المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16290 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آيات الله في الهداية الفطرية والغريزية للإنسان والحيوان‏  
  
11165   06:23 مساءاً   التاريخ: 3-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القرآن
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 103- 117.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /

ليس البشر فحسب بل الكثير من الأحياء الأخرى‏ تولد من أمهاتها ولديها حصيلة من العلوم والمعارف الفطرية والغريزية ، العلوم التي لم يكن ثمّة معلم يعلمها وليست وليدة التجربة والاختبار ، بل إنّ المعلم الأول هو الذي أودعها منذ البداية في عمق وجود الإنسان وسائر الحيوانات بطريقة تثير العجب والذهول.

إنّ دراسة هذه العلوم والمعارف والهداية الفطرية والغريزية تعد آيات عظيمة على‏ عظمة اللَّه وعلامة بيّنة لعلمه وقدرته.

وبهذه الإشارة القصيرة ، نقرأ خاشعين للآيات الكريمة أدناه :

1- {قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى‏ كُلَّ شي‏ء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}. (طه/ 50)

2- {أَلَمْ نَجْعَلْ لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانَاً وَشَفَتْينِ* وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد/ 8- 10).

3- {فأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاهَا}. (الشمس/ 8)

4- {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّيْنِ حَنِيْفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيْلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّيْنُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم/ 30) .

5- {الَّذِى عَلِّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق/ 4- 5) .

6- {الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرآنَ* خَلَقَ الإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن/ 1- 4)

7- {فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (الغاشية/ 21)

جمع الآيات وتفسيرها

أستاذ الأزل :

الآية الأولى‏ من الآيات التي اخترناها في بحثنا هذا تتناول حوار موسى‏ بن عمران عليه السلام مع فرعون ، فعندما سأله فرعون وأخاه هارون : من هو ربّكما هذا الذي تدعوان له ؟ أجابه فوراً : {رَبُّنا الَّذي أعْطى‏ كُلَّ شَي‏ءٍ خَلْقَه ثُمَّ هَدى}.

واضح أنّ كل موجود خلق من أجل هدف ، وكل صنف من أصناف النباتات والحيوانات والموجودات سواء كانت طيوراً أو حشرات أو حيوانات أو صحارى‏ أو بحاراً ، كلٌ خُلِقَ لبيئة خاصة ، ونرى‏ بوضوح أنّ لها انسجاماً كاملًا مع بيئتها وقد زوّدت بما تحتاج إليه ، هذا في المرحلة الابتدائية من خلقها.

أمّا في مرحلة الهداية التكوينية فنشاهد بجلاء أن ليس هنالك موجود يترك لحاله بعد خلقه بل إنّه يُساق نحو أهدافه بتوجيه خفي ، وللكثير منها علوم ومعارف لم تصلهم بلا شك عن طريق التجربة الشخصية ولا عن طريق تعليم المعلم ، إنّ هذه الهداية التكوينية والعلوم والمعارف من آيات الذات المقدّسة التي خلقت هذا العالم الكبير وما انفكت تهديه وتسيّره.

وبالطبع فإنّ هذا الكلام لا يخص الإنسان وحده ، بل إنّ مفاد الآية هو بحث كلي وجامع وعام يشمل أفراد البشر ، وهذا أمر يختلف عن هداية الأنبياء والرسل المسماة بالهداية التشريعية والخاصة بالإنسان.

إنّ الطفل الذي يولد من أمّه يتّجه وبدون أي مقدّمة نحو ثدي الأم بفمه ويمتص عصارة روحها ، وتارة يضع يديه الصغيرتين على الثدي فيحرك منابع اللبن فيه ، من اين تعلم هذا الدرس الذي يضمن لهُ تغذيته واستمرار حياته؟

من اين يعلم أنّ أفضل سبيل لرفع حاجاته التي لا يستطيع القيام بها هو «البكاء» البكاء الذي يهز الأم في نومها ويقظتها ويفرض عليها معونته ، وكذلك العلوم والمعارف الأخرى‏ التي يستفيد منها الإنسان في مراحل أخرى‏ من دون الحاجة إلى معلم.

يوجد في آيات أخرى‏ من القرآن ما يشبه هذا المعنى‏ : نقرأ في قوله تعالى‏ : {وَالَّذى قَدَّرَ فَهَدى}. (الأعلى/ 3)

وفي الآية الثانية من الآيات المخصصة لبحثنا هذا وعند تذكير الإنسان بنعمه عليه ، يقول بعد الإشارة إلى‏ نعم العين واللسان والشفاه :{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.

«نجد» : في اللغة بمعنى‏ المكان المرتفع والفلاة ، وهي تقابل‏ «التهامة» التي تطلق على‏ الأراضي المنخفضة والواطئة والمساوية لمستوى سطح البحر وما شاكل ، وانطلاقاً من أنّ المعرفة بأُسس السعادة وطرقها وسلوك هذه الطريق يشبه إلى حدٍ ما سلوك الطرق المرتفعة بما فيها من مشاق ومشاكل كثيرة ، فقد استعملت مفردة «نجد» هنا بمعنى‏ طريق الخير ، ثم جاء الاطلاع على‏ طرق الشر إلى‏ جانبها بعنوان‏ «التغليب» ، وعليه يكون معنى‏ الآية هو : «إنّا هدينا الإنسان إلى‏ هذين المكانين المرتفعين» ، وهذان المكانان هما طرق الخير والشر.

لهذا نقرأ في حديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله : «يا أيّها الناس ! هما نجدان : نجد الخير ونجد الشر ، فما جُعِلَ نجد الشر أحبَّ إليكم من نجد الخير» «1».

يحصر البعض من ذوي النظر المحدود مفهوم الآية الواسع في داخل موضوع محدود ، ويقولون : إنّ المقصود من هذين المكانين المرتفعين هما ثديا الأُم! وقد ورد في الحديث أن الإمام علي عليه السلام سُئِل عن معنى‏ {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وهل تعني ثديي الأم كما يدعي البعض.

إنّ الهداية الإلهيّة في هذا المجال تحصل طبعاً عن طرق مختلفة ، عن طريق الوجدان الأخلاقي ، الفطرة ، الدلائل العقلية ، وتعاليم الرسل (أي أنّها تشمل أنواع الهداية التكوينية والتشريعية) ، لكن سياق الآيات يناسب الهداية التكوينية أكثر.

وفي الآية الثالثة بعد القسم بروحِ الإنسان ، وخالق الروح ، يشيرُ إلى‏ مسألةٍ الهامِ الفجورِ والتقوى‏ ويقول : إنَّ اللَّه تبارك وتعالى‏ ألْهَمَ نَفْسَ الإنسانِ الفجور والتقوى‏ : {فَأَلْهَمَها فُجُوْرَهَا وَتَقْوَاهَا} ، و«الالهام» مِنْ مادة (لَهْمْ) على‏ وزن (فَهْمْ) أي (ابتلاع) أو (شرب) الشي‏ء «2».

ثم جاءت بمعنى‏ القاء الأمر في قلب الإنسان من قبل الباري تعالى‏ ، فكأنّما يلتهمُ القلبُ ذلك الأمرَ بتمامه ، وللإلهام معنىً آخر أيضاً وهو «الوحي» ، حيث استُخدِمَ أيضاً بهذا المعنى‏ أحياناً.

وتعني‏ «الفجور» خرقَ حجابِ التقوى‏ ، وارتكاب الذنوب ، وهي من مادة «فَجْر» التي تعني الانشقاق الواسع ، أو انكشاف ظلمة الليل بواسطة بياض الصبح.

و «التقوى‏» : من مادة «الوقاية» ، وتعني‏ (الصيانة) ، والمقصود هنا الأساليب التي تمنع الإنسان من التلوث بالذنوب والقبائح.

من هنا يُفهمُ بوضوح من هذه الآيةِ أنّ اللَّه تبارك وتعالى‏ قد أوْدَعَ مسألةَ إدراكِ الحُسْنِ والقُبحِ العقليين وفَهْمِ الحَسَنِ والسي‏ء بشكلٍ فطريٍّ داخل روح الإنسان كي يهديه الطريق نحو السعادة والتكامل.

وورد في حديثٍ للإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «بيَّنَ لها ما تأتي وما تترك» «3» ، فالمقصود هو أنَّ اللَّه بيَّنَ للإنسان ما يجب فِعْلُهُ وما يجب تَركُه أو بتعبير آخر علَّمَهُ‏ (الواجبات ، والمحرمات).

وحول السبب في تقدُّم‏ «الفجور» على‏ «التقوى‏»؟ يقول بعض المفسِّرين : لأنَّ «التَّطهرَ من الذنوب» يُمثلُ الأرضيةَ ل «التحلي بالتقوى‏» ، باعتبار أنّ (التخلية) تكون قبل‏ (التحلية) ، و(التطهير) قبل «اعادة البناء» دائماً «4».

على‏ أيّةِ حالٍ ، فلو لم يكن إدراكُ حُسْنِ وقُبحِ الأفعالِ فطرياً بالنسبة للإنسان ، أي لو كانت هناك حاجة للاستدلال من أجل فَهمِ قُبحِ الظلم وحُسنِ العدل والاحسان والأعمال الاخرى‏ فمن المسلَّم إنّه سيختلُ نظام المجتمع البشري ، لأنَّ الكثير من الاختلافات العقائدية تنشأ عن الاستدلالات النظرية ، حيثُ لا يوجد أساسٌ وجدانيٌ متين لهذا المعنى‏ ، فيمنحُ كلُّ شخصٍ لنفسهِ حريةَ القيام بأيِّ عمل.

اجلْ إنَّ هذه الهدايةَ الالهيةَ في الحياة الاجتماعية للإنسان مصيريةٌ إلى‏ أبعدِ الحدود ، وهذه النعمةُ وهذه الهدايةُ مهمّةٌ إلى‏ الحدِّ الذي لا يمكن قياسُها بسائر النِّعم الاخرى‏.

وفي الآية الرابعةِ طُرحت مسألةُ فطرية الدين ، وهو (الدين الحنيف) أي الخالي من كل أشكال الهوى‏ والاتجاه نحو الباطل والانحراف ، والطاهر من كافة أشكال الشرك والتلوث :

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّيْنِ حَنِيْفَاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}.

والاستفادة من تعبير «الدِّين» نظراً لسعة مفهومهِ ، حيث يشمل جميعَ اصول الدين ، والحد الأدنى‏ من مجموع فروع الدين ، بأنّه ليس معرفة اللَّه والتوحيد فقط ، وإنّما اصول وفروع الدين كافة اودعَتْ منذ البداية في روحِ الإنسان بنحوٍ اجماليٍّ وبصورةٍ فطريةٍ ، وهذه هي «الهدايةُ التكوينية» التي يُمكنُ أن تُوجِدَ أكثر الآثار جاذبية لدى‏ الإنسان فيما لو تناغمت مع «الهداية التشريعية» للأنبياء عليهم السلام.

بناءً على‏ ذلك فانَّ أصلَ كلِّ دعوةٍ موجودةٍ في الشريعةِ له وجود في أعماق فطرةِ الإنسان ، ولا يعارضُ أيُّ دينٍ الإرادات الفطرية للإنسان ، بل يرشدُها وَيكْملها من خلال الطريق المشروع ، ولهذا فانَّ التعبُّدَ والتَّدَيُنَ موجودان داخل روحِ الإنسان بصفتهما هدايةً تكوينية ، وإذا ما حصلَ انحرافٌ ما فانَّهُ طارى‏ءٌ ، لهذا فانَّ دور الأنبياء عليهم السلام هو ازالةُ هذه الانحرافات الطارئة كي تحصلَ إمكانية تَفَتُح الفطرةِ الحقيقية.

وقد تحدثت الآية الخامسة عن التعليم الإلهي بواسطة القلم ثم أشارت بشكل عام إلى تعليم الإنسان للمسائل التي يَجهلُها إذ يقول تعالى‏ : {الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الانْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ}.

قد يكون التعليم الإلهي بواسطة القلم إشارة إلى‏ القراءة والكتابة التي حدثت لأول مرّة على‏ أيدي الانبياء عليهم السلام‏ «5» ، أو لأنَّ اللَّه تباركَ وتعالى‏ قد أوْجَدَ هذا الذوق والقابلية لدى‏ الإنسان هدايةً فطرية حيثُ اْبتُدِعَ بعد اتضاحِ القراءةِ والكتابةِ ، فبدأت مرحلة ما بعد التاريخ مع إيجاد الخط (حيث نعلمُ أنّ الفاصل الزمني بين مرحلتي ما قبل التاريخ وما بعد التاريخ هي مسألة اكتشاف الخط).

على‏ أيّةِ حالٍ ، فقد حصلَ التعليمُ بالقلم عن طريق الهدايةِ الإلهيّة.

ويُمكن أن تكون جملةُ {عَلَّمَ الانْسَانَ مَالَمْ يَعلَمْ} إشارة إلى‏ العلوم الفطرية المختلفة التي أودَعَها اللَّه تعالى‏ فكر الإنسان ، المتضمنة لإدراك القُبحِ والحُسْن ، والفجور والتقوى‏ وكذلك القضايا البديهية التي تكون أساساً للقضايا النظرية في العلوم الاستدلالية ، والاطّلاع على‏ قواعد الدين واصول الأحكام الإلهيّة أيضاً.

وفي الآية السادسة بَعْدَ أن يَنسِبَ تعليمَ القرآن إلى‏ اللَّه الذي هو مصدرُ جميع الرحمات والكرامات ، يتحدثُ عن خلقِ الإنسان ويقول : {خَلَقَ الانْسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ}.

ول «الْبَيان» : مفهومٌ عامٌ حيثُ يُطلقُ على‏ كلِّ شي‏ءٍ موضِّح كأنواع الاستدلالات العقلية ، والمنطقية التي تُبينُ المسائلَ المعقدَّة ، أو الخط والكتابة ، أو الكلام الذي يعد من ابرز مصاديقه.

وقد اعطى‏ المفسرون احتمالاتٍ كثيرة في تفسير «البيان» ، فقد اعتبرها فريق منهم‏ بمعنى‏ بيانُ الخير والشَّر ، وفريق آخر بمعنى‏ بيانُ الحلال والحرام ، وثالث اعتبرها بمعنى‏ الاسم الأعظم ، ورابع بمعنى‏ تعليم اللغة «6».

لكن من الواضح أنّ ظاهر (البيان) هو التكلُّم ، وتبدو بقية الاحتمالات ضعيفة «7».

وهنا كيف علَّمَ اللَّه تعالى‏ الإنسان التكلُّمَ؟ قال بعض المفسرين : إنَّ اللَّه هو الذي «وَضَعَ اللغات» ثم علَّم الأنبياء عليهم السلام عن طريق الوحي ، لكن يبدو أنّه ليس هناكَ دليلٌ واضحٌ لهذا الرأي ، إنّما المقصود هو الالهام الباطني من قبل اللَّه تعالى‏ للإنسان ، حيث استطاع من خلال ايجاد الصوت عن طريق الحنجرة ، ثم إيجاد الحروف عن طريق حركة اللسان والاعتماد على‏ مخارج الحروف ، ثم تركيبها مع بعضها وإيجاد الكلمات ، ثم تسمية الأشياء والمفاهيم المختلفة ، بحيث يعكس مقاصدهُ الباطنية والمفاهيم المادية والمعنوية ، الجزئية والكلية ، المستقلة وغير المستقلة كافة عن هذا الطريق السهل الذي هو في متناول أيدي الجميع ، والحقيقة أنّه لو لم تكن هذه الهِبَةُ الالهيةُ الخلّاقة ولم يعرف الإنسان التكلُّمَ لَما وُجِدَتِ الحضارة ، ولَما ارتقى‏ العلمُ إلى‏ هذا الحد ، ولَما تمكَّنَ الإنسانُ من بناء قواعد حياتهِ على‏ أساسِ التعاون الجماعي ، لأنَّ التعاونَ فرعٌ من علاقة التقارب مع الآخرين.

وورد في تفسير الميزان أنّ من أقوى‏ الأدلة على‏ أنَّ اهتداء الإنسان إلى‏ «البيان» قد تم بالهامٍ الهيٍّ ، هو اختلافُ اللغات باختلاف الامم والطوائف في الخصائص الروحية والاخلاقية والنفسانية وبحسب اختلاف المناطق الطبيعية التي يعيشون فيها «8».

وقد قدَّرَ بعض المحققين عدد اللغات الموجودة في العالم ب «ثلاثة آلاف لغة» ، وقال بعضهم أنّ العدد يفوق ذلك‏ «9».

وهذا الاختلاف عجيبٌ حقاً ، وهو من براهين قدرةِ وعظمةِ اللَّه تبارك وتعالى‏.

فأَصلُ التكلم مِن آيات اللَّه العظيمة ، وهذا التنوع في اللغات آيةٌ عظيمةٌ اخرى‏ ، وكلاهما يعتبر من خصائص خلقةِ البشر.

من الممكن أن تنطقَ بعضُ الطيور عن طريق التعليم المتكرر عبارات جذابة ، ولكن- ممّا لا شك فيه- أنّ عَمَلَها ليس إلّا تقليد لألفاظ محدودةٍ صادرةٍ عن الإنسان من غير ادراكٍ لمفاهيم هذه الالفاظ ، فالانسانُ وحدهُ الذي يستطيع- بنحوٍ غير محدودٍ وبادراك تام- أن يكوِّنَ جُمَلًا ويصب فيها مفاهيم مختلفةً ويعّبر عنها.

وفي‏ (توحيد المفضل) ، يلفتُ الإمام الصادق عليه السلام النظر إلى‏ هذه الآية العظيمة ، حيث يقول عليه السلام للمفضل : «... اطِلَ الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان ، فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت ، واللسان والشفتان والاسنان لصياغة الحروف والنغم ، الم تر أن من سقطت أسنانه لم يقم السين ، ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ، وأشبه شي‏ء بذلك المزمار الأحمر ....» «10».

ثم يشرحُ الإمام عليه السلام تفاصيلَ ذلك للمفضل ويدعوه إلى‏ التفحص بهذا الأمر.

وفي الآية السابعة والأخيرة من بحثنا ، يخاطبُ تعالى‏ الرسولَ صلى الله عليه و آله ويأمُرُهُ : «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أنْتَ مُذَكِّر» ، فقد يكون المقصود من «التذكير» إشارة إلى‏ أن حقائق هذه العلوم والمعارف وخلاصتها موجودة في وجدان وروح الإنسان طبقاً للهداية الإلهيّة ، ثمَّ تتفتحُ هذه العلوم في ظل تعاليم الأنبياء والرُسل (عليهم السلام) ، حيث تخرج من مرحلة «الخفاء» إلى‏ مرحلة «الظهور» ، ومن «الاجمال» إلى‏ «التفصيل» ومن «الباطن» إلى‏ «الظاهر».

وقد وردت هذه الآية أربعُ مراتٍ في القرآن الكريم في سورة القمر عند بيانِ وقائعِ قومِ‏ «فرعون» و «عاد» و «ثمود» و «لوط» حيث يقول تعالى‏ : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرآنَ لِلذَّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ}. (القمر/ 17 ، 22 ، 32 ، 40)

وهذا الكلامُ معروفٌ أيضاً عن بعض الفلاسفة اليونانيين ، حيث يقولون : «ليست العلومُ والمعارف إلّا التذكير ، ولقد اودِعت جميعُ القواعد العلمية روح الإنسان دون استثناء ، وقد نَسِيَها الإنسانُ إلّا أنّها تعود إلى‏ الذاكرة بمساعدة المعلمين».

يقول الفخر الرازي في تفسيره : «لو قال قائلٌ : هذا يقتضي وجودَ أمرٍ سابقٍ فنسيَ ، ونقول : ما في الفطرة من الانقياد للحقِّ هو كالمنسي فهل من مدَّكر يرجع إلى‏ ما فُطِرَ عليه» «11».

على‏ أيّةِ حالٍ ، فإنّ جميع هذه الآيات دليلٌ حيٌ على‏ الهداية الإلهيّة الفطرية للإنسان.

توضيح‏

الهداية الفطرية و الغريزية في العلم المعاصر :

مع تطور علم النفس ، وعلم التحليل النفسي ، وبحوث العلماء حول الحواس ذات الأسرار الغريبة للحيوانات ، اكتُشِفت الكثير من أسرار الهداية الفطرية والغريزية الغريبة والمدهشة في عالم الأحياء ، ونواجه ظواهر تعجز العلوم عن تفسيرها ، ولا يمكن أبداً الوقوف على‏ مصدر هذه الهدايات ، إلّا أنّ نُسَلِّمَ بأنَّ مبدى‏ء عالم الوجود الذي تَكفَّل بهداية جميع الكائنات هو الذي وَهَبَ هذه العلوم عن طريق الالهام الفطري الخفي للإنسان أو الحيوانات.

ولدينا في هذا المجال قدر وافر من الشواهد بحيث لو جُمعت لشكَّلت كتاباً كبيراً ، منها الحالات الدقيقة الآتية :

1- إنّ الطفل حين ولادته يعرفُ جيداً ومن دون الحاجةِ إلى‏ معلِّمٍ كيفية الامساك بالثدي والرضاعة ، واستخدام اليد والأصابع لهذا العمل ، وعكس وايصال حاجاته إلى‏ الأُم عن طريق البكاء ويكون حاملًا لاستعدادات خفية اكتسبها من أمُه ، من بينها : ابتداع الكلمات ، قابلية التكلم وفهم اللغات بالأضافة إلى إدراك الحسن والقبح وقسم كبير ممّا يجب وما لا يجب ويحمل في نفسه بشكل فطري معرفة عالم الوجود بالإضافة إلى معرفة اللَّه سبحانه وتعالى.

يقول أحد العلماء : حينما تحتضنُ الامهاتُ أطفالهنَّ لتهدئتهم فهنَّ يضعنهم على‏ الجانب الايسر من الصدر بلا علمٍ منهنَّ بهذا الفعل ، حيثُ يضعْنَ أطفالهن بجوار قلوبهن ، فيهدأ الطفل بمجرد سماعه ضربات قلب الأُم لأنّه اعتاد على سماع هذا الصوت عندما كان جنينا في بطن أُمه وقلما توجد ام ملتفتة إلى‏ هذه المسألة ، ولذا فانّها تؤدّي عملَها هذا في هذا المجال بالهام فطريٍّ محض.

2- إنَّ مسألةَ الهداية الفطرية والغريزية في عالم الحيوان أوسعُ بكثير عمّا هي عليه في الإنسان ، حيث يعرض علماء العصر نماذجَ مدهشةً منها ، فقد جاء في كتاب‏ (البحر دار العجائب) تأليف‏ (فرد ديناندلين) ما يأتي :

«إنّ تصرفات بعض الأسماك تُعدّ من أسرار الطبيعة حيث يعجز كلُّ إنسانٍ عن بيان سببها ، فاسماك ال (قزل آلا) تترك مياه البحر لتعود إلى‏ مياه الأنهار العذبة التي بدأت حياتها فيها ، وتسبح بجدٍ في الاتجاه المعاكس لتيار الماء ، وتقفز من فوق الصخور ، بل وتصعد أعلى‏ الشلالات أيضاً ، وقد تملأ النهر لكثرتها أحياناً ، وعندما تصل هذه الأسماك إلى المكان الذي تبحثُ عنه تضع بيوضها ثم تموت!

فكيف تهتدي هذه الأسماك إلى‏ الأنهار المناسبة يا ترى‏؟ أنّها أكثرُ إثارة للعجب من اختراع المذياع والتلفاز ، لأنّها لا تمتلك خارطةً ، كما أنّ قابليتها على الرؤية تحت الماء ضعيفة ، وليس هناك من يُدِّلُّها على‏ الطريق‏ «12».

3- وجاء في نفس ذلك الكتاب : «إنَّ تصرفَ‏ (الجريّ) أكثرُ عَجَباً من هذا ، فحينما يبلغ سمك الجريّ «الانجليزي» ثماني سنوات يهجُر الحوض أو النهر الذي يعيش فيه ويزحف ليلًا كالأفعى‏ على‏ الاعشاب الرطبة حتى‏ يصل إلى‏ شاطى‏ء البحر ، ثم يطوي المحيط الاطلسي سباحةً ويتجه نحو المياه القريبة من‏ (مثلث برمودا) حيث تضع الاناث بيوضها تحت الماء هناك وتموت ... والمدهش أنّ صغار سمك الجريّ تعوم على سطح الماء ثم تبدأ سَفَراً طويلًا نحو الوطن الأُم ، حيث تستغرق هذه الرحلةُ سنتين أو ثلاث سنوات !

فكيف يعرف الجريّ هدفه هذا مع أنّه لم يسلك هذا الطريق أبداً ؟ !

إنّ الجواب عن هذا السؤال يستوي فيه جميع الناس حتى‏ أعلم العلماء وهو (لا أعلم) «13».

4- يقول‏ (فيتوس درفيشر) مؤلفُ كتاب‏ (الحواس الخفيّة للحيوانات) : «لقد اكتشفَ العلماءُ أسراراً مذهلة عن الخفاش ، منها وجود أربعةِ أنواعٍ من الخفافيش التي تصطاد الأسماك ، فهي تحلق ليلًا فوق الماء وتمد أرجُلَها فيه فجأةً لتصطاد سمكةً وتأكلها ، إنّه سرٌ مدهشٌ فمن اينَ لها العلمُ بانَّ في تلك النقطة سمكةٌ تسبح تحت الماء؟ لم يفلحُ الإنسانُ بالقيام بهذا العمل حتى‏ الآن بالرغم من وسائله واختراعاته العلمية ، فلا تستطيع أيُ طائرةٍ قاذفةٍ أن تحدِّدَ مكاناً معيناً لغواصةٍ تحتَ الماء ، وإن استطاعت فعليها أن تطلق موجات خاصة على‏ الماء كي تحدد مكان الغواصة من خلال الذبذبات التي تنبعث من الغواصّة إلى‏ الطائرة بواسطة الأمواج اللاسلكية.

أجَلَ ، فالطائرة على‏ عكس الخفاش لم تستطع الاطّلاع مباشرةً على‏ مكان وجود الهدف الذي تحت الماء ، .. يقول البروفسور (غيري فون) «ليس هناك توضيحٌ يمكنُ قبوله لهذا الموضوع أبداً».

ثم يضيف قائلًا : «ولم يكتشف الإنسان شيئاً حتى‏ الآن إلّا ويجد الطبيعة قد سبقته إليه».

ومن الطبيعي أن يبعث هذا الاكتشاف عند الإنسان الغرور ، لكنه لا يلبث أن يجد نفسه متأخراً عن الطبيعة في هذا المضمار.

لهذا فقد استحدثَ العلماء الاميركيون علماً جديداً باسم‏ «البولوجيا»- علم البيئة- ، وهدفه تعلم الفنون والأساليب الجديدة من الدروس التي تمنحها لنا الطبيعة من خلال الوصول إلى‏ أسرارها.

ثم يضيف قائلًا : «لو وضعنا أحد هذه اللبائن‏ (الخفاش) في صندوقٍ مُقفَلٍ مُظلمٍ وابتعدنا به ثلاثمائة كيلو متر عن عُشِّهِ ثم اطلقناه ، نجده يعود مباشرةً وبأقصر وقتٍ إليه بالرغم من كونه شبه أعمى‏ ، وكون ذلك المكان مجهولًا بالنسبة إليه» «14».

5- ويوضح الكاتب المعروف‏ (غرسي موريسن) في كتابه‏ (سرُّ خلق الإنسان) وفي ‏فصوله تحت عنوان‏ (الشعور الحيواني) ، صوراً لنماذج من هذا القبيل منها :

إنّ الطيور تبني وتوجد أعشاشها بشكلٍ غريزي (على‏ الرغم من أنّها لم تَرَ نموذجاً من قبل) ، فطيرُ السنونو الذي يبني عُشَّهُ في رواق البيوت يهاجر في فصل الشتاء إلى‏ المناطق الدافئة ، وأمّا إذا لاحت طلائع الربيع فهو يعود إلى‏ وكره.

والكثير من الطيور تهاجر نحو الجنوب والمناطق الحارة ، وأغلبها يقطع مئات الفراسخ براً وبحراً إلّا أنّها لا تضِّل الطريق إلى‏ أوكارها أبداً.

والأسماك الحرّة تعيش سنواتٍ عديدةٍ في البحر ، ثم تعود إلى‏ النهر الذي جاءت منه ، والاكثر عجباً أنّها تقفزُ من شاطى‏ء النهر المرتفع وتذهب إلى‏ النهر الذي وُلدت فيه ...

فالأسماك الحرّةُ تَتَبعُ شعورها الباطني ، وتذهب إلى‏ الساحل الذي كان محلًا لنشوئها ونموها ، فأيُّ شعورٍ يؤدّي إلى‏ أن يعود هذا الحيوان إلى‏ وطنه بهذا النحو الدقيق؟ «لا عِلم لأحد».

فلو أخرجنا فَرخَ طيرٍ من عشِّه وقمنا بتربيته في بيئةٍ اخرى‏ ، فهو يبدأ ببناء عشٍ له عند بلوغه مرحلة الرشد والتكامل وبالأسلوب الذي يتبعهُ أبواه ، فهل أنَّ الأعمال المحدّدة والمختلفة التي تصدر عن جميع مخلوقات الأرض تحدث صدفةً ، أم أنَّ العقل والشعورَ العام يؤدّي إلى‏ صدورها؟ «15».

6- ويقول أحد العلماء الفرنسيين ويدعى‏ «فارد» بصدد طائرٍ يسمى‏ (اكسيكلوب) ما يأتي :

«لقد درست أحوال هذا الطائر ، فوجدت من خصائصه أنّه يموت عندما يُكملُ وَضْعَ بيوضه ، أي أنّه لا يرى‏ فراخه أبداً ، ولذلك فانَّ الفراخَ سوف لن ترى‏ وجهَ الأم الملي‏ء بالحنان إلى‏ الأبد ، وعندما تخرج من البيضة تكون على هيئة اليرقة عديمة الريش والأجنحة ولا قدرةَ لها للدفاع عن نفسها تجاه ما يهدد حياتها ، لذلك فعليها البقاء لمدة سنةٍ كاملة على‏ هذه الحال وفي مكانٍ آمنٍ ، وأن يكون غذاؤها إلى‏ جانبها ، لهذا فحينما تشعر الأُم بحلول موسم وضع البيوض تبحث عن مقطعٍ خشبي فتقوم بثقبه ، ثم تشتغل بجمع الأطعمة ، فتجمعُ الأوراق والاغصان التي يمكن استخدامها لتغذية فراخها لمدّة سنةٍ كاملة وتُعدُّهُ لواحدٍ من هذه الفراخ ، ثم تضعه في نهاية الثقب وتضع عليه بيضةً واحدة وتبني فوقه سقفاً قوياً نسبياً من عجينةِ الخشب ، وتبقى‏ تشتغل بجمع الأطعمة ، وبعد تأمين قوت سنةٍ كاملةٍ لفرخٍ آخر ووضعها على‏ سقف الطبقةِ الاولى‏ تضع بيضةً اخرى‏ ثم تبني طبقة ثانيةً ، وهكذا تقوم ببناء عدةِ طبقاتٍ ثم تموت بعد الفراغ من العمل! (تأمّلوا جيداً .. من اين جاءت معرفةُ هذا الطائر الضعيف بأنَّ لفراخه مثل هذه الحاجات؟ ومِمَّ استلهم هذه التعاليم؟ فهل تعلَّمها من أُمه؟ في الوقت الذي لم يَرَها أبداً ، أم من خلال التجربة ، علماً أنّ هذا العمل لا يقع إلّا مرّةً واحدةً في حياته ...

ألا يجب الاعتراف بأنَّ هذا الفعل يستندُ إلى‏ الهامٍ غيبي وغريزي حيث وضعته يد القدرة الإلهيّة في كيانه؟!).

7- يقول العالم النفساني الروسي المعروف‏ (بلاتونوف) في كتابه‏ (علم النفس في الاتحاد السوفيتي) :

«التقيتُ أثناء الحرب العالمية العظمى‏ صدفةً بطبيب لم يَرَ النومَ لبضعِ ليالٍ ، ثم تمكَّنَ من النوم قليلًا ، وأثناء ذلك جي‏ء بعددٍ كبيرٍ من الجرحى‏ الذين يجب علاجهم فوراً ، إلّا أنَّ الطبيب المذكور لم يستيقظ ، فحرّكناه وسَكَبنا الماء على‏ وجهِه ، فكان يحرِّكُ رأسه ويعود إلى‏ النوم ، فأشرتُ إلى‏ الموجودين بالسكوت «كي اوقظَهُ» ، ثم قلتُ له بهدوء وبشكلٍ واضحٍ : أيّها الطبيب جاؤوا بالجرحى‏ وهم بحاجةٍ ماسةٍ إليك ، هنا استيقظ فوراً.

ثم يضيف : كيف يمكنُ تبريرُ هذا الأمر ، فهؤلاء الذين كانوا يسعونَ لإيقاظه كانوا يوجهون التأثيرات على‏ القسم غير الفعال من دماغه ، بينما وضعتُ‏ «دائرة الحراسة من المخ» في حالة انذار وترقب فهذا الجزء يبقى‏ مستيقظاً حتى‏ في أعمق حالات النوم ، ومن خلال دائرة الحراسة هذه يقيم الإنسانُ علاقاته مع العالم الخارجي (ويودع المسائل التي يرغبُ بها في هذه الدائرة بلا قصد منه).

والأُمُ التي تنام إلى‏ جانب طفلها المريض ولا يمكن لأعلى‏ صرخات الذين من حولها أن توقظها ، تستيقظ لأقلِّ أنَّةٍ تصدر من طفلها.

والطّحان الذي ينامُ عند حدوث العواصف المصحوبةِ بالبرق والرعد يستيقظ بمجرّد توقف طاحونته عن العمل ، كل ذلك بسبب ايداعهم لما يريدونه في دائرة الحفظ في المخ في حالة اللاشعور» «16».

8- ويقول‏ (درفيشر) في كتابه حول الحمام الزاجل وعودته المدهشة إلى‏ عشّه :

«لو وضعنا هذا الطائر في صندوقٍ مقفلٍ مظلمٍ وأبعدناه مئات الكيلو مترات عن وكره ، وسلكنا به الطرق الملتوية والمعقّدة أثناء رحلتنا ، فانّه حال اخراجه من الصندوق يطيرُ مباشرةً نحو عشِّه بعد عشرٍ أو عشرين ثانيةٍ من رؤية النور ، وقد ثبتَ ذلك عن طريق الاختبارات المتكررة التي قام بها عالمٌ معروفٌ يُدعى‏ الدكتور «غرامر » .. ويمكن توضيح اسلوب عمله بهذا المثال : فلو أنّ هذا الطائر كان في مدينة هامبورغ فانّه يعلم أين تكون الشمس عند الساعةِ الفلانية من اليوم ، فإذا أخذوه إلى‏ مدينة «بروم» مثلًا فانّه يفهم أنَّ الشمس هناك تكون إلى الشمال من 25/ 1 درجةً شرقاً بنصف درجة.

فمن أجل عودته إلى‏ وكرهِ في هامبورغ يجب عليه التحليق نحو الشمال الشرقي مع الأخذ بنظر الاعتبار وضع الشمس في هامبورغ.

إلّا أنّه ليس معلوماً كيف تقوم هذه الطيور بتحديد طريقها عندما يكون الجوُّ غائماً حيث تختفى‏ الشمس؟ لقد أثبتت التجارب أنَّ أغلبها يجد طريقه بدون الاستفادة من حركة الشمس كبوصله لتحديد اتجاهها» «17».

ولو فرضنا أنَّ هذه الطيور تستفيد من حركة الشمس ، فمن المسلَّم به عدم مقدرتها على تعيين الزوايا ، وهي زوايا صغيرة جدّاً ، لا يمكن قياسها الامن خلال الاستعانة بالمنقلة لتحديدها ، وهذه مسائل لا يمكن تفسيرها إلّافي ظل الهداية التكوينية الإلهيّة.

إنَّ هذا الطائر ومئات مثلُهُ دليلٌ حيٌّ على‏ أنّ وراءَ الطبيعةِ علماً وقدرةً لا متناهيةً تهدي وتقود كلَّ موجودٍ في مسيرة حياته ... نعم كلُّ هذا دليلٌ على‏ من لا دليل له.

9- ونختم الحديث بكلامٍ ورد عن الإمام الصادق عليه السلام طبقاً لما جاء في‏ (توحيد المفضل) ، حيث يقول عليه السلام : «فكّر يا مفّضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم ، فانّهم يوارون أنفسهم إذا ماتو كما يواري الناس موتاهم ، وإلّا فأين جيف هذه الوحوش والسباع وغيرها لا يرى‏ منها شي‏ء؟ وليست قليلة فتخفى‏ لقلتها؛ بل لو قال قائل : إنّها أكثر من الناس لصدق ، فاعتبر ذلك بما تراه في الصحارى والجبال من أسراب الظبا والمها والحمير والوعول والأيائل وغير ذلك من الوحوش ، وأصناف السباع من الأسد والضباع والذئاب والنمور وغيرها ، وضروب الهوام والحشرات ودوابّ الأرض ، وكذلك أسراب الطير من الغربان والقطا والأوز والكراكي والحمام وسباع الطير جميعاً وكلها لا يرى‏ منها شي‏ء مات إلّا الواحد بعد الواحد يصيده قانص أو يفترسه سبع ....» «18».

_____________________
(1) تفسير نور الثقلين ، ج 5 ، ص 581؛ و تفسير مجمع البيان؛ وتفسير القرطبي ، وقد روي نفس هذا المعنى‏ عن الإمام الصادق عليه السلام تعقيباً على‏ الآيات المنظورة.

(2) لسان العرب مادة (لَهمْ) بناءً على‏ ذلك فحينما تستعمل هذه المادة في باب الافعال تفيد «الابتلاع والشرب» وقال بعض إنّها تستخدم في امور الخير فقط ، وإنّ المراد من الهام الفجور في الآية هو صده عن الخير أيضاً.

(3) تفسير نور الثقلين ، ج 5 ، ص 586 ، ج 7.

(4) تفسير روح المعاني ، ج 30 ، ص 143.

(5) نقل عدةٌ من المفسرين أنّ آدم عليه السلام كان أول من كتب بواسطة القلم (تفسير القرطبي ، ج 10 ، ص 7210؛ وتفسير روح البيان ، ج 10 ص 473).

(6) تفسير القرطبي ، ج 9 ، ص 6322 ، و تفسير روح المعاني ، ج 27 ، ص 86.

(7) إذا فُسِّرت (البيان) في بعض الروايات على‏ أنّها الاسم الأعظم فهو من باب ذكر المصداق الواضح.

(8) تفسير الميزان ، ج 19 ، ص 107.

(9) دائرة المعارف «فريد وجدي» ، ج 8 ، ص 364.

(10) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 71.

(11) تفسير الكبير ، ج 29 ، ص 42.

(12) البحر دار العجائب ، ص 116.

(13) البحر دار العجائب ، ص 116.

(14) الحواس الخفية للحيوانات ، ص 17.

(15) سرُّ خلق الإنسان ، الفصل 8 ، الشعور الحيواني.

(16) علم النفس في الاتحاد السوفيتي ، ص 19 «مع شي‏ء من الاختصار».

(17) الحواس الخفية للحيوانات ، ص 183.

(18) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 99 (مع شي‏ء من الاختصار).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تقدم دعوة لجامعة تكريت لمشاركة طلبتها في حفل التخرج المركزي للطلبة
العتبة العباسية تقدّم دعوة لجامعة الحمدانية لمشاركة طلبتها في حفل التخرج المركزي
العتبة العباسية تقدّم دعوة لجامعة نينوى لمشاركة طلبتها في حفل التخرج المركزي
العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية تبحثان خطّة الحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات العراقية