المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8824 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


حوار الإمام الرضا (عليه السلام) مع أصحاب الأديان  
  
1406   03:00 مساءً   التاريخ: 2023-03-22
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 10، ص181-203
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /

قال الحسن بن محمد النوفليّ : لمّا قدم علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر ، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل ، ثم أعلم المأمون باجتماعهم ، فقال : أدخلهم عليّ ، ففعل ، فرحّب بهم المأمون .

ثم قال لهم : إني إنّما جمعتكم لخير ، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليّ ولا يتخلّف منكم أحد ، فقالوا : السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء اللّه .

قال الحسن بن محمد النوفلي : فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا ( عليه السّلام ) إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولّى أمر أبي الحسن ( عليه السّلام ) فقال :

يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول : فداك أخوك إنه اجتمع إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل ، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشّم وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا .

فقال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : أبلغه السلام وقل له : قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء اللّه . قال الحسن بن محمّد النوفلي : فلمّا مضى ياسر التفت إلينا ، ثم قال لي : يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟ فقلت : جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس - واللّه - ما بنى .

فقال لي : وما بناؤه في هذا الباب ؟ قلت : إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة ، وإن احتججت عليهم بأن اللّه واحد قالوا :

صحّح وحدانيّته وإن قلت : إن محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) رسول اللّه قالوا : أثبت رسالته ، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجّته ، ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك .

قال : فتبسّم ( عليه السّلام ) ثم قال : يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي ؟

قلت : لا واللّه ما خفت عليك قطّ وإنّي لأرجو أن يظفرك اللّه لهم إن شاء اللّه .

فقال لي : يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون ؟ قلت : نعم .

قال : إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم ، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وعلى أهل الزّبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الرّوم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع اليّ قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم .

فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له : جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك ، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه ؟

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء اللّه ، ثم ، توضأ ( عليه السّلام ) وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه ، ثمّ خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون ، فإذا المجلس غاص بأهله ومحمّد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور .

فلما دخل الرضا ( عليه السّلام ) قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفا والرضا ( عليه السّلام ) جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا ، فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدّثه ساعة ، ثم التفت إلى الجاثليق ، فقال : يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر ، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه .

فقال الجاثليق : يا أمير المؤمنين كيف احاجّ رجلا يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به ؟

فقال له الإمام الرضا ( عليه السّلام ) : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به ؟ !

قال الجاثليق : وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل ، نعم واللّه أقرّ به على رغم أنفي .

فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : سل عمّا بدا لك وافهم الجواب .

قال الجاثليق : ما تقول في نبوّة عيسى ( عليه السّلام ) وكتابه هل تنكر منهما شيئا ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمته وأقرّ به الحواريون وكافر بنبوّة كل عيسى لم يقرّ بنبوة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) وبكتابه ولم يبشّر به امّته .

قال الجاثليق : أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل ؟

قال : بلى .

قال : فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد ممّن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : الآن جئت بالنصفة يا نصراني ، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند المسيح عيسى بن مريم ؟

قال الجاثليق : ومن هذا العدل ؟ سمه لي ؟

قال : ما تقول في يوحنا الدّيلمي .

قال : بخ بخ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح .

قال : فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني ، إنه يكون من بعده ، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به ؟ !

قال الجاثليق : قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه ولم يلخّص متى يكون ذلك ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وامّته أتؤمن به ؟

قال : شديدا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) لقسطاس الرومي : كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل ؟

قال : ما احفظني له .

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له : ألست تقرأ الإنجيل ؟ !

قال : بلى لعمري .

قال : فخذ على السفر الثالث ، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمته سلام اللّه عليهم فاشهدوا لي ، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي .

ثم قرأ ( عليه السّلام ) السّفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وقف ، ثم قال : يا نصراني إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل ؟ قال : نعم ، ثم تلا علينا ذكر محمّد وأهل بيته وأمته ثم قال : ما تقول يا نصرانيّ ؟ هذا قول عيسى بن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسى ( عليهما السّلام ) ومتى أنكرت هذا الذّكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك .

قال الجاثليق : لا انكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّبه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : اشهدوا على إقراره . ثم قال : يا جاثليق ، سل عمّا بدا لك .

قال الجاثليق : أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم ، وعن علماء الإنجيل كم كانوا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : على الخبير سقطت ، أمّا الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلا وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا .

وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال : يوحنّا الأكبر بأج ، ويوحنّا بقرقيسيا ، ويوحنّا الدّيلمي بزجان ، وعنده كان ذكر النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وذكر أهل بيته وأمته وهو الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به ، ثم قال ( عليه السّلام ) : يا نصراني واللّه إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد ( صلّى اللّه عليه واله ) وما ننقم على عيساكم شيئا إلّا ضعفه وقلّة صيامه وصلاته .

قال الجاثليق : أفسدت واللّه علمك وضعّفت أمرك ، وما كنت ظننت إلّا أنّك أعلم أهل الإسلام .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : وكيف ذلك ؟

قال الجاثليق : من قولك : إنّ عيساكم كان ضعيفا قليل الصيام قليل الصلاة ، وما أفطر عيسى يوما قطّ ، ولا نام بليل قطّ ، وما زال صائم الدّهر ، قائم الليل .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فلمن كان يصوم ويصلي ؟

قال : فخرس الجاثليق وانقطع .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا نصراني ! إني أسألك عن مسألة .

قال : سل فإن كان عندي علمها أجبتك .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن اللّه عزّ وجل ؟

قال الجاثليق : أنكرت ذلك من قبل ، إنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ، فلم يتّخذه أمته ربا ولم يعبده أحد من دون اللّه عزّ وجل ، ولقد صنع حزقيل النبي ( عليه السّلام ) مثل ما صنع عيسى بن مريم ( عليه السّلام ) فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستّين سنة .

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له : يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة أختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدّس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله اللّه عزّ وجلّ إليهم فأحياهم ، هذا في التوراة لا يدفعه إلّا كافر منكم .

قال رأس الجالوت : قد سمعنا به وعرفناه .

قال : صدقت . ثم قال ( عليه السّلام ) : يا يهوديّ خذ على هذا السفر من التوراة فتلا ( عليه السّلام ) علينا من التوراة آيات ، فأقبل يهودي يترجّح لقراءته ويتعجّب .

ثم أقبل على النصراني فقال : يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم ؟

قال : بل كانوا قبله .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ، فقال له : اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك ، يا فلان ويا فلان ويا فلان ، يقول لكم محمد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قوموا بإذن اللّه عزّ وجل ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم .

ثم أخبروهم أنّ محمّدا قد بعث نبيّا ، وقالوا : وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم ، والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربّا من دون اللّه عزّ وجلّ ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم ، فمتى اتّخذتم عيسى ربا جاء لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّا لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره ، أنّ قوما من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت .

فأماتهم اللّه في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميما ، فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى اللّه إليه : أتحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم ؟ قال : نعم يا ربّ ، فأوحى اللّه عزّ وجل إليه أن نادهم .

فقال : أيتها العظام البالية قومي بإذن اللّه عزّ وجل فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيم ( عليه السّلام ) خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعا ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزء ، ثم ناديهن فأقبلن سعيا إليه ، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له : إنّك قد رأيت اللّه سبحانه فأرناه كما رأيته .

فقال لهم : إني لم أره . فقالوا : لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة ، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيدا ، فقال : يا ربّ اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به ، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منّا ، فأحياهم اللّه عزّ وجل من بعد موتهم .

وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه ، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به ، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّا من دون اللّه ، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أربابا ، ما تقول يا نصراني ؟

قال الجاثليق : القول قولك ولا إله إلّا اللّه .

ثم التفت ( عليه السّلام ) إلى رأس الجالوت فقال : يا يهوديّ أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران ( عليه السّلام ) ، هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمّد وأمته إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد ، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض . هكذا هو في التوراة مكتوب ؟ !

قال رأس الجالوت : نعم إنّا لنجده كذلك .

ثم قال للجاثليق : يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا ؟ قال : أعرفه حرفا حرفا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) لهما : أتعرفان هذا من كلامه : يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر .

فقالا : قد قال ذلك شعيا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى : إني ذاهب إلى ربّي وربّكم والفار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء وهو الذي يبدي فضائح الأمم ، وهو الذي يكسر عمود الكفر ؟

فقال الجاثليق : ما ذكرت شيئا ممّا في الإنجيل إلّا ونحن مقرّون به .

فقال : أتجد هذا في الإنجيل ثابتا يا جاثليق ؟ !

قال : نعم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل ؟

قال له : ما افتقدنا الإنجيل إلّا يوما واحدا حتى وجدناه غضّا طريّا فأخرجه إلينا يوحنّا ومتي .

فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه ، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل ؟ إنّما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه ، ولكني مفيدك علم ذلك ، اعلم أنّه لمّا افتقد الإنجيل الأوّل اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم : قتل عيسى بن مريم ( عليه السّلام ) وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم ؟

فقال لهم لوقا ومرقابوس : إنّ الإنجيل في صدورنا ، ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد ، فلا تحزنوا عليه ولا تخلّوا الكنائس ، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفرا سفرا حتّى نجمعه لكم كلّه ، فقعد لوقاء ومرقابوس ويوحنّا ومتي ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ الأوّلين ، أعلمت ذلك ؟

قال الجاثليق : أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن ، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته ، شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيرا من الفهم .

فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : فكيف شهادة هؤلاء عندك ؟

قال : جائزة ، هؤلاء علماء الإنجيل وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم :

اشهدوا عليه ، قالوا : قد شهدنا .

ثم قال للجاثليق : بحقّ الابن وامّه هل تعلم أنّ متي قال : إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون ، وقال مرقابوس : في نسبة عيسى بن مريم : إنه كلمة اللّه أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنسانا ، وقال الوقا : إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس .

ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه ، حقّا أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلّا ما نزل منها إلّا راكب البعير خاتم الأنبياء ، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل ، فما تقول في هذا القول ؟

قال الجاثليق : هذا قول عيسى لا ننكره .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فما تقول في شهادة الوقا ، ومرقابوس ومتي على عيسى وما نسبوه إليه ؟

قال الجاثليق : كذبوا على عيسى .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ ؟

فقال الجاثليق : يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإنا قد فعلنا ، سل يا نصراني ، عمّا بدالك ؟

قال الجاثليق : ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك .

فالتفت الرضا ( عليه السّلام ) إلى رأس الجالوت فقال له : تسألني أو أسألك ؟

قال : بل أسألك ، ولست أقبل منك حجة إلّا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : لا تقبل منّي حجة إلّا بما تنطق به التوراة ، على لسان موسى بن عمران ، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم ، والزبور على لسان داود .

فقال رأس الجالوت : من أين تثبت نبوّة محمد ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : شهد بنبوّته ( صلّى اللّه عليه واله ) موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة اللّه عزّ وجل في الأرض .

فقال له : أثبت قول موسى بن عمران .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : هل تعلم يا يهوديّ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم : إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فيه فصدّقوا ، ومنه فاسمعوا ، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيم ( عليه السّلام ) ؟

فقال رأس الجالوت : هذا قول موسى لا ندفعه .

فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) .

قال : لا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أوليس قد صحّ هذا عندكم ؟ !

قال : نعم ولكنّي أحب أن تصحّحه لي من التوراة .

فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : هل تنكر أن التوراة تقول لكم : جاء النور من جبل طور سيناء ، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران ؟

قال رأس الجالوت : أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أنا أخبرك به ، أما قوله : جاء النّور من جبل طور سيناء فذلك وحي اللّه تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى ( عليه السّلام ) على جبل طور سيناء ، وأما قوله :

وأضاء لنا من جبل ساعير ، فهو الجبل الذي أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى عيسى بن مريم ( عليه السّلام ) وهو عليه ، وأما قوله : واستعلن علينا من جبل فاران ، فذلك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم .

وقال شعيا النبي ( عليه السّلام ) فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة : رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار ، والآخر على جمل ، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل ؟ !

قال رأس الجالوت : لا أعرفهما فخبّرني بهما .

قال ( عليه السّلام ) : أما راكب الحمار فعيسى بن مريم ، وأما راكب الجمل ، فمحمد ( صلّى اللّه عليه واله ) أتنكر ؟ هذا من التوراة ، قال لا ، ما أنكره .

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : هل تعرف حيقوق النبي ؟ قال : نعم إنّي به لعارف ، قال ( عليه السّلام ) فإنّه قال وكتابكم ينطق به : جاء اللّه بالبيان من جبل فاران ، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمته ، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدّس - يعني بالكتاب القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به ؟

قال رأس الجالوت : قد قال ذلك حيقوق ( عليه السّلام ) ولا ننكر قوله .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ : اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة ، فهل تعرف نبيا أقام السنّة بعد الفترة غير محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) ؟

قال رأس الجالوت : هذا قول داود نعرفه ولا ننكره ، ولكن عنى بذلك عيسى ، وأيّامه هي الفترة .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السنّة وقد كان موافقا لسنّة التوراة حتى رفعه اللّه إليه ، وفي الإنجيل مكتوب : إن ابن البرّة ذاهب والفارقليطا جاء من بعده وهو الذي يخفّف الآصار ، ويفسّر لكم كلّ شيء ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال ، وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل ؟

قال : نعم لا أنكره .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران ؟

فقال : سل .

قال : ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته ؟

قال اليهوديّ : إنّه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله .

قال له : مثل ماذا ؟

قال : مثل فلق البحر ، وقلبه العصا حيّة تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون ، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها .

قال له الرضا ( عليه السّلام ) : صدقت إذا كانت حجة على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه ؟

قال : لا ؛ لأنّ موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه ، وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى ( عليه السّلام ) ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا ، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى ؟ !

قال له اليهودي : قد خبرتك أنه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسى ، أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم ، وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين كهيئة الطير ، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه ؟

قال رأس الجالوت : يقال إنّه فعل ذلك ولم نشهده .

قال له الرضا ( عليه السّلام ) : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته ؟ ! أليس إنّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك .

قال : بلى .

قال : فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى .

فلم يحر جوابا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : وكذلك أمر محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) وما جاء به وأمر كلّ نبي بعثه اللّه ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلّم كتابا ولم يختلف إلى معلّم ، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفا حرفا وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة .

ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم ، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى .

قال رأس الجالوت : لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد ولا يجوز لنا أن تقرّ لهما بما لم يصحّ .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد ( صلّى اللّه عليه واله ) شاهد زور .

فلم يحر جوابا .

ثم دعا ( عليه السّلام ) بالهربذ الأكبر فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجّتك على نبوّته ؟

قال : إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ، ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه .

قال ( عليه السّلام ) : أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه ؟ !

قال : بلى .

قال : فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون ، وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات اللّه عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم ، إذ كنتم أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة ، بأنّه جاء بما لم يجيء به غيره ؟ !

فانقطع الهربذ مكانه .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم .

فقام إليه عمران الصابي وكان واحدا في المتكلمين فقال : يا عالم الناس لولا أنّك دعوت إلى مسألتك لم اقدم عليك بالمسائل ، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيّته أفتأذن لي أن أسألك ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو !

فقال : أنا هو .

فقال ( عليه السّلام ) : سل يا عمران وعليك بالنصفة وإيّاك والخطل والجور !

قال : واللّه يا سيدي ما أريد إلّا أن تثبت لي شيئا أتعلّق به فلا أجوزه .

قال ( عليه السّلام ) : سل عمّا بدا لك ، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض .

فقال عمران الصابي : أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق .

قال ( عليه السّلام ) : سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ، ولا يزال كذلك ثمّ خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه ولا على شيء حذاه ولا مثّله له .

فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافا وائتلافا وألوانا وذوقا وطمعا لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلّا به ، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا ، تعقل هذا يا عمران ؟

قال : نعم واللّه يا سيدي .

قال ( عليه السّلام ) : واعلم يا عمران ! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلّا من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق ، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى ، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئا إلّا حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول : لم يخلق الخلق لحاجة ، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل ولا نقمة منه على من أذلّ ، فلهذا خلق .

قال عمران : يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا ، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها ، أفهمت يا عمران ؟

قال : نعم واللّه يا سيدي فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّا من أن تجعل لذلك الضمير حدا ينتهى إليه المعرفة ؟ !

قال عمران : لا بدّ من ذلك .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فما ذلك الضمير ؟

فانقطع ولم يحر جوابا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لا بأس ، إن سألتك عن الضّمير نفسه تعرّفه بضمير آخر ؟ !

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران ، أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير ، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا .

قال عمران : يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه ؟ كيف هي ؟ وما معانيها ؟ وعلى كم نوع يتكوّن ؟

قال ( عليه السّلام ) : قد سألت فافهم إنّ حدود خلقه على ستّة أنواع : ملموس وموزون ومنظور إليه ، وما لا وزن له ، وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا ذوق والتقدير ، والأعراض ، والصور والعرض والطول ، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغييرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها .

وأما الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج اليه ، فإذا فرق من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره .

قال له عمران : يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شيء غيره ولا شيء معه ، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لم يتغير عزّ وجل بخلق الخلق ، ولكن الخلق يتغير بتغييره .

قال عمران : فبأي شيء عرفناه .

قال ( عليه السّلام ) : بغيره .

قال : فأي شيء غيره ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك ، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر .

قال عمران : يا سيدي فأيّ شيء هو ؟

قال ( عليه السّلام ) : هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض ، وليس لك عليّ أكثر من توحيدي إيّاه .

قال عمران : يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لا يكون السكوت إلّا عن نطق قبله ، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إنّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا ، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنّما هو ليس شيء غيره ، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به ، فبهذا تستبصر أمرك .

قال عمران : يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق .

قال الرضا : أحلت يا عمران في قولك : إن الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره ، يا عمران هل تجد النار تغير نفسها ؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها ؟ أو هل رأيت بصيرا قطّ رأى بصره ؟

قال عمران : لم أر هذا ، ألا تخبرني أهو في الخلق أم الخلق فيه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه ، تعالى عن ذلك ، وسأعلّمك وتعرفه به ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك ؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه ، فبأي شيء استدللت بها على نفسك ؟

قال عمران : بضوء بيني وبينها .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك ؟

قال نعم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فأرناه ؟ فلم يحر جوابا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فلا أرى النور إلّا وقد دلّك ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما ، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا وللّه المثل الأعلى .

ثم التفت ( عليه السّلام ) إلى المأمون قال : الصلاة قد حضرت .

فقال عمران : يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : نصلّي ونعود ، فنهض ونهض المأمون ، فصلّى الرضا ( عليه السّلام ) داخلا وصلّى الناس خارجا خلف محمد بن جعفر ، ثم خرجا ، فعاد الرضا ( عليه السّلام ) إلى مجلسه ودعا بعمران فقال : سل يا عمران .

قال : يا سيدي ألا تخبرني عن اللّه عزّ وجل هل يوحد بحقيقة أم يوحد بوصف ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّ اللّه المبدئ الواحد الكائن الأوّل ، لم يزل واحدا لا شيء معه ، فردا لا ثاني معه لا معلوما ولا مجهولا ، ولا محكما ولا متشابها ، ولا مذكورا ولا منسيا ، ولا شيئا يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره ، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم ، ولا إلى شيء استند ، ولا في شيء استكن ، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم .

واعلم أنّ الابداع والمشيّة والإرادة معناها واحد ، وأسماؤها ثلاثة ، وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف التي جعلها أصلا لكل شيء ودليلا على كلّ مدرك وفاصلا لكلّ مشكل . وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى ، وعليها اجتمعت الأمور كلّها ، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالإبداع ، والنّور في هذا الموضع أوّل فعل اللّه الذي هو نور السماوات والأرض .

والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من اللّه عزّ وجل ، علّمها خلقه ، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا ، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على اللغات العربيّة ، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدلّ على اللغات السريانيّة ، والعبرانيّة ، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا .

فأمّا الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلا منه كقوله عزّ وجل : كُنْ فَيَكُونُ * وكن منه صنع وما يكون به المصنوع ، فالخلق الأوّل من اللّه عزّ وجل الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ .

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون ، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها ، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه واللّه تبارك وتعالى سابق للابداع لأنّه ليس قبله عزّ وجل شيء ، ولا كان معه شيء والابداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها .

قال المأمون : وكيف لا تدلّ على غير أنفسها ؟ قال الرضا ( عليه السّلام ) : لأن اللّه تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا ، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلّا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا قال عمران : فكيف لنا بمعرفة ذلك ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت : ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها ، فلم تجد لها معنى غير أنفسها ، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها ، أفهمته ؟ قال : نعم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حدّ لغير محدود ، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس ، لأنّ اللّه عزّ وجل وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء ، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة والّلون والوزن وما أشبه ذلك ، وليس يحلّ باللّه جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا .

ولكن يدلّ على اللّه عزّ وجلّ بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ، ولا استماع اذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب ، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه ، فلو لا أنّ ذلك كذلك لمكان المعبود الموحد غير اللّه تعالى ، لأنّ صفاته وأسماءه غيره ، أفهمت ؟ قال : نعم يا سيدي زدني .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إياك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الذي يزعمون أن اللّه عزّ وجل وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب ، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود للّه عزّ وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا ، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون ، وذلك قوله عزّ وجل :

وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة .

وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا يكون إلّا بما ههنا ، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلّا بعدا ، لأنّ اللّه عزّ وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون[1].

قال له عمران : أخبرني عن الإبداع خلق هو أم غير خلق ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنّما صار خلقا ، لأنّه شيء محدث ، واللّه الذي أحدثه . فصار خلقا له . وإنّما هو اللّه عزّ وجلّ وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما ، فما خلق اللّه عزّ وجل لم يعد أن يكون خلقه وقد يكون الخلق ساكنا ومتحرّكا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها وكلّ ما وقع عليه حدّ فهو خلق اللّه عزّ وجل »[2].

واعلم أنّ كلّما أوجدتك الحواسّ فهو معنى مدرك للحواسّ ، وكلّ حاسّة تدل على ما جعل اللّه عزّ وجل لها في إدراكها ، والفهم من القلب بجميع ذلك كلّه واعلم أنّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد ، خلق خلقا مقدّرا بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدّر ، فليس في كل واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن ، فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بأنفسهما ، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للّذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده .

واللّه تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه ، والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن اللّه ومشيئته ، وإنّما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم اللّه بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا .

ولو وصفوا اللّه عزّ وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا ، فلما طلبوا من ذلك ما تحيّروا فيه ارتبكوا واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

قال عمران : يا سيدي أشهد أنّه كما وصفت ، ولكن بقيت لي مسألة .

قال : سل عمّا أردت .

قال : أسألك عن الحكيم في أي شيء هو ؟ وهل يحيط به شيء ؟ وهل يتحوّل من شيء إلى شيء ؟ أو به حاجة إلى شيء ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فانّه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم وليس يفهمه المتفاوت عقله ، العازب علمه ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون .

أما أوّل ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول : يتحوّل إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ، ولكنه عزّ وجل لم يخلق شيئا لحاجته ولم يزل ثابتا لا في شيء ولا على شيء إلّا أنّ الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه ، واللّه عزّ وجل وتقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه ، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه ولا يؤوده حفظه ، ولا يعجز عن إمساكه ، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلّا اللّه عزّ وجل .

ومن أطّلعه عليه من رسله وأهل سرّه والمستحفظين لأمره وخزّانه القائمين بشريعته ، وإنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا ، فإنّما يقول له « كن فيكون » بمشيّته وإرادته ، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء ، ولا شيء منه هو أبعد منه من شيء ، أفهمت يا عمران ؟

قال : نعم يا سيدي قد فهمت ، واشهد أن اللّه على ما وصفته ووحدته ، وأن محمّدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحقّ ، ثم خرّ ساجدا نحو القبلة وأسلم .

قال الحسن بن محمد النوفلي : فلمّا نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي وكان جدلا لم يقطعه عن حجّته أحد قطّ ، لم يدن من الرضا ( عليه السّلام ) أحد منهم ولم يسألوه عن شيء وأمسيناه فنهض المأمون والرضا ( عليه السّلام ) فدخلا وانصرف الناس وكنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث اليّ محمد بن جعفر فأتيته .

فقال لي : يا نوفليّ أما رأيت ما جاء به صديقك لا واللّه ما ظننت أنّ عليّ ابن موسى خاضّ في شيء من هذا قطّ . ولا عرفناه به إنّه كان يتكلّم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام .

قلت : قد كان الحاجّ يأتونه ويسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم ، وكلّمه من يأتيه لحاجة .

فقال محمّد بن جعفر : يا أبا محمد إنّي أخاف عليه أن يحسده هذا الرّجل فيسمّه أو يفعل به بليّة ، فأشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء ، قلت : إذا لا يقبل منّي ، وما أراد الرّجل إلّا امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه ( عليهم السّلام ) فقال لي : قل له إنّ عمك قد كره هذا الباب وأحبّ أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى .

فلمّا انقلبت إلى منزل الرضا ( عليه السّلام ) أخبرته بما كان من عمّه محمد بن جعفر فتبسّم ثم قال : حفظ اللّه عمّي ما أعرفني به ، لم كره ذلك ؟ يا غلام صر إلى عمران الصابي فأتني به .

فقلت : جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو عند بعض اخواننا من الشيعة .

قال ( عليه السّلام ) : فلا بأس ، قرّبوا اليه دابّة ، فصرت إلى عمران فأتيته به فرحّب به ودعا بكسوة فخلعها عليه وحمله ، ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها .

فقلت : جعلت فداك حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) .

قال : هكذا نحبّ ، ثم دعا ( عليه السّلام ) بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتّى إذا فرغنا قال لعمران : انصرف مصاحبا وبكّر علينا نطعمك طعام المدينة ، فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتّى اجتنبوه ، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم ، وأعطاه الفضل مالا وحمله ، وولّاه الرضا ( عليه السّلام ) صدقات بلخ فأصاب الرّغائب[3].

 


[1] مسند الإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 2 / 88 - 90 .

[2] مسند الإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 2 / 88 - 90 .

[3] التوحيد : 417 - 441 ، والعيون : 1 - 154 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.






قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات