الفيزيو قراط (الطبيعيين)

وهي المرحلة التي تلت مرحلة التجاريين وظهرت في فرنسا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر 1758م على يد المفكر فرانسو كيناي وقد اعتمدت نظريته على الجدول الاقتصادي ، كما وانها استندت في التحليل على التدفقات بدل من الكميات حيث تمكنوا من تأسيس مدرسة باسلوب مختلف ومبدع وكانت تنادي بالرجوع الى الطبيعة ولها مبادئ واسس رصينة بمفهوم حديث للثروة⁽¹⁾ .

وقد نبذ الفيزيوقراط القوانين الوضعية التي وضعها كولبيرت من خلال اكراه الفلاحين واجبارهم على ترك الزراعة والتوجه الى المصانع وعمل مراكز تدريب مهنية لتدريب العمال والفلاحين لاعدادهم للانتاج الصناعي ، وسميت هذه المرحلة بالفيزيوقراط وتعني الطبيعيين وقد ظهرت كرد فعل لما عمله المركنتاليين الفرنسيين (كولبيرت) وقد أعطت المدرسة الفيزيوقراطية دفعة قوية لظهور المذهب الحر عندما اشار كتابها الى ضرورة تحديد دور الدولة⁽²⁾ .

مؤهلات قيام المذهب الفيزيوقراطي

ان الامكانيات الهائلة والقدرة الكبيرة المتواجدة في فرنسا لم يحالف قادتها الحظ في استغلالها كما حصل في انكلترا حيث ان سياسة المركنتالية أخذت على عاتقها وبقيادة كولبيرت انتهاج اسلوب السياسة الصناعية في فرنسا ولم يحالفه الحظ وتركت آثار على مختلف المستويات فعلى المستوى الاقتصادي خرج النشاط الزراعي عن الانتاج وبقي له دور هامشي (الحاجة المحلية) ووقع ضحية متعمدة من كولبيرت لحساب البضاعة ثم لم تطبق النظم لتسير التجارة والصناعة كما ينبغي وبهذا الامر يمكن القول تقلص النشاط الزراعي بشكل مفتعل ، ووقع ضحية متعمدة لحساب الصناعة⁽³⁾ فجَر ذلك الى انخفاض سعر المنتجات الزراعية والى اهمال العدد الكبير من الاراضي المزروعة وتعرقلت هجرة العمال الزراعيين نحو المدن وزادت الجمارك الداخلية واصبح تداول الحبوب يقتصر على التجارة الداخلية بين المدن في الداخل واصبحت الانظمة الموضوعة غير مرضية مثل تقييد الاجور من الصناعيين وامور كثيرة لتسير البلاد نحو التطور ، اما من الناحية الفكرية فقد برزت الكثير من الآراء التي ترفض هذه الامور وتميل نحو التحرر وكان الشارع الفرنسي متقبل لما هو جديد نتيجة الوعي الذي يسود المجتمع الفرنسي وتواجد الافكار الحرة التي تتقبل الجديد وحاول فلاسفة الحقوق الطبيعية تفسير الافكار الجديدة وفق المبادئ العامة المنبثقة من الطبيعة الانسانية ورأى مونتسكيو وكوندارسه امكان تطبيق مجتمع متماشي مع القوانين الطبيعية فاقتبس الطبيعيون من هذه الآراء منهجاً فطبقوه وكان زعيمهم طبيب شرح مذهبه بمقالة عن الجدول الاقتصادي ونشرها عام 1758م فتحلق حوله المركيز ميرابو 1749-1791م ^(*) (وهو ابو خطيب الثورة الفرنسية المشهور والذي يحمل اللقب نفسه) فباركه في ذلك المفكرين الفرنسيين وطبقت مبادئه المذهبية على السياسة الاقتصادية وتزعم المذهب الطبيعي كما تزعم قبله كولبيرت التجاريين في فرنسا فبسّط آراء الطبيعيين وجعلها أكثر فهماً وتقبلاً ⁽⁴⁾.

وبموجب هذه المعطيات ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر طائفة من الكتاب كان معظمهم من اصحاب الاراضي الواسعة ، وقد كون هؤلاء طبقة جديدة من الرأسماليين الزراعيين ، وشن هجوماً عنيفاً على السياسات التجارية الكولبيرتية ونادوا بالعودة الى الطبيعة وانتهجوا افكار جديدة اعطت الأهمية الكبيرة للزراعة وعدوها الاساس في التقدم الاقتصادي ، لقد تطورت الآراء الطبيعية مع توركوت واصبحت تسمى بالمدرسة الكلاسيكية الفرنسية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1ـ وسام الملاك ، تكور الفكر الاقتصادي ، مصدر سابق ، ص111-115 .

2ـ عبد علي كاظم المعموري ، تاريخ الافكار الاقتصادية ، ج2 ، مصدر سابق ، ص4 . 

3ـ جوزيف لاجوجي ، المذاهب الاقتصادية ، ترجمة ممدوح حقي ، مصدر سابق ، ص19 .

* - اونوريه جابرييل ريكويتي المعروف بالكونت ميرابو ثوري فرنسي وسياسي وخطيب الثورة الفرنسية .

4ـ  وسام الملاك ، تطور الفكر الاقتصادي ، مصدر سابق ، ص97 .