المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
التفريخ في السمان
2024-04-25
منخبر رع سنب يتسلَّم جزية بلاد النوبة.
2024-04-25
منخبر رع سنب الكاهن الأكبر للإله آمون.
2024-04-25
أمنمحاب يخرج للصيد وزيارة حديقته.
2024-04-25
الوظائف العليا والكهنة.
2024-04-25
نظم تربية السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


ثنائيات المثقفين  
  
2962   12:12 مساءً   التاريخ: 28-4-2017
المؤلف : د. معن خليل العمر
الكتاب أو المصدر : علم اجتماع المثقفين
الجزء والصفحة : ص326-339
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية العلمية والفكرية والثقافية /

تشير الثنائية إلى المتغير الذي لا تكون له إلا قيمتان ممكنتان فقط فالثقافة - على سبيل المثال - تمثل متغيرا ثنائيا لأنه يشير إلى نوعين هما الشعبية والرسمية، والثقافة الفرعية والرئيسة.

أي تتضمن الثنائية ومفردتين (أو مصطلحين) تشير كل منهما إلى مدلول يتم نحته في سياق الواقع الاجتماعي أو التطورات الثقافية. في الوقت ذاته تمثل الثنائيات الاصطلاحية آلية منهجية لدراسة بعض أوجه الظاهرة الثقافية والاجتماعية، وبخاصة الوجه ونقيضه أو الوجه وبديله أو الوجه وقرينه لتعطي معلومات ثقافية متقابلة تمثل وجهي الظاهرة سواء كان ذلك في تفاعلها أم في تدافعها أو في تنافسها لتكشف عن أكثر من مشهد أو فضاء بيد أن الإشكالية التي تواجه الثنائية هي استمرارها في النمو والتكاثر والانشطارات الجزئية.

ولما كان المثقفون لا يشكلون مجتمعا مثاليا تحكمه مبادئ العقلانية وقواعد الفضيلة فهم شأنهم شأن أصحاب المهن الأخرى لهم محاسنهم ومساوئهم وقطاعهم المجتمعي أو حقلهم الانتاجي شأنه شأن بقية الحقول والقطاعات ، هو مجال للتنافس والنزاعات وبؤرة للضغوطات والثورات ‏إنه (حقل صراع) بين العاملين والمنتجين على امتلاك السلع الرمزية واستخدامها في تحقيق المكسب وتوسيع النفوذ. ومعنى ذلك أن العلاقات داخل الحقل الثقافي هي علاقات قوة أي علاقات بين قوى وتجمعات لا تخلو من بربرية الغاب وفاشية العصبيات وعقلية المافيات الحديثة فضلا عن النرجسية التي يتمتع بها المثقفون لاعتقادهم بأفضلية العمل الفكري على العمل اليدوي (حرب ،1996‏، ص45) أداءات دور المثقف بأنها ليست واحدة بل تتبدل بتبدل دوره ونوع المجتمع الذي يعيش فيه ونوع نظام الحكم السياسي الذي يحكم مجتمعه، وهذا ما يجعل أداءه متضاربا في أغلب الأحيان. إذ منهم من يكون متقاربا مع مصالح المجتمع وأهدافه، وفي الوقت ذاته متضاربا مع السلطة، ومنهم من يكون متقاربا مع مصالح السلطة وأهدافها وبالآن معا متضاربا مع مصالح المجتمع وأهدافه.

لا جرم من الإشارة إلى أن الظروف الموضوعية جعلت علماء الاجتماع يستخدمون الثنائيات الاصطلاحية في بحوثهم تلك الظروف هي:

1ـ ‏عدم تملك الإنسان حريته الكاملة وبالوقت ذاته عدم اعتماده على المجتمع بشكل تام وكامل.

2ـ ‏امتلاك الإنسان نوعين من العلائق الاجتماعية الأولى أولية والثانية ثانوية لا يستطيع الاستغناء عن إحداهما في تعامله مع الآخرين.

3ـ استحالة تغطية الظاهرة الاجتماعية من كافة محتوياتها أو مضامينها.

4ـ تناقض الحياة الاجتماعية وعدم تجانسها (Bendix,1979,p.258).

5ـ ‏الازدواجية المتناقضة والمتنافية: قدم هذا التأويل روبوت موتون (منظر أمريكي معاصر) إذا قال فيه إن المجتمع يتضمن تناقضا مزدوجا بشكل مستديمات آلية مر بنائه الاجتماعي وليس من الصفات الشخصية للفرد. ولما كان البناء الاجتماعي مؤلفاً من عدة أدوار فقد صنفها - مرتون - الى ستة أنواع تعكس الثنائية المتناقضة والمتنافية Ambivalence‏ وهي ما يلي:

أ- الثنائية الصغيرة: التي تعنى نواة الثنائية المتناقضة في الميول المعيارية المتعاكسة في الدور الاجتماعي (مثل د‏ور الأستاذ الجامعي الذي يدرس النظريات العلمية لطلبته في الوقت ذاته

ينشر مقالات تداهن سياسة الحكم غير الديموقراطية).

ب- تنازع مصالح وقيم المواقع الاجتماعية المشغولة من قبل شخص واحد مما تنعكس على سلوكه ومواقفه وأحكامه وعلائقه (مثل الموظف الحكومي الذي يعمل في إحدى مؤسسات الدولة وناشط في حزب المعارضة لها).

ج- تنازع عدة أدوار مرتبطة بموقع اجتماعي واحد متعلقة به وهذا بدوره يخلق عنده ثنائية موقفية وقيمية وسلوكية متنافية غير متصافية في حياة شاغل الموقع (مثل موقع الأستاذ الجامعي المرتبط بمواقع مهنية أخرى).

د- ثنائية القيم الثقافية داخل المجتمع، حيث تكون هناك قيم تمجد شرف العمل وبجانبها تسمع أو تبرر انحراف الفرد عنها.

هـ - تنازع البناء الاجتماعي مع البناء الثقافي: إذ إن القيم البنائية تغرس في ضمير الفرد الاجتماعي بيد أن القيم الاجتماعية لا تقدم له البدائل في حالة عدم امتثاله للقيم البنائية فيضطر تحت هذا الضغط إلى الانحراف عنها فيحصل التنازع بين البناءين (الاجتماعي والثقافي).

و- الثنائية الثقافية والاجتماعية عند الذين يعيشون في مجتمعين أو ثقافتين مختلفتين مثل المهاجرين من مجتمع إلى آخر أو عند الرجل الهامشي (على حد تعبير روبرت بارك) الذي يعيش على هامش مجتمعين أو ثقافتين وليس في مجتمع واحد أو ثقافة واحدة (merton,1963,p.p.91-93).

6- عدم تجانس أفراد وفئات المجتمع إذ إن المجتمع يتكون من أفراد موزعين على مواقع اجتماعية مختلفة ومتباينة في أهدافها ومصالحها ووظائفها وهذا يشير إلى عدم التجانس الاجتماعي الذي يعني توزيع الأفراد وعلى جماعات مختلفة. إذ كلما كانت الجماعة كبيرة الحجم بأعضائها وصغيرة الحجم بين الجماعات الأخرى في المجتمع الذي يعيش فيه زاد عدم تجانسها. فالمجتمع يتضمن جماعات عرقية ودينية وقومية وسياسية واقتصادية ومهنية وما شابه ذلك والمثقف لا ينتمي إلى جميع هذه الجماعات بل كل جماعة لها مثقفوها الخاصون بها وتنعكس اختلافاتهم على مناشط مثقفيها فتظهر في المشاهد والفضاءات الثقافية .

7- عدم تساوي أو تكافؤ مكانات الأفراد الاجتماعية على السلم الاجتماعي إذ يوجد افتراق ذو ماديات متباينة في مسافاته الاجتماعية والتحصيل الدراسي والانتماء السياسي للفرد. فمكانات الأفراد لا تتساوى داخل المجتمع بل تتدرج حسب مكوناتها (دخل وثروة ونفوذ وما شابه) وهذا يعني أن علائق بعضها ببعض لا تكون على مستوى واحد بل مختلفة باختلاف أفكار اجتماعية تعبر عن نمط أو رأي ثقافي معين، فالأنتلجنسيا إذن تتطلب توافر شروط أدنى من التجانس الفكري الأيديولوجي وتتطلب أيضاً تعبئة فكرية حول قضية إنسانية أو ثقافية (كرد,1986ص48 ).

لا جناح من التمييز بشكل أعمق بين الطليعي intelligentsia والمثقف intellectual. فالأول (الطليعي) يكون أكثر ميلاً لاعتناق الأفكار والعقائد الصارمة والجامدة من الثاني (المثقف) وهذا ما أكد عليه ماكس فيبر (Sadri,1992,p.70) إذ ميز بينهما من زاوية مصالحهما الفكرية حيث يرى الطليعي متمسكا بقوة الأفكار الصلبة والجادة والعقيدة المتطرفة والجامدة التي تخدم مصلحته.

مثل هذا التمسك المتشدد لا يكون موجودا عند المثقف لأن مصلحة الأخير الجوهرية تكمن في الروح العقلانية التي تتعاكس (وأحيانا تتناقض) مع المصلحة المادية التي يحملها الطليعي. بمعنى أن المثقف لا يستقر على فكرة واحدة ويتمسك بها ويتميز بها، بل يتحرك حسب حركة المنطق العقلاني فيما يرى ويكتب التي تذهب أحيانا إلى التعارض مع مصلحته المادية وتصل أحيانا إلى التقاطع معها وأحيانا أخرى تتوازن معها.

في الواقع هذا التصارع يمثل تصارعا بين مصلحة المثقف وأفكاره (الثنائية الرابعة في هذا الباب) تؤثر بشكل مباشر وفعال على نمو المعرفة وما تتضمنه من معتقدات وأفكار داخل مجتمعه وغالباً ما يتبلور هذا التصارع من خلال تأثر القوى السياسية المتحكمة في أهداف النسق السياسي، إذ كلما تحكمت فيه زادت حدة التصارع بينهما (بين مصلحة المثقف وأنكاره) والعكس صحيح. أما الموازنة بينهما فهو أمر محال وما يؤول عن استحالتها هو انفصال تام بين أفكار المثقف ومصلحته المادية وعدم تلاقيهما وتعايشهما في شخص المثقف. إلا أن إيجابية هذا التصارع أنه يولد إبداعات ثقافية متنافسة أحيانا و متناطحة أحيانا أخرى من أجل إثبات وجودها في النسق الثقافي.

درجات وضعها على السلم الاجتماعي وبالوقت ذاته لا تكون أدوارها واحدة بل تتأثر بمواقعها على السلم الاجتماعي أيضاً. فتوزيع المكانات الاجتماعية يحدد ويقرر حجم الاختلافات الاجتماعية ودرجتها. فكلما كانت المسافة الاجتماعية بعيدة بين المواقع الاجتماعية زاد حجم ودرجة الاختلافات الاجتماعية وعدم التكافؤ الاجتماعي في الآن والعكس صحيح (Blue,1977,p.p.77-79).

وعند ترجمتنا لهذه الثنائيات على الشريحة المثقفة في المجتمع نجد هناك أكثر من ثنائية فيها وهي :

1ـ الأنتجلنسيا والمثقف.

2- المثقف والسلطة.

3- المثقف الطوبائي (عند بندا) والعضوي عند غرامشي.

4- مصلحة المثقف وأفكاره.

5- المثقف المؤدلج والحر.

نبدؤها بالثنائية الأولى (الأنتلجنسيا والمثقف). تعني المفردة الأولى باللغة الروسية بمنتجي الأفكار والمعبرين عن الرأي العام للتيارات الأدبية والفكرية وقد قال فيها محمد كرد بأنها كلمة تتداول خارج إطارها الفكري والاجتماعي للإشارة إلى مجمل المثقفين وأحياناً أخرى للدلالة على نوع خاص من المثقفين وأحياناً تكون الأنتلجنسيا نوعاً يمثل أرستقراطية المثقفين. تقسم منتجي الأفكار والكتب والمقالات الذين يكونون (الرأي الثقافي) ويكتسبون بذلك سلطة تجعلهم أحياناً (جمع عين بالمجلس) ثقافيين. وقد ميز ادغار مورانا بين المثقفين والانتجلنسيا على أساس المقولة الأولى ناتئة وفرنسية والثانية شمولية وروسية وأكد على إذ الأنتلجنسيا تعني مجمل المثقفون في وضعية تتميز بجمهرة غير مثقفة وبسلطة بربرية، بينما يبرز المثقفين داخل المجتمع له تناقضات أقل حدة وتنتشر الثقافة فيه داخل مجال مهم من المجتمع. إن الأنتلجنسيا الروسية مقترنة بتيار فكري وأدبي مما يثبت أنها حركة.

ثمة حقيقة تقول بأن الفكر لا ينمو إلا من خلال مشاهد وفضاءات فكرية عقلانية بعيدة عن الارتباط بعالم المادة والمصالح الاقتصادية العقائدية لأنه مستقل عنها وهذا ما أكد عليه ماكس فيبر (sadri,1992,p.71).واذا اعتمد عليها (على المصالح المادية - الاقتصادية) فإنه سوف يفسد جوهره إذ إن الأول يمثل الهدف الغائي (الذي يعتقد بأن كل شيء في الطبيعة مقصود وموجود نحو غاية) لذا فإنه (أي المثقف) لا يدافع بالضرورة عن الأفكار المرتبطة بأهداف مادية واذا دافع عنها فإن انتشاره وذيوعه لا يكون له صدى في عالم الأفكار التي تظهر في المشاهد والفضاءات الثقافية لأنه لا يستوعب إلا الأفكار ذات الغاية الفكرية.

معنى ذلك لما كان مصير ونهاية الأفكار المرتبطة أو المدافعة عن المصالح الذاتية أو المادية ينتهي بها الأمر بالسقوط والفناء وعدم الولوج إلى عالم الفكر. هذه حقيقة قائمة نجدها عند أصحاب القلم الذين سخروا أقلامهم للدفاع عن أو لنشر الأفكار الدعائية المزيفة للواقع وللحقيقة الذين يبالغون فيها لخدمة رموز المجتمع أو التكسب المادي الرخيص، وينتهي أمرهم بالتالي بالسقوط في مهاوي التاريخ المنسي بينما تتخلد أعمال المثقفين الذين يعبرون عن جوهر الفكر ومادته الذهنية - العقلية .

إلا أن هناك تبعيات اجتماعية تبرز عندما ينهمك وينغمر المثقفون في مناشطهم الثقافية الصرفة. أي التعامل فقط مع جوهر الأفكار الصرفة بعيداً عما يتواجد في مجتمعهم من تيارات عقائدية فإنه يحدث ما يلي:

1ـ إذا خلت مشاهد المثقفين وفضاءاتهم الثقافية من تصوير الأوجه العملية للحياة الاجتماعية وبالذات عندما يتجنبون بتعمد وبعدم مبالاة من خلال عدم توجيه أسئلتهم الفكرية لها فإن ذلك يكون مدعاة لاتهامهم بعدم المسؤولية والإهمال من قبل الرأي العام ومن زملائهم المثقفين العقائديين (أصحاب المصالح المادية) أي انتقادهم من العامة ومن شريحتهم الثقافية.

2ـ ‏لا جرم من القول بأن شريحة المثقفين تشبه باقي الشرائح الاجتماعية الأخرى في دفاعها عن نفسها أو تبرير أخطائها وخدمة مكانتها الاجتماعية بين المكانات المتألقة في الأنساق البناءة.

ومهما كانت طروحاتها من بسيطة أو مركبة فإنها تثري المخزون الثقافي في العملية الثقافية ودفع عجلة تنميتها التي لا تخلو من رؤية عقلانية وتفاسير منطقية تخدم المثقف والمواطن على السواء. لذا فإن ما يقوم به المثقفون الأحرار (غير المؤدلجين) من إهمال متعمد أو تعارض مع العقائديين فإنه يعيق مسيرة تطور الأفكار واستمرارية العقلانية التي تؤول في نهاية المطاف إلى تقويض وهدم العقائد السائدة في المجتمع وهذا تخريب ثقافي .

‏ومن أجل الإحاطة بهذا الخلاف المتوتر بين المؤدلجين والمثقفين الأحرار نذكر ما تم استولاده من نتائج أخذت مستويين وهما:

1ـ على المستوى الشخصي: إذ بلور هذا الخلاف المتوتر تبحراً في التناقض المزدوج ambivalence عند المثقفين لأنهم غالباً ما يواجهون معضلة اختيارية تتراوح بين النزاهة أو الكمال الثقافي والتوافق مع الأحداث، وبين عقلانية الأفكار والجمود العقائدي. وهنا يتطلب من المتفق أن يوازن بين الضبط الذاتي والتقويض العقائدي (سمي هذا المطلب ماكس فيبر بتضحية المثقف) أي أنه لا يتطرف في موقفه ضد العقائدي لصالح مثاليته الفكرية .

2ـ ‏على المستوى الاجتماعي: فإن المعضلة تبرز بشكل أوسع وكأنها صورة شاملة وكاملة للصرع الدائر بين المؤدلجين ومعارضيهم داخل شريحة المثقفين، إذ في مقدور المثقفين خدمة جميع الجماعات الاجتماعية لكنهم لا يستطيعون منع أو إيقاف الضغوط الداخلية التي تعيش داخلها (أي داخل الجماعة) معنى ذلك أن المثقفين أنفسهم غير قادرين على صد أو منع الجدال والصراع الدائر بين المؤدلجين ومعارضيهم ضمن شريحتهم والذي تم ترجمته إلى توتر سافر ولا سيما أن المعارضين للأدلجة اقد أهملوا المصالح المادية والأوجه العقائدية لزملائهم المثقفين الأمر الذي أدى إلى دفع المثقفين، (المؤدلجين والأحرار إلى التطرف في مواقفهم الثقافية وهنا بدوره وسع من الفجوة بينهما وجعلهما غير متماثلين ومتناسقين في مناشطهم الثقافية داخل المشهد والفضاء الثقافي.

‏أما في ثنائية المثقف والسلطة فإنه عادة ما يتنافس المثقف مع السلطة السياسية لكي يكتسب مشروعيتها ونفوذها وتقوم الأخيرة بقمعه أو بترضيته لكي توقف مقارعته لها. أي كلاهما يتنافسان ويتصارعان من ‏أجل الحصول على نفوذ اجتماعي وسياسي ونفوذ أكثر من الآخر وكل واحد منهما يريد أن يحجم الآخر لكي يبدو أقوى منه.

فالمثقف يدعي تنوير عامة الناس وتحريرهم إنما يخفي في باطن هذا الادعاء الاستحواذ على مشاعرهم وعقولهم لكي يكسب تأييدهم له . ويدعي أيضاً التجرد والنزاهة والشفافية والأمانة في دفاعه عن مصالح الفقراء والبؤساء والمظلومين والعاطلين عن العمل في مجتمعه إنما في الواقع يهدف إلى توسيع شعبيته وتثبيت سلطته عليهم ويأسرهم بكلامه.

إلا أن كلاً منهما يسعى على طريقته وباستخدام رأسماله إلى احتكار المشروعية، أي حق تعيين الأمر الجامع والشيء المشترك الذي يجتمع عليه العموم. وكلاهما يصدر عن اعتباط عند أخذ الخيارات وترتيب ‏الأولويات وتقويم الوقائع إذ لا تقويم ولا ترتيب من دون استبعاد أو تهميش أو تقديم. وكلاهما يمارس التلاعب والتمويه في حقله وميدان عمله إذ لا سلطة تمارس من دون حجب أو تمويه سواء أكانت مادية أو رمزية وأخيراً كلاهما يمارس التسلط والعنف: والعنف الرمزي والذي يمارسه المثقفون العقائديون والملتزمون بعقليتهم القائمة على الحصر والاستبعاد وعلى التصنيف والإدانة (حرب78, 1996,) .

ومن نافلة القول توضيح ثنائية الطوبائي (عند بندا) والعضوي عند غرامشي. الصورة عند جوليان بندا تتمثل في رسم المثقف المنزه عن الأهواء والغايات المترفع عن المصالح الشخصية، العملية والسياسية باعتبار أن مملكة الحق والعدل والحرية ليست من هذا العالم. والصورة التي نجدها عند أنطونيو غرامشي أي صورة المثقف المنخرط في دافعه وصاحب المشروع الذي يسخر فكره وقلمه لتغيير المجتمع والعالم. (حرب ,1996,ص29‏) لكن هل ومتى وأين يستطيع المثقف في أي مجتمع إنساني أن يحافظ على استقلاليته وفاعليته في ان بحيث لا يكون طوبائياً ولا ينغمس في واقعه كل الانغماس.

ففي حالة ممارسة المثقف حريته الكتابية واستقلاليته تجاه الدولة وسلطتها ولكي يكون متميزاً ومنفرداً في نشاطه الثقافي عليه أن يعيش هامشاً ومتمرداً على مجتمعه وسلطته السياسية كأن يعيش في المهجر إنما يكون في هذه الحالة مجرد كاتب محترف فاقد فاعليته على مجتمعه لأنه غير محيط بأحداث مجتمعه الدقيقة التي تدور في الحياة اليومية فتكون أفكاره مثالية - طوبائية بعيدة التحقيق والمنال إنما هي تركن في مخيلة الحالمين والرومانسيين.

أو المثقف الذي يعيش في مجتمع مليء بالفساد (السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي) وغير قادر على تغيير اي شيء، في مجتمعه مما يجعله ذلك يشعر بالغربة وهو يعيش بين أهله وأقاربه وبلده بمعنى يتوحد مع ذاته ويأتلف مع فكره أي الإنسان العاجز والمستلم لقدره.

نقيض هذه الحالة المشار إليها أعلاه حالة المثقف الغرقان في هموم وشجون وشؤون مجتمعه اليومية والمزمنة سواء أكانت ظواهر سلبية أو مشكلات أو أزمات أو معضلات يعاني منها مجتمعه، يكتب عنها ويقدم حلولاً لها معبراً عن مشاعر الحرمان وألم الوجعان وجوع الجوعان

وكل ما يدور وينبض به الشارع العام وأزقته المتفرغة يسمي غرامشي هذا النوع من المثقفين

بالمثقف العضوي.

نستنتج مما تقدم أن المثقف حاله حال أي فرد داخل مجتمع يمتلك نوعين من العلائق الاجتماعية (أولية وثانوية) وفي الوقت ذاته فهو لا يمتلك الحرية الكاملة للتحكم في هذين النوعين من العلائق. ولما كان المشهد والفضاء الثقافي غير مقولب بقالب واحد أو غير منمط بنمط واحد بسبب تناقض الظاهرة الثقافية من كافة محتوياتها ومضامينها فإن هذا التناقض ينعكس على المثقف الذي لا يمتلك الحرية الكاملة بالتحكم فيه، الأمر الذي يبلور عنده أداء متناقضاً في دوره الثقافي وبالذات إذا كان موظفاً في أحد دوائر الحكومة ولديه موقف معارض منها أو يكتب مقالات في الصحف المحلية يذكر فيها فساد الإدارة السياسية والمالية . أو المثقف المؤدلج الذي يحمل عقيدة سياسية أو طائفية جامدة لا تقبل المرونة والانفتاح على العقائد الأخرى ويتكسب من حملها بحصوله على منصب حزبي أو مكافأة مالية أو معنوية يقابله المثقف الحر الذي لا يحمل عقيدة فكرية بل يحمل أفكار حرة غير ملتزمة أو مرتبطة بجهة رسمية أو حزبية أي مستقلة.

لهذه الحالة منطلقات: الأول يتبناه ماكس فيبر عندما قال فيه على المثقف (سواء أكان مؤدلجا أو حراً) أن يضحي بجزء من موقفه المتطرف وتمسكه بما يحمل من أفكار لأن كليهما من شريحة ثقافية واحدة، وكليهما يخدمان المنتوج الثقافي فلماذا هذا التناحر والتصارع؟

أما علي حرب فإنه يرى بأن المثقف ورموز السلطة وحكامها سيان لأنهما يبحثان عن النفوذ والثروة وتحجيم الآخر مدعين التنوير والتحرير فهما متشابهان بهذه الخاصية أو هما وجهان لعملة واحدة أو ثنائية تنافسية متصارعة إذ كلاهما يلعبان لعبتهما ويستخدمان العنف فالسياسي يستخدم العنف التسلطي والمثقف يستخدم العنف الرمزي لذلك هما في تصارح دائم.

في الوقت ذاته نجد بعض المثقفين يلتجئون إلى السلطة للدفاع عنها وتلميع وجهها أمام العامة طمعاً في مكافأتهم لهم، وهذه ثنائية متناقضة أيضاً إنما من نوع جديد لأنها ثنائية منافقة في شخص واحد ودور واحد وهو المثقف، لأن المطلوب منه أن يكون موضوعياً وحيادياً ، يقول الحق والواقع دون مجاملة أو خوف أو مداهنة إلا أنه يقفز على هذه الشروط الثقافية هاربا من أخلاقية شرف المهنة الثقافية فيمارس دورا ثقافياً منحرفاً عن دوره الثقافي الذي حدده له النسق الثقافي طمعاً في المكاسب المادية ‏التي يحصل عليها من رموز السلطة فيبيع قلمه وفكره لمن يعطيه دراهم أكثر فيتحول أداؤه الثقافي تحولا منحرفاً عن مستلزمات ومتطلبات دوره الثقافي. أو إن رموز السلطة تجبر وتلزم المثقفين بتلميع وجهها العام أمام الشعب وهذا ما هو وارد مع العديد من مثقفي العرب سموا بمثقفي السلطة ذوي الأقلام المدجنة. على أن لا ننسى أنه بعمله هذا يشبع رغبته النرجسية (عشق الذات) من خلال كتاباته وشعوره بأنه أفضل من الآخرين ومتميز بقلمه (نرجسية ثقافية).

بمعنى سواء كان المثقف مثالياً - طوبائياً في تفكيره وطروحاته أو كان منغمرا في شؤون وشجون مجتمعه فإنه يشبع رغبته النرجسية في عشق ذاته عندما يفكر ويكتب بغض النظر عن من هو المتلقي. أي يشبع طموحه في مشاهدة عمله (الذي يعتبره تميزاً وتفرداً) الذي يختلف عن الأعمال اليدوية أو المكتبية، الذي يمنحه بعضاً من الغرور والاستعلاء ويزيد من شعوره بحب ذاته.

صفوة القول، هو أن ثنائية المثقفين ليست بحالة غريبة أو شاذة في العمل الفكري أو العلمي لأن الحياة الاجتماعية تحمل وجهين متناقضين (بشكل عام) مثل التكامل والتصارع، التضامن والتنافر، والتفاعل والتبادل، التنافي والتوازن، هذا تناقض في وجهي الظاهرة الاجتماعية ويمكن تسميتها بالاطراد المقترن، أي ما هو موجود من صفات في المفردة الأولى يكون نقيضه من صفات في متن المفردة الثانية فضلا عن عدم ‏تساوق الظاهرة الثقافية. وازاء هذه الحالة فإن علم الاجتماع واجهة هذه الحالة منذ ولادته ولحد الآن ففيه تياران يمثلان الثنائية المتناقضة مثل المجتمع التقليدي والحضري والعام والمحلي والديني والدنيوي وهناك منظرون ممن نظروا فقط في النظرية البنائية الوظيفية ومعادون للنظرية الصراعية أمثال كونت ودورك هايم وسبنو ومرتون وبارسونز. في الوقت ذاته هناك منظرون نظروا فقط في النظرية الصراعية أمثال ماركس وزمل وكوسر ودارندورف ونقدوا النظرية البنائية الوظيفية وهذا الاختلاف التنظيري ما زال قائماً لحد اليوم من علماء الاجتماع، هناك علم اجتماع تطبيقي معاد ومعارض لعلم الاجتماع النظري والأخير لا يعترف بما يقدمه التطبيقي من نتائج وأفكار فضلاً عن ذلك هناك ثنائيات مترادفة في علم الاجتماع مثل التضامن العضوي والميكانيكي وجماعات أولية وثانوية وعولمة وأمركة وعولمة وأقلمه.

وهناك ثنائيات اقترانية مثل مواقف ومصالح وقيم ومعايير وبيروقراطية وديموقراطية وهكذا، وكانت لهذه الثنائيات في علم الاجتماع إيجابيات منها تفسير أحد أوجه الظاهرة من خلال نقيضها وكشف ما هو مفقود ومهمل في الظاهرة المدروسة فضلاً عن كونها آلية بحثية وقاية ضد التميز الكائن في كل مفهوم ومصطلح اجتماعي .

لذا لا نجدها حالة سلبية في علم اجتماع المثقفين بل هي حالة صحية دافعة لنموه ومثرية لنوعه.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






خلال الأسبوع الحالي ستعمل بشكل تجريبي.. هيئة الصحة والتعليم الطبي في العتبة الحسينية تحدد موعد افتتاح مؤسسة الثقلين لعلاج الأورام في البصرة
على مساحة (1200) م2.. نسبة الإنجاز في مشروع تسقيف المخيم الحسيني المشرف تصل إلى (98%)
تضمنت مجموعة من المحاور والبرامج العلمية الأكاديمية... جامعتا وارث الأنبياء(ع) وواسط توقعان اتفاقية علمية
بالفيديو: بعد أن وجه بالتكفل بعلاجه بعد معاناة لمدة (12) عاما.. ممثل المرجعية العليا يستقبل الشاب (حسن) ويوصي بالاستمرار معه حتى يقف على قدميه مجددا