المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تعقير الفلفل
2024-12-03
التوزيع الجغرافي لمعدل الضغط الجوي السنوي Annual Pressure Distribution
2024-12-03
توزيع الضغط الجوي في شهر كانون الثانيThe Pressure Distribution in January
2024-12-03
صفات جودة ثمار الفلفل
2024-12-03
الرياح العامة General Wind
2024-12-03
تناقص الحرارة الذاتي Laps Rate
2024-12-03



أخلاق محمود البارودي  
  
3404   01:30 صباحاً   التاريخ: 16-12-2019
المؤلف : عمر الدسوقي
الكتاب أو المصدر : في الأدب الحديث
الجزء والصفحة : ص :178-182ج1
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015 1053
التاريخ: 16-12-2019 1082
التاريخ: 15-12-2019 731
التاريخ: 24-03-2015 1061

 

أخلاق محمود البارودي:
شبَّ معتدًّا بحسبه ونسبه، وفي عصرٍ ساد فيه جنسه، وتبوأ أبناء جلدته من الجراكسة والأتراك أسمى مناصب الدولة، ثم تزوَّد من فنون الجندية، ونُشِّئَ تنشئةً عسكريةً, فكان لهذه النشأة وهذا الحسب تأثير عميق في أخلاق البارودي، ولكن الزمن قد حوَّرَ في هذه الأخلاق, ومن يدرس شعره دراسة فاحصٍ مدققٍ يستطيع أن يتبين هذا التغيير أو التحوير في أخلاق البارودي, مجاراةً لزمنه, وعادات الناس الذين يخالطهم إن طوعًا وإن كرهًا, بيد أن كثيرًا من صفات الشباب التي اعتدَّ بها لازمته حتى مماته، ولم تتبدل ولم تتأثر بعوامل الزمن، ومحن الناس.
كان البارودي في صباه متوثب العزيمة، واسع الآمال, عزوفًا عن الملاهي, يود أن يعتلي ذروة المجد قفزًا:
لهج بالحروب لا يألف الخفض ... ولا يصحب الفتاة الرداحا
مسعر للوغى أخو غدوات ... تجعل الأرض مأتمًا وصياحا
لا يرى عاتبًا على شيم الدهر ... ولا عابثًا ولا مزَّاحا
يفعل الفعلة التي تبهر الناس ... وترنو لها العيون طموحا
وظلت نغمة المجد تتردد على أسلة لسانه أنشودةً حلوةً، وكان في نفسه شيءٌ يود تحقيقه ويرجو نيله، ويسعى سعيًا حثيثًا، ولكنه لم يصرح به.
وبي ظمأ لم يبلغ الماء ريه ... وفي النفس أمرٌ ليس يدركه الجهد
أود، وما ود أمرئ نافعًا له ... وإن كان ذا عقلٍ إذا لم يكن جد
وما بي من فقر لدنيا وإنما ... طلاب العلا مجد، وإن كان لي مجد
وما أن عضته الحوادث عضةً داميةً، ونكأه الزمان نكأةً قاسية، حتى تطأمن في مطلبه وقال:
وكن وسطًا، لا مشرئبًّا إلى السها ... ولا قناعًا يبغي التزلف بالصُّغر

(1/178)

وقال:
يود الفتى ما لا يكون طماعة ... ولم يدر أن الدهر بالناس قلب
ولو علم الإنسان ما فيه نفعه ... لأبصر ما يأتي وما يتجنب
ولكنها الأقدار تجري بحكمها ... علينا، وأمر الغيب سر محجب
نظن بأنا قادرون وإننا ... نقاد كما قيد الجنيب ونصحب
وإذا كان في صباه قد عزف عن النساء جدًّا منه وتزمتًا، وأبى اللهو والمجانة حتى لا ينصرف عن طلب العلا، فإن الشباب والجاه والمال قد غير نظرته إلى الحياة، وبات ذلك الفارس الذي يدل بشبابه وجاهه على الحسان، ويجري وراء اللهو، ويعب الخمر عبًّا، ويتصيد مجالس الأنس والسمر، ويقول:
ودعني من ذكر الوقار فإنني ... على سرف من بغضة الحلماء
فما العيش إلّا ساعة سوف تنقضي ... وذا الدهر فينا مولع برماء
ويقول:
لو حذر المرء كل لائمة ... لضاع منه الصواب والرشد
ولو أصخنا لكل منتقد ... فكل شيء في الدهر منتقد
واله بما شئت قبل مندمة ... يكثر فيها العناء والكمد
فليس بعد الشباب مقترح ... ولا وراء المشيب مفتقد
ومن أي شيء يخشى؟ وعلام ينتقده الناس؟ ينتقدونه على أنه ممتلئ بالحياة، مستهين بالتقاليد والعادات.
فرحنا نجر الذيل تيهًا لمنزل ... به لأخي اللذات واللهو ملعب
مسارح سكري، ومربض فاتك ... ومخدع أكواب به الخمر تسكب

(1/179)

أما الدين فله في النفس حرمته ولكن:
إذا ما قضينا واجب الدين حقه ... فليس علينا في الخلاعة من عذر
أجل لقد صار فارسًا مرحًا ينهل من اللذات ويعل.
فطورًا لفرسان الصباح مطارد ... وطورًا لإخوان الصفاء سمير
ويا رب حيٍّ قد صبحت بغارة ... تكاد لها شم الجبال تمور
وليل جمعت اللهو فيه بغادة ... لها نظرة تسدي الهوى وتنير
عقلنا به ماند عن كل صبوة ... وطرنا مع اللذات حيث تطير
أما أخلاقه الطبيعية: فكان كثير الافتخار بها يرددها مرارًا في شعره, فهو مخلص في صداقته:
واختبرني تجد صديقًا حميمًا ... لم تغير ودادوه الأهواء
صادقًا في الذي يقول وإن ضاقت ... عليه برحبها الدهناء
أما الوداد فهو يرعاه، ويعد ذلك من كرم الأصل:
ليس يرعى حق الوداد ولا ... يذكر عهدًا إلّا كريم النصاب
ولابد أن يتجلى أثر الوداد القلبيّ في أعمال الإنسان، وإلّا كان ودادًا كاذبًا:
وإنَّ وداد القلب ما لم يكن له ... دليلٌ على إخلاصه لمريب
وكان عالي الهمة, يمثل لك في شعره الفروسية والنجدة، والإباء والأنفة، فيقول:
إذا لم يكن إلّا المعيشة مطلب ... فكل زهيدٍ يمسك النفس جابر
من العار أن يرضى الدنية ماجد ... ويقبل مكذوب المنى وهو صاغر
إذا كنت تخشى كل شيء من الردى ... فكل الذي في الكون للنفس ضائر
ويقول:
ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب
إذا أنا لم أعط المكارم حقها ... فلا عزني خال، ولا ضمني أب
خلقت عيوفًا لا أرى لابن حرة ... عليَّ يدًا أغضي لها حين يغضب

(1/180)

أما جوده: فطالما تغنَّى به في شعره؛ وحث الناس على الجود، ووضع من شأن المال والتباهي به فيقول:
فلا تحسبنَّ المال ينفع ربه ... إذا هو لم تحمد قراه العشائر
فقد يستجم المال والمجد غائب ... وقد لا يكون المال والمجد حاضر
ولو أن أسباب السيادة بالغنى ... لكاثر رب الفضل بمال تاجر
ويقول:
وجد بما ملكت كفاك من نشب ... فالجود كالبأس يحمي العرض والنسبا
ولا يقعد البطل الصنديد عن كرم ... من جاد بالنفس لم يبخل بما كسبا
وكان يتمدح بصراحته وشجاعته، فهو لا يسكت عن القبيح وإلّا عُدَّ منافقًا، وإذا كان الإنسان على ثقةٍ من أمره، ونفسه حرة, وهو شجاعٌ, فعلام يغضي على القذى, أو لا يصارح الناس بعيوبهم علهم يصلحونها؟
أنا لا أقرُّ على القبيح مهابةً ... إن القرار على القبيح نفاق
قلبي على ثقةٍ ونفسي حرة ... تأبى الدني، وصارمي ذلاق
فعلام يخشى المرء فرقة روحه ... أو ليس عاقبة الحياة فراق؟
لا خير في عيش الجبان يحوطه ... من جانبيه الذل والإملاق
عابوا عليّ حميتي ونكايتي ... والنار ليس يعيبها الإحراق
ولكننا نرى البارودي كثيرًا ما ينصح بمداراة الناس، ودفع القسر باللين, والغضب بالحلم, وقد صوَّر جملةً من صفاته ومداراته الناس، ومودته لأصدقائه ووفائه لهم في قوله:

(1/181)

ملكت يدي عن كل سوءٍ ومنطقي ... فعشت بريء النفس من دنس العذر
وأحسنت ظني بالصديق وربما ... لقيت عدوي بالطلاقة والبشر
فأصبحت مأثور الخلال محببًا ... إلى الناس مرضيّ السريرة والجهر
إذا شئت أن تحيا سعيدًا فلا تكن ... لدودًا، ولا تدفع يد اللين بالقسر
ولا تحتقر ذا فاقةٍ فلربما ... لقيت به شهمًا يبذ على المثري
ولا تعترف بالذل في طلب الغنى ... فإن الغنى في الذل شر من الفقر
ودار الذي ترجو وتخشى وداده ... وكان من مودات القلوب على حذر
ويقول في غير هذا الموضع:
مداراة الرجال وطئًا ... على الإنسان من حرب الفساد
يعيش المرء محبوبًا إذا ما ... نحا في سيره قصد السداد
ولعل لتجاربه الكثيرة أثرًا في إملائه هذا النصح، وتحوله من الصراحة إلى المدارة, وإذا كانت الحياة قد علمته كيف يداري الناس، ويكون منهم على حذر، فإنها قد علمته كذلك أن المرح والحياة الصاخبة باللذات تورث الأسقام والعلل:
ولقد جريت مع الغواية والصبا ... جري الكميت وللغرام سباق
ولبست هذا الدهر من أطرافه ... ونزعته وقميصه أخلاق
فإذا الشباب وديعة وإذا الفتى ... هدى لفاغرة المنون يساق
هذا هو البارودي كما صور نفسه في شعره، وإذا كان صادقًا في تصويره، ولا نحسبه إلّا كذلك، فالأخلاق التي تغنَّى بها تبعث في النفس الإكبار والإعجاب.

(1/182)

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.