحم من كتاب الإيمان والكفر.

16- معاني الأخبار / الشيخ الصدوق ، 264 ، انتشارات إسلامي ، ط 1361 ه‍.

17- أصول الكافي 2 : 155 / 21 من الباب المتقدّم.

18- الخصال : 32 ، روضة الواعظين / ابن الفتال : 388 ، منشورات الرضي ، قم.

19- الأمالي / الشيخ الصدوق : 276 / 307 ، المجلس السادس والثلاثون.

20- اُصول الكافي 2 : 157 / 31 باب صلة الرحم من كتاب الإيمان والكفر.

21- تحف العقول : 57.

22- اُصول الكافي 2 : 151 / 9 من الباب المتقدّم.

23- تنبيه الخواطر / للأمير ورّام 2 : 266 ـ دار صعب.

24- عيون الحكم والمواعظ / علي الليثي الواسطي : 234.

25- معاني الأخبار : 271.

26 اُصول الكافي 2 : 348 / 8 باب قطيعة الرحم من كتاب الإيمان والكفر.

27- مجمع البيان في تفسير القرآن 2 : 98 ، منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.

28- اُصول الكافي 2 : 668 / 14 باب حقّ الجوار من كتاب العشرة.

29- وسائل الشيعة 17 : 209 / 1 باب (49) ما ينبغي للوالي العمل به في نفسه ،

تحقيق مؤسسة آل البيت : ، ط 2.

30- عوالي اللآلي / الإحسائي 1 : 344 / 121.

31- مسكن الفؤاد / الشهيد الثاني : 105 ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، ط 1.

32- أمالي الصدوق : 515 ، المجلس (66).

33- تحف العقول : 85.

34- الصحيفة السجادية الكاملة : 132 دعاء 26 ، نشر وتحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، ط 1.

35- نهج البلاغة / ضبط صبحي الصالح : 405 ، الكتاب (31).

36- نهج البلاغة / ضبط صبحي الصالح : 65 ، الخطبة (23).

37- نهج البلاغة / ضبط صبحي الصالح : 462 ، الكتاب (71).

38- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 292.

39- الكافي 7 : 51 / 7 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة : ووصاياهم من كتاب الوصايا.

40- كنز الفوائد / الكراجكي : 194 ، مكتبة المصطفوي ـ قم ، ط 2.

41- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 293.

42- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 293.

43- مشكاة الأنوار / علي الطبرسي : 293.

44- أغبّ القوم : جاءهم يوماً وترك يوماً ، وقوله : « لا تغبّوا أفواههم » أي صلوا أفواههم بالإطعام ولا تقطعوه عنها. انظر : نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 77 ، هامش 1.

45- الكافي 7 : 51 / 7 باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة : ووصاياهم من كتاب الوصايا.

46- ثواب الأعمال / الشيخ الصدوق : 199.

47- مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب 1 : 348 ، المطبعة الحيدرية ـ النجف ـ 1376 ه‍.

48- الاحتجاج / الطبرسي 1 : 7 ، دار النعمان.

49- بحار الأنوار 2 : 4 / 5.

50- تفسير نور الثقلين 3 : 491 ، تفسير الآية (90) من سورة التوبة.

51- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 628.

52- علل الشرائع / الشيخ الصدوق 2 : 369 / 2 ، باب 90 ، علة الزكاة ، المطبعة

الحيدرية ، النجف ، 1386 ه‍.

53- علل الشرائع 2 : 369 ، باب 91 ، العلة التي من أجلها صارت الزكاة من كل ألف

درهم خمسة وعشرين درهماً.

54- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 627.

55- المصدر السابق : 627.

56- نهج البلاغة / ضبط صبحي الصالح ، الكتاب (31).

57- الخصال / الشيخ الصدوق : 517.

58- ثواب الأعمال : 145.

59- من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق 4 : 13 ، جماعة المدرسين ، ط 2 ـ 1404 ه‍.

60- الكافي 3 : 500 / 12 باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، من كتاب الزكاة.

61- تحف العقول : 492.

62- الخصال / الشيخ الصدوق : 570.

63- وسائل الشيعة 15 : 66 / 19996 باب أنّ نفقة النصراني إذا كبر وعجز عن الكسب من بيت المال ، من كتاب الجهاد.

64- الكافي 4 : 57 / 4.

65- مستدرك الوسائل 7 : 192 / 8005.

66- الكافي 4 : 49 / 12 باب النوادر من كتاب الزكاة.

67- علل الشرائع 2 : 537 باب 325.

68- راجع : الكشّاف / الزمخشري 4 : 670 ، وتفسير الرازي 30 : 243 عند تفسير الآية المذكورة.

69- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 626.

70- اُصول الكافي 2 : 200 / 5 ، باب تفريج كرب المؤمن.

71- المسائل المنتخبة / السيد السيستاني : 230.

72- المصدر السابق : 231.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء