المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7971 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
رسالة إلى أبي حمو
2024-10-07
الإمام الباقر (عليه السلام) وكتاب علي (عليه السلام).
2024-10-07
المعنى التشريعي للصلاحيات المالية لحكومة تصريف الأمور اليومية
2024-10-07
الاغسال الواجبة
2024-10-07
الاغسال المستحبة
2024-10-07
الاستحاضة واحكامها
2024-10-07

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « المؤمنون عند شروطهم » (*)  
  
31455   10:56 صباحاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج3 ص248 - 323.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / المؤمنون عند شروطهم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-6-2018 2360
التاريخ: 2024-08-04 273
التاريخ: 2024-08-04 202
التاريخ: 2024-08-04 221

ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة « المؤمنون عند شروطهم ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مدركها‌ :

وهو أمور‌ :

الأوّل : الأخبار :

منها : ما رواه محمّد بن يعقوب‌ بإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ » (1).

ومنها : عن محمّد بن الحسن‌ بإسناده عن الحسن بن محبوب مثله (2).

وبإسناده عن‌ الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « المسلمون عند شروطهم ، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ ، فلا يجوز » (3).

ومنها : ما عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام : « إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يقول : « من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطا حرّم حلالا ، أو أحلّ حراما » (4).

ومنها : ما في عوالي اللئالي‌ عن رسول الله صلى الله عليه واله قال : « المؤمنون عند شروطهم » (5).

ومنها : ما عن دعائم الإسلام عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله » (6).

قال الشيخ روي عن النبي صلى الله عليه واله أنّه قال : « المسلمون عند شروطهم » (7).

ومنها : ما في التهذيب عن أيّوب بن نوح، عن صفوان ، عن منصور بن يونس ، عن عبد صالح عليه السلام قال : قلت له : إنّ رجلا من مواليك تزوّج امرأة ثمَّ طلّقها فبانت منه ، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل الله عليه أنّ لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها ، فأعطاها ذلك ، ثمَّ بدا له في التزويج بعد ذلك ، فيكف يصنع؟ فقال : « بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له فليف المرأة بشرطها ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه واله قال : المؤمنون عند شروطهم » (8).

وهناك أخبار كثيرة مفادها ثبوت هذه القاعدة ، تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها ، لأنّ ما ذكرناها ـ مضافا إلى صحّة جملة منها من حيث السند ـ قد عمل بها الأصحاب قديما وحديثا ، واستندوا في فتاويهم إليها.

فالإنصاف أنّها في كمال الاعتبار والوثوق بصدورها عن النبيّ صلى الله عليه واله والأئمّة .

وأمّا دلالتها على صحّة هذه القاعدة فلا يحتاج إلى البيان ، لأنّ متن كثير منها عين هذه القاعدة.

وأمّا المراد من هذه القاعدة ـ التي هي عين متن جملة من هذه الروايات ـ سنذكره ان شاء الله تعالى مع التخصيصات الواردة على هذا العموم ، وشرائط صحّة الشروط ، والشروط الابتدائيّة، والشروط التي في ضمن العقود ، وحكمها في ضمن أمور.

وأمّا إجمالا : فالظاهر أنّ المراد من هذه القاعدة هو أنّه يجب على كلّ مسلم ومؤمن أن يكون ثابتا عند التزاماته ، بمعنى أنّه إذا التزام لشخص بأمر له ، فيجب عليه الوفاء له بذلك الأمر ، وذلك من جهة وضوح أنّ هذه الكبرى الكليّة الصادرة عنه صلى الله عليه واله في مقام إنشاء الحكم ، لا الإخبار عن أمر خارجي ، فقوله صلى الله عليه واله : « المسلمون عند شروطهم » أي : جميع المسلمين ، لأنّ الجمع المعرف باللام يفيد العموم ، يجب أن يثبتوا عند جميع شروطهم ، لأنّ الشروط أيضا جمع مضاف يفيد العموم ، فهو صلى الله عليه واله يحكم على جميع المسلمين بلزوم الثبوت عند جميع شروطهم.

والمراد من الثبوت والاستقرار عند الشرط هو ترتيب الأثر على شرطه الذي‌ شرط ، وعدم الفرار عن العمل على طبق التزامه ، وحيث أنّ الشرط إذا تعدّي بـ « على » ـ مثلا قال : باع ، وشرط عليه ـ يكون المتفاهم العرفي أنّه ألزمه بأمر ، ولو قيل : شرط له بأمر ، فالمتفاهم العرفي أنّه التزم له بذلك.

ولذلك نقل عن أهل اللغة أنّه ـ أي الشرط ـ هو الإلزام والالتزام (9).

وبهذا المعنى يصحّ أن يطلق على جميع الأحكام الإلزاميّة من قبل الله على العباد أنّها شروط من قبل الله تعالى ، أي إلزامات من قبله تعالى عليهم.

ولعلّه من هذه الجهة أطلق الشرط صلى الله عليه واله على كون الولاء للمعتق لا الذي يبيع الأمة بشرط أن يكون ولائها له في قصّة اشتراء عائشة لبريرة بشرط أن يكون ولائها للبائع بقوله صلى الله عليه واله « إنّ شرط الله أحق وأوثق » (10) .

أي : كون الولاء لمن أعتق.

وبناء على ما ذكرنا فيكون معنى « المسلمون عند شروطهم » هو وجوب الوفاء على كلّ مسلم بما التزام لغيره ، لا بما ألزم غيره ، لأنّه لا معنى لأن يكون ثابتا عند إلزامه غيره بأمر ، ولو لم يكن استثناء في البين لكان وجوب الوفاء عامّا بالنسبة إلى جميع التزاماته ، ولكن قوله صلى الله عليه واله « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله » كما في رواية دعائم الإسلام أخرج الشرط المخالف لكتاب الله عن تحت هذا العموم.

وفي بعض هذه الروايات قيد لزوم الوفاء بالتزاماتهم ، الذي هو عبارة أخرى عن شروطهم بكونها ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ ، وفي بعض آخر استثني عن لزوم الوفاء بكلّ شرط والتزام الشرط الذي حرّم حلالا أو أحلّ حراما ، وسنتكلّم في هذه القيود‌ والاستثناءات عمّا قريب إن شاء الله تعالى.

وخلاصة الكلام في المراد عن هذه القاعدة بطور الإجمال هو أنّه يجب على جميع المسلمين الوفاء بجميع التزاماتهم إلاّ في موارد تلك الاستثناءات التي سنذكرها إنّ شاء الله تعالى. فهذه القاعدة بالنسبة إلى الشروط نظير {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] بالنسبة إلى العقود.

الثاني : هو الإجماع واتّفاق الفقهاء‌ قديما وحديثا على وجوب الوفاء بالشروط الصحيحة في ضمن العقود اللازمة.

وفيه : مضافا إلى أنّ الدليل أخصّ من المدّعي ، ما قلنا مرارا من أنّ هذه الإجماعات مع وجود مدارك معتبرة من الروايات الواردة في هذه المسألة ليس من الإجماع الذي قلنا بحجّيته في الأصول.

الثالث : أنّ الشروط الواقعة في ضمن العقود الصحيحة اللازمة من توابع تلك العقود ومرتبطة بها، وتكون من ملحقاتها ، فدليل وجوب الوفاء بالعقود كما يدلّ على لزوم الوفاء بتلك العقود وترتيب الأثر عليها ، كذلك يدلّ على لزوم الوفاء بتلك الشروط المرتبطة بالعقود الملحقة بها.

وفيه : أيضا مع أنّه أخصّ من المدّعي ، أنّ العقود عبارة عن نصّ المعاهدة الواقعة بين الطرفين المنشأ بالإيجاب والقبول ، والشروط وإن كانت في ضمن تلك العقود والمعاهدات التزامات أخر غير تلك المعاهدات المؤكّدة التي نسمّيها بالعقود ، ولذلك قالوا في مورد الشرط الفاسد : إنّ فساد الشرط لا يسري إلى العقد ، فكذلك وجوب الوفاء بالعقد لا يسري إلى الشرط ، بل يحتاج وجوب الوفاء بالشرط إلى دليل آخر غير دليل وجوب الوفاء بالعقود ، وهو قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

الجهة الثانية

في شرح المراد من هذه القاعدة‌ :

والفرق بين الشروط الابتدائيّة وما تقع في ضمن العقود ، وبيان شرائط صحّة الشروط ، وبيان أنّ مخالفة الشرط هل يوجب الخيار فقط أم لا بل يوجب بطلان العقد ، وأنّه ما هو حكم تعذّر الشرط؟

فهذه المطالب تذكر في ضمن أمور :

[ الأمر ] الأوّل : في شرح ألفاظ هذه القاعدة وما هو الظاهر منها ، وإن بيّنّاه إجمالا.

فنقول : أمّا كلمة « المؤمنون » أو « المسلمون » جمع معرّف باللام يفيد العموم ومعناهما واضح.

وأمّا الظرف متعلّق بثابتون المقدّر ، وهو مشتقّ من أفعال العموم. وأمّا « الشروط » فهو جمع مضاف يفيد العموم ، والمتفاهم العرفي من هذه الكلمة قلنا إنّه الإلزام باعتبار انتسابه إلى من له ، والالتزام باعتبار انتسابه إلى من عليه.

نعم يبقى شي‌ء آخر ، وهو أنّه ـ أي الشرط ـ مطلق الإلزام والالتزام ، أو هما في ضمن عقد. ونتكلّم فيه في بعض الأمور الآتية إنّ شاء الله تعالى.

وأمّا المعاني الأخر مثل ما اصطلح عليه النحويّون أو الأصوليّون فأجنبيّة عن محلّ كلامنا ، لأنّ كلامنا في المراد من القاعدة التي هي مضمون قوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون أو‌ المسلمون عند شروطهم » ، وتعيين المراد من الحديث الشريف لا طريق له إلاّ بما يفهم العرف منه ، لأنّ ما هو حجّة عند العقلاء في محاوراتهم لتشخيص المراد ليس إلاّ ظهور الكلام ، والمراد من الظهور هو المتفاهم العرفي منه ، فذكر سائر المعاني والمصطلحات تضييع للعمر وإتلاف للوقت من غير مبرر.

فيكون معنى القاعدة ـ التي هي عين مفاد الحديث الشريف بناء على ما ذكرنا من شرح ألفاظها وأنّه صلى الله عليه واله في مقام إنشاء الحكم لا الإخبار عن أمر خارجي ـ أنّه يجب على كلّ مؤمن أو مسلم الثبوت عند التزاماته إمّا مطلقا ، وإمّا أن تكون تلك الالتزامات في ضمن عقد.

وهذا الاحتمال الأخير لأجل احتمال أن يكون إطلاق الشرط على الشروط الابتدائيّة مجازا.

والمراد من الثبوت عند التزاماته كون ما التزم به ثابتا عليه ، وأنّه في عهدته ، وأنّه لا يخرج عن عهدته إلاّ بالوفاء به ، فيشبه أبواب الضمانات.

فكما أنّه في باب الضمان تكون العين أو مثله في عهدته بوجوده الاعتباري ولا تتخلّص عهدته إلاّ بالأداء ، فكذلك لا يتخلّص الملتزم عمّا التزم به إلاّ بالوفاء بالتزامه والعمل على طبقه ، فيكون مفاد قوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم» ـ بناء على ما ذكرنا في معناه ـ حكما وضعيّا ، مثل مفاد قوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] وهو ثبوت ما التزم به واستقراره عليه ، وليس مفاده وجوب العمل على طبق ما التزم به تكليفا فقط.

الأمر الثاني : في بيان الفرق بين الشروط الابتدائيّة ، وبين الشروط الواقعة في ضمن العقود.

فنقول : أوّلا : أنّ إطلاق الشرط على مطلق الالتزام بشي‌ء لشخص ـ سواء أكان في ضمن عقد ، أو كان التزاما ابتدائيّا غير مربوط بشي‌ء ـ لا يخلو من نظر وتأمّل ، بل‌ الظاهر حسب المتفاهم العرفي هو أن يكون إلزامه أو التزامه بشي‌ء في ضمن عقد ومعاملة ، أو أمر آخر ، بمعنى أن يكون إلزامه غيره بشي‌ء أو التزامه لغيره بشي‌ء مربوطا بأمر آخر ، وليس معنى الشرط مطلق الإلزام والالتزام.

فالشرط بالمعنى المصدري عبارة عن جعل شي‌ء مرتبطا بأمر آخر. وبهذا المعنى يكون مبدأ للاشتقاقات منه ، كالشارط والمشروط وأمثالهما من المشتقّات من هذه المادّة ـ وبمعنى الاسم المصدري عبارة عن الشي‌ء المرتبط بغيره.

هذا هو المتفاهم العرفي ، مضافا إلى أنّه لو كان مطلق الإلزام والالتزام ـ ولو كانا ابتدائيّين غير مربوطين بشي‌ء يلزم تخصيص الأكثر في قوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم » وهو مستهجن جدّا.

فلا بدّ من حمل الشروط في الحديث على الشروط الواقعة في ضمن العقود ، كي لا يلزم تخصيص الأكثر المستهجن ، لأنّ الشروط الابتدائيّة لا يجب الوفاء بها إجماعا.

فإن قلنا بأنّ الشرط أعمّ من الشروط الابتدائيّة وغيرها ، فيكون استعماله في الحديث عنائيّا مجازيّا ، وهو خلاف ظاهر هذا الكلام.

وأمّا الاستشهاد لكونه أعمّ من الابتدائي وغيره بالأخبار ، كقوله صلى الله عليه واله : « شرط الله أحقّ وأوثق ، والولاء لمن أعتق » في قصة بريرة ، فإطلاق الشرط على حكمه تعالى بأنّ الولاء لمن أعتق ، يمكن أن يكون استعمالا عنائيّا مجازيّا ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

ويمكن أن يكون على نحو الحقيقة ، باعتبار كون أحكامه تبارك وتعالى مرتبطة بعهده إلى العباد ، وأخذ الميثاق عنهم أن لا يعبدوا الشيطان ، كما يشير قوله تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] .

فهذه الأحكام إلزام على العباد في ضمن ذلك العهد والميثاق ، فإطلاق الشرط على أيّ حكم إلزامي من الأحكام الشرعيّة لا ينافي كون معنى الشرط هو الإلزام والالتزام المرتبط بأمر آخر ، لأنّ جميع الأحكام الالتزاميّة الشرعيّة إلزامات مرتبطة بذلك العهد وفي ضمنه.

وأمّا التوجيه في الحديث الشريف ـ بأنّ إطلاق الشرط على كون الولاء لمن أعتق من باب المشاكلة على حدّ قول شاعر :

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه      قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا .

ـ فلا يصحّح الإطلاقات الكثيرة الآخر بالنسبة إلى سائر الأحكام ، كإطلاقه على خيار الحيوان في قوله صلى الله عليه واله : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام » (11) ، وكقوله عليه السلام في رواية منصور بن يونس المتقدّمة « فليف للمرأة بشرطها » (12) حيث أطلق الشرط فيها على النذر أو العهد ، ولا مشاكلة في البين.

وعلى كلّ حال لا شبهة في أنّ المتفاهم العرفي من لفظ « الشرط » بالمعنى المصدري هو إلزام المشروط عليه ، أو الالتزام للمشروط له بأمر في ضمن عقد ، أو عهد ، أو أمر آخر ، فالإلزامات أو الالتزامات الابتدائيّة لا يطلق عليها الشرط إلاّ بالعناية ، ولا يجب الوفاء بها إجماعا.

الأمر الثالث : في بيان شرائط صحّة الشروط الواقعة في ضمن العقود‌.

وهي أمور :  [ الشرط ] الأوّل :

أن يكون مقدورا للمشرط عليه ، بمعنى أنّ الذي يلتزم به المشروط عليه للمشروط له يكون إيجاده داخلا تحت قدرته إن كان الشرط ـ أي ما التزم به ـ من الأفعال ، أو كان تسليمه متّصفا بذلك الوصف وتلك الخصوصيّة تحت قدرته إن كان ما التزم به من الأوصاف والحالات.

والمقصود من هذا الشرط أنّ المشروط عليه حيث أنّه بالتزامه فعلا للمشروط له ، أو وصفا وخصوصيّة فيما ينتقل إلى المشروط له ، فكأنّه جعل عهدته مشغولة له بأمر ، فلا بدّ أن يكون ذلك الأمر تحت سلطانه بحسب العادة كي يكون متمكّنا من الوفاء بما التزم به ، وإلاّ يكون مثل ذلك الاشتراط لغوا في نظر العقلاء ، ويكون من قبيل : « وهب الأمير ما لا يملك ».

فمثل اشتراط جعل الزرع سنبلا والبسر رطبا ، أو اشتراط كون الدابّة بحيث تحمل في المستقبل حيث أنّها ليست تحت سلطان المشروط عليه يكون لغوا وباطلا ، بل لو أخذ وصفا للمبيع في البيع أو لغيره في سائر المعاوضات يكون العقد فاسدا ، لكونه غرريّا. لأنّ هذه الأمور بيد الله جلّ جلاله ، وتكون أفعال العباد بالنسبة إليها من المقدّمات الإعداديّة ، فيمكن أن تقع ويمكن أن لا تقع ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58، 59] ، وقال تعالى أيضا : { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } [الواقعة: 63، 64] .

فالتزام المشروط عليه بإيجاد هذه الأمور ، أو التزامه بتسليم العين متّصفة بهذه الصفات يكون ممّا لا يعتني به عند العقلاء ، ويرون الملتزم بها مجازفا.

وأمّا اشتراط النتائج ككون مال مثلا ملكا لشخص ، فإن كان ممّا يحصل بنفس الاشتراط ، ولا يحتاج إلى سبب خاصّ ، فلا إشكال فيه ، لحصولها بنفس الاشتراط.

وأمّا ما يحتاج إلى سبب خاصّ ، ككون زوجته مطلّقة ، أو أمته أو عبده حرّا فلا يصحّ قطعا ، لامتناع حصولها بصرف الاشتراط.

نعم لا مانع من اشتراط إيجاد أسبابها إن كانت تحت اختياره وقدرته ، وأمّا المرأة لو التزمت في ضمن عقد لازم بأن تكون مطلّقة بطور شرط النتيجة ، أو بطور إيجاد أسباب كونها مطلّقة ، فهذا الشرط باطل مطلقا ، لعدم قدرتها على إيجاد أسباب طلاقها ، لأنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق.

وخلاصة الكلام : أنّ الالتزام بأمر غير مقدور له وإن كان في ضمن عقد لازم باطل ، لا يشمله قوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم » ، لأنّه لا يمكن الوفاء به ، فلا يجب. ثمَّ إنّه ربما يكون موجبا لصيرورة المعاملة غرريّا وباطلا ، مضافا إلى بطلان نفسه. وذلك فيما إذا كان إنشاء المعاوضة والمبادلة في العقد المعاوضي مبنيّا على هذا الشرط غير المقدور الذي يعلم حصوله في المستقبل.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ اشتراط ما هو لا يجوز شرعا ، كاشتراط أن يصنع تمره خمرا مثلا أيضا باطل ، وذلك لأنّ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا.

[ الشرط ] الثاني : أن يكون سائغا شرعا‌ هكذا ذكره الفقهاء ، ولكن أنت خبير أنّ هذا الشرط داخل في الشرط الأوّل ؛ لأنّه لا فرق في عدم كونه مقدورا بين أن يكون عدم قدرته من جهة المنع الشرعي ، أو لجهات تكوينيّة.

[ الشرط ] الثالث : أن يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء‌ وإن لم تكن له ماليّة ، أي العقلاء لا يبذلون بإذائه المال.

والوجه في اشتراط هذا الشرط هو أنّه إن لم يكن كذلك فيكون لغوا ، وأدلّة وجوب الوفاء بالشروط تكون منصرفة عن مثل هذا الشرط.

[ الشرط ] الرابع : أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنّة.

وتوضيح هذا الأمر ببيان أمور :

الأوّل : الفرق بين هذا الأمر والأمر الثاني‌ هو أنّ المراد من كونه سائغا هناك هو أن يكون الشرط بمعنى ما التزم به جائزا شرعا ، أي لا يكون فعل حرام ، أو ترك واجب.

وهاهنا المراد من كونه غير مخالف للكتاب والسنّة ، أو كونه موافقا لهما هو أن لا يكون ما يلتزم به ويجعل على نفسه أو يلزم غيره به مخالفا للجعل الإلهي ، مثلا في الكتاب والسنّة جعل الولاء لمن أعتق ، فإلزام المشتري بأن يكون الولاء للبائع أو التزامه بذلك يكون على خلاف ما جعل في الكتاب ؛ لأنّ الشارع جعل هذا الحقّ للمعتق.

فجعله بواسطة الشرط لشخص آخر يكون على خلاف الكتاب ، أي أحكام الله المكتوبة على المكلّفين ، سواء أكانت بواسطة كتاب الله الكريم ، أو بواسطة السنّة النبويّة ، أو الروايات المرويّة عن الأئمّة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وكذلك اشتراط رقّية حرّ ، أو توريث من لم يجعله الله وارثا.

فالالتزام بهذه الأمور مخالف للكتاب والسنّة ، أي لما هو المجعول فيهما. هكذا قيل.

ولكنّ الإنصاف أنّ الشرط الثاني مندرج في الشرط الرابع ، لأنّ اشتراط فعل محرّم أو ترك واجب يكون مخالفا للكتاب قطعا.

الثاني : في أنّ المستثنى من عموم هذه القاعدة هل هو عنوان المخالف للكتاب ، أو عنوان ما ليس في الكتاب ، أو يشترط نفوذ الشرط بأن يكون موافقا للكتاب؟ فإنّ هذه العناوين الثلاثة كلّها وردت في الروايات.

أقول : بعد الفراغ عن أنّ المراد بالكتاب ليس خصوص القرآن الكريم ، بل المراد منه كلّ ما كتب على المكلّفين من أحكام الدين ، سواء كان في القرآن الكريم ، أم في الأحاديث النبويّة المرويّة عنه صلى الله عليه واله.

وبعد العلم بأنّ الكتاب بهذا المعنى لم يهمل حكم شي‌ء ، بل بيّن جميع الأحكام المتعلّقة بجميع الأشياء ، فلا يبقى فرق بين هذه العناوين ، فكلّ شرط مخالف للكتاب بالمعنى الذي ذكرنا له يصدق عليه أنّه ليس في الكتاب ، ويصدق عليه أنّه ليس ممّا وافق الكتاب ، كما أنّه كل شرط لم يكن مخالفا للكتاب فلا محالة يكون موافقا للكتاب ، لعدم الواسطة بينهما.

وإن قلنا بأنّهما أمران وجوديّان ، والتقابل بينهما تقابل التضادّ ، مع أنّ التحقيق أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، ففي الموضوع القابل لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما ، كما هو الشأن في جميع موارد تقابل العدم والملكة.

نعم ربما يفرق بين هذه العناوين بالنسبة إلى مجاري الأصول ، فلو كان الشرط ـ أي شرط صحّة الشرط ـ عدم مخالفته للكتاب ، فإذا شكّ في شرط أنّه مخالف أم لا ، فيجري استصحاب عدم مخالفته للكتاب بناء على جريان استصحاب العدم الأزلي في النعوت العدميّة ، كأصالة عدم كون المرأة قرشيّة عند الشكّ في كونها قرشيّة.

فباستصحاب عدم كونه مخالفا قبل وجوده يحرز شرط الصحّة الذي هو عبارة عن عدم كونه مخالفا للكتاب ، وأمّا لو كان الشرط موافقة الكتاب ففي مورد الشكّ لا يمكن إحراز الشرط بالاستصحاب ، لعدم الحالة السابقة للموافقة.

ولكن بناء على ما حقّقناه في كتابنا « منتهى الأصول » (13) من عدم جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة إذا كان الأثر للعدم النعتي لا للعدم المحمولي ، وذلك من جهة أنّ العدم النعتي مثل وجوده المقابل له متوقّف على وجود موضوعه ، ففي الرتبة السابقة على وجود موضوعه لا أثر له ولا عين له حتّى يجر بالاستصحاب إلى زمان وجود موضوعه.

والعدم المحمولي وإن كان له حالة سابقة أزلا لأنّ جميع الأشياء ما سوى الله‌ تعالى كانت معدومة قبل وجودها ، لكن لا أثر له، بل الأثر للعدم النعتي ، وإثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي يكون من الأصل المثبت الذي أثبتنا في الأصول عدم حجّيته.

فالنتيجة : أنّه لا فرق بين أن يكون شرط صحّة الشروط عدم مخالفتها للكتاب ، أو كان الشرط موافقته للكتاب حتّى بالنسبة إلى مجاري عدم الأصول وحديث السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع تهويل خال عن التحصيل.

الثالث : في أنّه ما المراد من عدم مخالفة الكتاب أو موافقته، وما هو الضابط لذلك؟ فنقول : الضابط في ذلك هو أن يكون الشرط نافيا لما أثبته الشارع ، أو مثبتا لما نفاه ، فلو شرط عليه ارتكاب حرام أو ترك واجب ، يكون هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنّة قطعا ، لأنّ ارتكاب الحرام وترك الواجب ممّا نفاه الشارع ومنع منه.

وأمّا لو شرط عليه فعل ما ليس بواجب ولا حرام ، أو تركه سواء كان مباحا أو مستحبّا أو مكروها ، فلا يكون مخالفا ، لأنّ الشارع لم يمنع من فعل متعلّقات الأحكام غير الإلزامية ، ولا عن تركها ، فليس الشرط نافيا لما أثبته الشرع ، أو مثبتا لما نفاه.

نعم لو شرط عليه أو هو التزم بكون ما أحلّه الشارع حراما ، أو ما حرّمه حلالا وكذلك في سائر الأحكام الخمسة بأن يكون الحكم على خلاف ما جعله الشارع ، فيكون مثل هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنّة ، لأنّه مثبت لما نفاه ، وناف لما أثبته.

فيكون مشتملا على أمرين كلّ واحد منهما يكون موجبا لكونه على خلاف الكتاب والسنّة ، بل اشتراط كون الفعل الفلاني حكمه كذلك مطلقا باطل ، سواء كان ذلك الحكم موافقا لما جعله الشارع ، أو كان مخالفا له. أمّا لو كان مخالفا فلأجل مخالفته أوّلا ، ولأجل عدم كونه مقدورا للمشروط عليه ثانيا ، لأنّ وضع الأحكام الشرعيّة ورفعها بيد الشارع وليس ذلك لغيره.

وأمّا لو كان موافقا فلأجل أنّ الشرط يكون حينئذ من قبيل تحصيل الحاصل ، فيكون لغوا.

هذا بالنسبة إلى الأحكام التكليفيّة ومتعلّقاتها.

وأمّا الأحكام الوضعيّة فما كان منها مجعولا من قبل الشارع بلحاظ حال شخص ولرعايته ، سواء كان ذلك الشخص واحدا أو متعدّدا كباب الحقوق ، فيكون ذلك الشخص مسلّطا عليه ، وهذا اعتبار عقلائي ، وهو أنّ صاحب الحقّ له السلطنة على حقّه.

ولذلك اتّفقوا على أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط حتّى أنّهم عرفوا الحقّ بذلك ، لأنّه خاصّة شاملة ، فشرط وجوده وعدمه ليس مخالفا للكتاب ، لأنّ أمر وضعه ورفعه بيد من له الحقّ وإن كان مجعولا من قبل الشارع ، وذلك كأغلب الخيارات. بل قد يكون جعله أيضا بيد من له ومن عليه مع توافقهما كخيار الشرط.

وأمّا ما ليس جعلها من قبل الشارع برعاية حال أحد ، بل يكون جعلها كسائر الأحكام تبعا للمصالح والمفاسد التي في متعلّقاتها ، فهي على قسمين :

أحدهما : ما لا يكون الشرط من أسباب وجودها ، كالطهارة والنجاسة وغيرهما ، فشرط وجودها أو عدمها باطل على كلّ حال ، لكونه غير مقدور للمشروط عليه أوّلا ، وكونه مخالفا للكتاب ثانيا إن كان مخالفا لما جعله الشارع ، كاشتراط كون الميتة مثلا طاهرا ، أو اشتراط صيرورة ماء الكرّ بصرف ملاقاة النجاسة نجسا ، مع عدم تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة وإن كان موافقا لما جعله الشارع ، فلما ذكرنا من أنّه من قبيل تحصيل الحاصل ، فيكون الشرط لغوا.

بقي شي‌ء : وهو أنّه لو شرط عليه ترك ما ليس بواجب طول عمرة ، أو هو التزام بذلك ، فهل يكون مثل هذا الشرط باطلا ومخالفا للكتاب ، أم لا ؟ وبعبارة أخرى : هذا تحريم للحلال ، أم لا؟ الظاهر أنّ هذا ليس من تحريم الحلال ، من جهة أنّ ترك ما ليس بواجب سواء‌ كان مباحا بالمعنى الأخصّ ، أو كان مستحبّا ، أو كان مكروها جائز شرعا ، فالالتزام به وإن كان طول العمر ليس مخالفا للكتاب فيأتي السؤال بأنّه فأين مصداق الشرط المحرّم للحلال الذي استثناه عليه السلام من الشرط الصحيح والجائز في الموثق المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام : « من شرط لامرأته شرطا ، فليف به لها ، فإنّ المسلمين عند شروطهم ، إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما » (14) ؟

ولكن يمكن الجواب عن هذا السؤال بأنّ ما ذكرنا من أنّ شرط ترك ما ليس بواجب وإن كان الترك طول عمره ليس مخالفا للكتاب ومحرّما للحلال باعتبار مضمون الشرط والمعنى الاسم المصدري له ، أي باعتبار ما التزم به. وأمّا باعتبار المعنى المصدري له ـ أي نفس الالتزام ـ فمخالف للكتاب ومحرّم للحلال ، لأنّ الالتزام بترك شي‌ء طول العمر عرفا عبارة عن تحريمه على نفسه ، كما أنّ إلزامه غيره بذلك أيضا عبارة عن تحريمه عليه ، فيكون تحريم ما أحلّه الله عليه. ويشهد بذلك الرواية الواردة في بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما ، معلّلا بأنّه ليس لك أن تحرم ما أحلّه الله.

فشرط ترك المباح دائما ، إن كان الالتزام متعلّقا بترك نوع مباح ، لا ببعض أفراده ومصاديقه لخصوصيّة فيه ، يكون تحريما للحلال باعتبار نفس الالتزام لا الملتزم به.

وأمّا شرط ترك بعض أفراد نوع منه ، كأن يشترط ترك شرب فرد من العصير مثلا وإن كان دائما فليس تحريما للحلال.

فصدق كون الشرط تحريما للحلال بنظر العرف ـ أي نفس الالتزام بذلك ، لا الملتزم به ـ مشروط بأمرين :

أحدهما : أن يكون المشروط ترك نوع من المباح ، لا فرد ومصداق من‌ مصاديقه.

الثاني : أن يكون الشرط تركه دائما لا موقّتا ، خصوصا إذا كان الوقت قليلا.

وذلك من جهة أنّ الحرام والمنهيّ عنه غالبا يكون النهي متعلّقا بالطبائع ، والمطلوب ترك الطبيعة في جميع الأزمان لا موقّتا أو ترك فرد منها ، فإذا التزم بترك طبيعة دائما فدليل نفوذ الشرط واعتباره يلزمه بالوفاء به ، فيرجع أنّ شرطه هذا صار سببا لتحريم حلال عليه ، وحيث أنّ مثل هذا الشرط استثناه الشارع عن دليل اعتباره الشرط ونفوذه بقوله عليه السلام « المسلمون عند شروطهم ، إلاّ شرطا حرّم حلالا ، أو أحلّ حراما » فلا تشمله أدلّة الاعتبار ونفوذ الشرط.

ثمَّ إنّه بعد الإحاطة على ما ذكرنا يظهر لك حال موارد الخلاف ، وأنّها هل من الشرط المخالف أو ليس منه؟ وذلك مثل شرط رقّية الولد الذي أحد أبويه حرّ ، ومثل شرط إرث المتمتّع بها ، وشرط الضمان في العين المستأجرة ، وشرط اختيار المكان للزوجة ، فما ذكرنا من الضابط في مخالفة الشرط للكتاب والسنّة يجب أن يراعى في جميع الموارد ، إلاّ فيما إذا جاء دليل خاصّ معتبر على بطلان الشرط أو صحّته في ذلك المورد ، فيستكشف عدم مخالفته للكتاب ، وإلاّ فهذا الشرط ليس قابلا للتخصيص.

ثمَّ إنّه إذا حصل الشكّ في مورد أنّه من الشرط المخالف أم لا ، ولم يأت دليل خاصّ على بطلانه أو صحّته ، فلا يصحّ الرجوع إلى عموم « المؤمنون عند شروطهم » فإنّه تمسّك بعموم العامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وقد أثبتنا في الأصول عدم جوازه ، وقد عرفت عدم جريان أصالة عدم مخالفته للكتاب ، فليس أصل منقّح للموضوع في البين ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول الجارية في نفس حكم المسألة.

الرابع : الدليل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل ربما يدّعي بلوغها حدّ التواتر :

فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول عليه السلام ‌ : « من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عزّ وجلّ» .

ومنها : صحيحته الأخرى عنه أيضا‌ قال عليه السلام : « المسلمون عند شروطهم ، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ ، فلا يجوز » .

ومنها : ما عن ابن سنان‌ عنه عليه السلام أيضا قال : سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا توهب؟ قال : « يجوز ذلك غير الميراث فإنّها تورث ، لأنّ كلّ شرط خالف كتاب الله باطل » (15).

ومنها : مرسلة جميل‌ عن أحدهما عليهما السلام في رجل اشترى جارية وشرط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ، قال عليه السلام: « يفي بذلك إذا شرط لهم » (16).

ومنها : رسالته الأخرى‌ وزاد : « إلاّ الميراث » (17).

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة .

ومنها : صحيحة الحلبي‌ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث ولا توهب؟ فقال : « يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث ، وكلّ شرط خالف كتاب الله فهو ردّ » (18).

ومنها : أخبار أخر كثيرة‌ تركناها لعدم الاحتياج إلى ذكرها ، وحيث أنّ دلالة هذه الأخبار على ما ذكرناه من شرح المراد من هذه القاعدة واضحة ، فلا يحتاج إلى بيان وجه الدلالة وبسط الكلام فيها.

[ الشرط ] الخامس : أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد.

وهذه العبارة يحتمل فيها وجوه من المعاني :

أحدهما : أن يكون المراد منها أن لا يكون الشرط منافيا لما هو مضمون العقد بالمعنى المصدري ، مثلا عقد البيع بالمعنى المصدري عبارة عن إنشاء تمليك عين متموّل بعوض مالي ، والمنشأ بهذا الإنشاء ـ أي التمليك المذكور ـ مضمون العقد ، وهو مقتضى العقد بالمعنى المصدري ، إذ المراد من المقتضى ـ بالكسر ـ هو مفيض الأثر ، فالأثر يفاض منه مع اجتماع الشرائط وعدم الموانع.

ولا شكّ في أنّ العقد بالمعنى المصدري يؤثّر في وجود مضمونه عند العرف ، وكذلك عند الشرع مع اجتماع شرائطه وعدم موانعه ، فلو كان الشرط منافيا لمقتضى العقد بهذا المعنى ـ بأن يقول : بعتك هذه العين المتموّلة بكذا ، بشرط أن لا يتحقّق هذا التمليك الكذائي ـ فهذا يرجع إلى قصد تحقّق النقيضين ، فيكون مثل هذا العقد باطلا قطعا ، فضلا عن بطلان الشرط. فإذا قال وكيل المرأة : أنكحتك الفلانة بشرط أن لا تصير زوجتك مثلا ، فهذا تناقض وتهافت لا يصدر عن عاقل إن لم يكن هازلا.

الثاني : أن لا يكون الشرط منافيا لجميع آثار ذلك العقد ، كأن يقول وكيل الزوجة : زوّجتك فلانة بشرط أن لا تستمتع منها أيّ استمتاع ، أو يقول : بعتك هذا المال بشرط أن لا تتصرّف فيه أيّ قسم من التصرّفات.

وهذا أيضا يرجع إلى الوجه الأوّل ، لأنّ نفي جميع الآثار مستلزم لنفي المؤثّر ، خصوصا إذا كان المؤثّر من الأمور الاعتباريّة ، إذ مع نفي جميع الآثار يكون ذلك الاعتبار لغوا.

الثالث : أن يكون منافيا للأثر الظاهر للعقد ، بحيث يكون تمام النظر في العقد والمعاملة إلى ترتيب ذلك الأثر. وذلك كما أنّه لو شرط وكيل المرأة أو نفسها حين إنشاء النكاح الدائم عدم وطيها طول عمر الزوجين ، ولا شكّ في أنّ الأثر الظاهر للنكاح الدائم ، وما هو العمدة في نظر العرف بل الشرع هو الوطي ، فإنّه الغرض الأصلي من النكاح الدائم ، وإن كانت هناك أغراض وآثار أخر.

وكذلك التاجر الذي شغله البيع والشراء أو اشترى أشياء وأجناسا لأن يبيع ويربح كما هو شغل الكسبة والتجّار ، وشرط عليه البائع الأوّل أن لا يبيع تلك الأجناس ، فهذا الشرط مناف لما هو الأثر من الاشتراء الأوّل.

فهل مثل هذا الشرط باطل وحده ، أو المعاملة المشتملة على هذا الشرط باطلة ، أو ليس شي‌ء منهما بباطل؟

يمكن أن يقال : نفى الأثر الظاهر ملازم عرفا مع نفي ما هو مضمون العقد ، فيستكشف في مقام الإثبات عدم القصد إلى مضمون العقد ، لأنّ قصد الشرط مناف مع قصد المضمون ، فإن لم يقصد الشرط فالشرط باطل ، لعدم كونه مقصودا ، وإن قصده فالمضمون غير مقصود ، لما ذكرنا من التنافي بين قصديهما عرفا ، فالعقد باطل ، لأنّ العقود تابعة للقصود ، فيكون الشرط باطلا ، لأنّه يبقى بلا موضوع.

ولكن يمكن أن يقال : حيث أنّه في مقام الثبوت لا مانع من قصد عدم الأثر الظاهر مع قصد مضمون العقد ، فيؤخذ بظاهر الاثنين ويحكم بصحة العقد والشرط جميعا ، فلا مانع من الحكم بصحّة الشرط من ناحية كونه منافيا لمقتضى العقد ، وإن كان هناك مانع من الحكم بصحّته لا بدّ وأن يكون من جهة أخرى ، ككونه غير سائغ ، أو كونه مخالفا للكتاب والسنّة ، أو غير ذلك من الجهات التي تكون أجنبيّة عن‌ محلّ الكلام.

الرابع : أن يكون منافيا لبعض الآثار العرفيّة التي للعقد ، ولا يكون من الآثار الظاهرة للعقد‌ بحيث تكون ملازمة عرفيّة بين نفيها ونفي مضمون العقد. وذلك كشرط البائع عليه عدم بيعه من زيد مثلا ، أو هبته لابنه ، أو أحد أصدقائه.

وبعبارة أخرى : إذا شرط البائع على المشتري أن لا يتصرّف في المبيع بعض التصرّفات التي من آثار ملكه عرفا ، فلا مانع من صحّة الشرط من جهة منافاته لمقتضى العقد ، لأنّ عمدة وجه بطلان الشرط ، إذا كان منافيا لمقتضى العقد هو عدم إمكان اجتماع صحّة العقد مع صحّة الشرط ، وإلاّ فلا وجه لبطلان الشرط من هذه الجهة. نعم يمكن أن يكون باطلا لجهة أخرى.

وبعبارة أوضح : وجه كون مخالفة الشرط لمقتضى العقد موجبا لبطلانه ، هو عدم إمكان الأخذ بدليل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) مع الأخذ بدليل وجوب الوفاء بالشرط ، لتنافيهما ، فلا بدّ إمّا من إسقاط كلا الدليلين ، أو إسقاط أحدهما ، وعلى جميع التقادير تكون النتيجة بطلان الشرط.

وفي المقام حيث لا تنافي بينهما في عالم الثبوت ، فلا تعارض بين الدليلين في مرحلة الإثبات ، إذ الشرط في المفروض ليس منافيا لمقتضى ذات العقد ، بل مناف لإطلاق العقد ، فإذا قيّد بواسطة الشرط لا يبقى موضوع لإطلاقه كي يكون الشرط منافيا معه ، فإذا لم يكن في مثل المقام وجه آخر لبطلان الشرط من كونه مخالفا للكتاب والسنّة ، أو كونه غير سائغ ، أو كونه غير مقدور وأمثال ذلك ، فلا يكون باطلا من جهة منافاته لمقتضى العقد.

الخامس : أن يكون منافيا لبعض الآثار الشرعيّة التي جعلها الشارع للعقد‌ بالمعنى الاسم المصدري ، مثل أن تشترط الزوجة في عقد النكاح أن يكون السكنى باختيارها ، أو اشترطت على الزوج أن يسكن في بلد أبويها ، أو اشترطت عليه أن‌ يجوز لها الخروج من البيت متى شاءت ، وأمثال ذلك ممّا جعلها الشارع من آثار الزوجيّة التي حصلت بالعقد ، وأن يكون الشرط مخالفا لها.

وكذلك الأمر لو باعه مال وشرط على المشتري أن لا يتصدّق به على أحد ، وأمثال ذلك في سائر العقود والمعاملات ، فلا بدّ وأن ينظر إلى دليل ذلك الأثر ، وأنّه يستفاد منه أنّ هذا الأثر من الحقوق القابلة للإسقاط ، أم لا بل حكم شرعي ليس قابلا للإسقاط؟

فإن كان من قبيل الأوّل ، فلا مانع من اشتراط عدمه ، ويرجع إلى إسقاط المشروط عليه حقّه. وذلك مثل أن يشترط بائع الحيوان على المشتري أن لا يكون له خيار الحيوان ، أو يشترط الزوج على الزوجة أن لا يكون لها حقّ المضاجعة ليلة في كلّ أربع ، وعلى هذا النهج في سائر العقود.

وأمّا إن كان من قبيل الثاني ، فاشتراط عدمه يكون من مخالفة الكتاب والسنّة ، فلو شرطت على زوجها جواز الخروج عن بيتها بدون إذن الزوج ، أو المسافرة في غير السفر الواجب بدون إذنه ، يكون من الشرط المخالف للكتاب.

نعم لو شرطت عليه أن يأذن لها الخروج فيما يجوز الخروج مع إذنه ، كالخروج إلى مجالس العزاء لسيّد الشهداء عليه السلام، أو لزيارة أحد أقاربها ومحارمها ، يجب الوفاء بهذا الشرط وأن يأذن لها.

وأمّا لو كان الخروج إلى مجلس يحرم الحضور فيه ، كذهابها إلى الملاهي فهذا شرط مخالف للكتاب.

وعلى أيّ حال شرط عدم بعض الآثار الشرعيّة للمعقود عليه لا يكون باطلا من جهة مخالفته لمقتضى العقد ، فإن كان مانع من صحّته يكون لجهات أخر.

ثمَّ إنّه صار بعض الفروع هاهنا وفي هذا المقام محلّ الكلام‌.

منها : أنّ المشهور بينهم عدم صحّة اشتراط الضمان في الإجارة ، وصحّته في  العارية، خلافا للمحقّق المقدّس الأردبيلي (19) ، وجمال المحقّقين (20) فإنّهما قالا بصحّته في الإجارة أيضا. وفصّل شيخنا الأستاذ بين الإجارة الواقعة على الأعيان والأموال ، وبين الإجارة الواقعة على الأعمال ، فقال في الأوّل بعدم صحّة شرط الضمان كما ذهب إليه المشهور ، وفي الثاني ـ أي الإجارة على الأعمال ـ بالصحّة.

والتحقيق : هو أنّ الإجارة مطلقا ـ سواء أكان إجارة الأعيان ، أو كان في إجارة الأعمال ـ تسليم العين إلى المستأجر في الأوّل، وإلى الأجير في الثاني ، كما إذا أعطى وسلّم ثوبه إلى الخيّاط مثلا ، حيث أنّها أمانة مالكيّة بيد المستأجر في الأوّل ، وبيد الأجير في الثاني ، فتلفه لا يوجب الضمان إلاّ مع التعدّي والتفريط. وقد شرحا المسألة مفصّلا في إحدى قواعد هذا الكتاب (21).

ولكن عدم اقتضاء الأمانة المالكيّة للضمان غير اقتضائه عدم الضمان ، والإجارة مع العارية مشتركان في كونهما أمانة مالكيّة.

وما ذكره شيخنا الأستاذ في وجه التفصيل وعدم صحّة اشتراط الضمان في إجارة الأعيان من استحقاق المستأجر على الموجر كون العين المستأجرة تحت يده وتصرّفه ، وهذا الاستحقاق من ناحية عقد الإجارة ، فإنّ إجارة العين عبارة عن تمليك منفعة العين كسكنى الدار مثلا التي هي صفة في العين ، فتسليم هذا الملك إلى مالكه ـ حيث أنّه ليس له وجود استقلالي ـ يكون بتسليم العين ، فالمستأجر يستحقّ تسلم العين لاستحقاقه تسلّم المنفعة التي هي ملكه ، ووجود المنفعة مندكّ في وجود العين ، كما هو الحال في كلّ صفة مع موصوفه ، فاستحقاقه للمنفعة بعقد الإجارة عين استحقاقه لتسلّم العين بعقد الإجارة ، فلم يأخذ المستأجر إلاّ ما يستحقّ ، وهذا الاستحقاق ليس مجّانا بل بالعوض المسمّى ، أي ما جعل في العقد عوضا لتمليك المنفعة‌ المعلومة ، فلا موجب لضمان آخر لأخذه العين وتسلّمها.

ثمَّ أفاد أنّ هذا الوجه لا يأتي في تسلّم الأجير للعين لأجل العمل فيها ، فالخيّاط مثلا الذي يستأجره المالك لأجل خياطة ثوبه لا يستحقّ بعقد الإجارة وبعوض ما يأخذه من أجرة عمله تسلّم العين وأن تكون تحت يده ، إذ من الممكن أن يخيطه وهو في يد مالكه ، فيمكن أن يقال بصحّة شرط الضمان على الأجير بخلاف شرط ضمان العين على المستأجر الذي صار مالكا للمنفعة بعقد الإجارة عوضا لما يأخذه مالك العين.

وما أفاده من الفرق بين تسلّم العين من الأجير لأجل العمل ، وبين تسلّمها من المستأجر لأجل استيفاء المنفعة وإن كان حسنا ، ولكن كونه موجبا لصحّة شرط الضمان في أحدهما دون الآخر لا يخلو من تأمّل.

وذلك من جهة أنّ صرف استحقاق المستأجر لتسلّم العين المستأجرة بعوض معلوم ، لا يوجب عدم صحّة شرط الضمان ، وكون شرط الضمان مخالفا للسنّة ، لأنّ يده واقعة على مال الغير ، وهذه اليد وإن كانت لا توجب الضمان ـ لأنّه مأذون من قبل المالك ، وما تحت يده أمانة مالكيّة ، وهذه الجهة مشتركة بين العارية وقسمي الإجارة ، أي إجارة الأعيان والأعمال ـ إلاّ أنّها ليست أيضا مقتضية لعدم الضمان كي يكون شرط الضمان خلاف مقتضاها.

ولا يقاس بالوديعة ؛ لأنّ ذا اليد في الوديعة محسن في حفظ مال الغير ، فليس عليه سبيل بحكم الشارع ، فيكون شرط الضمان هناك مخالف للكتاب ، ولم يحكم الشارع هاهنا بعدم الضمان كي يكون شرطه مخالفا للكتاب.

نعم إن قيل بعدم كون الشرط من أسباب الضمان ـ مثل اليد غير المأذونة ، والإتلاف ، وغيرهما من أسباب الضمان ـ فالشرط لا يؤثّر في الضمان.

ولكن هذا الكلام مع بطلانه في نفسه يكون مشتركا بين الإجارة والعارية.

وخلاصة الكلام : أنّ شرط الضمان في باب الإجارة لا مانع من نفوذه إن لم يكن إجماع على الخلاف ، وممّا ذكرنا ظهر الإشكال أيضا فيما ذكره شيخنا الأستاذ من عدم صحّة شرط الضمان على المرتهن في العين المرهونة ، باعتبار أنّ يد المرتهن على العين المرهونة بحقّ مالكي بواسطة عقد الرهن ، فيقتضي عدم الضمان ، فيكون شرط الضمان مخالفا للكتاب أو لمقتضى العقد الذي هو عدم الضمان.

وقد عرفت الجواب ، وأنّ عقد الإجارة في إجارة الأعيان وكذلك عقد الرهن لا يقتضي الضمان بالنسبة إلى العين المستأجرة ، وكذلك لا يقتضي الضمان بالنسبة إلى العين المرهونة ، لا أنّهما يقتضيان عدم الضمان كي يكون شرط الضمان فيهما منافيا لمقتضى العقد ، أو يكون خلاف الكتاب.

وأمّا حديث استحقاقه بحقّ مالكي ، أي استحقاق المرتهن كون العين المرهونة في يده بعقد الرهن ، لأنّ هذا معنى كونه وثيقة عنده. ويدلّ عليه قوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فقد عرفت أنّه لا يقتضي عدم الضمان ، وأيضا ليس من أحكام هذا الحقّ شرعا عدم الضمان كي يكون شرط الضمان خلاف المشروع.

نعم في الوديعة والوكالة حيث أنّ الوكيل والودعي نائبان عن المالك في حفظ ماله ، فتكون يدهما بمنزلة يد المالك ، فكما أنّه لو تلف في يد مالكه لا يوجب الضمان ، بل لا معنى لأن يكون الشخص ضامنا لنفسه ، فكذلك من هو بمنزلته ، أي الوكيل والودعي. هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ.

ولكن التحقيق هو الفرق بين الوكيل والودعي ، وذلك لأنّ الودعي محسن و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، ولا شكّ في أنّ الضمان سبيل. وأمّا الوكيل الذي يعمل بأجرة ، فليس بمحسن كي لا يكون عليه سبيل.

نعم لو كان الوكيل يعمل مجّانا وقصده الإحسان إلى الموكّل ، فيكون حاله حال الودعي ، ولا يصحّ شرط الضمان عليه.

ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا واتّضح حال شرط الضمان في العارية ، وأنّه لا مانع منه وليس هناك ما يوجب بطلان هذا الشرط مثل نفي السبيل على المحسنين ، لأنّ المستعير ليس منهم ، بل المعير الذي هو صاحب المال محسن إليه. وأمّا كونه أمانة مالكيّة فليس مقتضيا لعدم الضمان.

نعم اليد الأمانيّة ليست موجبة للضمان ، لا أنّها موجبة لعدمها كي يكون شرط الضمان مخالفا لمقتضى العقد ، أو يكون مخالفا للكتاب. وأمّا أخذ العين باستحقاق مالكي بالعقد ، فمضافا إلى أنّه لا كبرى لهذا الكلام لا صغرى له في المقام ، فصحّة شرط الضمان في العارية لا إشكال فيه أصلا.

وأمّا قوله عليه السلام : « ليس على مستعير عارية ضمان » (22) فالمراد نفي الضمان من حيث اقتضاء نفس العارية ، لا نفيه مطلقا وإن كان من قبل الشرط.

فقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ الأمانات الخمس ، أي العارية ، والإجارة ، والوكالة ، والرهن ، والوديعة ما عدى الأخير يصحّ في كلّها شرط الضمان.

ومنها : أي من الموارد التي صار محلّ الكلام : شرط البائع على المشتري عدم بيع ما اشتراه ، فالمشهور قالوا بعدم صحّة هذا الشرط ، ولكن العلامة استشكل في التذكرة (23) ، وبعض من تأخّر عنه قوّى صحّته على ما حكاه الشيخ الأعظم الأنصاري (24) .

والأقوى صحّة هذا الشرط إن لم يكن الإجماع على بطلانه.

وذلك من جهة أنّ شرط عدم البيع ليس منافيا لمضمون عقد البيع ، ولا منافيا للأثر الظاهر الذي يلازم نفيه عرفا نفي البيع الأوّل ، وأيضا ليس شرط عدم بيعه شرط نفي جميع الآثار كي يكون اعتبار ملكيّته للمشتري في البيع الأوّل لغوا ، ولم يرد دليل من الشرع أنّ عدم جواز بيع ما اشتراه مخالف للكتاب والسنّة حتّى يكون الشرط مخالفا للكتاب.

فلا موجب لبطلان هذا الشرط إلاّ ما ادّعاه الشيخ من تحقّق الإجماع على بطلان هذا الشرط ، ثمَّ عقّبه بقوله : فلا إشكال في أصل الحكم (25).

نعم ذكرنا فيما تقدّم أنّه قد يكون المشتري شغله البيع والشراء ، فيشتري لأن يبيع ، كما هو الشأن لأغلب الكسبة في القرى والمدن الصغيرة ، فيشترون في المدن الكبيرة من التجّار الكبار للبيع في المدن الصغيرة.

ففي مثل هذه الموارد يمكن أن يدّعي أنّ الأثر الظاهر للبيع الأوّل عرفا جواز بيع ما اشتراه ، فنفيه عرفا مناف لمضمون البيع الأوّل.

ومنها : اشتراط عدم الخسران لأحدهما في عقد الشركة‌ بأن يقول أحدهما للآخر : تشاركنا على أن يكون الربح بيننا والخسران عليك ، فصار محلّ الخلاف في صحّة هذا الشرط وبطلانه. وتدلّ على صحّته صحيحة رفاعة قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل شارك رجلا في جارية له وقال : إن ربحنا فيها فلك نصف الربح ، وإن كانت وضيعة فليس عليك شي‌ء؟ فقال عليه السلام : « لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية » (26).

وذهب ابن إدريس إلى بطلانه (27) ، ولم يعمل بالصحيحة ، لعدم حجّية الخبر الواحد عنده.

وقال الشهيد ; في اللمعة : الأظهر هو البطلان (28).

وقال في الشرائع : هذا الشرط ـ أي كون الخسران على أحدهما ـ فيه تردّد ، والمرويّ الجواز (29).

وحكى عن الدروس التعدّي إلى مطلق المبيع في بيع الحيوان (30) وفي الصلح تسلم الصحّة بلا إشكال بأن يصطلحا على أن يكون الربح بينهما والخسران على الآخر (31).

وحكي عن التنقيح الاقتصار على مورد النصّ تعبّدا ، (32) أي في خصوص الشركة في الجارية ، وذلك لأنّ النص على خلاف القاعدة عنده فوقف على مورده تعبّدا.

والتحقيق في هذا المقام هو أنّ متعلّق هذا الشرط لو كان صيرورة الربح الحاصل ببيع مال المشترك ملكا للمشروط له ، وذلك بأن لا يتبع الربح والخسران المال الذي ربح أو خسر في بيعه ، فهذا يقينا خلاف ما تقتضيه الشركة ، وخلاف ما يقتضيه الكتاب.

وذلك من جهة أنّ ارتفاع قيمة مال أو نزولها تابع لذلك المال شرعا وعرفا بل عقلا ، لأنّه من نعوته القائمة به ، فنماء المال متّصلا كانت أو منفصلة ملك لصاحب المال ويتبع المال ، فشرط أن يكون لغير المالك خلاف الكتاب والسنّة ، وخلاف مقتضى الشركة.

وأمّا لو كان الشرط انتقال حصّة النفع من أحد الشريكين إلى الآخر كي يكون مجموع الربح له ، أي حصّة نفسه وحصّة شريكه ، فلا مانع منه. نعم يحتاج إلى سبب مملّك ، وهو الشرط الواقع في ضمن العقد اللازم الذي هو البيع أو الصلح ، ولا بدّ وأن تحمل صحيحة رفاعة على هذا المعنى.

وفي كون الخسران على أحدهما دون الآخر أيضا يكون الأمر كذلك ، أي لو كان الشرط عدم تبعيّة الخسارة لحصّة الشريك ، فهذا خلاف الكتاب والسنّة ، وخلاف مقتضى الشركة ، بل غير معقول. وأمّا لو كان هذا الشرط مرجعه إلى جبران خسارته من مال الشريك الآخر ، فلا إشكال فيه ولا مانع منه.

ومنها : اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها ، فقد صار محلاّ للخلاف.

والتحقيق فيه : أنّ متعلّق الشرط إن كان عدم سلطنة الزوج على إخراجها ، فهذا خلاف الكتاب والسنّة يقينا. وأمّا إن كان مرجعه إلى الالتزام بأن لا يعمل سلطنته ، فلا محذور فيه.

نعم لو كان اختيار السكنى بيد الزوج من الحقوق ، وبعد الفراغ عن أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط ، فيمكن أن يكون مرجع هذا الشرط إلى إسقاط حقّه ، فلا محذور أيضا.

ومنها : مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع وعدمه.

فتارة : متعلّق الشرط توارثهما ، أو كون أحدهما يرث دون الآخر ، وأخرى : عدم توارثهما أو عدم كون أحدهما وارثا فصار صحّة هذا الشرط محلّ الكلام. وقال في الشرائع : لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجتين ، شرطا سقوطه أو أطلقا (33).

وقال في الجواهر : وفاقا للأكثر بل المشهور ، بل عن الغنية نفي الخلاف. انتهى. (34) ‌

ويدلّ عليه روايات :

منها : صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة ولم يشترط الميراث؟ قال : « ليس بينهما ميراث ، اشترطا أو لم يشترطا » (35).

والروايات في هذه المسألة مثل الأقوال وإن كانت مختلفة إلاّ أنّ المتحصّل من الجموع بعد الجمع أنّ عقد الانقطاع في حدّ نفسه لم يجعل الشارع بينهما توارث ، ومن هذه الجهة ـ أي جهة الميراث ـ هما كالاجنبيّين.

فشرط الإرث فيها ـ كشرط الإرث للأجنبي ـ مخالف للكتاب. وإن شئت قلت : إنّه غير مقدور ، لأنّ أمر جعل الأحكام بيد الشارع لا بيد الشارط.

وأمّا قول القائل : إنّه مع الشرط مجعول من قبل الشارع ، استنادا إلى صحيح محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في حديث : « وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما » (36) ، وإلى صحيح البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : « تزويج المتعة نكاح بميراث ، ونكاح بغير ميراث ، إن اشترطت كان ، وإن لم تشترط لم يكن » (37).

ففيه : أنّ هذا الكلام على تقدير صحّته ، وغضّ النظر عن الإشكالات التي أوردوها عليه ، ووجود المعارض الأقوى ، لا دخل له بما نحن فيه ، لأنّ كلامنا في أنّ الشرط نافذ ويشمله دليل نفوذ الشرط ، أم لا؟ وهذا لو صحّ يرجع إلى أنّ موضوع إرث زوجة المتمتّع بها مركّب من أمرين : أحدهما كونها زوجة منقطعة ، والثاني : شرط‌ كونها وارثة ، وهو عجيب.

[ الشرط ] السادس : أن لا يكون الشرط مجهولا إن كان في ضمن عقد البيع ، أو معاملة أخرى يكون الغرر فيه مبطلا ، لأنّ المعاملة التي لا يضرّ بصحّتها الجهالة ، كالصلح حيث أنّ مبناها على الجهالة ، أو المعاملة المحاباتيّة التي يكون البناء فيها على المسامحة والمحاباة ، فالغرر فيهما لا يوجب البطلان ، لأنّ المفروض أنّ البناء في الصلح على التسالم على أمر غير معلوم بعوض مالي ، وفي المحاباة على المساهلة والمسامحة ، فلا يضرّ الجهالة في أصل المعاملة ، فضلا عن شرطها.

وأمّا فيما يكون الغرر مضرّا ومبطلا ، كالبيع الذي يكون من المسلم واتّفاقا من الكلّ مبطليّة الغرر له ، للخبر المشهور : « نهى النبيّ صلى الله عليه واله عن بيع الغرر » (38) وكالإجارة وسائر المعاملات التي يكون الغرر فيها مبطلا على المشهور ، للمرسلة المعروفة : « نهى النبيّ صلى الله عليه واله عن الغرر » بدون لفظ « البيع » ، فيكون الغرر مطلقا في أيّ معاملة كانت منهيّا.

فالشرط إن كان غرريّا يكون باطلا على كلّ حال ، سواء سرى الغرر إلى نفس المعاملة والعقد أو لم يسر ، وذلك من جهة أنّه لو سرى إليها فتكون المعاملة غرريّة وباطلة ، فيبقى الشرط بلا موضوع ، لأنّ المفروض أنّ موضوع وجوب الوفاء هو الشرط الواقع في ضمن المعاملة الصحيحة والعقد اللازم ، وإذ ليس فلا يجب.

وأمّا إن لم يسر فنفس الشرط حيث أنّه يكون غرريّا يكون باطلا ، للمرسلة المعروفة : « نهى النبيّ صلى الله عليه واله عن الغرر » التي ضعف سندها منجبر بعمل الأصحاب ، ولكن لم يثبت وجود هذه الجملة ، أي جملة « نهى النبيّ عن الغرر » بدون لفظ « البيع » في كتب الروايات والأحاديث ، لا من طرق القوم وكتب أحاديثهم ، ولا من طرق الإماميّة رضوان عليهم أجمعين.

نعم في غير واحد من الصحاح المعتبرة عندهم يرون عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه واله نهى عن بيع الغرر ، فإثبات أنّ المنهيّ هو مطلق الغرر مشكل.

فلا طريق إلى الحكم ببطلان المعاملة المشتملة على الشرط المجهول إلاّ أن تكون تلك المعاملة بيعا مع سراية جهل الشرط إلى نفس المعاملة ، إلاّ أن يكون دليل خاصّ من إجماع أو غيره على البطلان ، ولا يصحّ دعوى الإجماع في مسألتنا هذه على البطلان مع اختلاف الأقوال ، إذا كان الشرط من الأمور الخارجة عن العوضين.

فقال الشهيد في الدروس فيما لو جعل الحمل جزءا للمبيع : الأقوى الصحّة ، لأنّه بمنزلة الاشتراط ولا يضرّ الجهالة (39).

ويظهر من هذه العبارة أنّ عدم بطلان المعاملة بالشرط المجهول أمر مفروغ عنه عنده. نعم إذا كان الشرط من أوصاف أحد العوضين وكان مجهولا ربما يدّعي اتّفاقهم على البطلان ، لصيرورة العوض بواسطة ذلك الشرط مجهولا.

فالأدلّة الدالّة على لزوم معلوميّة العوضين تدلّ على بطلان تلك المعاملة التي مشروطة بشرط مجهول يكون من أوصاف أحد العوضين.

والتحقيق في هذه المسألة أنّ المعاملة المشتملة على شرط مجهول ، إن سرت جهالة الشرط إلى نفس المعاملة بحيث صارت المعاملة بواسطة ذلك الشرط غرريّا ، فإنّه قد يكون ذلك وكان تلك المعاملة بيعا ، فتلك المعاملة باطلة قطعا ، وذلك لحديث « نهي النبي صلى الله عليه واله عن بيع الغرر » والضعف منجبر بعمل الأصحاب وإن كانت غير بيع ، فيحتاج الحكم بالبطلان إلى دليل خاصّ ، من إجماع أو غيره.

وأمّا إن لم تسر الجهالة إلى نفس المعاملة ، فلا وجه لبطلان الشرط ، فضلا عن بطلان المعاملة ، إلاّ ما يدّعي من نهيه صلى الله عليه واله عن مطلق الغرر في البيع أو في غيره.

وقد‌ عرفت أنّ إثبات هذا مشكل جدّا.

أو ما يقال من بناء العقلاء على عدم ترتيب الأثر على المعاملة المشتملة على شرط مجهول ، وإثبات هذا أشكل ، وعلى فرض ثبوته لا يمنع عن لزوم العمل بالشرط ، ووجوب الوفاء بالعقد.

نعم حكى في المستدرك عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن بيع السمك في الآجام ، إلى أن قال عليه السلام : « هذا كلّه لا يجوز ، لأنّه مجهول غير معروف ، يقلّ ويكثر ، وهو غرر » (40). فعلّل عليه السلام عدم جواز بيع المذكورات في الرواية بأنّه مجهول وغرر.

والإنصاف أنّ المستفاد من مجموع الروايات ـ الواردة في باب وجوب العلم بقدر المبيع ، وعدم جواز الكيل بمكيال مجهول ، وفي باب عدم جواز بيع ما في الآجام من القصب والسمك والطير مع الجهالة ـ هو اشتراط صحّة المعاملة بالعلم بالعوضين ومقدارهما وأوصافهما ، وكون الجهل مضرّا ولو كان من قبل الشرط المجهول ، وإن كانت واردة في باب البيع لكن الظاهر عدم اختصاصها به.

[ الشرط ] السابع :

أن لا يكون الشرط مستلزما للمحال ، بمعنى أنّ وجود الملتزم به في مقام الامتثال يكون محالا. وذلك كقول الشارط : بعتك بشرط أن تبيعه منّي ، أو يقول بنحو شرط النتيجة : بعتك بشرط أن يكون مبيعا منّي.

وعلّل بطلان هذا الشرط في التذكرة بأنّه مستلزم للدور (41) ، حتّى اشتهر في لسان المتأخّرين عن العلاّمة هذا الدور بدور العلاّمة .

وبيان استلزامه للدور هو أنّه تقدّم أنّ الشرط له إطلاقان : أحدهما هو نفس التزام المشروط عليه أو إلزام المشروط له. الثاني هو الملتزم به ، أي ذلك الأمر الذي‌ ألزمه الشارط بإيجاده أو هو التزم بذلك.

ولزوم الدور بناء على المعنى الثاني واضح ، وذلك لأنّ وجود المشروط متوقّف على وجود الشرط ، فوجود البيع متوقّف على وجود ذلك الأمر الذي التزم به المشروط عليه ، أي البيع الثاني فيما نحن فيه ، فوجود البيع الأوّل متوقّف على وجود البيع الثاني توقّف وجود المشروط على وجود شرطه.

والبيع الثاني أيضا وجوده متوقّف على البيع الأوّل لوجهين :

الأوّل : لأنّه لا بيع إلاّ في ملك ، فما دام لا يملكه بالبيع الأوّل لا يمكن أن يتحقّق منه وبصدر البيع الصحيح ، فوجود البيع الثاني الصحيح أيضا متوقّف على البيع الأوّل ، وهذا هو الدور الصريح.

والظاهر أنّ ما أفاده في جامع المقاصد (42) في وجه الدور من أنّ انتقال الملك موقوف على حصول الشرط ، وحصول الشرط موقوف على انتقال الملك هو عين ما ذكرناه ، وذلك من جهة أنّ انتقال الملك أثر البيع الصحيح ، فمراده من توقّف انتقال الملك أي البيع الصحيح ، أي البيع الأوّل ، ومراده من حصول الشرط أي وجود البيع الثاني.

هذا هو الوجه الأوّل لتوقّف البيع الثاني على البيع الأوّل.

والوجه الثاني : عدم معقوليّة البيع على المالك ، لأنّه من قبيل تحصيل الحاصل ، فالبيع الثاني متوقّف على الخروج عن ملك المالك الأوّل ، أي على البيع الأوّل ، وقد عرفت أنّ البيع الأوّل أيضا متوقّف على البيع الثاني توقّف المشروط على شرطه.

وجوابه : عدم توقّف البيع الأوّل على وجود البيع الثاني ، بل متوقّف على الالتزام بالبيع الثاني ، لا على نفس البيع ، ولذا لو التزم ولم يبع لا يبطل البيع الأوّل ، بل يكون‌ تخلّف الشرط موجبا للخيار فقط ، لا بطلان المعاملة.

هذا بناء على أن يكون المراد من الشرط هو الملتزم به.

وأمّا لو كان المراد نفس الالتزام ، فما يمكن أن يقال في وجه الدور هو أنّه بناء على هذا البيع الأوّل متوقّف على الالتزام بالبيع الثاني ، والبيع الثاني حيث عرفت أنّه لا يمكن وجوده وتحقّقه إلاّ بعد البيع الأوّل ، والعاقل لا يمكن أن يلتزم جدّا بأمر محال ، فالتزامه جدّا متوقّف على البيع الأوّل ، وهذا هو الدور.

وفيه : أنّ الالتزام جدّا بأمر محال وإن كان لا يصدر من العاقل ، ولكن فيما نحن فيه ليس الأمر كذلك ، لأنّه فيما نحن فيه إيجاد الملتزم به في ظرف الالتزام محال لا مطلقا ، والالتزام بأمر يكون وجوده فعلا محال ولكن يمكن أن يوجد بعد حين لا مانع منه.

وهذا أمر دائر بين العقلاء ، بل أغلب التزاماتهم من هذا القبيل ، فإنّه في حال إنشاء الالتزام لا يقدر على الوفاء بما التزم ، فإنّه في نصف الليل مثلا يلتزم بأشياء لا يمكن إيجادها إلاّ في الغد ، أو يلتزم في السفر بأشياء لا يمكن حصولها إلاّ في الحضر.

والحاصل : أنّ صحّة الالتزام بأمور لا يمكن وجودها إلاّ في الأزمنة المتأخّرة لا يمكن إنكارها ، فبيع المال على مالكه وإن كان لا يمكن ما دام هذا العنوان يكون منطبقا عليه ومتلبّسا بمبدإ اشتقاقه ، أي ما دام وصف مالكيّته لهذا الشي‌ء ثابت له ، ولكن بيعه عليه باعتبار حال انقضاء المبدإ لا مانع منه ، فلا مانع بأن يلتزم بالبيع على مالك هذا المال حال كونه مالكا له باعتبار حال خروجه عن ملكه ، بمعنى أنّ ظرف التزامه وإن كان في حال كونه مالكا لهذا المال ، ولكن ظرف الملتزم به حال زوال ملكيّته عنه.

والظاهر أنّ عمدة نظر العلاّمة في هذا الإشكال ـ وأنّه لا يجوز اشتراط أن يبيعه المشتري على البائع في البيع الأوّل لا بنحو شرط الفعل ، ولا بنحو شرط النتيجة ـ هو محاليّة هذا المعنى ، أي البيع على المالك ثانيا ، فيكون البيع عليه متوقّفا على البيع‌ الأوّل حتّى يخرج عن ملكه ويمكن البيع عليه.

والجواب ما ذكرنا ، فلا نعيد ولا نطول المقام.

والشاهد على أنّه أراد هذا المعنى أنّه قال بجواز اشتراط بيعه على غير المالك لإمكانه ، بأن يكون وكيلا من قبل المالك ، أو بيعه فضولة ثمَّ يمضي المالك ، فوجه توقّف بيع الثاني على الأوّل أنّ البيع على المالك ممتنع ، فلا يمكن الالتزام به ، فبيع الأوّل متوقّف على أمر محال ، فيكون باطلا.

فلا يرد على العلاّمة ما ذكروه من أنّه لو كان اشتراط البيع ثانيا على البائع باطلا ومستلزما للدور ، فيكون اشتراط البيع على غيره أيضا كذلك ، أي يكون مستلزما للدور ، وكذلك اشتراط عتقه أو وقفه ، بل اشتراط كلّ تصرّف يكون متوقّفا على كونه ملكا للمتصرّف يكون مستلزما للدور ، لأن ذلك التصرّف على الفرض متوقّف على الملك ، وملكه متوقّف على وقوع البيع الأوّل صحيحا ، ووقوع البيع الأوّل صحيحا متوقّف على وقوع البيع الثاني أو عتقه أو وقفه أو هبته أو غيره من التصرّفات المتوقّفة على الملك.

فتخصيص العلاّمة الإشكال بهذا الفرع ، أي بالبيع على نفس المالك دون غيره يدلّ على أنّ نظره في الإشكال وثبوت الدور على امتناع بيع المال على مالكه ، وتوقّف صحّته على خروجه عن ملكه ، فلا يرد عليه الإيرادات المذكورة في كتبهم والنقوض التي ذكروها ، من صحّة اشتراط البيع على غيره ، أو اشتراط عتقه ، أو وقفه ، أو هبته لغير البائع ، لاشتراك الكلّ في استلزامها للدور.

وأيضا ظهر ممّا ذكرنا أنّ الجواب عن هذا الدور بأنّ البيع الأوّل متوقّف على الالتزام بالبيع الثاني لا على وقوعه ، ليس كما ينبغي ، لأنّ إشكاله هو أنّ الالتزام بأمر محال ـ وهو البيع على المالك ـ لا يمكن إن كان التزاما جدّيا ، فالجواب هو الذي ذكرنا لا ما ذكروه.

[ الشرط ] الثامن : أن يلتزم به في متن العقد.

أقول : بعد الفراغ عن أنّ الشروط الابتدائيّة ، أي الالتزامات غير المربوطة بعقد ، أو ما وقعت في ضمن عقد جائز لا يجب الوفاء بها اتّفاقا ـ أمّا الأوّل فإمّا لعدم شمول قوله « المؤمنون عند شروطهم » للشروط الابتدائيّة وضعا أو انصرافا ، وإمّا لتخصيصه بالإجماع. وأمّا الثاني فلأنّه بعد ما كنت نفس العقد غير واجب الوفاء ، فالشرط الواقع في ضمنه بطريق أولى.

فاعلم أنّ الشروط على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون مذكورة في ضمن العقد اللازم.

وهذا القسم هو القدر المتيقّن من قوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم ».

الثاني : هي الالتزامات الابتدائيّة ، والتعهّدات المستقلّة غير المربوطة بعقد المنشأة باللفظ ، ولكن بإنشاء مستقلّ حيث لا عقد في البين أصلا ، أو لا ارتباط بينهما وإن كان.

وهذا القسم هو الذي خارج عن تحت هذه القاعدة تخصّصا أو تخصيصا بالإجماع.

الثالث : هو ما يكون التباني والتوافق عليه خارج العقد ، ووقع العقد مبنيّا عليه من دون ذكرها في متن العقد.

وهذا القسم هو الذي محلّ كلامنا في أنّه هو يجب الوفاء به أم لا ، بل لا بدّ من ذكرها في متن العقد؟

وأمّا القسم الرابع : وهو أن يقع التواطي والتباني عليه قبلا ، ولم يقع العقد مبنيّا عليه ، بل كان حال العقد مغفولا عنه ، فهو في الحقيقة يرجع إلى القسم الثاني من حيث‌ عدم ارتباطه إلى العقد وعدم كونه مشمولا لهذه القاعدة ، بل حاله أنزل من القسم الثاني ، لعدم إنشائه باللفظ ، بل صرف تبان في خارج العقد.

وخلاصة الكلام : أنّ القسم الأوّل يقينا مشمول للقاعدة ، والقسم الثاني غير مشمول يقينا.

فعمدة الكلام في القسم الثالث ، وهو الذي سمّوه بشروط التباني بعد الفراغ عن أنّ القسم الرابع يرجع إلى القسم الثاني.

وفيه خلاف ،و القائلون بلزوم الوفاء به ذكروا لذلك وجوها :

الأوّل : هو أنّ التباني قبل العقد على التزام أحد المتعاقدين أو كلاهما على أمر ـ  وإن لم يذكروا في متن العقد ـ حاله حال الشروط الضمنيّة ، كلزوم تسليم كلّ واحد منهما الذي جعله في العقد عوضا إلى الآخر ، وككون الثمن من نقد البلد وأمثالهما.

وذلك من جهة أنّ الشروط الضمنيّة بواسطة تعاهدها عند العرف والعادة صارت مدلولا التزاميّا للعقد وإن لم يذكر في متنه ، بل وإن كان العاقد غافلا عنها غير ملتفت إليها. ومعلوم أنّ دلالة الالتزام معتبرة في باب الإنشاءات كالدلالة المطابقة ، لأنّها أيضا إحدى طرق الإفادة والاستفادة في محاوراتهم.

فكذلك التباني لأجل هذه العلّة بعينها ، لأنّهم إذا تبانوا قبل العقد على التزام أحدهما أو كليهما على أمر ، ثمَّ وقع العقد مبنيّا على ذلك التباني ، يكون ذلك الالتزام أو الالتزامين مدلولا التزاميّا لذلك العقد ، فيكون حاله حال الشروط الضمنيّة ويجب الوفاء به.

وفيه : أنّ المدلول الالتزامي لكلام لا بدّ وأن يكون من اللوازم العقليّة أو العرفيّة لذلك الكلام كي يدلّ ذلك الكلام عليه بالدلالة الالتزاميّة ، كما أنّ قوله : بعتك هذه الدار بألف دينار ، يدلّ بالدلالة المطابقة على مبادلة الدار بألف دينار ويدلّ بالالتزام على تسليم كلّ واحد منهما ما هو كان له إلى الذي انتقل إليه ، وتساوي العوضين من‌ حيث الماليّة ، وكون الدينار المذكور في العقد من قسم دينار البلد لا دينار مملكة أخرى.

كلّ هذه الثلاثة وما يماثلها من اللوازم العرفيّة لذلك الكلام ، أي لقوله : بعتك هذه الدار بألف دينار ، فيدلّ عليها بالدلالة الالتزاميّة لو كان إخبارا ، كما أنّه لو كان في مقام الإنشاء تكون منشآت بذلك العقد بالدلالة اللفظيّة الوضعيّة التي هي معتبرة في مقام الإنشاءات كاعتبارها في مقام الإخبار.

وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الأمر الأجنبي عن مدلول العقد ، كالالتزام بخياطة ثوب بائع الدار مثلا في خارج ، والتباني عليه لا يوجب صيرورته لازما عرفيّا لذلك الكلام ـ أي ذلك العقد ـ كي يكون العقد دالاّ عليه بالالتزام ، فقياس أحدهما على الآخر باطل.

وبعبارة أوضح : في الشروط الضمنيّة أيضا يكون إنشاء الشرط باللفظ ، غاية الأمر بالدلالة الالتزاميّة لا المطابقيّة ، وأمّا في باب التباني فليس إنشاء لفظي في البين ، بل ليس مطلق الإنشاء لا لفظيّا ولا غير لفظي ، بل صرف تبان خارجي ، ومثل هذا التباني لا دليل على وجوب الوفاء به.

الثاني : أنّ وقوع العقد مبنيّا على التواطي والتباني السابق عليه يوجب تقييده بما تبانيا وتواطيا عليه، فيجب الوفاء بذلك العقد المقيّد بما تبانيا عليه ، والوفاء بذلك العقد المقيّد لا يمكن إلاّ بالعمل على طبق ذلك التباني الذي هو المراد من الشرط هاهنا ، فيكون الشرط لازم الوفاء.

وفيه : أنّ وقوع العقد مبنيّا على تواطئهما قبله وإن كان يوجب تقييد الثمن أو المثمن في مقام اللبّ والالتزام النفسي ، ولكن بصرف هذا الأمر النفسي لا يكون مشمولا لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، أو لقوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم » ، بل لا بدّ من شمولهما له من بلوغه إلى مرتبة الإنشاء القولي أو الفعلي على وجه ، والمفروض فيما نحن فيه أنّ ما تبانيا عليه لم يقع في حيّز الإنشاء ، بل لا يكون إلاّ أمرا قلبيّا لا أثر له.

وأمّا دعوى انصراف العقد اللفظي ، أو انصراف لفظ الثمن أو المثمن المذكورين فيه إلى ذلك المقيّد ـ بواسطة التباني فتقع تلك الخصوصيّة التي يدّعي أنّ العقد صارت مقيدة بها تحت الإنشاء اللفظي ـ فمما لا وجه له أصلا ، لأنّ التقييد المعنوي من دون دليل عليه لا يوجب انصراف المطلق إلى ذلك الفرد الخاصّ المقيّد بذلك القيد المعنوي.

وأمّا سبق ذكر التباني بالمقاولة قبل العقد لا أثر له في ظهور ألفاظ العقد أو مجموع جملته ، ولذلك ذهب المشهور إلى عدم لزوم الوفاء بشروط التباني ، أي ما تواطيا عليه قبل العقد ، بل عن صاحب الرياض نقل الإجماع على عدم لزوم الوفاء بها ، وحكاه أيضا عن بعض الأجلّة.

وأمّا ما أورده شيخنا الأستاذ على هذا الوجه ، بأنّ القول بالانصراف إلى عقد خاصّ ـ أي المقيّد ـ يوجب بطلان العقد عنه تخلّفه أو تعذّره ، مع أنّ بناءهم في باب تخلّف الشروط أو تعذّرها أنّهما يوجبان الخيار لا البطلان. ففيه : أنّ الانصراف بواسطة التباني قبل العقد ليس أمره أعظم من التصريح في اللفظ ، حتّى فيما إذا كان تبانيهما على وجود وصف في أحد العوضين أو في كليهما ، مثلا تبانيهما على كون الجارية المبيعة طبّاخة ، أو العبد المبيع كاتبا ـ على فرض أنّه كان كالتصريح بذلك في مقام الإنشاء ـ لا يوجب تخلّفه أو تعذّره بطلان العقد ، بل بناؤهم على أنّ تخلّف الوصف أو تعذّره لا يوجب إلاّ الخيار.

والسرّ في ذلك أنّ هناك التزامان : أحدهما : هو الالتزام بنفس المبادلة بين العوضين. والثاني : هو التزامه بأن يكون أحد العوضين أو كلاهما كذا وكذا. والالتزام الثاني مربوط بالالتزام الأوّل ، فلو لم يعمل بالالتزام الثاني يكون ذاك موجبا للخيار ، لأنّ الالتزام الأوّل كان مشروطا بالالتزام الثاني ، فلا يجب الوفاء به إلاّ في ظرف‌ العمل بالالتزام الثاني ، فإذا تخلّف أو تعذّر فلا يجب الوفاء كي يكون لازما ، بل هو مخيّر بين أن يعمل بالتزامه العقدي ـ والمبادلة التي وقعت ـ وأن لا يعمل. وهذا معنى الخيار.

وبعبارة أخرى : وجوب الوفاء الذي هو منشأ اعتبار اللزوم موضوعه العقد المشروط ، أو العوض والمعوّض الموصوف بكذا ، فعند تخلّف الشرط أو الوصف لا يشمله دليل وجوب الوفاء ، فيكون مخيّرا. وهذا هو الخيار ، ولا وجه لبطلان العقد.

الثالث : أنّ التراضي وقع بين العوضين مبنيّا على العمل بالشرط المذكور قبل العقد الذي تواطيا عليه ، فبدون العمل بذلك الشرط يكون أكلا للمال بالباطل ، فيجب العمل على طبق تبانيهما وتواطئهما ، ويلزم الوفاء به لكي لا يكون أكلا للمال بالباطل.

وفيه أوّلا : لو صحّ هذا الكلام فمقتضاه بطلان العقد ؛ لأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.

وثانيا : هو أنّ الرضا المعاملي غير الرضا بمعنى طيب النفس ، ففي بيع المضطرّ ليس طيب النفس مع أنّه صحيح ، فالمراد من قوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] هو أن لا تكون المبادلة بين العوضين بإكراه أو إجبار ، وفيما نحن فيه لا شكّ أنّه لا إكراه ولا إجبار ، والمبادلة بين المالين وقعت برضاء منهما ، غاية الأمر حيث كان الالتزام بهذه المبادلة مبنيّا على ما تبانيا عليه ، فإذا لم يعمل الطرف بما تبانيا عليه ، فدليل وجوب الوفاء لا يشمله ، لأنّ موضوعه المبادلة المشروط ، فيكون له الخيار ، لا أن يكون أصل المبادلة باطل ، لأنّها وقعت باختيارهما ، والالتزام ـ بأن يقف عند هذه المبادلة ولا يحلّ ما عقد عليه ـ مشروط بوجود هذا الشرط أو هذا الوصف ، فإذا تخلّف أو تعذّر الشرط أو الوصف فلا ملزم له بالوقوف عند هذه المبادلة ، بل له حلّه وفسخه. وهذا معنى الخيار.

وقد عرفت ممّا ذكرنا عدم صحّة ما أفاده شيخنا الأعظم (43) ـ في آخر هذا الأمر أنّ الشرط من أركان العقد ، بل جزء للثمن أو المثمن ، فلا بدّ من ذكره وإلاّ كان العقد باطلا ـ وأنّ العقد صحيح ، ذكر الشرط أو لم يذكر ، عمل به أو لم يعمل ، تعذّر أو لم يتعذر. نعم في صورة تخلّف الشرط أو تعذّره يرتفع اللزوم ، لأنّ العقد باطل. وهذا هو ما ذهب إليه المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع.

[ الشرط ] التاسع : ربما يقال إنّه من شرائط صحّة الشروط التنجيز. والكلام في اعتبار هذا الشرط في صحّة الشروط تارة : باعتبار نفس الشرط ، وأنّه هل يعتبر في نفس الشرط ـ مع قطع النظر عن العقد ـ التنجيز ، كما أنّه معتبر في نفس العقد ، وأنّ التعليق مبطل ، أم لا؟ وأخرى : باعتبار سارية التعليق إلى العقد ، فيكون العقد باطلا ، فالشرط يبطل بالتبع.

أمّا باعتبار الأوّل ، فتارة المراد من التعليق تعليق الإنشاء ، وأخرى تعليق المنشأ.

أمّا الأوّل ، أي تعليق الإنشاء ، أي كون الجعل والإيجاد معلّقا على أمر ، فهذا غير معقول ، بمعنى تحقّق الإنشاء والإيجاد والجعل معلّقا على أمر غير ممكن ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإنشاء والجعل تكوينيّا أو كان تشريعيّا.

وبعبارة أخرى : الجعل لا ينفكّ عن المجهول ، والإيجاد عن الوجود ، فبهذا المعنى لا يمكن لا تعليق العقد ولا الشرط ولا غيرهما من الإنشاءات ، والإنشاء في التشريعيّات أيضا أمره دائر بين الوجود والعدم ، فكونه موجودا ومعلّقا غير ممكن.

وأمّا الثاني : ـ أي تعليق المنشأ ـ فهو في التكوينيّات كالإنشاء أيضا غير ممكن ، لأنّ المنشأ التكويني أيضا أمره دائر بين الوجود والعدم ، ولا معنى لأن يكون معلّقا على أمر. وأمّا في الأمور الاعتباريّة والتشريعيّة كالأحكام الشرعيّة مطلقا ، تكليفية كانت أم وضعيّة فالتعليق فيها ممكن ، ففي الجعالة يمكن جعل ملكيّة حمل بعير من‌ الطعام لمن جاء بصواع الملك ، كما يشير إليه قوله تعالى {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] والمنشأ والمجعول تشريعا حمل بعير معلقا على مجيئه بصواع الملك ، ولا يلزم تفكيك الإنشاء عن المنشإ ، لأنّ المنشأ وهي الملكيّة لحمل بعير يوجد في عالم الاعتبار والتشريع حال الإنشاء ، ولم يتأخّر منه آن من الآنات.

وهذا المعنى في الأمور التكوينيّة غير ممكن ، لأنّ الأمور التكوينيّة إن وجدت يكون وجودها بتّية ولا يقبل التعليق ، بخلاف الاعتباريّات فإنّ اعتبار أمر معلّقا على وجود أمر آخر لا مانع منه ، فيعتبر وجوب الحجّ على تقدير الاستطاعة ، فيجوز اعتبار نجاسة ماء العنب على تقدير الغليان من قبل أن يخلق الكرم ، فضلا عن كونه قبل وجود الغليان ، وأمّا مسكريّته فلا يمكن إيجادها في الخارج على تقدير الغليان قبل وجود الغليان.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ المنشئات في باب العقود والإيقاعات حيث أنّها أمور اعتباريّة فلا مانع من تعليقها عقلا ، ولكن انعقد الإجماع على عدم جواز التعليق في منشآت العقود ، فالشرط أيضا حيث أنّه من هذه الجهة مثل العقود عبارة عن إنشاء الالتزام بأمر على نفسه لطرفه ، والمنشأ بهذا الإنشاء هو نفس الالتزام بذلك الأمر ، فلا مانع من أن يكون ذلك الأمر الذي التزم به معلّقا على أمر آخر ، مثلا لو التزم في ضمن عقد لازم أن يطبخ له ولكن معلّقا على نزول ضيف عليه ، أو التزم بأن يخيط له ثوبا معلّقا على تزويجه ، وهكذا في سائر الموارد لا يلزم منه ـ أي من تعليق الشرط ـ محذور عقلا أصلا.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ تعليق الشرط وعدم تنجيزه ـ بمعنى تعليق ما التزم به ـ لا محذور فيه عقلا أصلا ، مثل تعليق المنشأ في باب العقود ، ولكن الفرق بين الشروط والعقود هو أنّ في باب العقود وإن لم يكن محذور عقلا في تعليق منشآتها إلاّ أنّه ممنوع‌ شرعا ، للإجماع. وأمّا في باب الشروط فلا إجماع ولا محذور شرعا في البين في تعليقها.

وأمّا الثاني ، أي : تعليق الشرط هل يسري إلى العقد كي يكون باطلا فيكون الشرط باطلا بالتبع ، أم لا؟

أقول : إنّ تعليق الأمر الذي التزم به ، كخياطة الثوب مثلا في المثال المذكور لا ربط له بتعليق العقد ، فلو قال : بعتك هذه الدار على أن تخيط ثيابي إن تزوّجت ، يكون بيع الدار منجّزا على كلّ حال ، غاية الأمر إنّ المشروط عليه ملزم بخياطة ثياب البائع على تقدير زواجه.

وأمّا إن لم يتزوّج المشتري ، فالدار له ولا شي‌ء عليه. وهذا واضح جدّا. فظهر أنّ تعليق الشرط لا يضرّ بصحّته.

خاتمة

في بيان أحكام الشروط الصحيحة‌ :

أقول : الشروط الصحيحة التي هي الآن محلّ الكلام على ثلاثة أقسام :

شرط الصفة .

وشرط الغاية .

وشرط الفعل .

فالأوّل : عبارة : عن اشتراط وجود صفة في المبيع الشخصي ، أو في متعلّق عقد آخر غير البيع. وأمّا اشتراط إيجاد صفة في ما تعلّق العقد به فهو راجع إلى شرط الفعل.

وحكم هذا القسم هو أنّه مع فقد ذلك الوصف يكون الخيار للمشروط له ، فلو باع حيوانا على حامل فلم يكن كذلك ، فيكون الخيار للمشتري ، وذلك من جهة أنّه يلتزم بهذه المعاملة والمبادلة فيما إذا كان المبيع متّصفا بهذه الصفة ، فإذا لم يكن فلا التزام له بالفاقد لهذه الصفة مستقلاّ.

إن قلت : فبناء على هذا تكون المعاملة باطلة ، لا أنّه له الخيار فقط لم قلت من عدم تعهّده والتزامه بالمبادلة مع فاقد الوصف.

قلت : إنّ المعاملة وقعت بين الذاتين ، غاية الأمر أنّ التزامه بهذه المبادلة بين المالين مبنيّ على اتّصاف أحدهما أو كليهما بتلك الصفة ، فالمشروط عليه ملتزم بأن يكون ما التزم بمبادلته مع عوضه المذكور في العقد متّصفا بصفة كذا.

وأمّا الشارط فحيث كان التزامه بالمبادلة مشروطا بوجود صفة كذا في متعلّق العقد ، فإن لم يكن فلا التزام له ، لا أنّه لا مبادلة في البين ، فأصل المبادلة بين المالين‌ متحقّق على كل حال.

نعم لو كان الوصف المفقود عنوان ذلك العوض وصورته النوعيّة ، ولو كان كذلك عند العرف لا ما هو منوّع عقلا ، فأصل المعاملة لا تتحقّق وتكون باطلة ، وذلك لأنّ المبادلة وقعت بين هذا العنوان والعوض الآخر ، فالفاقد لذلك العنوان ليس ما وقع عليه العقد ، فيصدق عليه أنّ ما قصد لم يقع.

مثلا لو قال : بعتك هذا الفرس ، وكان حمارا ، فهذا البيع باطل ، لأنّ ما وقع عليه عقد البيع هو عنوان الفرس ، والحمار مخالف معه في النوع وليس ذلك العنوان حقيقة. وكذلك لو قال : بعتك هذه الجارية الروميّة ، وكانت حبشيّة. واختلاف كونها روميّة وحبشيّة وإن لم يكن اختلافا نوعيّا عقلا ، ولكن عند العرف هما نوعان وحقيقتان ، فيكون البيع باطلا ، لأنّ ما وقع عليه البيع هي الجارية الروميّة ، وما في الخارج حقيقة أخرى.

وليس هذا من قبيل تعارض العنوان مع الإشارة ، كما قالوا في باب صلاة الجماعة : إنّه إذا اقتدى بهذا الحاضر على أنّه زيد فكان عمروا من صحّة الاقتداء إذا كان عمرو عادلا أيضا ، لأنّ المأموم هناك يقصد الاقتداء بهذا الشخص الحاضر ، غاية الأمر أنّه يخطأ في تطبيقه على زيد.

وأمّا فيما نحن فيه فلا يقع البيع على هذا الشخص بعنوان أنّه هذا الشخص الموجود ، بل يكون عنوان المبيع هو كونها جارية روميّة ، أو الفرس مثلا ، فإذا ظهر أنّها حبشيّة أو أنّه حمار ، فتختلف عنوان المبيع وظهر أنّه عنوان آخر ، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.

وبعبارة أوضح : المبادلة وقعت في موارد تخلّف العنوان بين العنوان المفقود الذي هو المقصود وبين الثمن. وأمّا العنوان الموجود فلم يقع طرفا للمبادلة ، ولذلك لا يصحّ البيع.

وأمّا إذا كان تخلّف الوصف مع بقاء عنوان المبيع ، فما هو طرف المبادلة موجود. نعم الالتزام بالوقوف والثبوت عند هذه المبادلة كان مشروطا بشرط كذا في مسألة تخلّف الشرط ، وعند وجود صفة كذا في مسألة تخلف الوصف ، فإذا تخلّف الشرط أو الوصف المذكوران في متن العقد ، فالمبادلة وإن حصلت ولكن الالتزام بالوقوف والثبوت عند تلك المبادلة يكون بلا موضوع ، لأنّ موضوعه كانت المبادلة الكذائيّة ولم تحصل على الفرض ، فلا تشمله أدلّة وجوب الوفاء بهذه المبادلة ، فمخيّر بين أن يفي بتلك المبادلة وأن لا يفي. وهذا هو معنى خياره في باب تخلّف الشرط والوصف.

لكن لازم هذا الكلام أنّ معنى الخيار في المقام هو عدم الدليل على اللزوم ، لا أنّه حقّ مجعول من طرف الشارع أو من طرف المتعاقدين.

إن قلت : إنّ ما ذكرت في باب تخلّف الشرط صحيح ، ولكن في باب تخلّف الوصف حيث أنّ المبادلة وقعت بين ذات المقيّد بالوصف ، فعند تخلّف الوصف لا مبادلة في البين ، لأنّ الذات العارية عن القيد غير المقيّدة به.

قلت : إنّ العرف يرى أنّ المبادلة وقعت بين ذات الموصوف ـ أي :

هذه العين الخارجيّة ـ مع العوض الآخر ، غاية الأمر أنّه التزم أن تكون متّصفة بصفة كذا. وبعبارة أوضح : إن قال : بعتك هذا العبد الكاتب بكذا ، بادل هذا العبد الشخصي الخارجي بعوض كذا ، سواء أكان كاتبا أو لم يكن ، لأنّ العين الموجودة في الخارج لا تتغيّر عمّا هي عليه بوجود الوصف وعدمه.

نعم من ظاهر العبارة يستفاد أنّه التزم بأن يكون هذا العبد الذي نقله إلى المشتري كاتبا ، والمشتري أيضا يقبل على هذا الأساس ، ولكنّه لا شكّ في أنّه يقبل انتقال هذا العبد الشخصي إليه ، فينحلّ قبوله إلى أمرين :

أحدهما انتقال هذا العبد الخارجي إليه بعوض معين ، ثانيهما أنّ قبوله لهذه المبادلة حيث أنّه كان في ظرف اتّصاف المبيع بهذه الصفة المذكورة في متن العقد ، فإذا لم يكن كذلك فهو ليس ملزما‌ بقبول الفاقد للوصف المذكور ، بل له الخيار في أن يقبل المبادلة الفاقدة لهذه الصفة وأن لا يقبل ، فالخيار هاهنا ليس حقّا مجعولا من قبل الشارع ، بل من باب عدم ملزم له على الوقوف والثبوت عند هذه المعاملة.

وأمّا القسم الثاني، أي شرط الغاية ، وقد يسمّى بشرط النتيجة ، أي ما هي نتيجة العقود والإيقاعات وما يحصل بها. وذلك كاشتراط كون شي‌ء ملكا لأحد المتعاقدين ، أو اشتراط كون عبد أحدهما حرّا ، أو اشتراط كون زوجه أحدهما مطلّقة ، فإنّ هذه الأمور ـ وما يشبهها ـ له أسباب خاصّة من طرف العرف والعقلاء أمضاها الشارع أو أحدثها ، كما أنّه لا يبعد أن يكون في الطلاق كذلك ، فالكلام في أنّه هل هذه الأمور كما أنّها تحصل بأسبابها الخاصّة المذكورة في أبواب الفقه تحصل بالشرط، أم لا؟

والتحقيق أنّها ليست على نمط واحد ، بل بعضها لا يحصل إلاّ بأسبابها الخاصّة كالطلاق ، فإنّه لا يحصل بصرف الشرط ، فلو قالت المرأة : زوّجتك نفسي بشرط أن تكون زوجتك التي تكون تحتك مطلّقة ، فلا يحصل الطلاق ، وذلك لأنّ الشارع جعل للطلاق أسبابا خاصّة.

وقد يقال في مطلق الإيقاعات : أنّها كذلك ، أي أنّ لها أسباب خاصّة لا تحصل النتائج بغيرها ، فلو قال : بعتك هذه الدار بكذا بشرط أن يكون عبدك الفلاني حرّا ، لا يحصل العتق ، وعلى كلّ حال تحقيق هذه المسألة وأنّ النتيجة الفلانيّة هل لها سبب خاصّ ، أو يحصل بأيّ سبب كان؟ لا بدّ من المراجعة إلى دليل تلك المعاملة من العقد أو الإيقاع الذي يترتّب عليه تلك النتيجة، وبعضها يحصل بأيّ سبب كان ، وبعضها يشكّ في أنّه من أيّ واحد من القسمين ، أي : هل له سبب خاصّ لا يحصل بغيره ، أم لا؟

وعمدة الكلام في هذا القسم ، وإلاّ فذانك القسمان حكمهما معلوم ، أي يكون شرط الغاية فيما إذا كانت الغاية لا تحصل إلاّ بأسبابها الخاصة باطل لا أثر له ، وفيما إذا‌ ليس لها أسباب خاصّة ، بل يحصل بكلّ سبب يكون سببا عند العرف ، أو بكلّ ما يدلّ على التزامه بحصول تلك الغاية ، فيكون الشرط مؤثّرا وصحيحا.

وقد تمسّك شيخنا الأعظم في هذا القسم لتأثير الشرط وحصول النتيجة بعموم « المؤمنون عند شروطهم » بل بعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، بناء على كون الشرط جزءا للعقد ، ولكن بعد تنقيح الموضوع بأصالة عدم مخالفة هذا الشرط مثلا للكتاب ، كي لا يكون من التمسّك بعموم العامّ في الشبهة المصداقيّة.

وقد عرفت أنّ هذا الأصل من العدم النعتي الذي لا يجري فيه استصحاب العدم لترتيب آثار ذلك العدم ، أي العدم النعتي عليه، لعدم الحالة السابقة للعدم الذي هو نعت ، والعدم المحمولي ـ أي عدم وجود الشرط المخالف أزلا ـ وإن كان له الحالة السابقة ، إذ كلّ حادث مسبوق بالعدم المحمولي ، إلاّ أنّه لا أثر له ، لأنّ الأثر يترتّب على عدم كون هذا الشرط الموجود المشكوك المخالفة مخالفا ، لا على عدم وجود الشرط المخالف بمفاد ليس التامّة ، وإثبات الأوّل ـ أي عدم كون الشرط الموجود مخالفا ـ بالثاني ـ أي بعدم وجود الشرط المخالف ـ مثبت.

والعجب من شيخنا الأعظم ـ مع أنّه هو الذي أسّس تنبيها في تنبيهات الاستصحاب لعدم جريان هذا الأصل أي : أصالة عدم النعتي ـ قال هاهنا بجريان هذا الأصل (44).

ولذلك وجّه شيخنا الأستاذ كلامه بأنّ مراده أنّ التمسّك بعموم « المؤمنون عند شروطهم » ، وكذلك {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ليس من التمسّك بعموم العامّ في الشبهة المصداقيّة كي يحتاج إلى الأصل المنقّح للموضوع.

وحاصل ما أفاده في هذا المقام ـ باختصار وتوضيح منّا ـ هو أنّ عدم حصول‌ هذه الغايات بالشرط إمّا لتصرّف الشارع في ناحية أسبابها ، وإمّا في ناحية نفس المسبّبات.

والمراد من الأوّل أنّه جعل شيئا سببا لحصول هذه الغاية ، ونفي السببيّة عن شي‌ء آخر ، مثل الطلاق حيث جعل كلمة « أنت» أو « هي طالق » مع وجود سائر الشرائط المقرّرة سببا ، ونفي السببيّة عن سائر الألفاظ التي كانت سببا للطلاق عندهم، كقولهم : ظهرك كظهر أمّي ، وأمثال ذلك.

والمراد بالثاني : هو جعل المسبّب غير قابل الحصول في حال أو بالنسبة إلى شخص ، وذلك كطلاق الحائض في حال الحيض ، أو في طهر المواقعة ، أو بيع المصحف من الكافر ، وأمثال ما ذكر ، وعلى كلّ واحد من التقديرين ليس الشكّ شكّا في مصداق المخالف للكتاب كي يكون الشكّ من الشكّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص ، فلا يجوز التمسّك بعموم العامّ لرفع حكم الشكّ موضوعا.

بيان ذلك : أنّ الشكّ في مصداق المخصّص ـ بعد الفراغ عن معرفة المخصّص مفهوما ـ إمّا بالظهور العرفي أو النصوصيّة ، ثمَّ يشكّ في أنّه هل هذا الفرد الموجود مصداق لذلك المفهوم المعيّن المعلوم ، أم لا؟ لجهات خارجيّة ، كما إذا علمنا أنّ مطلق مرتكب الذنب ـ صغيرة كانت أم كبيرة ـ فاسق ، ولكن شكّ في أنّه صدر عنه صغيرة ، أم لا؟

وأمّا إذا لم يعلم أنّ مرتكب الصغيرة فاسق شرعا أم لا؟ وارتكب صغيرة قطعا ، فهذا الشكّ ليس شكّا في المصداق ، ويجوز التمسّك بعموم العامّ.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، ومرجع الشكّ فيما نحن فيه إلى أنّ الشارع هل حكم بسببيّة كذا ، أو بنفي سببيّة كذا لحصول هذه الغاية أم لا؟ وهل حكم بعدم قابلية وجود هذه الغاية في هذه الحال؟ كحصول الطلاق في حال الحيض أو في طهر المواقعة ، فتكون الشبهة حكميّة ، ويجوز التمسّك بعموم « المؤمنون عند شروطهم » ، بل بـ ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، ولا يحتاج إلى‌ أصالة عدم المخالفة ، بل لا تصل النوبة إليها. هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ .

ولكن ظاهر كلام شيخنا الأعظم هو التمسّك بأصالة عدم المخالفة لا العمومات ابتداء ، بل الرجوع إليها بعد تنقيح موضوع العامّ بأصالة عدم المخالفة ، وهذه عبارته : فإن لم يحصل له ـ أي التمييز بين أنّ هذا الحكم الذي يريد أن يشترط في خلافه ممّا يجوز أن يتغيّر بالاشتراط أو لا ـ بنى على أصالة عدم المخالفة ، فيرجع إلى عموم « المؤمنون عند شروطهم ». انتهى محلّ الحاجة من كلامه ، زيد في علوّ مقامه.

فانظر إلى هذه العبارة ، فإنّه كالصريح في أنّ الشبهة مصداقيّة ، ولكن بواسطة جريان الأصل الموضوعي ـ وهو أصالة عدم مخالفة هذا الشرط المشكوك للكتاب والسنة ـ ينقّح موضوع العام ، فيتمسّك به.

فإن قلنا بعدم صحّة جريان هذا الأصل ـ كما هو المختار ـ لا يبقى مجال للتمسّك بهذا الأصل لإثبات موضوع العامّ ، ويرد الإشكال عليه.

وما ذكره شيخنا الأستاذ وإن كان صحيحا ومتينا في حدّ نفسه ، ولكن لا يلائم مع عبارة شيخنا الأعظم وإن كانت عبارته الأخيرة ربما يشعر بما ذكره شيخنا الأستاذ ، حيث يقول : ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط ، انتهى.

فبناء على هذه العبارة الأخيرة تكون الشبهة حكميّة ، فيكون المرجع العمومات وإطلاقات أدلّة وجوب الوفاء بالشرط ، بل بالعقد.

وأمّا القسم الثالث ، أي شرط الفعل‌.

والمراد به أن يتعلّق الشرط بفعل اختياري مقدور للمكلّف ، يكون سائغا ، ويكون فيه غرض معتدّ به عند العقلاء ، ولا يكون مخالفا للكتاب والسنّة ، ولا يكون مخالفا لمقتضى العقد ، وأن لا يكون منافيا لبعض الآثار التي جعلها الشارع للمنشإ بالعقد ، وأن لا يكون مجهولا ، وأن يلتزم به في متن العقد.

ففيه أمور :

الأوّل : إذا كان الفعل المشروط جامعا لهذه الشروط الثمانية ، فهل يجب على المشروط عليه الوفاء بذلك الشرط ، أم لا؟ بل مخيّر بين أن يأتي بالشرط ويفي بالتزامه ، وبين أن لا يأتي به ولا يستحقّ العقاب على ترك العمل بالشرط ، غاية الأمر أنّه مع عدم العمل به يكون للمشروط له الخيار.

المشهور بين الأصحاب هو الأوّل ، بل ادّعى عليه في التذكرة الإجماع (45) ، وهو الأقوى ، وذلك أوّلا لقوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم » بناء على أن يكون الظرف متعلّقا بأفعال العموم ، فيكون التقدير : المؤمنون يثبتون ويقفون عند شروطهم ، فيكون كناية عن أنّهم يعملون بها ولا يتردّدون في ترتيب الأثر عليها ، فضلا عن عدم الاعتناء وترك العمل بها.

وحيث أنّ الظاهر في القضايا الصادرة عند الشارع ـ وإن كانت بصورة الجملة الخبريّة ـ هو أنّه في مقام بيان الحكم الشرعي، وغالبا ينشأ طلب وقوع الشي‌ء بصورة الإخبار عن وقوعه في الماضي أو المستقبل ، كقوله في الصلاة مثلا « أعاد » أو « يعيد ».

فيكون معنى قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » ـ بناء على ذلك التقدير ـ أنّ المؤمنين والمسلمين يجب عليهم الثبوت والوقوف عند شروطهم والتزاماتهم ، أي يجب عليهم العمل على طبق التزاماتهم ، خصوصا بملاحظة استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام بهذه القضيّة لوجوب الوفاء بما شرط لامرأته في رواية إسحاق بن عمّار التي تقدّم ذكرها في صدر هذه القاعدة ، وكذلك استشهاد أبي الحسن موسى عليه السلام في موثّقة منصور بن‌ يونس التي أيضا تقدّمت في أوّل هذه القاعدة.

وثانيا : قوله عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار المتقدّمة « من شرط لامرأته شرطا فليف لها به » فقوله عليه السلام « فليف لها به » أمر ، والأمر ظاهر في الوجوب.

وما أحسن ما أفاده شيخنا الأستاذ في هذا المقام ، وهو أنّ وجوب الوفاء بالشرط تكليفا لم ينكره أحد ، وإنّما الخلاف والبحث في أمر آخر ، وهو أنّه هل الشرط يوجب وثبت حقّا للمشروط له على المشروط عليه كي يكون وجوب الوفاء من آثار ذلك الحقّ ، أم لا يوجب ذلك ، بل أثر الشرط وفائدته قلب العقد اللازم جائزا ، وذلك لإناطة اللزوم بالوفاء بالشرط ، وإيجاد الفعل الملتزم به ، فإن لم يف به فلا لزوم ، وهذا الأخير هو الذي ذهب إليه الشهيد .

ومن آثار إثبات الشرط وإيجابه حقّا على المشروط عليه ، هو جواز إجباره على العمل بالشرط ، فهو كسائر الحقوق يكون لمن له الحقّ ، سلطنة على من عليه الحقّ ، وله إجباره على أداء حقّه.

ومن آثار كونه موجبا لحدوث حقّ للمشروط له على المشروط عليه أنّه قابل للإسقاط ، فلو أسقط المشروط له لا يبقى وجوب الوفاء على المشروط عليه قطعا.

وهذا ممّا يدلّ دلالة قطعيّة على أنّ وجوب الوفاء ليس حكما تكليفيا محضا في عرض وجوب الوفاء بالعقد ، وإلاّ لو كان كذلك لما كان قابلا للإسقاط.

فهذا هو الفرق الجلي بين الحقّ والحكم ، وتكون القابليّة للإسقاط خاصّة شاملة للحقّ ، ولذلك عرف به.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ هذه المسألة ذات قولين :

أحدهما : أنّ الشرط لا يوجب إلاّ تزلزل العقد وجعله معرضا للزوال ، وذلك من جهة إناطة اللزوم بحصول الشرط ، أي ما التزم به ، فإذا لم يحصل فلا لزوم ، فيكون مخيّرا بين الرضا بفاقد الشرط وبين عدمه ، فلا موجب للإجبار.

اللهمّ إلاّ أن يقال بجواز الإجبار أو وجوبه من باب الأمر بالمعروف ، بناء على استفادة وجوب الوفاء تكليفا ممّا ذكرنا من الأدلّة ، وإن لم نقل بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ على المشروط عليه.

ولكن يرد عليه أوّلا : أنّ وجوب الإجبار بناء على هذا وظيفة جميع المسلمين ، ولا اختصاص له بالمشروط له.

وثانيا : لو كان وجوب الوفاء بهذا المعنى ، وكان حكما تكليفيّا في عرض وجوب أداء مال الغير ومثله ، فليس قابلا للإسقاط ، مع أنّ للمشروط له إسقاط هذا الحقّ إجماعا.

ثانيهما : أنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له على المشروط عليه ، ومن آثاره جواز إجبار المشروط عليه على الوفاء إذا امتنع ، وجواز إسقاطه. وأمّا في مقام الإثبات ، فمن الإجماع على صحّة إسقاطه يستكشف أنّه حقّ مالكي للمشروط له على المشروط عليه.

وأيضا ظهر ممّا ذكرنا في بيان المراد من كلام الشهيد ـ أنّه أراد أنّ الشرط لا يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له ، وإنّما يوجب تزلزل العقد فقط لإناطة اللزوم بحصول الشرط ـ أنّ المخالف ليس منحصرا بالشهيد بل العلاّمة ، والشيخ في المبسوط (46) أيضا حيث قالا بعدم جواز الإجبار ، فلا بدّ وأن يكون نظرهما إلى عدم حدوث حقّ مالكي بالشرط للمشروط له على المشروط عليه ، واختيارهما مقالة الشهيد من أنّ فائدة الشرط وثمرته تزلزل العقد وعدم لزومه ، لا حدوث حقّ‌ للمشروط له، لأنّ حدوث الحقّ مع عدم جواز الإجبار متنافيان ، إذ كلّ ذي حقّ له السلطنة على استيفاء حقّه ولو كان بالقهر والإجبار.

الثاني : في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التمكّن من الإجبار ، أم لا؟

فيه قولان : ذهب إلى الأوّل في التذكرة (47) وجامع المقاصد (48) ، وإلى الثاني في الروضة (49).

والأقوى هو الأوّل ، من جهة أنّ حقّ الخيار موضوعه تخلّف المشروط عليه عن إيجاده ، لا عدم إمكان وجوده ولو بإجباره ، فإن لم يفعل باختياره فيتحقّق موضوع الخيار ، ويوجد هذا الحقّ للمشروط له.

والسرّ في ذلك ما ذكرنا سابقا : أنّ مرجع هذا الخيار ـ أي خيار تخلّف الشرط ـ هو أنّ التزام المشروط له بهذه المعاملة في ظرف إيجاد المشروط عليه ما التزم به ، فإن لم يوجده فلا التزام من طرف الشارط ، فيكون مخيّرا بين الفسخ وإنفاذ المعاملة. ولا ينافي وجود هذا الحقّ مع وجود حقّ آخر له ، وهو حقّ إجباره للمشروط عليه بواسطة الاشتراط.

وذلك من جهة أنّ الاشتراط جعله مالكا على المشروط عليه أن يوجد هذا الشرط ، وليس مفاد الشرط صرف الوجوب التكليفي فقط ، كما تقدّم في الأمر الأوّل ، وقلنا : إنّ نتيجة الاشتراط هو حدوث حقّ للمشروط له على المشروط عليه ، وقلنا : إنّ الدليل على أنّه حقّ لا صرف تكليف جواز إسقاطه ، فللشارط كلا الحقّين في عرض واحد : حقّ الفسخ لتخلّف الشرط ، وحقّ الإجبار لأجل الاشتراط ، فيتخيّر بين الفسخ وإجبار المشروط عليه على إيجاد ما التزم.

وأمّا ادّعاء أنّ اجتماع هذين الحقّين ممّا لا يمكن ، فمما لا وجه له ، إلاّ بناء على أن يكون موضوع الخيار عدم إمكان وجود الشرط ، ولو بالقهر والإجبار. وهذا قول بلا بيّنة ولا برهان.

والذي ذكرنا ـ من أنّ موضوع الخيار هو عدم وفاء المشروط عليه بالشرط وإن كان من الممكن إجباره ـ يكون بناء على أن يكون منشأ الخيار عدم التزام الشارط بالوفاء بالعقد في ظرف عدم الوفاء بالشرط من طرف المشروط عليه ، كما تقدّم شرحه وسيأتي تحقيقه في الأمر الثالث.

وأمّا بناء على أن يكون مدركه الإجماع ، أو قاعدة نفي الضرر ـ كما قالوا ـ فالقدر المتيقّن من تحقّق الإجماع ، هو فيما إذا كان الشرط متعذّر الوجود ولو بالقهر والإجبار. وكذلك لو كان مدركه قاعدة نفي الضرر ، بناء على ما هو التحقيق عندنا من أنّ المرفوع هو الحكم الذي يكون ضرريّا ، فاللزوم الذي هو حكم وضعي ليس مطلقا ضرريّا حتّى مع إمكان إجبار المشروط عليه على الوفاء بالشرط ، فبناء على أن يكون مدرك الخيار أحد هذين لا يجتمع الحقّان معا وليسا عرضيّين ، بل حقّ الخيار في طول إمكان الإجبار.

لكنّك عرفت أنّ المدرك هو الذي ذكرنا ، ولا يكون هذين. وسنتكلّم فيه في الأمر الثالث الآتي إن شاء الله تعالى.

الثالث : لو تعذّر الشرط فللمشروط له الخيار فقط ، لا الأرش ، ولا فساد المعاملة.

أمّا صحّة المعاملة وعدم فسادها مع كون الخيار له ، فبعد الفراغ عن أنّ مورد البحث هي العين الخارجيّة لا الكلّي ، فنقول : إن قال : بعتك هذه الفرس على أن يكون كذا ، أو هذه الفرس المتّصفة بكذا بعشرين دينار مثلا ، فالمبادلة وقعت بين هذه العين وكذا مقدار من الدينار ، واشتراط كون هذه العين كذا ، أو اتّصافها بكذا لا يخرجها عمّا‌ هي عليه. نعم هو ـ أي المشروط عليه ـ التزم بأمر ، وهو كون العين كذا ، سواء كان بنحو الشرط أو بنحو التوصيف ، والمشروط له قبل هذه المبادلة.

ولكن تعهّده بالوقوف عند هذه المبادلة في صورة وجود هذا الشرط وهذه الصفة ، وإلاّ فنفس المبادلة بين العين والبدل الآخر وقعت وليس فيها قيد أو شرط ، وذلك لما قلنا أنّ العين الخارجيّة لا تتعدّد ولا تتغيّر عمّا هي عليه بواسطة هذا الاشتراط أو هذا التوصيف.

نعم لو كان مورد الشرط أو القيد هو الكلّي ، لكان المقيّد بقيد أو المشروط بشرط ـ الذي هو أيضا بمنزلة التقييد بل هو هو ـ غير ذلك الكلّي الفاقد لذلك القيد أو لذلك الشرط. وأمّا في العين الخارجيّة لا يتطرّق هذا الاحتمال.

فأصل المبادلة بين العين والبدل الآخر وقعت مع قبول الطرف الآخر ، وهذا كما في باب خيار العيب أيضا يكون الأمر كذلك، فإنّ المشتري مثلا اشترى هذه العين الشخصيّة ، ولكن يكون التزامه بالوقوف عند هذه المعاملة والوفاء بها في ما إذا لم يكن فيه عيب ، بل كان صحيحا وسالما ، ولا يكون خارجا عن مقتضى الخلقة الأصليّة بزيادة أو نقيصة عنه ، فإذا لم يكن كذلك فلا التزام له بالوقوف عندها والوفاء بها مع وقوع أصل المبادلة وحصول الرضا المعاملي بها ، فيكون مخيّرا بين الفسخ والالتزام بها.

وأمّا إذا كان ذات المقيد بقيد أو المشروط بشرط ـ الذي هو أحد العوضين ـ كلّيا ، فيجبر على إعطاء واجد القيد أو الواجد للشرط ، وإن كان متعذّر الوجود تكون المعاملة باطلة ، لعدم قدرته على التسليم.

فالفرق كثير بين أن يكون المبيع المقيّد بقيد أو المشروط بشرط كلّيا ، أو عينا شخصيّة ، فإنّه إن كان كلّيا وكان مقيّدا أو كان مشروطا ، فالمبيع في صورة وجود القيد والشرط وصورة عدم وجودهما مختلف ، فإذا تعذّر ـ أي القيد والشرط ـ فليس قادرا‌ على تسليم المبيع ، فيبطل البيع.

بخلاف ما إذا كان شخصا خارجيّا ، فإنّه ليس قابلا للتعدّد بواسطة وجود القيد والشرط وعدم وجودهما ، ففي صورة كون المبيع شخصا خارجيّا لا يمكن أن يقال : إنّ هذا الموجود الذي هو فاقد الوصف المذكور في العقد ، أو هو فاقد الشرط كذلك غير ما هو وقع العقد عليه.

وأمّا في صورة كون المبيع كلّيا وقيّد بقيد ، أو اشترط بشرط ، ففي صورة عدمهما يصحّ أن يقال : إنّ هذا الفاقد لم يقع عليه العقد ، فما قصد لم يقع مع أنّ العقود تابعة للقصود ، بل يمكن أن يقال : إنّ ما وقع ـ أي الفاقد القيد ـ غير مقصود.

نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة فيما إذا كان المبيع شخصا في صورة وجود هذين الأمرين ، أي الشرط والقيد ، فالتزامه بالوفاء معلّق ، لا المبادلة كي يكون من قبيل تعليق المنشأ فيكون باطلا إجماعا ، وإن كان ممكنا عقلا.

فالتحقيق : هو الفرق في باب تخلّف الوصف وتعذّره بين أن يكون الموصوف شخصا أو كليّا ، ففي الأوّل لا يوجب البطلان بل يوجب الخيار فقط ، وفي الثاني يوجب البطلان حسب القواعد الأوليّة.

هذا الذي ذكرنا كان بالنسبة إلى صحّة المعاملة وثبوت الخيار.

وأمّا الأرش بمعنى تدارك نقصان المبيع ـ كما قالوا به في باب خيار العيب من كون المشتري مخيّرا في بعض الصور بين الردّ وأخذ الأرش ، وفي بعضها الآخر يتعيّن أخذ الأرش وعدم جواز الردّ.

والتفصيل مذكور في محلّه ـ فحيث أنّه على خلاف القاعدة ، وثبوته هناك بواسطة الأخبار الواردة في ذلك الباب ، فلا يمكن التعدّي إلى هاهنا ، والقول به في المقام لقصور تلك الأدلّة عن شمولها لمحلّ الكلام.

وبعبارة أخرى : القول بثبوت الأرش في مورد كون المبيع معيبا ليس من جهة أنّ مقدارا من الثمن يكون مقابلا لوصف الصحّة ، أو مقابل ذلك العضو الذي فقد فيه ، فلا‌ يفسخ المعاملة ، ولكن يستردّ من الثمن ذلك المقدار الذي ليس بإزائه شي‌ء ، أو يغرمه بقيمة ذلك الوصف المفقود ، أو بمثله ، لكونه في ذمّته ، بل تمام الثمن وقع في هذا العقد مقابل هذه العين الموجودة بما لها من النقص ، غاية الأمر حيث أنّ البائع التزم أن تكون على صفة كذا ، أو بشرط كذا ، فالتزام المشتري وتعهّده بالوفاء بهذه المعاملة يكون في ظرف وجود تلك الصفة ، أو ذلك الشرط وإلاّ فبدون وجودهما ليس ملزم شرعي يلزمه بالوقوف والثبوت عندها ، فهو مخيّر بين أن يفي بها ، وبين حلّ هذا العقد ، فلا موضوع للأرش ، لأنّ المبادلة وقعت بين هذا الموجود بما فيه من الوصف أو الشرط المفقودين.

إن قلت : إنّ هذا الذي ذكرتم ربما يكون صحيحا في الوصف المفقود في المعاملة على العين الشخصيّة ، أو الشرط الذي يكون بنحو شرط النتيجة ، أي ما يكون في حكم الوصف المفقود. وأمّا لو كان الشرط من قبيل شرط الفعل الذي له ماليّة عند العرف ، فليس الأمر كذلك ، بل في نظر العرف والعقلاء يقع مقدار من الثمن المسمّى في العقد بإزاء ذلك العمل الذي صار متعلّقا للشرط.

قلنا : إنّ الشرط وإن كان من قبيل شرط الفعل الذي يكون له عند العرف ماليّة ، كخياطة الثوب الكذائي مثلا ، ولكن مع ذلك كلّه في المعاملة الشخصيّة التي تقع المعاملة بين الثمن مثلا مع العين الخارجيّة الموجودة ، يكون طرف المبادلة نفس تلك العين الخارجيّة ، فإذا قال مثلا : بعتك هذا الفرس الموجود على أن يكون كذا ، أو بشرط أن يكون كذا ، أو بشرط أن أعمل كذا ، أو تعمل لي كذا ، ففي جميع هذه الصور الطرفان ـ أي :

البائع والمشتري ـ يتعهّدان بوقوع المبادلة بين تلك العين الخارجيّة وتمام الثمن ، ولا يقع شي‌ء من الثمن بإزاء الوصف والشرط بكلا قسميه ـ أي : سواء أكان شرط الفعل ، أو شرط النتيجة ـ غاية الأمر أنّ المشروط عليه يلتزم في ضمن تلك المعاملة وذلك التعهّد بأمر آخر ، أو بأن يعمل له عملا ، فأصل المعاملة والمبادلة بين المالين ليس مربوطا ومعلّقا على أمر ، وإلاّ كان من تعليق المنشأ ، وهو باطل‌ إجماعا إلاّ في موارد معيّنة ورد الدليل عليه.

نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة والثبوت والوقوف عندها مربوط بوجود هذا الوصف ، أو هذا الشرط ، أو العمل على طبق هذا الشرط ، فإذا لم يوجد ذلك الشرط وذلك الوصف فلا ملزم في البين.

وأمّا حديث أنّ مقدارا من الثمن وان لم يقع مقابل الشرط في عالم الإنشاء ، ولكن لا شبهة في وقوعه مقابله في عالم اللبّ ، فممّا لا ينبغي الالتفات إليه ، لأنّ الأغراض والدواعي لا اعتبار بها في أبواب المعاملات ، بل المناط كلّ المناط في تلك الأبواب هو وقوع العقد والإنشاء على أي شي‌ء ، وأمّا الأغراض والإرادات النفسانيّة فلا أثر لها ما لم تقع تحت الإنشاء.

الرابع : لو تعذّر الشرط بعد خروج العين عن تحت سلطنة المشروط عليه ببيع ، أو هبة ، أو غير ذلك من التصرّفات الناقلة ، أو بتلف ، أو إتلاف وأمثال ذلك ، فهل للمشروط له فسخ المعاملة واسترجاع العين إن كانت باقية ، والرجوع إلى المثل أو القيمة ـ كلّ واحد منهما في مورده إن كانت تالفة ـ أو الرجوع إلى المثل أو القيمة مطلقا؟ وجوه واحتمالات ، بل أقوال. وهناك احتمال آخر وهو بطلان ذلك التصرّف الناقل.

أقول : التحقيق في المقام أنّ التصرّف الناقل من قبل المشروط عليه تارة يكون منافيا لنفس الاشتراط ، مثل أن يكون الشرط مثلا وقف الدار فباعها ، أو بيعها من زيد فباعها من عمرو. وأخرى ليس كذلك ، بل كان الشرط أجنبيّا عن التصرّف الناقل.

فالأوّل : إن قلنا بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له بالنسبة إلى تلك العين التي وقعت عليها المعاملة ـ من قبيل حقّ الرهانة ، ومنذور الصدقة ، وحقّ الفقراء بالنسبة إلى المال الذي تعلّق به الزكاة ، وحقّ الإمام عليه السلام أو الساداة بالنسبة إلى‌ المال الذي تعلّق به الخمس ، وحقّ الديّان بالنسبة إلى تركة الميّت في الدين المستوعب ، وأمثال ذلك ـ فيكون موجبا لقصر سلطنة المالك وعدم قدرته تشريعا على التصرّف الناقل ، فيكون نقله باطلا ، وللمشروط له استرجاع العين ممّن انتقل إليه وإلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط.

وأمّا إن قلنا بأنّ الشرط لا يوجب إلاّ وجوبا تكليفيّا بالوفاء بالشرط والعمل على طبقه ، فالمعاملة وإن كانت منهيّة بالدلالة المطابقيّة أو الالتزاميّة ، ولكن النهي في باب المعاملات مطلقا لا يوجب الفساد ، بل يوجبه فيما إذا كان متعلّقا بالمسبّب لا السبب ، وبعبارة أخرى : بالمعنى الاسم المصدري لا المصدري.

وفيما نحن فيه وإن كان النهي على تقدير وجوده متعلّقا بالمعنى الاسم المصدري ، ولكن الشأن في وجوده ، لأنّ التصرّف الناقل في المفروض ضدّ للوفاء بالشرط ، وليس نقيضه ، وقد تحقّق في الأصول عدم اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، فلا نهي كي يقال بأنّه متعلّق بالسبب أو المسبّب ، فبناء على هذا لو لم نقل بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له ، فلا مانع من صحّة تصرّفاته الناقلة. هذا في مقام الثبوت.

وأمّا في مقام الإثبات ، فالظاهر من قوله صلى الله عليه واله : « المؤمنون عند شروطهم » أو قوله عليه السلام : « كلّ شرط جائز إلاّ ما خالف الكتاب » هو ثبوت حقّ للمشروط له ، فتكون تصرّفات المشروط عليه باطلة ، ولا يحتاج إلى فسخ المشروط له.

هذا كلّه فيما إذا كان تصرّف المشروط عليه منافيا لنفس الاشتراط ، أي كان خلاف ما اشترط عليه.

وأمّا الثاني ، أي التصرّفات التي لا تكون منافية لما اشترط عليه ، بل تكون أجنبيّة عن الشرط ، كما إذا باع داره مثلا واشترط على المشتري أن يخيط ثوبه مثلا ، أو عملا آخر ، فلو تعذّر الشرط في هذه الصورة بعد ذلك التصرّف الناقل ، فلا وجه‌ للقول ببطلان ذلك التصرّف ، لأنّ الدار مثلا في المفروض صارت ملكا طلقا للمشتري ، وإن قلنا بأنّ الشرط يوجب ثبوت حقّ مالكي للمشروط له على المشروط عليه ، لأنّ بطلان بيعه ليس من آثار ثبوت ذلك الحقّ ، بل غاية ما يمكن أن يقال أنّ أثر ذلك الحقّ تغريم المشروط عليه بقيمة ما شرط وماليّته ، وأمّا منعه عن بيع ماله ، أو أيّ تصرف مشروع آخر فلا وجه له أصلا.

نعم يبقى الكلام في أنّه هل للمشروط له فسخ المعالة بعد تعذّر ذلك الشرط ، أم لا؟ لعدم بقاء موضوع للفسخ ، لأنّ انتقاله إلى الغير بمنزلة تلفه ، فلا يمكن استرجاعه.

والتحقيق : أنّ له الفسخ ، لم ذكرنا أنّ التزامه بالوفاء بهذه المعاملة ، والثبوت عنده ، وعدم نقضه لها كان مشروطا بوجود ذلك الشرط ، فإذا تعذّر وجوده بأيّ سبب كان فليس له التزام ، فلا يجب الوفاء عليه وله حلّ تلك المعاملة.

وأمّا حديث عدم بقاء موضوع الفسخ فممّا لا أساس له ، حتّى في مورد التلف الحقيقي لما انتقل إلى المشروط عليه ، فضلا عن انتقاله بناقل شرعي إلى غيره ، وذلك لأنّ الفسخ ليس معناه استرجاع العين كما توهّم ، بل معناه حلّ تلك المعاهدة التي وقعت بينهما ، ورفع التزامه. ونتيجة ذلك هو أنّه بعد حلّ المعاهدة وفسخ العقد ، فإن كانت العين باقية في يد المشروط عليه يسترجعها ، وإن كانت تالفة فيرجع إلى مثلها أو قيمتها ، كلّ واحد منها في مورده ، أي المثل في المثلي ، والقيمة في القيمي .

وإن كانت نقلت إلى غيره بالتصرّف الناقل ، فيحتمل بطلان العقود المترتّبة على هذه المعاملة التي فسخها بواسطة تعذّر شرطها ، ويحتمل الرجوع إلى المثل أو القيمة كما في مورد التلف الحقيقي على القولين في المسألة.

وأمّا التفصيل بين العتق وسائر التصرّفات الناقلة ـ بالرجوع إلى القيمة في العتق ، والبطلان في سائر التصرفات الناقلة ـ فلا وجه له ، وإن نسب هذا التفصيل إلى‌ العلاّمة (50) والشهيد الثاني 0 وذلك لأنّ بطلان العقود المترتّبة من جهة كشف الفسخ عن عدم ورود العتق في مورده ، فإنّ مورده الملك المستقرّ لا الملك المتزلزل.

وأمّا قضيّة بناء العتق على التغليب ، فالمراد منها أنّ العبد لو انعتق شقص منه يسرى إلى البقيّة ، وأين هذا من صدوره عمّن هو ليس أهلا لذلك التزلزل ملكه ، وعدم استقرار مالكيّته ، وكونها في معرض الزوال؟! فإن قلنا بعدم بقاء العقود المترتّبة بعد فسخ المعاملة التي تكون هذه العقود مترتّبة عليها ، فلا فرق بين العتق وسائر العقود.

الخامس : هل للمشروط له إسقاط شرطه ، أم لا؟

أقول : إن كان الشرط من قبيل شرط النتيجة ، وكان الشرط كافيا في تحقّقها وحصولها ، ولم تكن وجودها محتاجا إلى وجود سبب خاصّ ـ كما رجّحنا ذلك في باب اشتراط كون الشي‌ء الفلاني ملكا للبائع مثلا أو لغيره ـ ففي هذه الصورة يحصل الشرط بنفس الاشتراط في ضمن المعاملة بعد تحقّق تلك المعاملة ، فالإسقاط لا معنى له ، لأنّ ما صار ملكا لشخص لا يخرج عن ملكه بإسقاطه ، أو بإسقاط شخص آخر.

وكذا لو كانت النتيجة المشروطة انعتاق عبد المشروط عليه ، وقلنا بأنّ العتق يحصل بنفس الاشتراط ولا يحتاج إلى سبب خاصّ ، فبعد وجود المعاملة التي وقع في ضمنها هذا الشرط يتحقّق الانعتاق ، ولا يبقى مجال لإسقاط الشرط ، كما هو واضح.

ولا فرق فيما قلنا ـ من عدم تأثير الإسقاط وعدم قابليّته له ـ بين أن يكون المشروط بطور شرط النتيجة ملكيّة مال شخصي أو مال كلّي في ذمّة المشروط عليه ، لما ذكرنا أنّ الشرط يحصل بعد وجود المعاملة التي وقع هذا الشرط في ضمنها ، فيشغل ذمّة المشروط عليه بذلك المال الكلّي بمحض وجود العقد ، فلا يبقى مجال لإسقاط الشرط.

نعم له إبراء ذمّة المشروط عليه عمّا اشتغلت ذمّته به ، وهذا غير إسقاط الشرط.

والحاصل : أنّ الذي قابل للإسقاط هو الحقّ ، وأمّا المال فليس قابلا للإسقاط سواء أكان شخصيّا أو كلّيا بعم المال الكلّي قابل للإبراء.

هذا كلّه في شرط النتيجة ، وأمّا شرط الفعل فبناء على ما اخترنا من أنّه يوجب ثبوت حقّ على المشروط عليه للمشروط له ، فله إسقاط ذلك الحقّ ، لأنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط ، وهذه خاصّة شاملة للحقّ ، حتّى أنّ به عرّف الحقّ ، وجعلوا ذلك هو الفرق بين الحق والحكم.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك الشرط ـ أي شرط الفعل والعمل ـ ممّا له ماليّة عند العرف كخياطة ثوبة أو بناء داره ، وبين أن لا يكون له ذلك ، كما إذا شرط عليه عتق عبده أو غير ذلك.

نعم في خصوص شرط عتق عبده وقع الخلاف في أنّه هل له إسقاط هذا الشرط ، أم لا؟

فقال جماعة كالعلاّمة (51) والشهيدين وفخر الدين (52) بعدم كون إسقاط هذا الشرط له ، وربما علّل عدم سقوطه بإسقاطه بأنّه اجتمع فيه حقوق ثلاثة : حقّ المشروط له ، وحقّ الله ، وحقّ للعبد ، فهو وإن كان قابلا للإسقاط من ناحية حقّ المشروط له ، ولكن ليس قابلا للإسقاط من ناحية الحقّين الآخرين ، لأنّ أمرهما ليس بيد المشروط له ، لأنّه أجنبي منهما.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا كلام عجيب ، من جهة أنّه أيّ حق للعبد ، ومن أين جاء له ذلك؟ نعم العبد ينتفع من وفاء المشروط عليه بهذا الشرط ، وهذا غير كونه صاحب حقّ على البائع أو المشتري.

ثمَّ على تقدير حدوث حقّ له بهذا الشرط ليس أمرا مستقلاّ ، بل تابع لحقّ المشروط له وجودا وعدما ، لأنّه من شؤونه ومعلوله ، فلو أسقط المشروط له حقّه فهو ينعدم قهرا وبالتبع.

وأمّا حقّ الله المدّعي في المقام ، فليس شي‌ء في البين إلاّ وجوب الوفاء بهذا الشرط على المشروط عليه ، ومعلوم أنّ وجوب الوفاء تابع لبقاء حقّ المشروط له ، فإذا أسقط لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء ، فينعدم أيضا قهرا.

فظهر أنّه لا فرق في شرط الفعل بين أن يكون شرط عتق عبده ، أو غير ذلك من الأفعال والأعمال التي يجوز اشتراطها شرعا ، وأيضا لا فرق بين أن يكون لذلك الفعل والعمل ماليّة أو لا يكون ، ففي جميع ذلك الأمر يدور مدار أنّه هل الشرط يوجب ثبوت حقّ للمشروط له على المشروط عليه ، أم لا؟ فإن قلنا بثبوته فهو قابل للإسقاط ، وإلاّ فلا.

السادس : في أنّ الثمن هل يقسّط على المبيع ، والشرط في الشرط الواقع في ضمن عقد البيع مثلا ، أم لا؟

والتحقيق ـ بعد ما عرفت فيما تقدّم أنّ الشرط ليس طرفا للمعاوضة والمبادلة ، ولا يقع شي‌ء من الثمن في البيع مثلا بإذائه ـ أنّه على أقسام :

الأوّل : أن يكون خارجا عن حقيقة العوض والمعوّض ، بأن لا يكون من ذاتيّاتهما ، ولا من أوصافهما المتّحد وجودا معهما ، ولا من أجزائها.

وذلك مثل أن يبيع داره بثمن كذا بشرط أن يخيط ثوبه ، أو يعمل له عملا آخر ، فهذا العمل الذي هو الشرط في ضمن عقد البيع ليس من أجزاء تلك الدار ، ولا من أوصافها ، ولا هو عند العرف من قبيل صورتها النوعيّة ، بل صرف التزام من قبل المشتري مثلا بأمر في ضمن تلك المعاوضة ، أي معاوضة الدار بالثمن المذكور ، ففي مثل هذا المورد لم يقع الشرط في مقابل الثمن أصلا ، بل يكون تمام الثمن بإزاء نفس الدار.

والتزام المشتري بأن يعمل له عمل كذا ، التزام آخر في ضمن الالتزام الأوّل وأجنبي عن كلا العوضين ، فلا وجه لأن يكون جزء من الثمن بإذائه.

ومثل شرط العمل اشتراط أن يعطي له عينا متموّلا خارجيّا ، فإنّه في ذلك العقد لم تجعل المبادلة بين ذلك الثمن وتلك العين ، بل جعل المبادلة وأنشأها في المثل المفروض بين نفس الدار والثمن المذكور ، فلا ينبغي أن يشكّ وأن يحتمل وقوع شي‌ء من الثمن في قبال ذلك الشرط.

الثاني : أن يكون الشرط من أوصاف المبيع مثلا كأن يقول : بعتك هذا العبد الكاتب ، أو هذا العبد بشرط أن يكون كاتبا. وهذا القسم أيضا مثل القسم الأوّل التزام آخر في ضمن الالتزام الأوّل ، والبائع أنشأ المعاوضة والمبادلة بين هذا العبد الشخصي الخارجي والثمن المذكور ، ففي مقام الإنشاء جعل تمام الثمن بدلا وعوضا في مقابل هذا العبد الشخصي.

غاية الأمر أنّه التزم بأن يكون هذا العبد متّصفا بصفة كذا ، ويكون التزامه بالوفاء بتلك المعاملة في ظرف وجود هذا الشرط. فإذا تعذّر ، أو لم يعمل المشروط بما التزم ، فلا يبقى التزام للمشروط له ، فيكون له الخيار.

وأمّا أصل المعاوضة والمبادلة فليست معلّقة ولا مشروطة بأمر ، وإلاّ يكون العقد باطلا ، لمكان التعليق في المنشأ الذي بطلانه إجماعيّ ، فعدم تقسيط الثمن على الشرط في هذا القسم أيضا واضح.

الثالث : أن يكون الشرط عنوان المبيع ، أو ما وقع عليه المعاوضة في سائر المعاوضات غير البيع ، ويكون عند العرف من قبيل صورته النوعيّة وإن لم يكن كذلك حقيقة وواقعا.

كما إذا قال للمشتري : بعتك هذه الجارية الروميّة ، ولم تكن كذلك ، بل كانت حبشيّة ، فعند العرف الجارية الحبشيّة مخالفة في النوع مع الروميّة ، ويكون من قبيل الجوز واللوز وإن كانت بحسب الواقع متّحدة معها في النوع ، لأنّ كلتيهما من نوع‌ واحد وهو الإنسان ، ولكن في أبواب المعاملات المناط هو النظر العرفي لا الدقّة العقليّة ، لأنّ عليه مدار معاملاتهم.

وتخلّف الشرط في هذا القسم موجب لبطلان المعاملة ، لأنّ المعاوضة وقعت بين الثمن والمعوض الذي له تلك الصورة النوعيّة ، فإذا سئل المشتري وقيل له ما اشتريت؟ يقول : الجارية الروميّة وينكر كون المبيع هي الجارية الحبشيّة ، والعرف يصدّقونه في هذا القول.

الرابع : أن يكون للشرط جهتان : جهة جزئيّة وذاتيّة للمبيع مثلا أو لمعوّض آخر في سائر المعاوضات ، وجهة وصفيّة عرضيّة. فبالاعتبار الأوّل يقع في مقابل جزء من الثمن أو من سائر الأعواض ، وبالاعتبار الثاني يكون خارجا عن دائرة المعاوضة والمبادلة ، ولذلك وقع الخلاف والنزاع في هذا القسم ، وأنّه هل يقسّط الثمن عليه أم لا.

ومثال هذا القسم : كما إذا باع صبرة على أنّها عشرين صاعا ، فظهرت أقلّ أو أكثر ، أو باع أرضا على أنّها مائة جريب ، فظهر كونها أقلّ أو أكثر.

وفي هذا القسم من الشرط صور أربع‌ كما ذكرها في التذكرة (53) ، لأنّ المبيع والشرط إمّا يكونان متساوي الأجزاء ، أو يكونان مختلفها ، وفي كلّ واحدة من الصورتين إمّا يظهر النقص عمّا شرط ، أو الزيادة عنه ، فهذه أربعة أقسام.

الأوّل : أن يكون المبيع متساوي الأجزاء ، وظهر النقص عمّا شرط كونه كذا مقدار ، مثلا شرط كون الصبرة التي باعها عشرين صاعا ، فظهر أنّها أقلّ من ذلك. فالمشهور قالوا بالتقسيط.

والعمدة في وجهه أنّ كميّة الشي‌ء وإن كانت من أعراض الشي‌ء وأوصافه ، إلاّ أنّ المعاوضة في بعض الأشياء تكون باعتبار الكميّة ، كما أنّ الأمر كذلك في أغلب ما‌ يكون من المكيل أو الموزون ، كالحنطة والشعير والأرز والدهن واللحم وأمثالها.

ولذلك ربما تكون المقاولة بين البائع والمشتري قبل البيع بأنّ كلّ صاع من هذه الصبرة بكذا ، فحين البيع يقول : بعتك هذه الصبرة بكذا بشرط أن يكون عشرين صاعا مثلا ، فلا محالة يكون الثمن بنظر المتعاملين والعرف مقابل عشرين صاعا ، أي كلّ صاع من المبيع يقع في مقابل جزء من الثمن.

فلو فرضنا أنّه باع هذه الصبرة الشخصيّة الموجودة بعشرة دراهم على أنّها عشرين صاعا ، فيكون كلّ صاع منها مقابل نصف درهم ، فلو ظهر بعد وقوع العقد أنّها عشرة صيعان ، له أن يسترجع من الثمن المسمّى نصفه ، أي خمسة دراهم ، لما ذكرنا من أنّ العرف والعقلاء يرون الثمن مقابل الكميّة.

وبعبارة أخرى : يكون حال الكميّة في هذا القسم حال الصورة النوعيّة الحقيقيّة أو العرفيّة في القسم الثالث ، من حيث كونها مناط الماليّة ووقوع الثمن بإزائها ، فتكون جزء المبيع ، لا أنّها من أوصافه ، فيدخل في باب تبعّض الصفقة ، لا في باب تخلّف الوصف الذي لا يوجب إلاّ الخيار ، كما تقدّم تفصيله.

وبعبارة أوضح : يكون تبيّن النقص في المبيع المتساوي الأجزاء كظهور كون بعض المبيع ممّا لا يملك وممّا لا يملكه البائع ، غاية الأمر في باب تبعّض الصفقة بعض المبيع في حكم العدم ، من جهة إلقاء ماليّته شرعا بالنسبة إلى ما لا يملك شرعا ، وإن كان عند العرف له ماليّة ، أو من جهة كونه لغير البائع ، فلا يجوز تصرّف البائع فيه ، وفي هذه الصورة معدوم واقعا ، فيكون المشتري مخيّرا بين الفسخ وعدم إمضاء هذه المعاملة أصلا ، لعدم التزامه بالثبوت عند مبادلة هذا الناقص عمّا شرط ، وبين إمضاء هذه المعاملة بالنسبة إلى المقدار الموجود واسترجاع باقي الثمن.

وأمّا ما ربما يقال ، بل قاله جماعة من الأعاظم : إنّ الموجود الخارجي الشخصي ـ الذي هو المبيع في المفروض ـ لا يزيد ولا ينقص ، بل يكون على ما هو عليه من‌ المقدار ولا يتغيّر بالشرط ، وما وقع عليه العقد ـ أي تلك العين الخارجيّة ـ لم يتبيّن فيه نقص كي يكون من قبيل تبعّض الصفقة ، فهو وقع الطرف المعاوضة بدون أدنى تغيّر فيه. نعم البائع وصفه بوصف غير موجود فيه ، أعني الكميّة الكذائيّة ، فليس في البين إلاّ تخلّف ذلك الوصف المذكور ، فلا يوجب إلاّ الخيار. وقد تقدّم تفصيل كونه موجبا للخيار ، فلا نعيد.

ففيه : أنّ الموجود الخارجي في المفروض تعنون بالكميّة الكذائيّة ، فعند المتفاهم العرفي وما هو الظاهر عندهم أنّ المبيع في المفروض عبارة عن تلك الكميّة الكذائيّة ، لا أنّ المبيع تلك العين الخارجيّة ، والكميّة الكذائية وصف له كي يكون تبيّن النقيصة من قبيل تخلّف الوصف لا يوجب إلاّ الخيار ، فإذا كان المبيع تلك الكميّة الكذائيّة وبعضها غير موجود ، يكون من باب تبعّض الصفقة ، فيكون الأمر كما ذهب إليه المشهور.

والحاصل : أنّ ما نحن فيه يكون من قبيل أن يشير إلى الكتاب الموضوع في قدامه ، ويقول : بعتك هذا الكتاب الموجود الذي هو مجلّدين من كتاب الرياض أو الروضة ، ثمَّ تبيّن أنّه مجلّد واحد من أحد ذينك الكتابين ، فهل ترضى من نفسك أن تقول : إنّ المبيع هو هذا الموجود الخارجي الذي لا يتغيّر ، وليس في البين إلاّ تخلف الوصف؟

ويدلّ على ما ذكرنا أيضا خبر عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل باع أرضا على أنّها عشرة أجربة ، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده ونقد الثمن ووقع صفقة البيع وافترقا ، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة ، قال عليه السلام : « إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض ، وإن شاء ردّ المبيع وأخذ ماله كلّه ، إلاّ أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ ويكون البيع لازما عليه ، وعليه الوفاء بتمام البيع. فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فإن شاء المشتري أخذ الأرض‌ واسترجع فضل ماله ، وإن شاء ردّ الأرض وأخذ المال كلّه » (54).

وتقريب الاستدلال بهذا الخبر هو أنّ بائع الأرض التزم بكون الأرض التي باعها عشرة أجربة ، فتبيّن نقصها وأنّها خمسة أجربة ، فلو كان مثل سائر موارد تخلّف الوصف لكان جوابه عليه السلام أنّ المشتري بعد تبيّن النقص مخيّر بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن ، لا أنّه مخيّر بين الإمضاء واسترجاع فضل ماله ، وبين ردّ الأرض وأخذ ماله كلّه.

فمن جوابه عليه السلام يستكشف تقسيط الثمن على أجزاء المبيع ، أي الكميّة المذكورة في متن العقد وإن كان بصورة الشرط، وقد تقدّم أنّه لا تأثير في اختلاف العبارة ، ولا فرق بين أن يكون بصورة الشرط أو يكون بصورة الوصف ، بل المناط كلّ المناط هو أن يكون الوصف عنوانا للمبيع عند العرف ومن قبيل صورته النوعيّة ، فيكون تخلّفه مبطلا ، أو يكون الوصف للمبيع فيكون موجبا للخيار فقط ، سواء أكان بصورة الاشتراط أو التوصيف.

وفي الاشتراط أيضا لا فرق بين أن يكون بأمر خارج عن المبيع ، كخياطة ثوب البائع مثلا ، أو يكون من شؤون المبيع وأوصافه ، أو يكون الشرط كميّة المبيع ، فيكون تخلّفه من قبيل تبعّض الصفقة وتكون المعاملة بالنسبة إلى الكميّة الموجودة صحيحة ، غاية الأمر للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، ولذلك لو أمضى المعاملة يسترجع فضل ماله ، كما هو مذكور في الرواية.

وأمّا الإشكال على الاستدلال بالرواية بأنّها في مختلف الأجزاء ، فجوابه أنّه على فرض تسليم أنّه من قبيل مختلف الأجزاء تكون دلالتها على المقام بالأولويّة.

الثاني : أن يكون المبيع مختلف الأجزاء وتبيّن النقص عن الكميّة المذكورة في متن العقد. وفي هذا القسم أيضا ذهب الأكثر إلى التقسيط ، لعين ما ذكرنا في القسم الأوّل‌ أي المبيع لمتساوي الأجزاء ، ولرواية عمر بن حنظلة التي هي نصّ في المقام.

ولا يأتي هاهنا الإشكال المتقدّم في القسم الأوّل من أنّ ظاهر الرواية كون هذا الحكم في مختلف الأجزاء ، فلا تشمل صورة كون المبيع متساوي الأجزاء.

فيجاب : أنّ شمولها لمتساوي الاجزاء بالفحوى ، وذلك لأنّ هذا القسم الثاني على الفرض هو المبيع المختلف الأجزاء ، فتكون الرواية نصّا فيه.

وأمّا الإشكال في سند الرواية مع عمل الأكثر على طبقها ـ خصوصا عمل من لا يعمل إلاّ بالقطعيّات كابن إدريس (55) ـ فلا مجال له.

نعم ذكر فخر الدين ، ابن العلاّمة 0 ، إشكالا على التقسيط في المقام (56) حاصله :

أنّ التقسيط متوقّف على معرفة قيمة الجزء الفائت بالنسبة إلى قيمة مجموع الأجزاء المذكورة في متن العقد ، كي يمكن استرجاع قيمة مقدار الفائت من أجزاء المبيع من الثمن للمجموع ، وهذا المعنى في متساوي الأجزاء يمكن ؛ لأنّه إذا باع الحنطة مثلا على أنّها عشرين صاعا فتبيّن كونها خمسة عشر صاعا ، فالمقدار الفائت ربع المجموع ، وقيمته أيضا ربع قيمة المجموع ، فيسترجع ربع الثمن ، وذلك من جهة أنّ الأجزاء والأبعاض متساوية في القيمة إن كانت متساوية في المقدار.

وأمّا في مختلف الأجزاء فلا يمكن ذلك ، لأنّه إذا كانت قيمة الأجزاء مختلفة ، فلا يمكن تعيين ما يكون قسطا للمقدار الفائت ممّا ذكر في متن العقد من ثمن المسمّى ، لأنّ المفروض اختلاف الأجزاء في القيمة ، فمن الممكن أن يكون المقدار الفائت وإن كان بحسب المقدار ربع المجموع ولكن يحسب القيمة يكون مساويا مع ثلاثة أرباع الموجودة غير الفائتة.

وليس الفائت موجودا كي يقومه المقوّمون ، ولا له مثل كي يقاس به ، فلا طريق‌ إلى معرفة قسط الفائت من ثمن المسمّى ، بل تحصيله بطور التحقيق بحيث يعلم بأنّه قسطه محال ، لأنّ المفروض أنّ الأجزاء مختلفة بحسب القيمة.

مثلا هذه الأرض التي اشتراها على أنّها عشرة أمتار ، فظهر أنّها خمسة أمتار ، فالخمسة الفائتة يمكن أن تكون أمتارها كلّها من الغاليات ، ويمكن أن تكون كلّها من الرخيصات ، ويمكن أن تكون من المختلفات ، فبعضها يكون من الغاليات ، وبعضها من الرخيصات على اختلاف مراتب الغاليات والرخيصات أيضا ، وحيث أنّها ليست ولم تكن موجودة أصلا فلا يمكن تشخيصها وتعيينها لنا ، بل ليس لها تعيّن في حاقّ الواقع.

نعم لو كانت موجودة في زمان من الأزمنة ، لكان لها تعيّن في الواقع وإن كانت مجهولة عندنا. وعلى كلّ حال فلا يمكن التقسيط ، لعدم الطريق إلى معرفة قسطها من المسمّى ، فلا بدّ أن يفرق بين المبيع المتساوي الأجزاء من حيث القيمة ، وما هو مختلف الأجزاء من هذه الحيثيّة إذا تبيّن نقصان مقدارها عمّا شرط في متن العقد بالتقسيط في الأوّل دون الثاني ، كما ذهب اليه فخر الدين ابن العلامة وجمع آخر.

ولكن يمكن أن يقال بعد الفراغ عن أنّ البيع وقع على عشرة أجربة ، والموجودة خمسة من الأرض ، المختلفة بحسب القيمة أجزاؤها ، كالأرض الواقعة على الشارع بعضها دون البعض الآخر ، ومعلوم أنّ الواقع منها على الجادّة العموميّة يساوي أضعاف ما هو بعيد عن الجادّة.

والفائت لا يمكن أن يحسب الأرض الواقعة على الجادّة ، ولا بحساب ما هو بعيد عن الجادة ، لأنّه لا يعلم أنّه من أيّ واحد من القسمين ، بل ليس من كلّ واحد من القسمين واقعا ، لأنّه لم يوجد كي يكون من أحدهما ، ففي حاقّ الواقع ليس له قسط أحدهما، فاستحقاقه معلوم بقيمة خمسة جريان مجهول القيمة من جهة الجهل بكونها من أي قسم ، بل القطع بأنّها ليست من كلّ واحد من القسمين أو الأقسام ، لأنّها غير‌ موجودة.

فطريق وصول ما يستحقّ من جهة قيمة الفائت هو التصالح القهري ، كما قلنا في درهم الودعي ، أو يعمل بقاعدة العدل والإنصاف ، وذلك بتضاعف كلّ جزء من الموجود فيؤخذ نصف قيمة المجموع للفائت.

وذلك من جهة أنّ مشتري الأرض حيث أنّه يشتري بالمشاهدة فهو رأي الخمسة عشرة ، فكأنّه بنى على تضاعف كلّ جزء ممّا شاهده ، واشترى الأرض مبنيّا على هذا.

وحيث أنّه تقدّم أنّ المسألة في هذا القسم من قبيل تبعّض الصفقة ، وتبعّض الصفقة فيما نحن فيه لا يتصوّر إلاّ بهذا الترتيب ، لأنّه ليس بحسب الواقع صفقة مركّبة من جزئين ، أحدهما موجود والآخر فائت ومعدوم ، بل التركّب في الصفقة خيالي لا واقعيّة له ، فلا بدّ وأن يفرض كلّ جزء ضعف ما هو عليه بحسب الواقع كي تحصل الصفقة المركّبة الخياليّة.

ذكر هذا الطريق شيخنا الأعظم الأنصاري (57) ولا بأس به ـ وإن لم يحصل بهذه الطريقة قسط الواقعي للفائت من ثمن المسمّى ـ لأنّه أقرب إلى العدل والإنصاف.

الثالث : تبيّن الزيادة في المبيع المتساوي الأجزاء من حيث القيمة بالنسبة إلى ما شرطا ، أو أحدهما من كميّة المبيع‌ مثلا لو باع الصبرة من الحنطة على أنّها عشرين صاعا ، فتبيّن أنّها ثلاثين صاعا.

فمقتضى ما ذكرنا في طرف النقيصة ـ أنّ الجملة ظاهرة في أنّ المبيع مجموع الموجود والفائت ، وأنّ الفائت جزء للمبيع ، ولذلك يقسط عليه الثمن ويكون من باب تبعّض الصفقة يسترجع قسط الفائت ، ويكون له الخيار أيضا بالنسبة إلى الموجود ـ هو أن تكون الزيادة ملكا للبائع وأن لا يكون خيار في البين.

أما كون الزيادة باقية على ملك البائع ، فلأنّها خارجة عن المبيع ، لأنّ المبيع بناء على ما ذكرنا في القسمين الأوّلين ـ أي تبيّن النقيصة في متساوي الأجزاء وفي مختلف الأجزاء ـ يكون عبارة عن نفس الكميّة المذكورة في متن العقد ، والمفروض في هذا القسم الثالث هو تبيّن الزيادة على الكميّة المذكورة في متن العقد ، فتكون تلك الزيادة خارجة عن المبيع وباقية على ملكيّته للبائع.

وأمّا عدم الخيار ، فلعدم تبعّض الصفقة ، لأنّ الصفقة في المفروض عبارة عن الكميّة المذكورة في متن العقد ، وهي موجودة على الفرض. واحتمال أن يكون المبيع هي الكميّة المذكورة بشرط لا عن الزيادة ـ بحيث يكون عدم الزيادة عن الكميّة المذكورة وصفا للمبيع ، أو شرطا على البائع أو على المشتري ، فيأتي خيار تخلّف الوصف أو تخلّف الشرط ـ ملغى في نظر العرف والعقلاء ، أي ليس احتمالا عقلائيا ، فلا يعتنى به.

نعم لو كانت قرينة في البين على أنّ الراد من اشتراط كون المبيع كذا مقدار هو أن لا يكون أقلّ من ذلك المقدار ، وإلاّ فهو نقل إلى المشتري تمام ما هو الموجود ، سواء أكان مساويا لما ذكره في متن العقد ، أو كان أكثر ، فيكون المجموع للمشتري ولا خيار ، لأنّه ليس تخلّف الشرط أو الوصف في البين ، فالمسألة واضحة على جميع التقادير.

نعم لو كان مدرك أخذ ما يقابل الفائت من ثمن المسمّى رواية عمر بن حنظلة ، حيث أنّه كان مفادها أنّ البائع لو لم يكن له بجنب تلك الأرض أرض أخرى يتدارك بها المقدار الفائت عمّا شرطه في متن العقد ، يلزم عليه ردّ ما يقابل الفائت من ثمن المسمّى إلى المشتري.

فهذا الدليل لا يأتي في هذا القسم ، أي فيما إذا تبيّن الزيادة عن المقدار الذي شرطه في متن العقد ، لأنّ الرواية واردة في النقيصة لا في الزيادة ، فيكون الحكم في طرف الزيادة على طبق ما تقتضيه القواعد الأوّلية ، وذلك لعدم شمول الرواية لهذا القسم.

ومقتضى القواعد ـ بناء على هذا ، أي بناء على أن يكون المدرك في القسمين الأوّلين هي الرواية لا القاعدة ـ هو أنّ المسألة تكون من باب خيار تخلّف الوصف أو الشرط ، فإذا فسخ يرجع تمام الثمن إلى المشتري ، وتمام المثمن إلى البائع ، وإن أمضى فيكون تمام المبيع حتّى الزيادة ملكا للمشتري ، لأنّ تمام الموجود هو المبيع ولم يتخلّف إلاّ الوصف أو الشرط.

الرابع : تبيّن الزيادة في مختلف الأجزاء، مثلا باع أرضا على أنّها خمسة أجربة ، فلمّا مسحها المشتري أو البائع ظهر أنّها عشرة ، فبناء على القاعدة المتقدّمة وهي أنّ المبيع هي الكميّة المذكورة في متن العقد لا الشخص الموجود في الخارج بجميع تعيّناته ، غاية الأمر وصفه البائع بوصف الكميّة الكذائيّة ، أو شرط المشتري كونه كذا مقدار ، فالزيادة تكون ملكا للبائع.

وحيث أنّ الزيادة مشاعة ، فيكون البائع شريكا مع المشتري ، فيأتي خيار الشركة ويترتّب عليها إن لم يفسخ المشتري آثار الشركة.

وأمّا بناء على أن يكون المدرك لاسترجاع ما يقابل الفائت هناك من ثمن المسمّى هي الرواية لا القاعدة ، وإلاّ فالمبيع تمام الموجود فيكون تمام المبيع للمشتري ولا خيار في البين أصلا.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة‌ :

فنقول : الشرط الواقع في ضمن جميع العقود اللازمة ـ على التفصيل الذي تقدّم ـ يكون من صغريات هذه القاعدة وموارد تطبيقها ، فإذا كان ذلك الشرط صحيحا يجب الوفاء به.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

_______________

(*) « الحق المبين » ص 74 ؛ و 141 ، « عوائد الأيام » ص 41 ، « مجموعه قواعد فقه » ص 80 ، « قواعد فقه » ( شهابى ) ص 66.

(1) « الكافي » ج 5 ، ص 169 ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 22 ، ح 94 ، باب عقود البيع ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 353 ، أبواب الخيار ، باب 6 ، ح 1.

(2) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 22 ، ح 94 ، باب عقود البيع ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 353 ، أبواب الخيار ، باب 6 ، ح 1.

(3) « الفقيه » ج 3 ، ص 202 ، ح 3765 ، باب الشرط والخيار في البيع ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 22 ، ح 93 ، باب عقود البيع ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 353 ، أبواب الخيار ، باب 6 ، ح 2.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 467 ، ح 1872 ، باب الزيادات في فقه النكاح ، ح 80 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 353 ، أبواب الخيار ، باب 6 ، ح 5.

(5) « عوالي اللئالي » ج 3 ، ص 217 ، ح 77 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 310 ، أبواب الخيار ، باب 5 ، ح 7.

(6) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 44 ، ح 106 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 300 ، أبواب الخيار ، باب 5 ، ح 1.

(7) « الخلاف » ج 3 ، ص 10 ، المسألة : 7.

(8) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 371 ، ح 1503 ، باب المهور والأجور ، ح 66 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 232 ، ح 835 ، باب من عقد على امرأة و. ، 4 ، « وسائل الشيعة » ج 15 ، ص 30 ، أبواب المهور ، باب 20 ، ح 4.

(9) « القاموس المحيط » ج 2 ، ص 542 ( شرط ).

(10) « صحيح البخاري » ج 2 ، ص 18 ، كتاب البيوع ، باب 67 : البيع والشراء مع النساء ، وص 20 ، باب 73 : إذا اشترط شروطا في البيع لا تحلّ ، وص 119 ، كتاب الشروط ، باب 13 : الشروط في الولاء.

(11) « الكافي » ج 5 ، ص 169 ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 24 ، ح 102 ، باب عقود البيع ، ح 19 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 350 ، أبواب الخيار ، باب 4 ، ح 1.

(12) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 371 ، ح 1503 ، باب المهور والأجور ، ح 66 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 232 ، ح 835 ، باب من عقد على امرأة. ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 15 ، ص 30 ، أبواب المهور ، باب 20 ، ح 4.

(13) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 497.

(14) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 467 ، ح 1872 ، باب الزيادات في فقه النكاح ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 353 ، أبواب الخيار ، باب 6 ، ح 5.

(15) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 67 ، ح 289 ، باب ابتياع الحيوان ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 353 ، أبواب الخيار ، باب 6 ، ح 3.

(16) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 25 ، ح 106 ، باب عقود البيع ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 44 ، أبواب بيع الحيوان ، باب 15 ، ح 2.

(17) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 373 ، ح 1509 ، باب المهور والأجور ، ح 72 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 44 ، أبواب بيع الحيوان ، باب 15 ، ذيل ح 2.

(18) « الكافي ج 5 ، ص 212 ، باب شراء الرقيق ، ح 17 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 43 ، أبواب بيع الحيوان ، باب 15 ، ح 1.

(19) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 10 ، ص 69.

(20) « الحاشية على الروضة » ص 367 ـ 368.

(21) « القواعد الفقهية » ج 2 ، ص 7 ، قاعدة عدم ضمان الأمين.

(22) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 182 ، ح 798 ، باب العارية ، ح 1 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 124 ، ح 441 ، باب أنّ العارية غير مضمونة ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 237 ، أبواب كتاب العارية ، باب 1 ، ح 6.

(23) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 489.

(24) « المكاسب » ص 281.

(25) « المكاسب » ص 281.

(26) « الكافي » ج 5 ، ص 212 ، باب شراء الرقيق ، ح 16 ، « وسائل الشيعة » ج 13 ، ص 175 ، أبواب كتاب الشركة ، باب 1 ، ح 8.

(27) « السرائر » ج 2 ، ص 349.

(28) « اللمعة الدمشقيّة » ج 4 ، ص 201.

(29) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 106.

(30) « الدروس الشرعية » ج 3 ، ص 223 ـ 224.

(31) « الدروس الشرعية » ج 3 ، ص 333.

(32) « التنقيح الرائع » ج 2 ، ص 120.

(33) « شرائع الإسلام » ج 2 ، ص 251.

(34) « جواهر الكلام » ج 30 ، ص 190.

(35) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 264 ، ح 1142 ، باب تفصيل أحكام النكاح ، ح 67 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 149 ، ح 548 ، باب أنّه إذا شرط ثبوت الميراث. ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 487 ، أبواب المتعة ، باب 32 ، ح 7.

(36) « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 264 ، ح 1141 ، باب تفصيل أحكام النكاح ، ح 66 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 149 ، ح 547 ، باب أنّه إذا شرط ثبوت الميراث. ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 486 ، أبواب المتعة ، باب 32 ، ح 5.

(37) « الكافي » ج 5 ، ص 465 ، باب الميراث ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 264 ، ح 1140 ، باب تفصيل أحكام النكاح ، ح 65 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 149 ، ح 546 ، باب أنّه إذا شرط الميراث في المتعة. ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 14 ، ص 485 ، أبواب المتعة ، باب 32 ، ح 1.

(38) « عيون أخبار الرضا 7 » ج 2 ، ص 46 ، ح 168 ، « عوالي اللئالي » ج 2 ، ص 248 ، ح 17.

(39) « الدروس الشرعية » ج 3 ، ص 246.

(40) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 23 ، ح 42 ، « مستدرك الوسائل » ج 13 ، ص 237 ، أبواب عقد البيع ، باب 10 ، ح 1.

(41) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 490.

(42) « جامع المقاصد » ج 4 ، ص 413 و 432.

(43) « المكاسب » ص 283.

(44) « المكاسب » ص 283.

(45) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 490.

(46) « المبسوط » ج 2 ، ص 151.

(47) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 492.

(48) « جامع المقاصد » ج 4 ، ص 422.

(49) « الروضة » ج 3 ، ص 506.

(50) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 492.

(51) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 492.

(52) « إيضاح الفوائد » ج 1 ، ص 514.

(53) « تذكرة الفقهاء » ج 1 ، ص 494.

(54) « الفقيه » ج 3 ، ص 239 ، ح 3875 ، باب بيع الكلاء والزرع. ، « تهذيب الأحكام » ج 7 ، ص 153 ، ح 675 ، باب أحكام الأرضين ، ح 24 ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 361 ، أبواب الخيار ، باب 14 ، ح 1.

(55) « السرائر » ج 1 ، ص 47.

(56) « إيضاح الفوائد » ج 1 ، ص 515.

(57) « المكاسب » ص 287.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.