الكيان المتكامل المركب

ويتألف هذا النوع من مجموعة من الكيانات، الفتي تدعو الحاجة والمصالح والظروف، لأن تتجمع في اطار الوحدة السياسية، ويكون لكل كيان بشرى من هذه الكيانات شخصيته الفتي يتميز بها، كما قد تكون له لفته الخاصة وتراثه، ومن ثم يعيش كل بنيان بشرى في دائرتين من دوائر الولاء، دائرة ولاء قومي خاص نحو وجوده وارضه. وكل المقومات الفتي تصنع الترابط والتماسك بين أفراده, ودائرة ولاء وطني عام تنسق لوجوده في اطار الكيان المتكامل المركب.

والمغروض ان لا تتعارض هذا الولاء الخاص ولا تتناقض، مع الولاء الأخر، الذي يساند الايمان بالتكامل مع الكيانات الأخرى، التي تتجمع لكى يتألف منها الكيان المركب، وليس غريبا أن يعيش الانسان في اطار جملة من الولاءات, ولكن يجب أن يكون التنسيق بحيث يكون الولاء الأعظم، هو الذي يوجه نحو فكرة التكامل والوجود في الوحدة السياسية، الفتي تحتوي الكيان المركب, وأي خلل ينال من هذا الولاء الأعظم، او يؤدي الى تقلصه بالقياس الى الولاءات الأخرى، يتسبب بالضرورة في تناقض حقيقي وفعال، يهدد وجود الوحدة السياسية ذاتها، ويعرض البناء البشري المركب فيها للتمزق.

ويكون هذا الخلل متوقعا في بعض الأحيان، لأن طبيعة الأشياء تدعو لأن يثبت كيان من الكيانات تفوقه كان تصبح لفته في اللغة الرسمية للوحدة السياسية، أو كأن تصبح ديانته الرسمية لها. ومن هنا ينشا احتمال الخطر، لان كل كيان يكون حريصا على ما يحفظ له مقوماته ويستحيل عليه قبول الانصهار او الاذابة، وقد يترتب على ذلك احساس كيان من تلك الكيانات بأحاسيس الأقلية، ومن ثم يطرا الخلل على التركيب الهيكلي، وعلى التكامل عندما يتعاظم الولاء نحو الكيان البسيط الصغير، على الولاء نحو الكيان الكبير المتكامل المركب.

ونضرب لذلك مثلا بالكيان المتكامل المركب في المملكة المتحدة وذلك أنه يتألف من أربعة كيانات، هي الكيان الانجليزي في انجلترا، والكيان الاسكتلندي في اسكتلندا، والكيان الويلزي في ويلز، والكيان الايرلندي في ايرلندا. وكانت المصالح المشتركة وراء هذا التجمع، الذي يلم شمل هذه الكيانات، ويؤلف فيما بينها في كيان متكامل مركب.

وما من شك أن ثمة ما يدعو الى ترابط متين، بالنسبة لكل كيان من هذه الكيانات، وولاء خاص نحو التراب في الوطن الذي يحتوي كل منهم، هذا بالإضافة الى تمسك شديد باللغة الخاصة، والعادات والتقاليد في حدود الدائرة الضيقة، التي تلم شمل الناس في كل كيبان من تلك الكيانات، والمفهوم أن ذلك كله لا يجب أن يتناقض مع تجمع وتكامل وتلاحم، بين هذه الكيانات الأربعة، تحت الحاح مصالح مشتركة عظمى.

ونشير الى أن الكيان الإنجليزي قد تحمل مسئولية تجميع الكيانات وصنع التكامل فيما بينها، ولعله اتخذ من المصالح مادة تلاحم، هي التي تشد أوصال هذه اللبنات غير المتجانسة في البناء البشري المركب. ومن ثم فرض اللغة الانجليزية، وكان له التفوق وكانت له قيادة التجمع، ومع ذلك فإن الحذر الشديد من كل ما من شانه ان يمزق هذا التكامل، كان مدعاة للبعد عن كل ما يمكن أن يفرض المتناقضات، او يثير النعرات الاقليمية القومية.

ولكن النجاح في هذا النموذج الجيد ليس دليلا على المراد في النجاح في تجارب أخرى تمر بها الكيانات المركبة المتكاملة في بعض الوحدات السياسية المستقلة حديثا, ذلك ان عدم التماثل حضاريا او دينيا أو سلاليا قد يجعل من اللبنات في البنيان البشري غير متكافئة, ومن ثم يكون الخطر ويتعظم، إذا انتقدت هذ اللبنات اسباب التلاحم والتماسك ولم الشمل، في اطار محدد. ومن ثم يكون في وسعنا، أن ندرك كيف يحمل هذا البناء البشري المركب، وهو الذي يفتقد التجانس، في احشائه وتركيبه الهيكلي اسباب ضعفه، واحتمالات تفككه وانهياره، ولا يلاءم هذا الكيان المركب غير نظام الحكم غير المركزي في الدول الاتحادية.