المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5810 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الـهجـرةُ إلـى الله (سلمان الفارسي)  
  
1850   08:31 مساءً   التاريخ: 13-9-2020
المؤلف : الشيخ محمد جواد ال الفقيه
الكتاب أو المصدر : سلمان سابق فارس
الجزء والصفحة : ص 17-29
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الخلفاء الاربعة / علي ابن ابي طالب (عليه السلام) / اصحاب الامام علي (عليه السلام) /

الـهجـرةُ إلـى الله

*«وقَالَ إني مهاجرٌ إلى ربي إنه هو العزيزُ الحكيم»

29ـ 26

كان إسمه «روزبة» (1) وسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان، وكان اسم أبيه «خشفوذان » (2). وكان هذا الأخير من دهاقين فارس ـ وقيل من أساورتها (3) ـ. له إمرة على بعض الفلاحين من أبناء أصفهان وكان واسع الحال يملك بعض المزارع شأن غيره من الطبقة الوسطى في المجتمع الفارسي آنذاك وكانت لولده سلمان مكانة خاصة في نفسه جعلته يستأثر بالنصيب الأكبر من إهتماماته ، فهو لا يكلفه بأي عمل شاق شأنه في ذلك شأن بقية المترفين في معاملة أبنائهم.

وفي ذات يوم كان خشفوذان مشغولاً ببناءٍ في داره فطلب من ولده أن يذهب إلى مزرعةٍ له ليشرف على سير عمل الفلاحين فيها عن كثب وطلب منه أن لا يتأخر في العودة إليه، قائلاً له: « ولا تحتبس ، فتشغلني عن كل ضيعةٍ بهمي بك .. »

يقول سلمان: «فخرجت لذلك، فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت: والله هذا خير من ديننا، فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه ..! »

لوحة رائعة يرسمها لنا سلمان وهو يسرد قصة إسلامه، حيث يجسد لنا فيها كيف كانت بداية هجرته نحو الإيمان.. الإيمان بالله وحده، بعزم وتصميم وإرادة قوية لا يقف دونها حاجز ولا تتحكم فيها عاطفة، وكيف إختار لنفسه موقفاً مميزاً جعله فيما بعد من جملة عظماء البشر الذين يزين بهم التاريخ الإنساني صفحاته، فكان بذلك «سابق فارس» ورائدها وداعيها إلى الله.

لقد كانت نفسه التواقة إلى المعرفة تدفعه نحو تخطي الحواجز التي عاش بين قضبانها في ظل أبٍ جمد عقله على طقوس المجوسية دون أن تحرك آيات المبدع سبحانه في نفسه أي تحولٍ نحو الأفضل.

أراد سلمان تخطي تلك الحواجز لكي يرى الحقائق الكامنة ورائها، وكان له ما أراد ، فها هو يعثر على دين خير من دينه حيث ساقته قدماه ـ عن قصد أو غير قصد ـ إلى الكنيسة ، فرأى فيها أناساً يصلون ، وربما يرتلون فصلاً من الإنجيل بصوت رخيم يأخذ بمجامع القلوب فيه رجع وصدىً لترانيم الراهب الحزين الذي يبكي المسيح! ولا بد أن فقرات من الإنجيل شدته ـ في تلك اللحظات الغامرة ـ إلى الاستغراق والتأمل في عالم اللاهوت ضمن أجواء هي مزيج من الحزن، والفرح، والسأم، واللذة، طافت به ما وراء الغيب ، ثم انتهت لتوقظ في نفسه مكامن الألم الطويل الذي عاناه في ظل أبيه.

دارت في رأس سلمان زوبعة من التفكير .. انها فرصة قيضتها له يد الغيب ، وما عليه الآن إلا أن يختار. نعم؛ لقد أعجبه هذا الدين ، ولكن ؛ هل ينتهي به المطاف إلى هنا فتكون هذه الكنيسة هي المحطة الأولى والإخيرة في حياته؟ ومن يدري ، فلعل يد التشويه قد امتدت إليها أو إلى ذلك الكتاب الذي يتلى فيها فأخرجتهما عن مسارهما الصحيح ، وعندها فما الفائدة إذن؟ أيترك دين آبائه وأجداده ليعتنق ديناً ربما كان مثله في المحتوى أو أميز منه بقليل؟

 لم يطل تردده في الأمر، وحانت منه التفاتة ذكية تنم عن عمق روحي وأصالةٍ في التفكير حيث بدا له أن يسأل عن تواجد أصل هذا الدين، وبذلك يحفظ خطوط الرجعة على نفسه، فاندفع يسأل من حوله من النصارى قائلاً لهم:

« وأين أصل هذا الدين ..؟ »

قالوا : بالشام.

أما خشفوذان فقد طال عليه غياب ولده حتى صار نهباً للقلق عليه مما حدا به أن يرسل جماعةً في طلبه ، وبينما هو يتلدد في داره مفكراً حائراً في أمره وإذا بسلمان عائد بعد الغروب بقليل ، عاد إلى بيته ليجد أباه بتلك الحالة ، وهنا بادره أبوه بنبرةٍ فيها شيء من الغضب ، قائلاً له :

« لقد بعثت إليك رسلاً » أين كنت.؟

ولم يجد سلمان سبيلاً لكتمان ما رأى وسمع، فالتفت إلى أبيه قائلاً:

« قد مررت بقوم يصلون في كنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم ، وعلمت أن دينهم خير من ديننا .. »

قال هذا بكل جراءةٍ وثقة، غير أن خشفوذان لم يصدق ما سمعه، وخالطته حيرة ودهشة، لكنه تمالك أعصابه وخاطب ولده بأسلوب عاطفي هادئ قائلاً له:

« يا بني ؛ دينك ودين آبائك خير من دينهم. » طمعاً فيه بأن يرجع عن ذلك.

لكن سلمان بادره بكل إصرار قائلاً : « كلا ، والله .. »

وحين لم يجد خشفوذان وسيلةً في اقناع ولده عمد إلى استخدام القسوة لتأديبه، فوضع القيود في رجليه، وتركه في البيت رهين محبسين، فعل معه ذلك خوفاً من أن يهرب عنه، وعقاباً له كي لا يعود لمثلها.

وظل سلمان رهين قيده وبيته مدةً من الزمن حتى كادت الدنيا أن تسود في عينيه لولا حلم الشام الذي ظل يدغدغ فؤاده ويزرع في نفسه الأمل الأخضر الذي يبشره بأزوف الموعد وساعة الخلاص ، فعمد إلى بعض من يثق بهم وأرسله إلى النصارى الذين تعرف إليهم في الكنيسة يعلمهم عن لسانه : بأنه قد أعجبه دينهم ويطلب منهم أن يعلموه بتحرك أول قافلةٍ نحو الشام حتى يكون فيها. فأخبروه.

قال سلمان: «فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم.» وبدأت الرحلة الطويلة نحو الإيمان، والهجرة إلى الله.

بدأ سلمان هجرته هذه مصوباً كل تفكيره نحو الشام، ولكن ما أن استوى على راحلته حتى بدأت الشكوك تساوره، وأخذ القلق يسيطر عليه ، فقد خاف أن ينكشف أمره لدى أبيه فيرسل في طلبه جماعة من علوج أصفهان يرجعونه إليه بالقوة فيعيده إلى محبسيه ، وربما لا يكتفي بذلك بل يقيم عليه الرقباء والعيون يحصون عليه أنفاسه وعندها سيخسر سلمان كل شيء ، وسيكون الفشل نصيب أولى تجاربه في الحياة.

ظلت هذه الوساوس تساوره في بداية الرحلة، حتى إذا قطع شوطاً من الطريق أمِنَ معه الطلب، هدأت نفسه وارتاح ضميره وعاد الفرح إلى قلبه، فمال بتفكيره ثانيةً نحو الشام ، ولكن سرعان ما هومت فوق صدره سحابة من الحزن لفراق أبويه الكهلين الذين دأبا على اسعاده وحرصا على أن يبقى بجانبهما يؤنس وحشتهما كلما تقدمت بهما السن ، لقد تركهما أسيرين للهم والحزن عليه ، وكاد الأسى أن يعصف بقلبه لولا أن تذكر عناد أبيه ووقوفه سداً في طريق سعادته ، فتابع سيره وصمم أن لا يلتفت.

أما خشفوذان وزوجه فقد باتا أياماً وليالي لا يغمض لهما جفن ولا ترقأ لهما دمعة لغياب سلمان المدلل ففراقه أقض مضجعهما، فهما لا يعلمان أين أمسى وأين أصبح، ولم يتركا استحفاء السؤال عنه في كل مكان، لقد انقطعت أخباره.. أين هو يا ترى؟ وربما تناهى إلى سمع خشفوذان أن ابنه رحل إلى الشام فزاد ذلك في همه وحزنه، فأين الشام وأين فارس ومئات الأميال تفصل بينهما.. ويطرق الأب الحزين برأسه إلى الأرض ويستسلم مع زوجته للقدر، وربما توسلا إلى النار التي يقدسانها أن ترجع إليهما ولدهما الهارب، ولكن دون جدوى. وهكذا ظل يندب حظه التعس.

أما سلمان، فظل يتابع سيره حتى إذا بانت له مشارف الشام حرك لسانه بآيات الشكر لله سبحانه الذي أنقذه من النار وتفاهاتها وحماقات أهلها لينعم بين ظلال الرحمة في مهد الأنبياء وأرض الرسالات. في الشام، التي هي «صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي صفوته من عباده» على حد تعبير النبي (صلى الله عليه وآله) (4).

وبعد قليل من الزمن، حط الركب الفارسي رحاله ليستريح من وعثاء السفر المضني الطويل ، ولينصرف بعد ذلك كل منهم إلى شؤونه ، عدا سلمان الذي لم يستقر به مكانه بعد ، فهو لم يصل إلى ما يريد! إنه يطلب العالم الذي يعطيه أصول النصرانية التي جاء بها عيسى 7 عن الله سبحانه وتعالى ، فاندفع يسأل هذا وذاك من أهل الشام عن رجل الدين الذي يولونه ثقتهم ، ويأخذون عنه معالم دينهم ، فأرشدوه إلى الأسقف. فسألهم عن مكان إقامته.؟

قالوا : هو مقيم في صومعته على رأس جبل ، ودلوه عليه.

كانت الصومعة في قمة جبل يشرف على الشام وقد استدارت حولها غابة من السنديان والصنوبر ، يخيل للناظر إليها من بعيد أنها جزيرة صغيرة وسط بحيرة خضراء.

قصد سلمان تلك الصومعة والفرح يغمر قلبه ، فلما وصل إليها تكلم بكلمات (5) تركت الأسقف ينفتل من عبادته لينظر من هو المتكلم. وكان الأسقف شيخاً طاعناً في السن مربوع القامة ، في ظهره جنأ (6) كث اللحية أبيضها ، ذو عينين غارقتين تهدل فوقهما حاجبان انعقفا حتى اتصلا بصدغيه ، ترتسم على وجهه سيماء الصالحين .. تطلع سلمان إليه فأدرك فيه ملامح من سيرة المسيح (عليه السلام) فانتابته حالة من الذهول أطرق معها إلى الأرض، إلا أن كلمات الأسقف هزته حيث اندفع نحوه متسائلاً من أنت؟ وماذا تريد؟

فرفع رأسه وقال: أنا رجل من أهل جي جئت أطلب العمل وأتعلم العلم، فضمني إليك أخدمك وأصحبك، وتعلمني شيئاً مما علمك الله!؟

قال الأسقف: نعم ، إصعد إلي.

صعد سلمان إليه ليبقى إلى جانبه يخدمه ويتعلم منه، وكان الغالب في مأكله : الخل والزيت ، والحبوب ، جرايةً تجري له ، يقول سلمان : « فأجرى علي مثل ما كان يجرى عليه ... » وبدأ الأسقف يعلمه شريعة الله التي أنزلها على المسيح ويقرأ عليه صحائف من الإنجيل كان قد احتفظ بها ، ويطلعه على بعض الأسرار الإلهية التي تناهت إليه من حواريي عيسى (عليه السلام) ، وقد وجد في سلمان الرجل القوي الأمين الذي يمكن أن يدفع إليه أمانته ووجد سلمان فيه الأب المشفق والعالم الروحاني الذي يوقفه على غامض العلم ويطلعه على شرائع الأنبياء.

ومرت الأيام تتوالى مسرعةً، وانطوت سنين عديدة كان الأسقف خلالها يتقدم نحو أرذل العمر، وفي ذات يوم اشتكى علةً في جسده سرعان ما ألزمته سريره، وأدرك سلمان أنها الشيخوخة التي لا ينفع معها دواء، فظل دائباً في خدمته والعناية به ليله ونهاره، حتى إذا قوضت أيامه ودارت في صدره حشرجات الموت، علم سلمان أن صاحبه يحتضر، وأنه مفارق هذه الدنيا عن قريب، فجلس عند رأسه يبكي.  وكان تعلق الأسقف به شديداً لما لمسه فيه من الخصال الحميدة النادرة، فكان يؤلمه أن يراه حزيناً أو مفكراً في أمرٍ يشغل باله، وحانت منه إلتفاتة خاطفة، فرأى سلمان يكفكف دموعه ، وآلمه ما رأى ، فالتفت إليه قائلاً :

« ما يبكيك يا ولدي ..؟ »

قال سلمان ـ وهو يردُّ غصَّته ـ : « خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبتك فنزل بك الموت ولا أدرى أين أذهب ..؟ »

وهنا أطرق الراوي إطراقةً طويلة وفكر في أن يقف عند هذا الحد ولا يكمل روايته، والسر في ذلك هو أن محدثيه كانوا كثراً وكلهم يروي عن سلمان سيرته كما جاءت على لسانه، لكن ما يروونه فيه إختلاف كبير بالنسبة للشكل والصياغة ، وإن كان متقارباً في أصل المضمون ، فالروايات كلها متفقة على أن سلمان إنتقل من راهب إلى راهب ومن دير إلى دير ، وجاب البلاد طولاً وعرضاً في سبيل الوقوف على أصول الدين الذي يمكن الركون إليه. ولكن يبقى العرض للكيفية التي تم بها ذلك مختلفاً غاية الإختلاف.

قال الراوي: وعلى هذا فلا يمكنني إختيار واحدةٍ من تلك الروايات والإكتفاء بسردها لكم، لاحتياجها إلى ما في الروايات الأخرى. وافتقار تلك الروايات لها مما يجعل بعضها يكمل بعضاً.، فالأفضل إذن أن تصاغ القصة من مجموع تلك الروايات في حلةٍ جديدة لائقةٍ بسلمان ومكانته، تنسج خيوطها من سيرته ذاتها وليست بنشازٍ عنها ، لأنها كلها بلسانه رضي الله عنه.

ثم استطرد في سرد الرواية قائلاً:

«فقال الأسقف وهو يعاني سكرات الموت: يا بني ، لقد ترك الناس دينهم ، ولا أعلم أحداً يقول بمقالتي إلا راهباً في إنطاكية ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، وادفع إليه هذا اللوح. وناولني لوحاً.، ثم مات الأسقف. ولم يكشف لنا سلمان شيئاً عن سر ذلك اللوح، لكن من المعتقد أنه أثر كريم بقي من المسيح (عليه السلام) تركه للحواريين يتداولونه فيما بينهم ثم يسلمونه إلى ذوي الكفاءة من أوصيائهم.

يقول سلمان : فلما مات ، غسلته وكفنته ودفنته ، وأخذت اللوح وسرت به إلى انطاكية « وهي بلدة قريبة من حلب بعيدة عن الشام موصوفة بالحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء لها سور ضخم ، وشكلها كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل ، والسور يصعد مع الجبل إلى قمته فتتم دائرةً ، وفي السور داخل الجبل قلعة في وسطها بيعة « القسيان » (7) وهي هيكل طوله مائة خطوة ، وعرضه ثمانون ، وعليه كنيسة على آساطين ، وحول الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة والعلماء ، وهناك من الكنائس ما لا يجد كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملون ، والبلاط المجزع. (8)

ومضى سلمان يغد السير حتى وصل إليها، وكان قد عرف مواصفات الراهب واسمه، فلما وصل إلى الهيكل سأل عنه، فدلوه عليه، وكان في إحدى الكنائس، فلما وصل إليها تكلم بكلمات. فأطل عليه الراهب يسأله من هو وماذا يريد؟

ونظر إليه سلمان، فرأى فيه سمات التقى والصلاح والزهادة في الدنيا والرغبة عنها إلى الآخرة، فارتاحت لذلك نفسه، وعلم أن صاحبه الراحل لم يفرط فيه، بل أوصى به إلى يدٍ أمينة ... ورد سلمان على أسئلة الراهب، ثم أبلغه سلام الأسقف الراحل وسلمه الأمانة.

أخذ الراهب اللوح من يد سلمان بلهفة وزاد في الترحيب به، وأنزله معه، وظل سلمان في خدمته مدةً طويلة يأخذ عنه معالم الدين، حتى إذا مرت سنين، مرض الراهب مرض الموت ولزم الفراش وسلمان إلى جانبه. وأحس الراهب أنه مفارق هذه الدنيا، فالتفت إلى سلمان قائلاً:

« إني ميت! »

وصكت هذه الكلمة مسامع سلمان، وأخذت من نفسه مأخذاً حيث خاف الضياع من بعده، فقال له بنبرة فيها شيء من الحزن :

فعلى من تخلفني ..؟

قال الراهب: لا أعرف أحداً على طريقتي إلا راهباً بالإسكندرية، فإذا أتيته فاقرأه عني السلام، وادفع إليه هذا اللوح.

وما لبث الراهب أن توفي ، فقام سلمان بتجهيزه ، فغسله ، وكفنه ، ودفنه ، ثم أخذ اللوح معه وخرج قاصداً الإسكندرية.

وكانت الإسكندرية في ذلك الوقت هي أم الأساطيرـ كما يقال عنها ـ فكان الناس يتحدثون عنها وعن عجائبها فحيكت عن كيفية بنائها قصص كثيرة، منها: أن الذي بناها هو الاسكندر الأكبر فسميت باسمه، وقيل : أن الإسكندر وأخوه الفرما قاما ببناء مدينتين في أرض مصر سميت باسمهما ، فلما فرغ الاسكندر من بناء مدينته قال : قد بنيت مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية. ، وقال أخوه بعكسه ، فبقيت مدينة الإسكندر ، وتهدمت مدينة أخيه.

وأسطورة تقول: أن الذي بناها هو جبير المؤتفكي ، وكان قد سخر فيها سبعين ألف بناء ، وسبعين ألف مخندق ، وسبعين ألف مقنطر ، واستغرق بناؤها مائتا سنة ، وكتب على العمودين الذي يقال لهما : المسلتين : أنا جبير المؤتفكي عمرت هذه المدينة في شدتي وقوتي حين لا شيبة ولا هرم أضناني ، وكنزت أموالها في مراجل (9) جبيرية ، وأطبقتها بطبق من نحاس وجعلتها داخل البحر.

واسطورة ثانية تقول: أن جبير المؤتفكي وجد بالقرب منها مغارةً على شاطئ البحر فيها تابوت من نحاس ، ففتحه فوجد فيه تابوتاً من فضة ، ففتحه فإذا فيه درج (10) من حجر الماس ، ففتحه فإذا فيه مكحلة من ياقوتةٍ حمراء مِرودُها عِرق زبرجد أخضر ، فدعا بعض غلمانه فكحل إحدى عينيه بشيء مما كان في تلك المكحلة فعرف مواضع الكنوز ، ونظر إلى معادن الذهب ومغاص الدرر ، فاستعان بذلك على بناء الإسكندرية .. إلى غير ذلك من الإساطير التي ترسمها مخيلة القصاصين. (11)

ولقد كان الركبان الذين يقصدون الإسكندرية يتحدثون بهذا وأمثاله، يُسَلّون به أنفسهم سيما إذا كان سفرهم عن طريق البحر فإن ذلك يشغلهم عن تذكر البحر وأهواله.. ولكن ماذا يعني سلمان من ذلك كله فهو يسمع ما يروونه عن الإسكندرية لكنه لا يلتفت إلى ما يقولون، ولا يعبأ بما يتحدثون، بل كل همه وتفكيره منصبان على كيفية اللقاء بالراهب الذي سيصل إليه، وكيف سيكون معه ، وهل سيرته كسيرة صاحبيه.

وصل سلمان إلى الاسكندرية، وسأل عن الراهب الذي أخذ إسمه ومواصفاته من سلفه الراحل، واستدل على مكانه ، فوصفوا له صومعةً كان يقطن فيها شأن غيره من الرهبان. فلما وصل إليها وقف خارجها وتكلم بكلمات ما لبث بعدها أن أطل الراهب عليه، ونظر سلمان إليه فوجد فيه مثل ما وجد في صاحبيه من الهدى والصلاح والزهد فاطمأن به المكان بعد أن رحب به الراهب أجمل ترحيب. وأبلغه سلمان سلام سلفه الراحل وسلمه اللوح.

وبقي سلمان معه مدةً من الزمن، وكانت الأيام تمر سراعاً، والسنين تتوالى والبشارة تقترب.

ومرض الراهب مرض الموت، واستمر به المرض حتى إذا إحتضر إلتفت إلى سلمان قائلاً: «إني ميت! » وكأنه ينتظر منه سؤالاً ليجيبه عليه، وهنا بادره سلمان قائلاً له: «فعلى من تخلفني؟»

قال الراهب: لا أعرف أحداً على طريقتي، وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى بن مريم في الأرض، وقد أظلك زمان نبي يبعث بأرض العرب، إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته ، فإذا بلغك أنه قد خرج ، فانه النبي الذي بشر به عيسى صلوات الله وسلامه عليهما ، وآية * ذلك :أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فان أتيته فاقرأه السلام ، وادفع إليه هذا اللوح.

ثم أغمض الراهب الصالح عينيه مسلماً الروح إلى بارئها. فقام سلمان بتجهيزه ودفنه.

__________________

* الآية هنا : العلامة.

(1) على الأشهر، وقيل ماية.

(2) اسم والد سلمان، وقيل إسمه « بوذخشان » وقيل « بود » وقيل غير ذلك. راجع أعيان الشيعة 35 / 220.

(3) الاستيعاب على « الاصابة 2 / 57 »

(4) راجع معجم البلدان 3 / 314.

(5) يروى أنه قال له : اشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمداً حبيب الله ـ كما سيأتي في احدى الروايات.

(6) الإنحناء.

(7) قسيان: الملك الذي أحيا ولده رئيسُ الحواريين فطرس، وبيعة القسيان هذه كانت دار للملك فسميت باسمه.

(8) راجع معجم البلدان 1 / 2(صلى الله عليه وآله) للتفصيل.

(9) المِرجَل : قِدر ضخم من نحاس.

(10) الدَرج : أشبه بالمحفظة.

(11) للتفصيل راجع معجم البلدان 1 / 183 وما بعدها.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





أولياء الأمور: حفل الورود الفاطمية للتكليف الشرعي يحصن بناتنا من التأثر بالأفكار المحيطة بهن
تربويات: الورود الفاطمية لتكليف الطالبات مشروع حيوي لبناء مجتمعٍ سليم
تربويون: مشروع الورود الفاطمية ينتج جيلاً محتشماً ملتزماً بالحجاب وتعاليم الدين الإسلامي
الشؤون النسوية: مشهد حفل التكليف الشرعي له وقع كبير في نفوس المكلفات