المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16309 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (70-74) من سورة النحل  
  
5570   05:28 مساءً   التاريخ: 13-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  } [النحل: 70 - 74]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين نعمته علينا في خلقنا وأخرجنا من العدم إلى الوجود فقال: { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} أي: أوجدكم وأنعم عليكم بضروب النعم الدينية والدنيوية { ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} ويقبضكم أي يميتكم { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي: أدون العمر وأوضعه أي يبقيه حتى يصير إلى حال الهرم والخرف فيظهر النقصان في جوارحه وحواسه وعقله ورووا عن علي (عليه السلام) أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة وروي في مثل ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعن قتادة تسعون سنة { لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} أي: ليرجع إلى حال الطفولية بنسيان ما كان علمه لأجل الكبر فكأنه لا يعلم شيئا مما كان علمه وقيل ليقل علمه بخلاف ما كان عليه في حال شبابه { إن الله عليم } بمصالح عباده { قدير } على ما يشاء من تدبيرهم وتقدير أحوالهم .

ثم عدد سبحانه نعمة منه أخرى فقال { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } فوسع على واحد وقتر على آخر على ما توجبه الحكمة { فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } اختلف في معناه على قولين ( أحدهما ) أنهم لا يشركون عبيدهم في أموالهم وأزواجهم حتى يكونوا فيه سواء ويرون ذلك نقصا فلا يرضون لأنفسهم به وهم يشركون عبيدي في ملكي وسلطاني ويوجهون العبادة والقرب إليهم كما يوجهونها إلي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقال ابن عباس يقول إذا لم ترضوا أن تجعلوا عبيدكم شركاءكم فكيف جعلتم عيسى إلها معه وهو عبده ونزلت في نصارى نجران ( والثاني ) إن معناه فهؤلاء الذين فضلهم الله في الرزق من الأحرار لا يرزقون مماليكهم بل الله تعالى رازق الملاك والمماليك فإن الذي ينفقه المولى على مملوكه إنما ينفقه مما رزقه الله تعالى فالله تعالى رازقهم جميعا فهم سواء في ذلك.

 { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي: أ فبهذه النعمة التي عددتها واقتصصتها يجحد هؤلاء الكفار ثم عدد سبحانه نعمة أخرى قال { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي: جعل لكم من جنسكم ومن الذين تلدونهم نساء جعلهن أزواجا لكم لتسكنوا إليهن وتأنسوا بهن { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} يعني من هؤلاء الأزواج { بنين } تسرون بهم وتزينون بهم { وحفدة } اختلف في معناه فقيل هم الخدم والأعوان عن ابن عباس والحسن وعكرمة وفي رواية الموالبي هم أختان الرجل على بناته وهو المروي عن أبي عبد الله وعن ابن مسعود وإبراهيم وسعيد بن جبير وقيل هم البنون وبنو البنين عن ابن عباس في رواية أخرى ونصه عنه أيضا أنهم بنوامرأة الرجل من غيره في رواية الضحاك وقيل البنون الصغار من الأولاد والحفدة الكبار منهم يسعون معه عن مقاتل.

 { وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي: الأشياء التي تستطيبونها قد أباحها لكم وإنما دخلت من لأنه ليس كل ما يستطيبه الإنسان رزقا له وإنما يكون رزقه ما له التصرف فيه وليس لأحد منعه منه { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} يريد بالباطل الأوثان والأصنام وما حرم عليهم وزينه الشيطان من البحائر وغيرها أي: أ فبذلك يصدقون { وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ } التي عددها { هُمْ يَكْفُرُونَ} أي: يجحدون ويريد بنعمة الله التوحيد والقرآن ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا} أي: لا يملك أن يرزقهم { مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} شيئا مما ذكرناه وقيل إن رزق السماء الغيث الذي يأتي من جهتها ورزق الأرض النبات والثمار وغير ذلك من أنواع النعم التي تخرج من الأرض.

 { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} أي: لا تجعلوا لله الأشباه والأمثال في العبادة فإنه لا شبه له ولا مثل ولا أحد يستحق العبادة سواه وإنما قال ذلك في اتخاذهم الأصنام آلهة عن ابن عباس وقتادة { إن الله يعلم } إن من كان إلها فإنه منزه عن الشركاء { وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ذلك بل تجهلونه ولوتفكرتم لعلمتم وقيل معناه والله يعلم ما عليكم من المضرة في عبادة غيره وأنتم لا تعلمون ولوعلمتم لتركتم عبادتها .

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص177-180.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ واللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهً عَلِيمٌ قَدِيرٌ } . للإنسان أدوار وأطوار يمر بها من الطفولة إلى المراهقة والشباب ، ومن الشباب إلى الشيخوخة والهرم ، ولكل دور سببه الطبيعي المباشر ، ويسند إليه تعالى لأنه خالق الطبيعة والكون . . وأرذل العمر هو الهرم الذي يضعف معه الجسم والعقل والذاكرة ، وبقية الحواس الظاهرة والباطنة ، ومتى ضعف عضو من أعضاء الشيخ أوحاسة من حواسه انتهى أمرها ، ولا يرجى عودتها إلى الحال السابقة ، بل تزداد ضعفا ووهنا مع الأيام ، وبالخصوص الذاكرة ، حيث يفقدها

تماما ، ويرجع إلى ما كان أيام الطفولة ، حتى كأنه لم يتعلم شيئا من الدروس ، ولا مر بشيء من التجارب .

{ واللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } . لقد توهم البعض ان ظاهر الآية يدل على أن الرزق هو بقضاء اللَّه وقدره ، وانه تعالى هو الذي جعل هذا غنيا ، وذاك فقيرا . . ولكن الآية بعيدة كل البعد عن هذا المعنى ، لأنها قد جاءت للرد على المشركين ، وتوضيح ذلك ان المشركين جعلوا للَّه شركاء .

فرد عليهم سبحانه بأنكم لا ترضون أيها المشركون أن يكون عبيدكم شركاء لكم في أموالكم ، وأن تكونوا وإياهم سواء في أرزاقكم وأملاككم ، وإذا لم ترضوا لأنفسكم المساواة بينكم وبين عبيدكم فيما تملكون ، فكيف صح في أفهامكم أن يكون عبيد اللَّه شركاء له في خلقه ؟ . فهل شأن اللَّه تعالى دون شأنكم في ذلك ؟ .

وبكلام آخر ان اللَّه سبحانه احتج عليهم بمنطقهم ومقاييسهم ، وقال لهم : أنتم سادة بزعمكم ، ولكم عبيد لا يملكون معكم شيئا ، لأن العبد لا يملك مع سيده شيئا . . إذن ، بأي منطق قلتم : ان الأصنام أوغيرها من عبيد اللَّه تملك معه أوعنده شيئا ؟ .

وتسأل : ان قوله تعالى : { واللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } ظاهر في أن التفضيل في الرزق بقضاء اللَّه وقدره ؟ .

الجواب : لقد كررنا القول : ان إضافة الرزق وغير الرزق إلى اللَّه تعالى انما هو من باب اسناد الشيء إلى سببه الأول ، ولتنبيه الأذهان إلى أن اللَّه هو خالق الكون وما فيه ، وتكلمنا عن الرزق وفساد الأوضاع في ج 3 ص 94 ، وأيضا تكلمنا بعنوان : « هل الرزق صدفة » في ج 3 ص 131 ، وبعنوان : « الإنسان والرزق » عند تفسير الآية 26 من سورة الرعد .

{ واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً } . من جنسكم ، لا من جنس أدنى أوأرفع ، ليتم الأنس للجانبين ، ويحصل التعاون والمشاركة في الحياة من كل الجهات ، وأوضح تفسير لهذه الجملة قوله تعالى : « ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً - 21 الروم » .

{ وجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وحَفَدَةً } . بعد أن ذكر سبحانه نعمة الزواج ذكر نعمة الأولاد ، وهم كالأموال زينة الحياة الدنيا { ورَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ } مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ، كل أولاء بالإضافة إلى الأزواج والأولاد وبعد هذه النعم كلها { أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ } . المراد بالباطل هنا الشركاء ، والايمان بها نسبة النعم إليها بالانفراد أوالاشتراك مع اللَّه { وبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } حيث يأكلون رزقه ويعبدون غيره .

{ ويَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ والأَرْضِ شَيْئاً ولا يَسْتَطِيعُونَ } . رزق السماء الغيث ، ورزق الأرض النبات والمعادن ، والمراد بما لا يملك رزقا الأصنام ، ومعنى لا يستطيعون ان الأصنام لا تملك بالفعل : وليس لها القدرة والقابلية للتملك . { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثالَ } بجعل الأشباه له والنظائر :

« لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ - 10 الشورى » { إِنَّ اللَّهً يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } . ومن أجل علمه تعالى وجهلكم يجب أن لا تفعلوا ولا تقولوا شيئا لا ما علمكم اللَّه بلسان أنبيائه ورسله .

______________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 530-532.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} إلخ، الأرذل اسم تفضيل من الرذالة وهي الرداءة والرذل الدون والرديء، والمراد بأرذل العمر بقرينة قوله:{لكي لا يعلم} إلخ، سن الشيخوخة والهرم التي فيها انحطاط قوى الشعور والإدراك، وهي تختلف باختلاف الأمزجة وتبتدىء على الأغلب من الخمس والسبعين.

والمعنى: والله خلقكم معشر الناس ثم يتوفاكم في عمر متوسط ومنكم من يرد إلى سن الهرم فينتهي إلى أن لا يعلم بعد علم شيئا لضعف القوى، وهذا آية أن حياتكم وموتكم وكذا شعوركم وعلمكم ليست بأيديكم وإلا اخترتم البقاء على الوفاة والعلم على عدمه بل ذلك على ما له من عجيب النظام منته إلى علمه وقدرته تعالى، ولهذا علله بقوله:{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.

قوله تعالى:{ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} إلى آخر الآية، فضل بعض الناس على بعض في الرزق وهو ما تبقى به الحياة ربما كان من جهة الكمية كالغني المفضل بالمال الكثير على الفقير، وربما كان من جهة الكيفية كأن يستقل بالتصرف فيه بعضهم ويتولى أمر الآخرين مثل ما يستقل المولى الحر بملك ما في يده والتصرف فيه بخلاف عبده الذي ليس له أن يتصرف في شيء إلا بإذنه وكذا الأولاد الصغار بالنسبة إلى وليهم والأنعام والمواشي بالنسبة إلى مالكها.

وقوله:{ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قرينة على أن المراد هو القسم الثاني من التفضيل وهو أن بعضهم فضل بالحرية والاستقلال بملك ما رزق وليس يختار أن يرد ما رزق باستقلاله وحريته إلى من يملكه ويملك رزقه، ولا أن يبذل له ما أوتيه من نعمة حتى يتساويا ويتشاركا فيبطل ملكه ويذهب سودده.

فهذه نعمة ليسوا بمغمضين عنها ولا برادين لها على غيرهم، وليست إلا من الله سبحانه فإن أمر المولوية والرقية وإن كان من الشئون الاجتماعية التي ظهرت عن آراء الناس والسنن الاجتماعية الجارية في مجتمعاتهم لكن له أصول طبيعية تكوينية هي التي بعثت آراءهم على اعتباره كسائر الأمور الاجتماعية العامة.

ومن الشاهد على ذلك أن الأمم الراقية منذ عهد طويل أعلنوا بإلغاء سنة الاسترقاق ثم اتبعتهم سائر الأمم من الشرقيين وغيرهم وهم لا يزالون يحترمون معناها إلى هذه الغاية وإن ألغوا صورتها، ويجرون مسماها وإن هجروا اسمها(2) ولن يزالوا كذلك فليس في وسع الإنسان أن يسد باب المغالبة، وقد قدمنا كلاما في هذا المعنى في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب فليراجعه من شاء.

وكون هذا المعنى نعمة من الله إنما هو لأن من صلاح المجتمع الإنساني أن يتسلط بعضهم على بعض فيصلح القوي الضعيف بصالح التدبير ويكمله.

وعلى هذا فقوله:{فهم فيه سواء} متفرع على المنفي في قوله:{ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ } دون النفي، والمعنى: ليسوا برادي رزقهم على عبيدهم فيكونوا متساوين فيه متشاركين وفي ذلك ذهاب مولويتهم، ويحتمل أن يكون جملة استفهامية حذفت منها أداة الاستفهام وفيها إنكار أن يكون المفضلون والمفضل عليهم في ذلك متساويين، ولو كانوا سواء لم يمتنع المفضل من أن يرد رزقه على من فضل عليه فإن في ذلك دلالة على أنها نعمة خصه الله بها.

ولذلك عقبه ثانيا بقوله:{ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وهو استفهام توبيخي كالمتفرع لما تقدمه من الاستفهام الإنكاري، والمراد بنعمة الله هذا التفضيل المذكور بعينه.

والمعنى - والله أعلم - والله فرق بينكم بأن فضل بعضكم على بعض في الرزق فبعضكم حر مستقل في التصرف فيه، وبعضكم عبد تبع له لا يتصرف إلا عن إذن فليس الذين فضلوا برادي رزقهم الذي رزقوه على سبيل الحرية والاستقلال على ما ملكت أيمانهم حتى يكون هؤلاء المفضلون والمفضل عليهم في الرزق سواء فليسوا سواء بل هي نعمة تختص بالمفضلين أ فبنعمة الله يجحدون؟.

هذا ما يفيده ظاهر الآية بما احتفت به من القرائن، والسياق سياق تعداد النعم، وربما قرر معنى الآية على وجه آخر فقيل: المعنى أنهم لا يشركون عبيدهم في أموالهم وأزواجهم حتى يكونوا في ذلك سواء ويرون ذلك نقصا لأنفسهم فكيف يشركون عبيدي في ملكي وسلطاني ويعبدونهم ويتقربون إليهم كما يعبدونني ويتقربون إلي، كما فعلوا في عيسى بن مريم (عليهما السلام)؟.

قالوا: والآية على شاكلة قوله تعالى:{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}: الروم: 28 قالوا: والآية نزلت في نصارى نجران.

وفيه أن سياق الآية هو سياق تعداد النعم لاستنتاج التوحيد لا المناقضة والتوبيخ فلا أثر فيها منه.

على أن الآية مما نزلت بمكة وأين ذاك من وفود نصارى نجران على المدينة سنة ست من الهجرة أوبعدها؟ وقياس هذه الآية من آية سورة الروم مع الفارق لاختلاف السياقين، فسياق هذه الآية سياق الاحتجاج بذكر النعمة وسياق آية الروم هو سياق التوبيخ على الشرك.

وقيل: إن المعنى فهؤلاء الذين فضلهم الله في الرزق من الأحرار لا يرزقون مماليكهم وعبيدهم بل الله تعالى هو رازق الملاك والمماليك فإن الذي ينفقه المولى على مملوكه إنما ينفقه مما رزقهم الله فالله رازقهم جميعا فهم فيه سواء.

ومحصله أن قوله:{فهم فيه سواء} حال محل إضراب مقدر والتقدير أن الموالي ليسوا برادي رزق أنفسهم على عبيدهم فيما ينفقون عليهم بل الله يرزق العبيد بأيدي مواليهم وهم سواء في الرزق من الله.

وفيه أن ما قرر من المعنى مقتضاه أن يبطل التسوية أخيرا حكم التفضيل أولا، ولا يستقيم عليه مدلول قوله:{أ فبنعمة الله يجحدون}.

وقيل: المراد أن الموالي ليسوا برادي ما بأيديهم من الرزق على مواليهم حتى يستووا في التمتع منه.

وفيه أنه يعود حينئذ إلى أن الإنسان يمنع غيره من أن يتسلط على ما ملكه من الرزق، وحينئذ يكون تخصيص ذلك بالعبيد مستدركا زائدا، ولو وجه بأنه إنما لا يرده عليه لمكان تسلطه على عبيده رجع إلى ما قدمناه من المعنى، ولكانت النعمة المعدودة هي الفضل من جهة مالكية المولى لعبده ولما عنده من الرزق.

قوله تعالى:{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } إلى آخر الآية.

قال في المفردات:قال الله تعالى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً } جمع حافد وهو المتحرك المسرع بالخدمة أقارب كانوا أوأجانب.

قال المفسرون: هم الأسباط ونحوهم وذلك أن خدمتهم أصدق - إلى أن قال - قال الأصمعي: أصل الحفد مداركة الخطو. انتهى.

وفي المجمع: وأصل الحفد الإسراع في العمل - إلى أن قال - ومنه قيل للأعوان حفدة لإسراعهم في الطاعة. انتهى.

والمراد بالحفدة في الآية الأعوان الخدم من البنين لمكان قوله:{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} ولذا فسر بعضهم قوله:{بنين وحفدة} بصغار الأولاد وكبارهم، وبعضهم بالبنين والأسباط وهم بنوالبنين.

والمعنى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا تألفونها وتأنسون بها، وجعل لكم من أزواجكم بالإيلاد بنين وحفدة وأعوانا تستعينون بخدمتهم على حوائجكم وتدفعون بهم عن أنفسكم المكاره ورزقكم من الطيبات وهي ما تستطيبونه من أمتعة الحياة وتنالونه بلا علاج وعمل كالماء والثمرات أو بعلاج وعمل كالأطعمة والملابس ونحوها، و{من} في{من الطيبات} للتبعيض وهو ظاهر.

ثم وبخهم بقوله:{أ فبالباطل} وهي الأصنام والأوثان ومن ذلك القول بالبنات لله، والأحكام التي يشرعها لهم أئمتهم أئمة الضلال{ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } والنعمة هي جعل الأزواج من أنفسهم وجعل البنين والحفدة من أزواجهم فإن ذلك من أعظم النعم وأجلاها لكونه أساسا تكوينيا يبتني عليه المجتمع البشري، ويظهر به فيهم حكم التعاون والتعاضد بين الأفراد، وينتظم به لهم أمر تشريك الأعمال والمساعي فيتيسر لهم الظفر بسعادتهم في الدنيا والآخرة.

ولوأن الإنسان قطع هذا الرابط التكويني الذي أنعم الله به عليه وهجر هذا السبب الجميل، وإن توسل بأي وسيلة غيره لتلاشى جمعه وتشتت شمله وفي ذلك هلاك الإنسانية.

قوله تعالى:{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} عطف على موضع الجملة السابقة والمعنى يكفرون بنعمة الله ويعبدون من دون الله ما لا يملك إلخ.

وقد ذكروا أن{رزقا} مصدر و{شيئا} مفعوله والمعنى لا يملك لهم أن يرزق شيئا وقيل: الرزق بمعنى المرزوق و{شيئا} بدل منه، وقيل: إن{شيئا} مفعول مطلق والتقدير: لا يملك شيئا من الملك.

وخير الوجوه أوسطها.

ويمكن أن يقال:{من السماوات والأرض شيئا} بدل من{رزقا} وهو من بدل الكل من البعض يفيد معنى الإضراب والترقي، والمعنى ويعبدون ما لا يملك لهم رزقا بل لا يملك لهم في السماوات والأرض شيئا.

وقوله:{ولا يستطيعون} أي ولا يستطيعون أن يملكوا رزقا وشيئا ويمكن أن يكون منسي المتعلق جاريا مجرى اللازم أي ولا استطاعة لهم أصلا.

وقد اجتمع في الآية رعاية الاعتبارين في الأصنام فإنها من جهة أنها معمولة من حجر أوخشب أو ذهب أوفضة غير عاقلة وبهذا الاعتبار قيل:{ما لا يملك} إلخ، ومن جهة أنهم يعدونها آلهة دون الله ويعبدونها والعبادة لا تكون إلا لعاقل منسلكة - على زعمهم - في سلك العقلاء، وبهذا الاعتبار قيل:{ولا يستطيعون}.

وفي الآية رجوع إلى التخلص لبيان الغرض من تعداد النعم وهو التوحيد وإثبات النبوة بمعنى التشريع والمعاد يجري ذلك إلى تمام أربع آيات ينهى في أولاها عن ضربهم الأمثال لله سبحانه، ويضرب في الثانية مثلا تبين به وحدانيته تعالى في ربوبيته، وفي الثالثة مثلا يتبين به أمر النبوة والتشريع، ويتعرض في الرابعة لأمر المعاد.

قوله تعالى:{ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الظاهر السابق إلى الذهن أن المراد بضرب الأمثال التوصيف المصطلح عليه بالاستعارة التمثيلية وهي إجراء الأوصاف عليه تعالى بضرب من التشبيه كقولهم: إن له بنات كالإنسان، وإن الملائكة بناته، وإن بينه وبين الجنة نسبا وصهرا، وإنه كيف يحيي العظام وهي رميم إلى غير ذلك، وهذا هو المعنى المعهود من هذه الكلمة في كلامه تعالى، وقد تقدم في خلال الآيات السابقة قوله:{ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى }.

فالمعنى: إذا كان الأمر على ما ذكر فلا تصفوه سبحانه بما تشبهونه بغيره وتقيسونه إلى خلقه لأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون حقائق الأمور وكنهه تعالى.

وقيل: المراد بالضرب الجعل، وبالأمثال ما هو جمع المثل بمعنى الند، فقوله: فلا تضربوا لله الأمثال في معنى قوله في موضع آخر:{ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}: البقرة: 22، وهو معنى بعيد.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص240-245.

2- وأنما نقلوا حكم الاسترقاق مما بين الفرد الى مابين المجتمع والمجتمع وسموه بغير اسمه.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

سبب اختلاف الأرزاق:

بيّنت الآيات السابقة قسماً من النعم الإِلهية المجعولة في عالمي النبات والحيوان، لتكون دليلا حسياً لمعرفته جل شأنه، وتواصل هذه الآيات مسألة إِثبات الخالق جل وعلا بأسلوب آخر، وذلك بأن تغيير النعم خارج عن اختيار الإِنسان، وذلك كاشف بقليل من الدقة والتأمل على وجود المقدّر لذلك.

فيبتدأ القول بـ { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ }.

فمنه الممات كما كانت الحياة منه، ولتعلموا بأنّكم لستم خالقين لأي من الطرفين (الحياة والموت).

ومقدار عمركم ليس باختياركم أيضاً، فمنكم مَنْ يموت في شبابه أوفي كهولته { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}(2).

ونتيجة هذا العمر الموغل في سني الحياة { لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا}(3).

فيكون كما كان في مرحلة الطفولة من الغفلة والنسيان وعدم الفهم .. نعم فـ{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فكل القدرات بيده جل وعلا، وعطاؤه بما يوافق الحكمة والمصلحة، وكذا أخذه لا يكون إِلاّ عندما يَلْزَم ذلك.

ويواصل القرآن الكريم استدلاله في الآية التالية من خلال بيان أنّ مسألة الرزق ليست بيد الإِنسان وإِنّما.. { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}فاصحاب الثروة والطول غير مستعدين لإِعطاء عبيدهم منها ومشاركتهم فيها خوفاً أن يكونوا معهم على قدم المساواة: { فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ }.

واحتمل بعض المفسّرين أنّ الآية تشير إِلى بعض أعمال المشركين الناتجة عن حماقتهم، حينما كانوا يجعلون لآلهتهم من الأصنام سهماً من مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية، بالرغم من عدم وجود أيّ أثر لتلك الأحجار والأخشاب على حياتهم! بل كان الأُولى بهم لوالتفتوا إِلى خدمهم وعبيدهم ليعطوهم شيئاً جزاء ما يقدمونه لهم من خدمات ليل نهار!...

هل التفاضل في الرّزق من العدالة؟!...

وهنا يواجهنا سؤال يطرح نفسه: هل أنّ إِيجاد التفاوت والإِختلاف في الأرزاق بين الناس، ينسجم مع عدالة اللّه عزَّ وجلّ ومساواته بين خلقه، التي ينبغي أن تحكم نظام المجتمع البشري؟

لأجل الإِجابة، ينبغي الإِلتفات إِلى الملاحظتين التاليتين:

1 ـ إِنّ الإِختلاف الموجود بين البشر في جانب الموارد المادية يرتبط بالتباين الناشىء بين الناس جراء اختلاف استعدادتهم وقابليتهم من واحد لآخر.

والتفاوت في الإِستعدادين الجسمي والروحي يستلزم الإِختلاف في مقدار ونوعية الفعالية الإِقتصادية للأفراد، ممّا يؤدي إِلى زيادة وارد بعض وقلّة وارد البعض الآخر.

ولا شك أنّ بعض الحوادث والاتفاقات لها دخل في اشراء بعض الناس، الاّ أنّه لا يمكن أن نعوّل عليها عند البحث لأنّها ليست أكثر من استثناء، أمّا الضابط في أكثر الحالات فهوالتفاوت الموجود في كمية وكيفية السعي (ومن الطبيعي أن بحثنا يتناول المجتمع السليم والبعيد عن الظلم والإِستغلال، ولا نقصد به تلك المجتمعات المنحرفة التي تركت قوانين التكوين والنظام الإِنساني جانباً وانزلقت في طرق الظلم والإِستغلال).

وقد يساورنا التعجب حينما نجد بعض الفاقدين لأي مؤهل أو استعداد يتمتعون برزق وافر وجيد، ولكننا عندما نتجرّد عن الحكم من خلال الظواهر ونتوغل في أعماق مميزات ذلك البعض جسمياً ونفسياً وأخلاقياً، نجد أنّهم يتمتعون بنقاط قوة أوصلتهم إِلى ذلك (ونكرر القول بأنّ بحثنا ضمن إِطار مجتمع سليم خال من الإِستغلال).

وعلى أية حال .. فالتفاوت بين دخل الأفراد ينبع من التفاوت بالإِستعدادات، وهو من المواهب والنعم الإِلهية أيضاً، وإِنْ أمكن أنْ يكون بعض ذلك اكتسابياً، فالبعض الآخر غير اكتسابي قطعاً. فإِذِنْ وجود التفاوت في الأرزاق أمر غير قابل للإِنكار من الناحية الإِقتصادية، ويتمّ ذلك حتى داخل المجتمعات السليمة.. إِلاّ إِذا افترضنا وجود مجموعة أفراد كلهم في هيئة واحدة من حيث: الشكل، اللون، الإِستعداد ولا يعتريهم أيَّ اختلاف! وإِذا ما افترضنا حدوث ذلك فإِنّه بداية المشاكل والويلات!

2 ـ لو نظرنا إِلى بدن إِنسان ما، أوإِلى هيكل شجرة أوباقة ورد، فهل سنجد التساوي بين أجزاء كل منها ومن جميع الجهات؟

وهل أنّ قدرة ومقاومة واستعداد جذور الشجرة مساوية لقدرة ومقاومة واستعداد أوراق الوردة الظريفة؟ وهل أن عظم قدم الإِنسان لا يختلف عن شبكية عينه؟

وَهل من الصواب أن نعتبر كل ذلك شيئاً واحداً؟!

ولوتركنا الشعارات الكاذبة والفارغة من أيِّ معنى، وافترضنا تساوي الناس من جميع النواحي، فنملأ الأرض بخمسة مليارات من الأفراد ذوي: الشكل الواحد، الذوق الواحد، الفكر الواحد، بل والمتحدين في كل شيء كعلبة السجائر.. فهل نستطيع أن نضمن أنّ حياة هؤلاء ستكون جيدة؟ ستكون الإِجابة بالنفي قطعاً، وسيحرق الجميع بنار التشابه المفرط والرتيب الكئيب، لأنّ الكل يتحرك في جهة واحدة، والكل يريد شيئاً واحداً، ويحبون غذاءاً واحداً، ولا يرغبون إِلاّ بعمل واحد!

وبديهياً ستكون حياة كهذه سريعة الإِنقراض، ولوافترض لها الدوام، فإِنّها ستكون متعبة ورتيبة وفاقدة لكل روح. وبعبارة أشمل سوف لا يبعدها عن الموت بون شاسع.

وعلى هذا فحكمة وجود التفاوت في الإِستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الإِجتماعي، وليكون التفاوت في الإِستعدادات دافعاً لتربية وإِنماء الإِستعدادات المختلفة للأفراد. ولا يمكن للشعارات الكاذبة أن تقف في وجه هذه الحقيقة التي يفرضها الواقع الموضوعي أبداً.

ولا ينبغي أن نفهم من هذا الكلام أنّنا نريد منه إِيجاد مجتمع طبقي أونظام استغلالي واستعماري، لا. أبداً .. وإِنّما نقصد بالإِختلافات التفاوت الطبيعي بين الأفراد (وليس المصطنع) الذي يعاضد بعضه الآخر ويكمله (وليس الذي يكون حجر عثرة في طريق تقدم الأفراد ويدعوإِلى التجاوز والتعدي على الحقوق).

إِنّ الإِختلاف الطبقي (والمقصود من الطبقات هنا: ذلك المفهوم الإِصطلاحي الذي يعني وجود طبقة مستغِلة وأُخرى مستغَلة) لا ينسجم مع نظام الخليقة أبداً، ولكنّ الموافق لنظام الخليقة هو ذلك التفاوت في الإِستعدادات والسعي وبذل الجهد، والفرق بين الأمرين كالفرق بين السماء والأرض ـ فتأمل.

وبعبارة أُخرى، إِن الإِختلاف في الإِستعدادات ينبغي أن يوظف لخدمة مسيرة البناء، كما في اختلاف طبيعة أعضاء بدن الإِنسان أوأجزاء الوردة، فمع تفاوتها إِلاّ أنّها ليست متزاحمة، بل إنّ البعض يعاضد البعض الآخر وصولا للعمل التام على أكمل وجه.

وخلاصة القول: ينبغي أن لا يكون وجود التفاوت والإِختلاف في الإِستعدادات وفي الدخل اليومي للأفراد دافعاً لسوء الإِستفادة وذلك بتشكيل مجتمع طبقي(4).

ولهذا يقول القرآن الكريم في ذيل الآية مورد البحث: { أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.

وذلك إِشارة إِلى أن هذه الإِختلافات في حالتها الطبيعية (وليس الظالمة المصطنعة) إِنّما هي من النعم الإِلهية التي أوجدها لحفظ النظام الإِجتماعي البشري.

وتبدأ الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث بلفظ الجلالة «اللّه» كما كان في الآيتين السابقتين، ولتتحدث عن النعم الإِلهية في إِيجاد القوى البشرية، ولتتحدث عن الأرزاق الطيبة أيضاً تكميلا للحلقات الثلاثة من النعم المذكورة في آخر ثلاث آيات، حيث استهلت البحث بنظام الحياة والموت، ثمّ التفاوت في الأرزاق والإِستعدادات الكاشف لنظام (تنوع الحياة) لتنتهي بالآية مورد البحث، حيث النظر إِلى نظام تكثير النسل البشريو.. الأرزاق الطيبة.

وتقول الآية: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} لتكون سكناً لأرواحكم وأجسادكم وسبباً لبقاء النسل البشري.

ولهذا تقول وبلافاصلة: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}.

«الحفدة» بمعنى (حافد) وهي في الأصل بمعنى الإِنسان الذي يعمل بسرعة ونشاط دون انتظار أجر وجزاء، أمّا في هذه الآية ـ كما ذهب إِلى ذلك أكثر المفسّرين ـ فالمقصود منها أولاد الأولاد، واعتبرها بعض المفسّرين بأنّها خاصّة بالإِناث دون الذكور من الأولاد.

ويعتقد قسم آخر من المفسّرين: أن «بنون» تطلق على الأولاد الصغار، و«الحفدة» تطلق على الأولاد الكبار الذين يستطيعون إِعانة ومساعدة آبائهم.

واعتبر بعض المفسّرين أنّها شاملة لكل معين ومساعد، من الأبناء كان أم من غيرهم(5).

ويبدو أن المعنى الأوّل (أولاد الأولاد) أقرب من غيره، بالرغم ممّا تقدم من سعة مفهوم «حفدة» في الأصل.

وعلى أية حال فوجود القوى الإِنسانية من الأبناء والأحفاد والأزواج للإِنسان من النعم الإِلهية الكبيرة التي أنعمها جل اسمه على الإِنسان، لأنّهم يعينون مادياً ومعنوياً في حياته الدنيا.

ثمّ يقول القرآن الكريم: { وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}.

«الطبيات» هنا لها من سعة المفهوم بحيث تشمل كل رزق طاهر نظيف، سواء كان مادياً أومعنوياً، فردياً أوإجتماعياً.

وبعد كل العرض القرآني لآثار وعظمة قدرة اللّه، ومع كل ما أفاض على البشرية من نعم، نرى المشركين بالرغم من مشاهدتهم لكل ما أعطاهم مولاهم الحق، يذهبون إِلى الأصنام ويتركون السبيل التي توصلهم إِلى جادة الحق { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }.

فما أعجب هذا الزيغ! وأية حال باتوا عليها! عجباً لهم وتعساً لنسيانهم مسبب الأسباب، وذهابهم لما لا ينفع ولايضر ليقدسوه معبوداً!!!

لا تجعلوا لله شبيهاً:

تواصل هاتان الآيتان بحوث التوحيد السابقة، وتشير إِلى موضوع الشرك، وتقول بلهجة شديدة ملؤها اللوم والتوبيخ: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا}.

وليس لا يملك شيئاً فقط، بل {ولا يستطيعون} أن يخلقوا شيئاً.

وهذه إِشارة إِلى المشركين بأن لا أمل لكم في عبادتكم للأصنام، لأنّها لا تضرّكم ولا تنفعكم وليس لها أيُّ أثر على مصيركم، فالرزق مثلا والذي به تدور عجلة الحياة سواء كان من السماء (كقطرات المطر وأشعة الشمس وغير ذلك) أوما يستخرج من الأرض، إِنّما هو خارج عن اختيار الأصنام، لأنّها موجودات فاقدة لأية قيمة ولا تملك الإِرادة، وإِنْ هي إِلاّ خرافات صنعتها العصبية الجاهلية ليس إِلاّ.

وجملة (لا يستطيعون) سبب لجملة «لا يملكون» أيْ: إنّها لا تملك شيئاً من الأرزاق لعدم استطاعتها الملك، فكيف بالخلق!

ثمّ تقول الآية التالية كنتيجة لما قبلها: { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } وذلك { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.

قال بعض المفسّرين: إِنّ عبارة { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } تشير إِلى منطق المشركين في عصر الجاهلية (ولا يخلو عصرنا الحاضر من أشباه أُولئك المشركين) حيث كانوا يقولون: إِنّما نعبد الأصنام لأنّنا لا نمتلك الأهلية لعبادة اللّه، فنعبدها لتقربنا إِلى اللّه! وإِنّ اللّه مثل ملك عظيم لا يصل إِليه إِلاّ الوزراء والخواص، وما على عوام الناس إِلاّ أن تتقرب للحاشية والخواص لتصل إِلى خدمة اللّه!!

هذا الإِنحراف في التوجه والتفكير، والذي قد يتجسم أحياناً على هيئة أمثال منحرفة، إِنّما هومن الخطورة بمكان بحيث يطغى على كل الإِنحرافات الفكرية.

ولذا يجيبهم القرآن الكريم قائلا: { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } التي هي من صنع أفكاركم المحدودة ومن صنع موجودات (ممكنة الوجود) ومليئة بالنواقص.

وإِنّكم لوأحطتم علماً بعظمة وجوده الكريم وبلطفه ورحمته المطلقة، لعرفتم أنّه أقرب إِليكم من أنفسكم ولما جعلتم بينكم وبينه سبحانه من واسطة أبداً.

فالله الذي دعاكم لأن تدعوه وتناجوه، وفتح لكم أبواب دعائه ليل نهار، لا ينبغي أن تشبّهوه بجبار مستكبر لا يتمكن أيّ أحد من الوصول إِليه ودخول قصره إِلاّ بعض الخواص { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}.

لقد أكّدنا في بحوثنا السابقة حول صفات اللّه عزَّ وجلّ: أنّ منزلق التشبيه يعتبر من أخطر المنزلقات في طريق معرفة صفاته سبحانه وتعالى، ولا ينبغي مقايسة صفاته سبحانه بصفات العباد، لأنّ الباري جلت عظمته وجود مطلق، وكل الموجودات بما فيها الإِنسان محدودة، فهل يمكن تشبيه المطلق بالمحدود؟!

وإِذا ما اضطررنا إِلى تشبيه ذاته المقدسة بالنّور وما شابه ذلك فينبغي أن لا يغيب عن علمنا بأنّ هذا التشبيه ناقص على أيّة حال، وأنّه لا يصدق إِلاّ من جهة واحدة دون بقية الجهات ـ فتأمل.

وبما أنّ أكثر الناس قد غفلوا عن هذه الحقيقة، وكثيراً ما يقعون في وادي التشبيه الباطل والقياس المرفوض فيبتعدون عن حقيقة التوحيد، فلذا نجد القرآن الكريم كثيراً ما يؤكّد على هذه المسألة، فمرّة يقول كما في الآية (4) من سورة التوحيد، {ولم يكن له كفواً أحد}، وأُخرى كما في الآية (11) من سورة الشورى: {ليس كمثله شيء}، وثالثة كما في الآية مورد البحث: { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ }.

ولعل عبارة { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }، في ذيل الآية مورد البحث، تشير إِلى أنّ أغلب الناس في غفلة عن أسرار صفات اللّه.

_____________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص109-119.

2- «أرذل»: من (رذل) بمعنى الحقارة وعدم المرغوبية، والمقصود من «أرذل العمر»: السنين المتقدمة جدّاً من عمر الإِنسان حيث الضعف والنسيان، ولا يستطيع تأمين احتياجاته الأولية، ولهذا سماها القرآن بأرذل العمر، وقد اعتبر بعض المفسّرين أنّها تبدأ من عمر (75) عامّاً، وبعض آخر من (90) وآخرون اعتبروها من (95) .. والحق أنّها لا تحدد بعمر، وإِنّما تختلف من شخص لآخر.

3 ـ عبارة (لكي لا يعلم بعد علم شيئاً) يمكن أن تكون غاية ونتيجة للسنين المتقدمة من حياة الإِنسان، فيكون مفهومها أنّ دماغ الإِنسان وأعصابه في هذه السنين تفقد القدرة على التركيز والحفظ فيسيطر على الإِنسان النسيان والغفلة. ويمكن أن يكون معناها العلّة، أيْ أنّ اللّه تعالى يوصل الإِنسان إِلى هذا العمر لكي يصاب بالنسيان، فيفهم الناس بأنّهم لا يملكون شيئاً من أنفسهم.

4- لقد بحثنا بشكل مفصل موضوع فلسفة الإِختلاف في الإِستعدادات والفوائد الناتجة عن ذلك في ذيل الآية (32) من سورة النساء ـ فيراجع.

5- وفي هذه الحال يجب أن لا تكون «حفدة» معطوفة على «بنين» بل على «أزواجاً»، ولكنّ هذا العطف خلاف الظاهر الذي يشير إِلى عطفها على «بنين» ـ فتأمل.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات