يميل البشر بطبيعتهم إلى التصديق؛ في مختلف المجالات. على سبيل المثال، الكثير يعتقدون بالتنجيم، رغم بعد احتماله. وكذلك العلاجات الشعبية المتناقلة شفويا، غالبًا ما يتم تقبلها دون سؤال. ذكرت أمور رائعة عن أدوية مسجّلة ببراءة اختراع على مر القرون، وعلى نحو يمكن تفهمه، أراد الناس الذين يعانون من الأمراض ذات الصلة أن يصدقوها. ذكرت دراسة حديثة في مجلة نيو إنغلاند للطب المعتبرة أن الناس في الولايات المتحدة لوحدها ينفقون 13 مليار دولار سنويا على علاجات غير فعالة أو زائفة.

كمثالٍ على هذا، ذكر جون دايموند الراحل في كتابه الرائع زيت الثعبان كيف كان أصدقاؤه ومعارفه يزودونه بمعلومات معينة لعلاج سرطان حنجرته المميت. كصحفي استقصائي، كان قادرًا على التحقق من كل معلومة. للأسف، لم تكن أي منها صحيحة.

ما إن تنتشر فكرة، حتى يكون من الصعب إزالتها، حتى لو لم تكن هناك معلومات موضوعية تساندها. إحدى الخطوات الأولى في الاعتراف بهكذا فكرة هي تسميتها. أحيانا تبدو الأفكار الخالية من الدليل بديهية جدًا بحيث أن الجميع تقريبًا يتقبلها. وأحيانًا تروق لمجموعة من الناس يبدأون في إقناع الجميع بفاعليتها. وأحيانًا يتم تشجيع فكرة معينة لأسباب تجارية.

ـ عندما ميز ارتفاع الكوليسترول في الدم كعامل خطر للنوبات القلبية، افترض أن الأطعمة المحتوية على كوليسترول مُضرة للقلب. البيض يحتوي على كوليسترول. ولهذا كان التفكير بأنه من الأفضل أن نحد من مأخوذنا من البيض. لا تأكل أكثر من بيضة واحدة في اليوم! وأكثر من ذلك تجنب البيض كله شجع الخبراء في مجال الأكل الصحي المفهوم بشدّة، وهكذا انتشر دون نقاش من قبل هيئات الصحة العامة. حتى الأطباء الذين تستند أفكارهم إلى مبادئ ثابتة وعملية قبوله. في النهاية بدا الأمر بديهيا. الكوليسترول يسبب نوبات قلبية والبيض يحتوي على كوليسترول.

ولكن انتظر دقيقة؛ دعنا نطرح بعض الأسئلة هل يسبب الكوليسترول نوبات قلبية؟ من المؤكد أن المستوى الأعلى من الكوليسترول في الدم يرتبط بخطر الإصابة بنوبات قلبية مستقبلية. ما مدى قوة هذا الارتباط في معظم الناس؟ ثم بإمكانك أن تسأل هل أكل البيض يرفع مستوى الكوليسترول في الدم؟ مرة أخرى، ليس هناك دليل ذو صلة سببية، رغم أن الناس الذين يفرطون عادة في تناول الطعام يأكلون البيض أيضا ومن شأنهم أن يكون كوليسترول دمهم مرتفعا. القلائل من الناس ذوو المعرفة المتخصصة بالكوليسترول يبتسمون إلى أنفسهم وهم ينظرون إلى العالم المتمادي في أفكاره. هذا الإرباك بشأن البيض هو مثال على الأفكار التي لا دليل عليها.

جميع خلايا الجسم تحتاج إلى الكوليسترول كمكوّن حيوي للغشاء المحيط بكل خلية. سننهار بدونه. يُستخدم الكوليسترول لصنع أملاح الصفراء التي تساعد في الهضم. ويُستخدم أيضا لصنع هرمونات هامة مع هذا الدور الرئيسي في الحياة، ليس من المفاجئ أن يصنعه جسمك لأجلك.

يُصنع الكوليسترول في الكبد. يمكنك أن تصنع حتى غرام واحد منه في اليوم إذا لزم الأمر. ولكن إذا حصل جسمك على الكوليسترول جاهزًا عبر الطعام، يقوم نظام تحكّم معقد بإبطاء إنتاج الكبد له، والطاقة اللازمة لصنع الكوليسترول تُحفظ إن أمكن.

تحتوي بيضة كبيرة على أقل من خمس غرام من الكوليسترول (كله في المخ). إذا أكلت أكثر من خمس بيضات كبيرة في اليوم، قد تكون هناك مشكلة نظريًا، رغم أنه من المرجح أن يتمكن جسمك من التعامل مع هذه الكمية من خلال واحدة من آلياته التنظيمية المتعددة، لا بد من القول أيضا أن المشاكل غير المعتادة في التحكم بالكوليسترول يمكن أن تحدث، ولهذا من المهم إسداء النصيحة الطبية المحددة للأفراد. ومع ذلك، لم يكن هناك أبدا أي دليل مرضٍ على أن تناول البيض يسبب ارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم أو نوبات قلبية، أو أنّ الحدّ من مأخوذ البيض لمجموعة سكانية ما يُحسن الصحة.

دامت فكرة البيض غير المستندة إلى دليل لعقود، ولكن في النهاية كشف زيفها رسميا. يمكن للشعار القديم لمجلس تسويق البيض البريطاني، تناول بيضة قبل الذهاب إلى العمل، أن يسترد اعتباره.

لا بد من إضافة تعليق هنا. تحليل ميتا يطل برأسه مجددًا. تم مؤخرًا (2019) نشر مجموعة دراسات تذكر فقط الارتباطات القديمة لتناول البيض. ظهرت العناوين الرئيسية المتوقعة، رغم أنه لا وجود لمعلومات جديدة، بل مجرد إعادة تدوير لمغالطات الارتباط القديمة.